التوكيل الرسمى العام والتوكيل الخاص
Contents
التوكيل الرسمى العام هو وكالة خاصة
التوكيل الرسمي العام هو وكالة خاصة وفقا للمفهوم السائد
يسود الاعتقاد لدى الناس بشأن الوكالة العامة والوكالة الخاصة أن الوكالة الخاصة هي التي يكلف فيها الوكيل بمهمة معينة ، هي القيام بتصرف قانوني واحد لصالح الموكل ، كالتوكيل في بيع منزل معين أو سيارة بذاتها أو توكيل المحامي في قضية معينة ، بحيث تنتهي الوكالة بمجرد قيام الوكيل بإنجاز هذه المهمة أما الوكالة العامة فهي التي يفوض فيها الوكيل بالقيام بكافة أو جل التصرفات القانونية اللازمة للموكل ، وبصفة مستمرة والذي رسخ هذا الاعتقاد في الأذهان هو ما يحدث عملاً بشأن الوكالة، خاصة الوكالة العادية المدنية ، حيث تصدر مكاتب التوثيق التابعة لمصلحة الشهر العقاري لأصحاب الشأن في هذا الخصوص ، وبناء على طلبهم .
إما توكيلاً خاصاً في تصرف قانوني واحد ، وإما توكيلاً عاماً ، وذلك في صورة نماذج مطبوعة والتوكيل العام ، والذي يسمى عملاً بـ “توكيل رسمي عام” أو “توكيل عام يشمل تقريباً كافة التصرفات القانونية التي يحتاجها الشخص في تسيير شئون أمواله وما يتطلبه ذلك من معاملات مالية مع الغير حيث يذكر فيه أن الموكل قد وكل عنه شخصاً معيناً في القيام بثلاث طوائف من التصرفات القانونية .
أولاً : القضايا وإجراءات التقاضي وما يتعلق بها
فيكون الوكيل مفوضاً القضايا التي ترفع من الموكل أو عليه أمام جميع المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها ، بما يشمل المرافعة والمدافعة وتسلم جميع الأحكام وتنفيذها ،،،
وكذلك الصلح والإقرار والطعن بالتزوير وفي تقارير الخبراء وطلب تحليف اليمين الحاسمة وردها وقبولها ، والطعن في الأحكام بالاستئناف وبالنقض ، وغير ذلك مما تقتضيه إجراءات التقاضي . وللوكيل أن يوكل غيره نيابة عنه في كل أو بعض هذه الأعمال .
ولكن يلاحظ أن الوكيل غير المحامي لا يجوز له القيام بهذه الأعمال بنفسه، وإنما يجب أن يكون محامياً مقيداً بجداول المحامين في نقابتهم ؛ حيث تقضي المادة 3 من قانون المحاماة المصري رقم 17 لسنة ١٩٨٣ بأنه
” لا يجوز لغير المحامين الحضور عن ذوي الشأن أمام المحاكم والدفاع عنهم في الدعاوى التي ترفع منهم أو عليهم والقيام بأعمال المرافعات والإجراءات القضائية المتصلة بذلك . علماً بأن المحامي يصدر له توكيل خاص به يسمى “توكيل في القضايا” ، عاماً كان أو خاصاً ” .
ومع ذلك يجوز للوكيل العادي بموجب التوكيل العام أن يوكل محامياً عن موكله في قضية معينة عندما يستلزم الأمر ذلك .
ثانياً : أعمال الإدارة
فيكون للوكيل الحق أيضاً في إدارة أموال موكله العقارية والمنقولة ، وفي تأجيرها واستئجارها وتحرير عقود الإيجار الخاصة بها وتحصيل أو دفع المبالغ الناتجة عن هذه الإيجارات وإعطاء الإيصالات والمخالصات وفي فسخ عقود الإيجار أو التنازل عنها ،،،
وكذلك في إقامة المباني وإزالتها وطلب الترخيص لذلك واستلامه والتعاقد مع مقاولين لترميمها ، وفي تصدير واستيراد وتسلم وشحن البضائع والمنقولات والآلات وغيرها وتمثيل الموكل أمام الجمارك والموانئ ، وفي الارتهان والتأمين والادخار وصرف المرتبات والمعاشات ، وغير ذلك من أعمال الإدارة والحفظ .
ثالثاً : أعمال التصرف
وكذلك يكون للوكيل الحق في البيع والشراء والرهن والشطب والبدل والمقايضة والهبة والقسمة والفرز والتجنيب وإشهار الإرث وإنهاء الوقف وفي أخذ حق الامتياز وشطبه سواء بالنسبة للأطيان الزراعية أو العقارات المبنية أو الأراضي الفضاء وكل ثابت ومنقول ، والتوقيع على كافة أنواع العقود الابتدائية أو النهائية ،،،،
وفي دفع وقبض الأثمان وباقيها وأخذ وإعطاء المخالصات، وفي جميع التصرفات الناقلة للملكية أو المقيدة لها ، وفي شراء السيارات وبيعها أباً كان نوعها واستخراج رخصها وتجديدها ودفع الرسوم والتأمينات وكافة إجراءات المرور والتوقيع على العقود والأوراق الخاصة بذلك . وللوكيل أن يوكل من يشاء في كل أو بعض ما ذكر .
ويعتقد الكثيرون أن التوكيل الرسمي العام هو مجرد وكالة عامة بالمفهوم القانوني السابق ذكره ، وذلك نظراً لتسميته بالتوكيل العام ، وما دام أن الوكالة العامة طبقاً للقانون لا تخول الوكيل سوى القيام بأعمال الإدارة ، ولا تمكنه من القيام بأعمال التصرف إلا تلك الأعمال التي تقتضيها الإدارة ،،،،
فإن معنى ذلك أن الوكيل الذي منحه موكله توكيلاً رسمياً عاماً لا يستطيع التصرف في أموال موكله ، إلا إذا كان هذا التصرف مما تستلزمه إدارة هذه الأموال ، كبيع محصول الأرض أو السلع التجارية في المتجر أو منتجات المصنع ، أو شراء أسمدة وبذور للأرض أو قطع غيار للسيارة، وغير ذلك .
ولهذا ففي مجال الرهن مثلاً يتصور البعض أنه ما دام أن الرهن بالنسبة للراهن يعد من أعمال التصرف ، فإنه يجب أن تكون لدى وكيل الراهن وكالة خاصة ، أي توكيل خاص يخول الوكيل رهن مال معين بالذات من أموال موكله ، ولا يكفي أن تكون معه وكالة عامة ، أي توكيل عام .
في حين أن الارتهان من جانب الدائن هو من أعمال الإدارة والحفظ ، ومن ثم يكفي أن تكون مع وكيل الدائن المرتهن وكالة عامة ، أي توكيل عام .
يبدو أن التوكيل الرسمي العام في الواقع ليس مجرد وكالة عامة في المفهوم فقها وقضاء والذي سبق بيانه ، بل هو يعد وفقاً لهذا المفهوم وكالة خاصة ، أو هو بالأحرى مجموعة وكالات خاصة ضمتها ورقة واحدة .
ذلك أن الوكالة العامة كما رأينا يقصد بها تلك الوكالة التي لا يحدد فيها الموكل نوع التصرف القانوني الذي فوض فيه الوكيل ، من بيع أو رهن أو إيجار أو غير ذلك ، وإنما يوكله بشكل مطلق في تولي شئونه المالية ، بأن يقول له مثلاً
وكلتك عني في جميع أعمالي” .
وهذه الوكالة لا تعطي للوكيل صفة إلا في أعمال الإدارة ، دون أعمال التصرف ، إذ يفترض أن الموكل لم يقصد بهذه الوكالة المطلقة لا تحديد سوى إدارة أمواله وحفظها فقط دون التصرف فيها .
أما الوكالة الخاصة ، فهي التي يحدد فيها الموكل للوكيل على الأقل نوع التصرف القانوني الذي يعهد به إليه ، وذلك ببيان أنه وكله في البيع أو في الإيجار أو في الرهن أو في التقاضي ، حتى ولو لم يعين له المال محل هذا التصرف على وجه التخصيص ، أي لم يعينه بذاته ، ما لم يكن التصرف من التبرعات ، كالهبة ، إذ يجب حينئذ تعيين المال المراد التبرع به .
فلو أن شخصاً قال لآخر فحسب : وكلتك عني “في البيع” ، دون أن يعين له المال الذي سيقوم ببيعه من أمواله ، أي لم يحدد له ما إذا كان سيبيع منزلاً معيناً للموكل أو سيارة بذاتها ،،،،
فإن ذلك يعد وكالة خاصة ، وهي وكالة في البيع بوجه عام ، بمعنى أن الوكيل يستطيع بموجب هذه الوكالة أن يبيع متى شاء أي مال من أموال موكله بحسب اختياره هو ، لا بل ويستطيع أن يبيع “جميع” ‘ أموال الموكل .
وكذلك الحال لو قال له : وكلتك عني في الإيجار أو في الرهن ، إذ أن بإمكان الوكيل حينئذ أن يؤجر أو يرهن بعض أو كل أموال الموكل .
.
ولما كان التوكيل الرسمي العام تذكر فيه أنواع محددة من التصرفات القانونية المخولة للوكيل ، حيث يذكر الموكل فيه أنه وكل الأخير في البيع والشراء والرهن والإيجار والاستئجار وغير ذلك من التصرفات ، فإن هذا التوكيل يعد وكالة خاصة بشأن كل تصرف قانوني ورد فيه ، سواء كان هذا التصرف من أعمال التصرف أو من أعمال الإدارة ، رغم أن هذه التصرفات قد وردت جميعها في ورقة واحدة .
إذ أنه لا يشترط ـ كما رأينا من قبل ـ أن تقتصر الوكالة الخاصة على تصرف قانوني واحد ، وإن كان هذا يحدث كثيراً ، كالتوكيل في بيع منزل معين فقط ، وإنما يجوز أن تشتمل الوكالة الخاصة على العديد من التصرفات القانونية المحددة ،
وبذلك تتعدد الوكالات الخاصة بتعدد هذه التصرفات ، حتى وإن كانت تضمنها جميعا ورقة واحده .
وفي ذلك قضت محكمة النقض المصرية بأن “الوكالة الخاصة تحدد بعمل أو أعمال قانونية معينة ، وترد على أعمال التصرف وأعمال الإدارة على السواء .
كما قضت بأنه “إذا كان الإقرار الصادر من الوكيل أمام القضاء منطويا على تصرف قانونى فى النزول عن حق فأنه يعد عملا من أعمال التصرف الذى يتعين أن يصدر بها توكيل خاص أو أن يرد ضمن توكيل رسمى عام ينص فيه صراحة على هذا التفويض”
ونظراً لاعتبار التوكيل الرسمى العام بمثابة وكالة خاصة ، ولكونه يتضمن الوكالة في البيع والشراء والرهن وغير ذلك من أعمال التصرف ، فضلاً من الوكالة في أعمال الإدارة كالإيجار والارتهان ونحوه ، فإنه يجوز للوكيل الذي بحوزته هذا التوكيل أن يتصرف كيفما يشاء في أموال موكله إما بعضها أو حتى كلها ،،،،
وذلك بالبيع أو بالشراء أو بالرهن أو بالإقراض وغيرها من أوجه التصرف ، فيما عدا التبرع بها ، حتى ولو كان هذا التصرف ليس بغرض الإدارة الحسنة لأموال الموكل ، أي ليس مما تقتضية أعمال الإدارة ، فهو يستطيع بيع الشيء نفسه وليس فقط ثماره ومنتجاته ، کبيع منزل الموكل أو مزرعته أو محله التجاري ،،،،
بل والأدهى من ذلك – كما قلنا مراراً .أنه يستطيع بيع كافة أموال موكله ، كما يستطيع أن يشتري ما يشاء للموكل، وذلك كله بحسب هواه ومشيئته وفي الوقت الذي يحدده هو ، وبدون الرجوع إلى الموكل مسبقاً ولو لمجرد العلم على الأقل ، بحيث يصبح الموكل تحت رحمة وكيله .
رغم أن ذلك مما لا يرضى به الموكل غالباً ولم يدر بخلده . فليس هذا بالطبع هو مقصده الحقيقي من هذا التوكيل ، وإنما هو يقصد به فحسب مجرد إدارة أمواله ، وذلك باستغلالها واستثمارها والمحافظة عليها دون التصرف فيها هي
بذاتها
التوكيل الرسمى العام هو وكالة خاصة
تعرفنا فيما سبق على المفهوم السائد للوكالة العامة والوكالة الخاصة ، والذي يترتب عليه اعتبار التوكيل الرسمي العام وكالة خاصة تجيز للوكيل أن يتصرف في أموال الموكل ، بعضها أو كلها ، بالبيع وغيره من أوجه التصرف ،،،
ولا شك أن هذا المفهوم لا يمكن قبوله لما ينطوي عليه من غموض والتباس، ولمجافاته للمنطق والواقع والمقصد الحقيقي من الوكالة ، ولما يترتب عليه من نتائج خطيرة تتمثل في تسهيل استيلاء الوكيل على أموال موكله بدون وجه حق ، أو التصرف فيها بدون ضابط أو رقيب ، مما يدخل في نفوس الناس القلق وعدم الثقة في الوكالة بصفة عامة ،
الأمر الذي ينال من قيمتها ودورها الذي يجب أن تضطلع به في تسيير المعاملات وتسهيلها ولهذا فسوف نحاول فيما يلي تقويم هذا المفهوم بما يتفق مع المفهوم الحقيقي الذي يرتضيه المتعاملون ويتمشى مع صحيح القانون ، وذلك ببيان أوجه النقد التي توجه لهذا المفهوم ، والمفهوم الذي نقترحه للوكالة العامة والوكالة الخاصة ، لننتهي أخيراً إلى ضرورة اعتبار التوكيل الرسمي العام وكالة عامة . وذلك على النحو التالي
أوجه النقد للمفهوم السائد للوكالة العامة والوكالة الخاصة
رأينا آنفاً أن الوكالة العامة وفقاً للمفهوم المتبع في الفقه والقضاء هي الوكالة التي لا تحدد نوع التصرف القانوني المعهود به إلى الوكيل ، بل تأتي في ألفاظ عامة مجردة من التحديد وخالية من التوصيف ، كتفويض الوكيل في تولي شئون الموكل، وهي لا تصلح إلا لأعمال الإدارة ، فلا تخول الوكيل التصرف في أموال الموكل إلا إذا كان هذا التصرف مما تستلزمه الإدارة .
أما الوكالة الخاصة ، فهي التي تحدد على الأقل نوع التصرف أو التصرفات القانونية التي سيتولاها الوكيل ، حتى ولو لم تعين المال الذي سيرد عليه التصرف على وجه التخصيص ، فيما عدا التبرعات ، بحيث يكفي أن يقول الموكل لوكيله مثلاً “وكلتك في البيع” ، دون تعيين المال الذي يمكنه بيعه ،،،،
وهي تجيز للوكيل التصرف في أموال موكله بحسب نوع التصرف الوارد فيها ، من بيع أو شراء أو رهن أو صلح وغير ذلك . وبالتالي فإن التوكيل الرسمي العام يعتبر لذلك من قبيل الوكالة الخاصة ، إذ هو يتضمن تخويل الوكيل القيام بهذه التصرفات ، مع ذكر أنواعها صراحة .
والواقع أن هذا المفهوم في شقيه هو عرضة للنقد من أوجه عدة ، نجملها فيما يلي
1- إن مفهوم الوكالة العامة والوكالة الخاصة بهذا المعني هو مفهوم غامض ويثير اللبس في الأذهان ، إذ يعتقد الناس أصحاب الشأن أن الوكالة العامة هي التي تخول الوكيل القيام بمعظم التصرفات القانونية اللازمة لتسيير شئون موكله وهو ما يصدق في مخيلتهم على التوكيل الرسمي العام .
أما الوكالة الخاصة فهي التي تكلف الوكيل بمهمة محددة ، هي القيام بتصرف معين بخصوص مال محدد من أموال الموكل ، كالتوكيل في بيع منزل معين . في حين أن الوكالة العامة وفقاً لهذا المفهوم هي التي تكلف الوكيل بمجرد تولي أعمال أو شئون موكله دون تحديد لطبيعة العمل الذي يقوم به .
والوكالة الخاصة هي التي تحدد للوكيل نوع التصرف القانوني الذي سيقوم به ، سواء اقتصرت على تصرف واحد أو اشتملت على عدة تصرفات.
ومن ثم فإن التوكيل الرسمي العام ، والذي يتصور الكثيرون من عامة الناس أنه مجرد وكالة عامة لا تخول الوكيل صفة إلا في أعمال الإدارة ، كما يقضي القانون بشأن هذه الوكالة ، هو في حقيقته وكالة خاصة تجيز للوكيل أن يتصرف كيفما يشاء في أموال موكله ، رغم أنه يسمى بالتوكيل العام .
2- كما أن الوكالة العامة بهذا المفهوم ، والتي تقتصر على مجرد قول الموكل لوكيله “وكلتك في شئوني” ، هي وكالة نادرة الحدوث في الحياة العملية في الوقت أنه لا الراهن .
فإذا كان من المتصور حدوث مثل هذه الوكالة في الماضي . ، حيث كانت المعاملات قليلة وبسيطة فليس من المتصور حدوثها الآن في ظل معاملات مالية تتسم بالدقة والتعقيد ؛ إذ ليس من المقبول عملاً أن تكون الوكالة بهذا الاقتضاب والإيجاز ، كما أن المتعاملين مع الوكيل لن يقبلوا بمثل هكذا وكالة ، حتى ولو كانت فقط في أعمال الإدارة بل لابد وأن تحدد في الوكالة السلطات المخولة للوكيل .
3- والأهم من ذلك ، هو يصح أن تكون الوكالة ، لاسيما الوكالة الخاصة ، خالية من تحديد المال الذي يجوز للوكيل التصرف فيه بالبيع أو بالرهن أو بغيره ، والاكتفاء في ذلك بتحديد نوع التصرف القانوني المكلف به الوكيل، بحيث يجوز للوكيل التصرف في أي مال من أموال موكله أو في جميع أمواله .
ذلك أن الوكالة هي “عقد” طبقاً لنص المادة 699 من القانون المدني ، ومن ثم فإنها تخضع للقواعد العامة التي تنطبق على سائر العقود فيما يتعلق بتعيين محل التزام الوكيل ، ولا يصح الاقتصار في ذلك على النصوص الواردة بشأن الوكالة، لأنه من المسلم به أن نصوص القانون يفسر بعضها بعضاً ، وأن النص لا يمكن تفسيره بمعزل عن بقية النصوص .
وطبقاً للقواعد العامة ، فإنه يجب أن يكون محل التزام المتعاقد معيناً أو قابلاً للتعيين ، وإلا كان العقد باطلاً فإذا لم يكن المحل معيناً ، فيكفي أن يشتمل العقد على العناصر اللازمة للنهوض بهذا التعيين .
وفي ذلك تنص المادة 133 من القانون المدني ، بخصوص الالتزام بنقل حق عيني على شيء ، على أنه
“1- إذا لم يكن محل الالتزام معيناً بذاته ، وجب أن يكون معيناً بنوعه ومقداره ، وإلا كان العقد باطلاً .
2- ويكفي أن يكون المحل معيناً بنوعه فقط إذا تضمن العقد ما يستطاع به تعيين مقداره ومعنى ذلك يجب تعيين محل الالتزام بوجه عام ، سواء كان محله نقل حق عيني علي شي أو كان محله عملاً أو امتناعاً عن عمل ، فإذا كان محل الالتزام عملاً أو امتناعاً عمل ، وجب أن يكون العمل أو الامتناع معيناً أو قابلاً للتعيين .
ولا ريب أن محل التزام الوكيل في عقد الوكالة هو التزام بعمل ، يتمثل في قيامه بإنجاز تصرف قانوني ما لحساب الموكل . حيث تقضي المادة ٦٩٩ مدني والسابق ذكرها ، بأن “الوكالة عقد بمقتضاه يلتزم الوكيل بأن يقوم بعمل قانون لحساب الموكل” . ولهذا فإنه يجب أن يكون العمل الذي التزم به الوكيل معينا أو على الأقل قابلاً للتعيين .
ولا يكفي في تعيين العمل مجرد تعيين نوعه ، بل يجب فوق ذلك تعيين ما يرد عليه هذا العمل . فالمقاول مثلاً يلتزم هو الآخر بالقيام بعمل لحساب شخص آخر لقاء أجر (م 646 مدني) ، وإن كان عمل المقاول ـ كما قلنا سابقاً ـ هو عمل مادي ، بخلاف عمل الوكيل الذي هو عمل قانوني ،،،
وهذا العمل الذي يقوم به المقاول قد يكون تشييد بناء أو نقل أشياء أو أشخاص أو إجراء عملية جراحية وغير ذلك . ولا يكفي في تعيين عمل المقاول مجرد تعيين نوع هذا العمل ، بأن يقال مثلاً أنه يلتزم بالبناء الحساب رب العمل ، وإنما لابد من تعيين الشيء الذي سيقوم ببنائه ، كمنزل للسكنى بمواصفات معينة ، أو أن يكون هذا البناء قابلاً
للتعيين على الأقل ، كما في حالة الاتفاق على إقامة مستشفى يتسع من الأسرة .
أما إذا اقتصر الاتفاق على أن يلتزم المقاول بإقامة بناء ، دون أن يعين أي نوع من البناء هو ، فلا يقوم الالتزام ولا ينعقد العقد ، لأن الالتزام على محل كهذا في حكم المعدوم . وهذا ما أكده الفقهاء صراحة .
وقياساً على المقاولة ، فإن المفروض ألا تكتفي الوكالة هي الأخرى على مجرد تعيين نوع التصرف القانوني المعهود به إلى الوكيل ، بل يجب أيضاً أن تعين المال الذي يرد عليه هذا التصرف ، أو أن يكون هذا المال قابلاً للتعيين على الأقل .
لاسيما في الوكالة الخاصة التي تجيز للوكيل التصرف في مال الموكل ، نظراً لخطورة هذه الوكالة . فلو أراد شخص توكيل شخص آخر في البيع ، فيجب أن يعين له المال الذي سيقوم ببيعه ، كمنزل معين أو سيارة بذاتها ، أو أن يبين في الوكالة ما يجعل هذا المال قابلاً للتعيين ،،،،
كأن يقول له “وكلتك في بيع منزلي الكائن في مدينة كذا” ، وليس له سوى منزل واحد في هذه المدينة . أما لو اكتفي بالقول للوكيل “وكلتك في البيع” ، فإن محل التزام الوكيل يكون حينئذ غير معين تعييناً كافياً وغير قابل للتعيين ؛ إذ ما الذي سيقوم الوكيل ببيعه حينئذ ؟
ولا يصح القول بأن الوكيل في هذه الحالة هو الذي يحدد المال الذي يقوم ببيعه من أموال موكله ، لأنه لا يجوز ترك تعيين المحل لإرادة أحد المتعاقدين المحضة ، وإلا أصبح المتعاقد الآخر تحت رحمته ، إذ سيكون بإمكان الوكيل حينئذ أن يبيع أي مال من أموال الموكل بحسب مشيئته وهواه وفي الوقت الذي يحدده هو ، حتى ولو كان الموكل لا يرغب في ذلك ، بل ويستطيع بيع جميع أموال موكله رغماً وهو ما لا يمكن قبوله .
وهذا الرأي الذي نقول به لا يتعارض في تقديرنا مع نص المادة ٢/٧٠٢ من القانون المدني ، والذي يقضي كما ذكرنا من قبل بأن “الوكالة الخاصة في نوع معين من أنواع الأعمال القانونية تصح ولو لم يعين محل هذا العمل على وجه
التخصيص ، إلا إذا كان العمل من التبرعات” ؛
وذلك لأن هذا النص لم يقل فقط إن الوكالة الخاصة تصح متى عين فيها نوع العمل ـ أي التصرف ـ القانوني، ولو لم يعين محل هذا العمل” ، بل قال إنها تصح ولو لم يعين محل هذا العمل “على وجه التخصيص” . ومعلوم أن تعيين المحل وفقاً للقواعد العامة إما أن يكون بتعيين الشيء بذاته تعييناً دقيقاً ، وإما ببيان ما يجعل هذا الشيء قابلاً للتعيين على الأقل ،،،
المهم أن يكون المحل معيناً تعييناً نافياً للجهالة الفاحشة ، أي مانعاً من أن يختلط بغيره . وتعيين المحل على وجه التخصيص يكون بتعيينه بذاته تعييناً دقيقاً وتفصيلياً ، فلا يكفي أن يكون قابلاً للتعيين . فالأصل إذن في تعيين المحل
وفقاً للقواعد العامة أنه يكفي أن يكون هذا المحل قابلاً للتعيين ،
وذلك ما لم يشترط القانون صراحة في حالة من الحالات ، وخلافاً لهذا الأصل ، ضرورة أن يكون المحل معيناً على وجه التخصيص ، وليس قابلاً للتعيين فحسب . وذلك كما هو في الرهن الرسمي ، حيث اشترط المشرع المصري أن يكون العقار المرهون معيناً على وجه التخصيص ، وهو ما يعرف بـ “تخصيص الرهن” ،،،
فقد نصت المادة 2/1035 من القانون المدني على أنه “يجب أن يكون العقار المرهون .. معيناً بالذات تعييناً دقيقاً من حيث طبيعته وموقعه” .
وعلى هذا فإن نص المادة 2/702 مدني عندما يقضي بأن الوكالة الخاصة تصح متى عين فيها نوع العمل القانوني
“ولو لم يعين محل هذا العمل على وجه التخصيص ، إلا إذا كان العمل من التبرعات” ، فإنه يستفاد من ذلك أنه يكفي في الوكالة الخاصة أن يكون محل التصرف القانوني ـ أي المال الذي يرد عليه ـ قابلاً للتعيين ، طبقاً للقواعد العامة ، حتى ولو لم يعين هذا المحل على وجه التخصيص.
واستثناء من ذلك ، فإنه إذا كان التصرف من التبرعات ، كالهبة ، وجب حينئذ أن يكون محل التصرف معيناً على وجه التخصيص ، فلا يكفى أن يكون قابلاً للتعيين . فهذا النص إذن وإن كان لا يستلزم تعيين المال محل التصرف على وجه
التخصيص ، فيما عدا التبرعات ، إلا أنه لا يستبعد ضرورة أن يكون هذا المال قابلاً للتعيين على الأقل طبقاً للقواعد العامة .
ومعنى ذلك أنه لا يكفى في الوكالة الخاصة مجرد تعيين نوع التصرف القانوني المكلف به الوكيل ، من بيع أو شراء أو رهن وغيره ، بل يجب أيضاً أن يكون المال الذي سيرد عليه هذا التصرف معيناً هو الآخر ، أو أن يكون كحد أدنى
قابلاً للتعيين بما تنتفي معه الجهالة الفاحشة ، فيما عدا التبرعات التي يجب أن يكون المال الواردة عليه معينا على وجه التخصيص وهذا التفسير هو ما يوفق بين هذا النص والقواعد العامة التي يجب عدم إغفالها هنا .
أما إذا لم تعين الوكالة المال محل التصرف القانوني بهذا الشكل ، بل اقتصرت على ذكر نوع التصرف بلفظ عام ، كما في التوكيل الرسمي العام الذي يذكر أن للوكيل الحق في البيع والشراء والرهن ونحوه ، دون أن يكون المال الذي ترد عليه هذه التصرفات معينا ولا قابلاً للتعيين ، فإن هذا الوكالة لا تكون وكالة خاصة، وإنما يمكن اعتبارها وكالة عامة وفقاً لحكم المادة 1/701 مدني ،،،،
شأنها في ذلك أن الوكالة التي لا تعين المال محل التصرف ولا حتى نوع التصرف الحاصل فيه التوكيل ، كالوكالة التي تقول فقط “وكلتك في شئوني” ، وذلك نظراً لورودها هي الأخرى في ألفاظ عامة ، حيث تذكر نوع التصرف بوجه عام دون أن تعين المال الذي يشمله هذا التصرف .
4- وفضلاً عن ذلك ، فإن الوكالة التي تحيز للوكيل التصرف في مال الموكل كيفما يشاء من بيع وشراء وغير ذلك ، كما في التوكيل الرسمي العام ، تنطوي على غرر منهي عنه شرعاً ؛ لأن الموكل لا يعرف مقدماً ما الذي سيقوم الوكيل بالتصرف فيه من أمواله ، ولا الوقت الذي سيحدث فيه ذلك ، وهذا لا يصح لما فيه من عظيم الضرر .
وفي ذلك يقول ابن قدامة : ولا تصح الوكالة إلا في تصرف معلوم ، فإن قال: وكلتك في كل شيء ، أو في كل قليل وكثير ، أو في كل تصرف يجوز لي، أو في كل ما لي التصرف فيه لم يصح ، وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي . ولنا:
أن في هذا غرراً عظيماً وخطراً كبيراً ، وإن قال: اشتر لي ما شئت لم يصح ، لأنه قد يشتري ما لا يقدر على ثمنه ، وإذا قال: بع ما شئت من مالي لم يجز ، وإن قال: من عبيدي جاز ، لأنه محصور بالجنس .
وبالتالي لا يجوز أن تكون الوكالة في التصرف في مال الموكل مبهمة وخالية من التحديد أو التوصيف ، بل يجب أن تعين للوكيل المال الذي يمكنه التصرف فيه دونما لبس أو غموض ، وذلك منعاً من الإضرار بالموكل
المفهوم المقترح للوكالة العامة والخاصة
تبين لنا ما سبق أن الوكالة التي تغير للوكيل التصرف في أموال الموكل يجب أن تعين للوكيل المال الذي يمكنه التصرف فيه ، أو أن يكون هذا المال قابلا للتعيين على الأقل ، وذلك طبقا للقواعد العامة ، أما الوكالة التي تخول الوكيل مجرد تولي إدارة هذه الأموال ، فيكفى أن ترد بألفاظ عامة لا تحديد فيها ، وعلى ذلك فإننا يمكن أن نعرف التوكيل الرسمى العام والتوكيل الخاص على النحو التالي
الوكالة العامة
الوكالة العامة . في تقديرنا – هي تلك الوكالة التي ترد في ألفاظ عامة مطلقة لا تحديد فيها للمال الذي يرد عليه التصرف القانوني الحاصل فيه التوكيل ، أو لنوع هذا التصرف ، وهي لا تخول الوكيل صفة إلا في أعمال الإدارة ، فلا تجيز له القيام بأعمال التصرف ، إلا تلك الأعمال التي تقتضيها الإدارة .
فالوكالة العامة لا تخصص للوكيل مهمة محددة بدائها ، بل هي تطلق يده بوجه عام لتولي الشئون المالية للموكل والمحافظة عليها ، ومن ثم فإن المقصود منها هو مجرد قيام الوكيل بأعمال الإدارة والحفظ لأموال موكله .
وعلى ذلك فإن الوكالة تعد وكالة عامة إذا اقتصرت على تفويض الوكيل في تولى شئون موكله بصفة مطلقة ، دون أن تعين المال الذي تنصب عليه الوكالة من أموال الموكل ، ولا حتى نوع التصرف القانوني المخول للوكيل ،
وذلك كالوكالة التي يقول فيها الموكل للوكيل كما رأينا من قبل “وكلتك في شئوني” ، أو “وكلتك في تولي جميع أعمالي” ، وإن كان ينبغي إبطال هذه الوكالة ، نظراً لندرة اللجوء إليها في الوقت الحالي .
ولعدم إمكانية الاعتراف بها من الغير عملاً ، فضلاً عن افتقارها إلى أبسط مظاهر التعيين لالتزام الوكيل ، حيث إنها لا تعين حتى نوع التصرف القانوني الذي سيقوم به الأخير ، وهو ما يتعارض مع القواعد العامة التي توجب أن يكون محل الالتزام معيناً أو قابلا للتعيين على الأقل كما بينا .
ذلك ينبغي أن تعتبر وكالة عامة تلك الوكالة التي تذكر بوجه عام نوع الف أو التصرفات القانونية المعهود بها إلى الوكيل ، دون أن تعين المال الذي ترد عليه هذه التصرفات ، بل ولا يتين منها ما يجعل هذا المال قابلاً للتعيين .
وذلك كالوكالة التي يوكل فيها شخص شخصاً آخر في البيع أو في الشراء أو في الرهن، بدون تحديد المال الذي سيقوم الوكيل بيعه أو بشرائه أو برهنه . إذ أن مثل هذه الوكالة عامة في الفاظها وخالية من التحديد ، فهي وإن بينت نوع التصرف القانونى الحاصل فيه التوكيل ، إلا أنها لم تعين حدود هذا التصرف ونطاقه ، بل جعلته مطلقا من كل قيد ،
وهو ما يجعل سلطات الوكيل هي الأخرى سلطات مطلقة لا حدود الماء الأمر الذي يمثل خطرا كبيراً على الموكل وقد قلنا إن أعمال التصرف من بيع وشراء ورهن وتبرع وغير ذلك لابد لها من وكالة خاصة ، ورأينا أنه يحب في الوكالة الخاصة طبقاً للقواعد العامة، ووفقا للسياق نص المادة ٢/٧٠٢ مالي ،
فضلاً عن تعيين نوع التصرف ، أن يكون سال الوارد عليه التصرف معين على وجه التخصيص أو قابلاً للتعيين ، فيما عدا المال الوارد عليه التصرف معيناً على وجه التخصيص أو قابلا للتعيين فيما عدا التبرعات التى يجب أن يكون فيها المال معينا على وجهه التخصيص وهذه الوكالة تفتقر إلى هذا الشرط .
فهي لا تعين المال محل التصرف على وجه الخصوص ، ولا تجعله حتى قابلا للتعيين ، ومن ثم فإنها لا تعد وكالة خاصة في التصرف ، وإنما تعتبر فحسب وكالة عامة في الإدارة ، بمعنى أن الوكيل بهكذا وكالة لا يجوز له أن يتصرف في أموال موكله بالبيع والشراء والرهن ونحو ذلك ، وإنما يمكنه أن يقوم بكافة التصرفات على سبيل الإدارة تحسب كما سترى .
ولا شك أن ذلك يتفق كثيرا مع قصد المشرع ، الذي تطلب صراحة ضرورة توافر وكالة خاصة في كل عمل من أعمال التصرف ، بل وذكر بالاسم أهم هذه الأعمال ، كالبيع والرسم والتبرعات والصلح (م ١/٧٠٢ مدني) ؛ وذلك بغية
حماية الموكل ، نظرا لخطورة أعمال التصرف التي من شأنها أن تؤدي إلى إخراج المال نهائيا من ذمته إلى الغير ، كالبيع والهبة ، بل والرهن ، أو تقيد من ملكيته لهذا المال، كإعطاء الغير عليه حق إنتفاع أو ارتفاق .
وذلك بالمقارنة بأعمال الإدارة التي تهدف فحسب إلى استغلال المال وصيانته مع بقائه على ملك الموكل . بل إن القانون لم يجز للوكيل وكالة عامة أن يقوم بالتأجير لمدة تزيد على ثلاث سنوات ، رغم أن التأجير من أعمال الإدارة ، وإنما اشترط لذلك وكالة خاصة (م ۲/۷٠١ مدني) ومن باب أولى فإن التصرف في مال الموكل بالبيع والرهن وغيره يحتاج إلى وكالة خاصة تعين المال الذي سيتم التصرف فيه من أموال الموكل
الوكالة الخاصة
أما الوكالة الخاصة فهي ـ وفقاً لتقديرنا ـ تلك الوكالة التي تفوض الوكيل في مهمة محددة ، فتكلفه بالقيام بتصرف قانوني معين لحساب الموكل ، وتعين له المال الذي سيرد عليه هذا التصرف ، وذلك إما على وجه التخصيص أو ببيان ما يجعله قابلا للتعيين على الأقل بشكل تنتفي معه الجهالة الفاحشة ، إلا إذا كان التصرف من التبرعات ، فيجب أن يكون هذا المال معيناً على وجه التخصيص. وهي لازمة في كل عمل من أعمال التصرف .
فالوكالة الخاصة إذن يجب أن تكون بخصوص مهمة واحدة بذاتها ، وذلك في تصرف قانوني معين ، وبشأن مال معين من أموال الموكل ، ولا يجوز للوكيل التصرف في أي مال من أموال موكله إلا عن طريق وكالة خاصة بهذا الشكل
.
والمقصود بالمال هنا هو بطبيعة الحال المال نفسه ، كالمنزل والمتجر والمصنع والمزرعة والسيارة الخاصة ، وليس مجرد ما يغله المال من ثمار أو يتولد عنه من منتجات، كمحصول المزرعة ومنتجات المصنع ، فهذه يجوز التصرف فيها بالوكالة العامة ، أما التصرف في المال أو الشيء نفسه فيحتاج إلى وكالة خاصة .
فإذا أراد شخص أن يبيع منزله أو أرضه أو مصنعه أو سيارته عن طريق وكيل ، فلابد أن يصدر للوكيل وكالة خاصة في هذا الأمر ، يبين فيها ما الذي يريد بيعه . وذلك بتعيينه تعييناً دقيقاً ، أي على وجه التخصيص ، كأن يقول مثلاً:
“وكلتك في بيع منزلي رقم … بشارع … بمدينة … بمحافظة …” ، أو “وكلتك في بيع سيارتي رقم … ماركة موديل … بموتور رقم … وشاسيه رقم …” ، أو أن يذكر في الوكالة ما يجعل المال المراد بيعه قابلاً للتعيين على الأقل ، بأن يقول مثلاً : “وكلتك في بيع أرضي الموجودة في مدينة كذا” ، ولم تكن له في هذه المدينة أرض سواها .
وكذلك الحال في الرهن ، إذا يجب أن يصدر الموكل بشأنه وكالة خاصة للوكيل يعين فيها المال الذي يود رهنه من أمواله . بل وأيضاً في شراء الأشياء الهامة ، كشراء منزل أو سيارة أو قطعة أرض ، فلابد من وكالة خاصة
يحدد فيها الموكل الشيء الذي يرغب في شرائه ويبين مواصفاته .
أما في التبرعات ، كالهبة والإبراء من الدين ، فيجب ، فضلاً عن صدور وكالة خاصة للوكيل بشأن كل تبرع على حدة ، أن يعين الموكل المال المراد التبرع به تعييناً دقيقاً ، أي على وجه التخصيص ، فلا يكفي أن يكون هذا المال قابلاً
للتعيين .
كأن يذكر أنه وكله في هبة قطعة أرض معينة أو مبلغاً معيناً من النقود أو كذا أردباً من القمح من نوع معين ، أو أنه وكله في إبراء مدين معين من دين معين له في ذمته . وذلك لأن التبرعات أشد خطورة من المعاوضات ، إذ أنها
تؤدي إلى إخراج المال من ذمة صاحبه إلى الغير بدون مقابل ، أما في المعاوضات، كالبيع ، فإن المال ينتقل إلى الغير بمقابل .
وإذا كانت الوكالة الخاصة لازمة لأعمال التصرف ، إلا أنها يمكن أن تحدث بشأن عمل معين من أعمال الإدارة ،كتوكيل شخص في تأجير شقة معينة .
والواقع أن الوكالة الخاصة ، والتي تقتصر على مهمة محددة تتمثل في قيام الوكيل بتصرف قانوني معين في مال بذاته ، هي التي يتم اللجوء إليها عادة بشأن التصرف في أموال الموكل في الدول المتقدمة ، كفرنسا على سبيل المثال .
حيث لا يفضل الناس إصدار توكيل عام للوكيل في هذا الخصوص ، بل يقوم الشخص غالباً بعمل وكالة خاصة في كل حالة على حدة .
وفي حالة البيع مثلاً ، فإن الموكل يحدد للوكيل الشيء الذي يرغب في بيعه بالتفصيل ، بل ويضع له حداً أدنى للثمن لا ينزل عنه ، والمدة التي ينبغي إنجاز مهمته فيها .
وبالتالي فإن الوكالة الخاصة في هذه الدول هي الأصل في مجال التعامل بالوكالة ، أي هي التي تستخدم غالباً .
أما الوكالة العامة فهي استثناء قلما يتم اللجوء إليه .
ضرورة اعتبار التوكيل الرسمي العام وكالة عامة
وبناء على ما تقدم ، فإنه لا يصح اعتبار التوكيل الرسمي العام وكالة خاصة تجيز للوكيل التصرف في أموال موكله كيفما يشاء ، كما يقضي بذلك المفهوم السائد سابق الذكر ، بل ينبغي اعتبار هذا التوكيل مجرد وكالة عامة ، لا تخول الوكيل صفة إلا في أعمال الإدارة ، بحيث لا يمكنه القيام بأي عمل من أعمال التصرف الواردة فيه ، إلا إذا كان هذا العمل مما تقتضيه الإدارة .
ولعل سائلاً يسأل : وما فائدة ألفاظ البيع والشراء والرهن وغيرها من أعمال التصرف الواردة في هذا التوكيل طالما لا يستطيع الوكيل القيام بها ؟ وبرغم وجاهة هذا السؤال ، فإن عدم نفع هذه الألفاظ يكمن في تركيبها وفي بنيتها ، حيث إنها جاءت مجردة من التحديد وخالية من التوصيف ، وهذا الإطلاق الذي اعترى هذه الألفاظ جعلها مبهمة ، طالما لم تنسب إلى محلها ،،،،
ولذا فإنها مع هذا الإطلاق تعد ألفاظاً عامة لا تصلح للقيام بأعمال التصرف ، وإنما تصلح للأعمال العامة بعمومها ، أي الأعمال التي تستلزمها الإدارة العامة لأموال الموكل .
وقد أوضح لنا المشرع أن أعمال الإدارة لا تقتصر على أعمال الإدارة العادية كالإيجار واستيفاء الحقوق ووفاء الديون وأعمال الحفظ والصيانة ، بل يدخل فيها أيضاً كل عمل أعمال التصرف تقتضيه الإدارة ، كبيع المحصول وبيع البضاعة والمنقول الذي يسرع إليه التلف ، وشراء ما يستلزم الشيء محل الوكالة من أدوات لحفظه ولاستغلاله (م ۲/۷۰۱ مدني) .
ففي هذا المجال من أعمال التصرف حصراً تكمن فائدة ألفاظ التصرفات القانونية العامة الواردة في التوكيل الرسمي العام . بمعنى أنه لا يحق للوكيل الذي بحوزته هذا التوكيل أن يبيع الشيء نفسه محل الوكالة ، كالمنزل والأرض الزراعية والمتجر والمصنع ، وإنما له فقط أن يبيع ما ينتجه هذا الشيء ، كما لا يحق له رد هذا الشيء ذاته ، ولكن يمكنه رهن محصوله وثمراته ، وهكذا .
وكذلك لا يجوز الوكيل أن يشتري إلا الأشياء اللازمة لاستغلال الشيء وصيانته ، كبذور وسماد للأرض وقطع غيار للسيارة ومواد خام للمصنع وبضاعة للمحل . وكما لا يمكنه بيع مال معين من أموال الموكل ، فلا يمكنه من باب أولى أن يبيع جميع هذه الأموال .
كما أننا قد رأينا من قبل أنه وفقاً للقواعد العامة في تعيين محل الالتزام في العقود ، والذي يستفاد أيضاً من سياق نص المادة ٢/٧٠٢ مدنى بشأن الوكالة الخاصة ، أنه لا يكفي في هذه الوكالة مجرد تعيين نوع التصرف القانوني المفوض فيه الوكيل .
بل يجب أيضاً أن يكون المال الذي يرد عليه هذا التصرف معيناً أو قابلاً للتعيين على الأقل ، فيما عدا التبرعات التي ينبغي أن يكون فيها هذا المال معيناً على وجه التخصيص .
ومعلوم أن التوكيل الرسمي العام لا يتوافر فيه هذا الشرط ، فهو دائماً ما يحدد فحسب أنواع التصرفات القانونية المخول فيها الوكيل دون أن يعين المال الذي ينصب عليه التصرف ،،،،
بل ولا يتضمن ما يجعل هذا المال قابلاً للتعيين ، وإنما هو يذكر التصرف على إطلاقه ، كتفويض الوكيل في البيع بوجه عام أو في الشراء أو في الرهن ، بما يوحي بأن الوكيل يمكنه القيام بذلك على أي مال من أموال الموكل ، بل وعلى كل أمواله ، وذلك بحسب تقديره هو ومشيئته، وهذا ما ينفي عن هذا التوكيل صفة الوكالة الخاصة .
والواقع أن ذلك أن ذلك يتفق تماماً مع المقصد الحقيقي للموكل من هذا التوكيل، فهو لا يقصد به بالطبع أن يقوم الوكيل ببيع أمواله كلها أو بعضها أو أن يرهنها أو يتبرع بها للغير ، وإنما هو يقصد غالباً مجرد قيام الوكيل بإدارة أمواله وصيانتها والمحافظة عليها نظراً لانشغاله أو غيابه أو عدم خبرته الذي يحول دون قيامه هو بذلك بنفسه .
ولا يصح القول بأن الموكل قد ذكر في هذا التوكيل صراحة أن من حق الوكيل أن يقوم بالبيع بما يعني أنه صرح له ببيع أي مال من أمواله أو بيع جميع هذه الأموال ؛ إذ من المسلم به في تفسير العقد أن العبرة بالمقاصد والمعاني ، لا بالألفاظ والمباني ، ومن ثم ينبغي عند تفسير عبارات العقد عدم التقيد بالمعنى الحرفي للألفاظ ، وإنما يجب البحث عن مقصد المتعاقدين منها .
وفي ذلك تنص المادة 2/١50 مدني على أنه “أما إذا كان هناك محل لتفسير العقد ، فيجب البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين ، دون الوقوف عند المعنى الحرفي للألفاظ ، مع الاستهداء في ذلك بطبيعة التعامل ، وبما ينبغي أن يتوافر من أمانة وثقة بين المتعاقدين ، وفقاً للعرف الجاري في المعاملات” .
وقد أشرنا أن لفظ البيع مثلاً الوارد في هذا التوكيل لا يقصد به الموكل البتة أن يقوم الوكيل ببيع أي مال يختاره هو من أمواله أو حتى بيع جميع أمر الله ، لأنه لو كان يقصد هذا المعنى المكر ذلك صراحة في التوكيل بأن يقول الوكيل : “وكلتك في بيع أي مال تختاره من أموالي” ، أو “وكلتك في بيع كل أموالي” ، ولكنه لم يفعل .
ولو كان يجوز للوكيل بموجب لفظ البيع أن يبيع أموال موكله كلها أو بعضها لجاز له أيضا بموجب لفظ الشراء الوارد فى هذا التوكيل أن يشترى أى شئ للموكل مهما كان ثمنه ولو كان الموكل لا يرغب فيه وهو ما لا يقبله عقل ولا منطق
والحقيقه أن المقصود من هذه الالفاظ هو مجرد بيع ما يغله الشئ كمحصول الارض أو بضاعة المتجر أو منتجات المصنع أو بيع الاشياء البسيطة التى يستغنى عنها الموكل وشراء ما يلزم لادارة الاموال والمحافظة عليها أو شراء الاحتياجات اليومية من طعام وشراب وغير ذلك .
والدليل على هذا أن كافة نماذج التوكيل الرسمي العام تتضمن لفظ “الهبة”، وبالرغم من ذلك فإن هذا اللفظ لا يعتد به على إطلاقه طبقاً لصريح نص القانون إذ أن الهبة من التبرعات ، وقد رأينا أن المادة ۲/٧٠٢ مدني تقضي بعدم جواز الوكالة في التبرعات إلا إذا كان المال المراد التبرع به معيناً على وجه التخصيص ، أي أن يعين في الوكالة بذاته تعييناً دقيقاً ، وهو ما لا يحدث .
وبالتالي فإن الوكيل لا يستطيع تحب هذا التوكيل أن يهب للغير أي مال من أموال موكله ولا هبة كل أمواله من باب أولى ، رغم أن الموكل قد حوله في الهبة .
ومع ذلك فإن الوكيل يمكنه بهذا التوكيل أن يقوم ببعض التبرعات البسيطة التي تستوجبها إدارة أموال موكله ، كتقديم منح أو هدايا بسيطة للعمال لتشجيعهم على العمل ، أو دفع صدقة أو زكاة نيابة عن موكله عندما يطلب منه ذلك .
كما أنه من المسلم به أنه عندما تكون ألفاظ العقد محل شك ، نظراً لما يكتنفها من الغموض وعدم الوضوح ، بحيث إنها تحتمل أكثر من معنى ، فإنه يجب في هذه الحالة أن يفسر الشك في مصلحة المدين (م١/١٥١ مدني) ، أي الشخص الذي يضار من اللفظ الذي يجري تفسيره ، وهو هنا الموكل . وألفاظ لبيع والشراء والرهن والهبة وغيرها من أعمال التصرف الواردة في التوكيل الرسمي العام ألفاظ غامضة ؛
إذ أنها لا تدل بذاتها على حقيقة المقصود منها ، فلا يعرف صرح ما إذا كانت تعني التصرف بالبيع واغيره في أموال المودل كلها أو بعضها ام فورد القيام هذه التصرفات لعرض إدارة وحفظ هذه الأموال وليس التصرف فيها ذائها ، ولا مراء أن المعنى الأول مثل خطراً كبيراً على الموكل و يهدده بعظيم الضرر ،
لأن من شأنه أن يجرد الموكل من أمواله أو ينتقص منها ، في حين أنه كان بيني استثمار أمواله والمحافظة عليها ليس إلا ، وبالتالي فإن المعنى الثاني هو الذى الاخذ به بحيث يقتصر التوكيل الرسمى العام على تخويل الوكيل فى القيام فحسب بأعمال الادارة والحفظ لآموال موكله .
وإذا كان التوكيل فى الحياة العلمية يكون غير محدد المدة بحيث إنه لا ينتهى إلا بموت الموكل أو الوكيل أو بقيام الموكل وإبلاغه بذلك كتابة ، فإنه من الأفضل أن يكون هذا التوكيل لمدة محددة ، ولتكن خمس سنوات ، ينتهى بعدها تلقائيا ، ما لم يجدد صراحة لمدة أخرى , ذلك أن هذا التوكيل يمنحه الشخص عادة إما لزوجه أو لأحد أقربائه أو أصدقائه .
ولهذا فإن المانع الأدبي يحول بينه وبين إنهاء التوكيل حتى ولو كان يرغب في ذلك بشدة ، وذلك خوفاً من إفساد العلاقة مع الوكيل ، لأن هذا الإماء يفسر غالباً على الربية وانعدام الثقة في الوكيل ، ومن ثم فإن جعل التوكيل ينتهي تلقائياً بعد مدة معينة يرفع الحرج من الموكل .
ولا شك أن ما نقول به من ضرورة اعتبار التوكيل الرسمي العام مجرد وكالة عامة ، تسمح للوكيل بالقيام بأعمال الإدارة فقط وليس بأعمال التصرف ، من شانه أن يحمى الموكل من تعسف الوكيل وتحكمه ، فلا يحاول الأخير الإضرار
بأموال موكله ، أو أن يتخذ من هذا التوكيل ذريعة للاستيلاء على هذه الأموال بدون وجه حقى .
كما أنه يزيل اللبس الحاصل بشأن طبيعة هذا التوكيل في الحياة العملية ، بحيث يكون اسمه كتوكيل عام متفقاً مع معناه ، وهو الأمر الذي يبعث الثقة والطمأنينة في نفوس المتعاملين ، ويعظم من دور الوكالة بوجه عام في المعاونة على إجراء المعاملات المالية لحساب الغير وتسهيلها ، بما يعود في النهاية بالنفع والنماء على المجتمع بأسره .