جرائم الشكوى فى القانون المصري
Contents
الشكوى
ماهي الشكوى
يقصد بالشكوى – اصطلاحا – البلاغ الذي يقدمه المجني عليه إلى السلطة المختصة (النيابة العامة أو مأمور الضبط القضائي) طالبا تحريك الدعوى الجنائية في الجرائم التي تتوقف فيه حرية النيابة العامة في هذا التحريك علـــى تـــوافر هـذا الإجراء.
ولم يحرص قانون الإجراءات الجنائية على إعطاء هذا الاصطلاح معناه المحدد، فاستعمله في أغراض أخرى، فنجده في المادة ۲۸ إجراءات ينص على أن الشكوى غير المصحوبة بالادعاء المدني تعد من قبيل التبليغات.
وخروجا على المفهوم التقليدي للشكوى نص قانون الطفل الصادر بالقانون ٩٦ منه إجراء قبل الطفل المنحرف إذا كان سيء السلوك ومارقا من سلطة أبيه أو وليه أو وصيه أو من سلطة أمه في حالة وفاة وليه أو غيابه أو عدم أهليته، ولو كان من إجراءات الاستدلال – إلا بناء على شكوى من أبيه أو وليه أو وصيه أو أمه على حسب الأحوال. فلا تقبل من النيابة العامة الدعوى على الطفل بتهمة المروق من السلطة الأبوية دون الحصول على هذه الشكوى مسبقا.
لا يفوتك:جريمة خيانة الائتمان على ورقة ممضاه على بياض م 340 عقوبات
صفة الشاكي فى تقديم الشكوي
الشكوى حق للمجني عليه، وحده، وله أن يتقدم بها بنفسه أو بواسطة وكيل خاص بشأن الجريمة موضوع الشكوى. فلا يكفي لذلك مجرد الوكالة العامة. ومتي قدمت شكوى بتوكيل خاص أو من المجني عليه نفسه، فلا يشترط تمثيل الشاكي في التحقيق أو المحكمة بوكيل خاص.
ونتيجة لذلك ينقضي الحق في الشكوى بوفاة المجني عليه (المادة٧/١ إجراءات) فلا ينتقل إلى الورثة، ولو كـــان المجني عليه قد توفي قبل علمه بالجريمة. وإذا كان المجني عليه شخصا معنويا، فتقدم شكوى ممن يمثله قانونا.
وإذا تعدد المجني عليهم فيكفي أن تقدم من أحدهم (المادة 4 إجراءات)، لأن حق كل منهم قائم بذاته لا يتوقف على استعمال الآخرين لحقوقهم.
شكوي الزوج عن جريمة الزنا
وإذا اشترط القانون صفة معينة في المجني عليه وجب توافرها وقت تقدم الشكوى. وتطبيقا لذلك نصت المادتان ۲۷۳ و۲۷۷ عقوبات على عدم قبول الشكوى عن جريمة الزنا إلا من الزوج المجني عليه، فلو تم الطلاق فبـل تقـديم الشكوى انتفت صفة المجني عليه وسقط حقه فيها.
لكنه لا يشترط الاستمرار في هذه الصفة، فيكفي مجرد توافرها وقت تقديم شكوى، فإذا طلق الزوج زوجته بعد تقديم شكواه عن جريمة الزنا، فإن ذلك لا يمس آثارها القانونية ولا يحول دون صحة إجراءات استعمال الدعوى الجنائية.
وقد قضت محكمــة النقض بسقوط حق الزوج في الشكوى إذا كانت زوجته ترتكب الزنـــا بعلمــــه ورضاه، وذلك على أساس أن اشتراط الشكوى قصد به المحافظة على مصلحة العائلة وسمعتها وهو ما لا يتوافر في هذه الحالة.
وقد اشترط القانون أهلية إجرائية معينة في الشاكي لمباشرة الشكوى، وهي تمتعه بقواه العقلية، وأن يكون من مقدمها خمسة عشر عاما على الأقل.
وذلك لتحريك الدعوى الجنائية. وهو ما لا يشترط بالنسبة إلى البلاغ، فما يقدمه المجنون أو الصبي غير المميز من بلاغات تحقق أثرها في إخطار السلطة العامة بالجريمة، ولها أن تعتمد عليها في مباشرة ما تراه من إجراءات.
فإذا لم تتوافر هذه الأهلية الإجرائية في المجني عليه، يباشر ولي النفس نيابة عنه الحق في الشكوى إذا كانت الجريمة من جرائم النفس، أو الاعتبار كجرائم القذف والسب والزنا.
أما إذا كانت من جرائم الأموال – كالسرقة بــين الفروع والأصول والأزواج – فيجوز للوصي أو القيم أن يستعمل هذا الحق كذلك. فإذا تعارضت مصلحة المجني عليه مع مصلحة من يمثله فيما تقدم – قامت النيابة العامة مقامه (المادة ٦ إجراءات).
مثال ذلك أن تقع الجريمة على القاصر من الولي أو الوصي أو القيم وأن يكون أحدهم مسئولا عن الحقوق المدنية الناشئة عن الجريمة.
ومتى توافر هذان الشرطان (العقل وسن التمييز) جاز للمجني عليه أن يقدم شكوى، دون عيرة بما إذا كان سفيها أو مفلسا أو محكوما عليه بعقوبة جناية، ودون إخلال بعدم أهليته في الادعاء المدني عن الجريمة. وذلك لاختلاف أهلية الشاكي عن أهلية المدعي المدني.
من تقدم ضده الشكوى
يشترط في الشكوى توجيهها نحو شخص معين بالذات – سواء باسمه أو بصفته أو وظيفته – لتحريك الدعوى الجنائية قبله، فلا يكفي مجرد إبداء الرغبة في محاكمة الجاني إذا لم يكن معروفا لدى الشاكي. ويؤيد هذا الشرط أن مدة سقوط الحق في الشكوى هي ثلاثة شهور تبدأ من تاريخ علم الشاكي بالجريمة ومرتكبها.
وخلافا لذلك، لا يشترط في الطلب توجيهه ضد شخص معين، وقد قضت محكمة النقض أنه يكفي لصحة الطلب اشتماله على البيانات التي تحدد الجريمة ذاتها التي صدر من أجلها تحديدا كافيا دون اعتبار لشخص من يسفر التحقيق عن إسنادها إليه ورفع الدعوى عنها قبله. ولا يجوز قياس هذا المبدأ على الشكوى، لأن الحق في الطلب لا يسقط بمضي مدة معينة، ومن ثم فلا علاقة له بالعلم بالجاني الذي تبدأ به مدة سقوط الحق في الشكوى.
وإذا تعدد المتهمون فإنه يكفي مجرد تقديم شكوى ضد أحدهم حتى تعتبر مقدمة ضد الباقين (المادة ١٤ إجراءات). فلا يملك المجني عليه تجزئة شكوى ضد من يريد. فإذا قدم الشكوى ضد متهم معين ثم أسفر التحقيق عن متهمين آخرين معه كان للنيابة العامة أن تحرك الدعوى الجنائية ضدهم.
ويلاحظ أنه بالنسبة إلى جريمة الزنا، فإن المواد ۲۷۳ و ٢٧٤ و ٢٧٧ عقوبات والمادة 3 إجراءات – تفيد أن حق الزوج أو الزوجة) في شكوى يتعلق بزنـــا الزوجة (أو الزوج)، دون الشريك (أو الشريكة ) في الزنا،،،،
ومع ذلك فإنه بالنظر إلى أن جريمة الزنا واحدة والفضيحة المترتبة على إثارتها لا تتجزأ فـــإن حـــظ الشريك أو الشريكة يرتبط من قبيل القياس بحظ الزوجة أو الزوج الزاني، فلا يجوز للنيابة أن تحرك الدعوى الجنائية قبل الشريك (أو الزوجة) وحده، وإنما يتعين الانتظار حتى يقدم الشاكي شكواه ضد الزوجة الزانية (أو الزوج الزاني)، وإذا قدم شكواه فإن النيابة تسترد حريتها بالنسبة إلى الشريك.
المدة التي ينبغي تقديم الشكوى خلالها
أوجب القانون أن تقديم الشكوى خلال ثلاثة أشهر منذ يوم علم المجني عليه بالجريمة ومرتكبها ما لم ينص القانون على خلاف ذلك (المادة ٣/٢ إجراءات)، وإذا كانت الجريمة مستمرة أو متتابعة فإن مدة الثلاثة الأشهر تبدأ منذ يوم العلم بالجريمة ابتداء، فاستمرار الجريمة وتتابعها لا يعطي حقا في إطالة المدة ولا ينشئ جريمة جديدة تكسبه حقا في شكوى جديدة.
ولا يكفي مجرد العلم بالجريمة، بـــل يحسب الموعد منذ يوم العلم بالجاني أيضا. والمقصود هو العلم اليقيني. وتعد مدة الأشهر الثلاثة مدة سقوط يترتب انقضائها زوال الحق في الشكوى.
ولا عبرة بتاريخ التصرف في شكوى موضوع الجريمة، فلا تحسب مدة الثلاثة أشهر إلا منذ تاريخ علم المجني عليه بالجريمة وبمرتكبها ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.
الجهة التي تقدم إليها الشكوى
لصحة الشكوى يجب أن تقدم إلى النيابة العامة أو أحد مأموري الضبط الفضائي (المادة ٣ إجراءات). وأساس هذا الشرط أن الشكوى قد تؤدي إلى تحريك الدعوى الجنائية، وهو ما لا يتحقق إلا إذا قدمت إلى النيابة العامة بوصفها السلطة المختصة هذا الاجراء، أو إلى مأمور الضبط القضائي بوصفه السلطة التي محمد بإجراء الها لتحريك الدعوى الجنائية ،،،
وبناء على ذلك فلا تتوافر الشكوى برفع الدعوى المدنية على الجاني أمام المحكمة المدنية أو رفع دعوى اللعان أمام محكمة الأسرة والطفلي بإنكار نسب الطفل الذي ولدته الزوجة الزانية وقد ارتأت محكمة النقض أن رفع المحني عليه الدعوى الجنائية بالطريق المباشر أمام المحكمة الجنائية هو بمثابة شكوى مقدمة إلى جهة مختصة.
وهذا المبدأ يرتكز على قياس سليم يحسب أن تحديد الجهة المختصة بتلقي شكوى ينبني على قدر لها على تحريك الدعوى الجنائية أو التمهيد لذلك، وهو ما يتحقق بالفعل عند تحريك الدعوى الجنائية بالطريق المباشر. ولذلك يجوز تقديم شكوى إلى المحكمة عند نظرها إحدى الدعاوى إذا اشتملت على واقعة مملك فيها المحكمة تحريك الدعوى الجنائية في أحوال التصدي.
على أنه يشترط لذلك أن تعلن الدعوى المباشرة خلال مدة الثلاثة الأشهر المنصوص عليها في المادة الثالثة إجراءات لأن الدعوى المباشرة لا تعد مرفوعة أمام المحكمة إلا هذا الإعلان واستثناء مما تقدم، أجاز القانون للمجني عليه في حالة التلبس تقديم شكوى لمن يكون حاضرا من رجال السلطة العامة (المادة ٣٩ إجراءات).
شكل الشكوى
لم يشترط القانون شكلا معينا في الشكوى فيستوي أن تكون شفاهه أو كتابة، ويستوي أن تصدر بأي عبارة بشرط أن تدل على رغبة المجني عليه في تحريك الدعوى الجنائية قبل المتهم. والأصل أن تقديم الشكوى ينصرف إلى تحقيق هذا الغرض ما لم يدل المجني عليه بعبارات واضحة أنه لا تتجه إليه رغبته اكتفاء بالصلح أو أخذ التعهد أو مجازاته تأديبيا أو غير ذلك ويعد رفع الدعوى المباشرة بواسطة المدعي المدني شكلا من أشكال الشكوى،،،،
شريطة أن يكون المدعى المدني هو المجني عليه (المادة 3 إجراءات) ولم تطلب محكمة النقض أن تكون الدعوى المباشرة في هذه الحالة مرفوعة بتوكيل خاص كما تشترط (المادة ٣ إجراءات) حتى تعد بمثابة شكوى، وهو قضاء محل نظر.
الجرائم التي يتوقف فيها تحريك الدعوى على شكوى
نص قانون الإجراءات الجنائية (المادة ٣/١) وقانون العقوبات على هذه الجرائم، وذلك على النحو الآتي:
1- في قانون الإجراءات الجنائية:
جريمة سب موظف عام أو شخص ذي صفة نيابية عامة أو مكلف بخدمة عامة بسبب أداء الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة (المادة ١٨٥ عقوبات)، وجريمة زنا الزوجة (المادة ٢٧٢ عقوبات)، وزنا الزوج (المادة ۲۷۷ عقوبات)، وجريمة امتناع الوالدين أو الجدين عن تسليم الولد الصغير إلى من له الحق في طلبه بناء على قرار من جهة القضاء صادر بشأن حضانته أو حفظه، واختطاف أحدهم لأحد ممن له الحق في حضانته أو حفظه ( المادة ۲۹۲ عقوبات)،،،،
وجريمة الامتناع عن دفع النفقات الصاد ربها حكم قضائي واجب النفاذ (المادة ٣٠٦ عقوبات) ، وجريمة القذف والسب بطريق النشر إذا تضمنت طعنا في الأعراض أو خدشا لسمعة العائلات ( المادة ۳۰۸ عقوبات) .
وطبقا للمادة ٩/٢ من قانون الإجراءات الجنائية فأنه فى الجريمة المنصوص عليها في المادة ١٨٥ من قانون العقوبات وفى الجرائم المنصوص عليها في المواد ۳۰۲، ٣٠٦، ۳۰۷، ۳۰۸، من قانون العقوبات إذا كان المجني عليه موظفا عاما او شخصا ذا صفة نيابية عامة أو مكلفا بخدمة عامة وكان ارتكاب الجريمة بسبب اداء الوظيفة او النيابة او الخدمة العامة بمجرد اتخاذ اجراءات التحقيق فيها دون حاجة الى تقديم شكوى او طلب او اذن.
2- قانون العقوبات وما يكمله:
جريمة السرقة إضرارا بالزوج أو الأصل او الفرع (المادة ۳۱۲ عقوبات).
وقد قاست محكمة النقض على السرقة جرائم النصب وخيانة الأمانة والإتلاف.
ويلاحظ أن جميع الجرائم السابقة هي من قبيل الجنح، فإذا كانت السرقة بين الأصول والفروع جناية، فإنها تخرج عن نطاق جرائم الشكوى
التعدد بين الجرائم
لا صعوبة إذا كانت الجريمة واحدة وتعدد المجني عليهم أو تعدد المتهمون فيها، في هذه الحالة تعد الجريمة من حيث الشكوى وحدة لا تتجزأ. فيكفي مجرد تقديم الشكوى من أحد المجني عليهم حتى يرفع القيد الوارد على حرية النيابة العامة في تحريك الدعوى الجنائية. كما يكفي مجرد تقديمها ضد أحد المتهمين حتى يرفع هذا القيد بالنسبة لجميع المتهمين. وهذا هو ما سبق أن أوضحناه فيما تقدم.
إنما تثور الصعوبة إذا تعددت الجرائم، فهنا يتعين التمييز بين الارتباط البسيط والارتباط الذي لا يقبل التجزئة والتعدد الصوري بين الجرائم.
1 – في حالة الارتباط البسيط بين الجرائم
كمن يسب شخصا ثم يضربه فإن محال كل من الجريمتين مستقل عن الآخر، ولهذا فإن النيابة العامة تكون حرة في تحريك الدعوى الجنائية في الجريمة التي لا تتقيد فيها بالشكوى الضرب في المثال السابق)، دون انتظار لتقديم الشكوى في الجريمة الأخرى (السب).
2- في حالة الارتباط الذي لا يقبل التجزئة
كمن يزني بامرأة ثم يقتلها ليفر من عقوبة الزنا، ومن تزني مع الاعتياد على ممارسة الدعارة. الأصل أن القانون لا يعتد إلا بالجريمة ذات العقوبة الاشد، فهي وحدها التي يعاقب عليها الجاني، أما الجريمة ذات العقوبة الأخف فإنها تذوب بقوة الارتباط القانوني مع الجريمة ذات العقوبة الأشد على أن مناط هذا الارتباط أن تكون الجرائم المرتبطة قائمة
فإذا حكم بالبراءة عن إحدى الجريمتين فلا يؤثر هذا في معاقبة الجاني عن الجريمة الأخرى. وتطبيقا لذلك قضي أنه إذا انقضت الدعوى الجنائية عن إحدى الجريمتين لانقضاء الحق في الشكوى، فإن هذا لا يؤثر في معاقبة الجاني عن الجريمة الأخرى.
وفي المعنى نفسه قضى أن للنيابة العامة أن تمارس حقها في تحريك الدعوى الجنائية عن الجريمة ولو كانت مرتبطة بجريمة أخرى تخضع الدعوى الناشئة عنها لشكوى من المجني عليه ولو لم يقدم هذا الأخير شكواه بعد، ويستوي في ذلك أن تكون هذه الجريم هي ذات العقوبة الأشد أو كانت ذات العقوبة الأخف.
وقد ثار البحث حول إمكان معاقبة الزاني عن جريمة دخول منزل بقصد ارتكاب جريمة فيه. إذا كان الدخول إلى المنزل بقصد ارتكاب جريمة الزنا ولم تقع. وقد قضت محكمة النقض – بحق – بجواز معاقبة الجاني عن هذه الجريمة ولو لم تقدم الشكوى عن جريمة الزنا، نظرا لأن القانون لا يشترط للعقاب على دخول منزل بقصد ارتكاب جريمة أن يثبت نوع الجريمة التي احتواها الجاني لإثبات وقوعها فعلا.
ومن ثم، فلا يصلح دفاعا أن يدعي المتهم في جريمة دخول مترل بقصد ارتكاب جريمة فيه أن الزوج لم يقدم شكواه عن جريمة الزنا، فهو دفاع مردود بأن شكوى الزوج قيد واجب في حالة تمام الزنا وحده.
وبالتالي فإن تنازل الزوج قبل زوجته التي كان يراد الزنا بها لا أثر له في معاقبة المتهم بدخول منزل بقصد ارتكاب جريمة. ويسري المبدأ نفسه على جريمة الزنا المرتبطة بجريمة الاعتياد على ممارسة الدعارة فيجوز رفع الدعوى الجنائية عن الجريمة الأخيرة وحدها إذا لم يقدم المجني عليه الشكوى بالنسبة إلى جريم الزنا.
وقد حكم بأنه إذا كانت الجريمة مستقلة عن جريمة الزنا (الاشتراك في تزوير عقد زواج) فلا ضير على النيابة العامة إن هي باشرت حقها القانوني في الاتهام وحركت الدعوى الجنائية عن هذه الجريمة. كما يسري أيضا على جريمة القذف المرتبطة بجريمة البلاغ الكاذب، فيجوز رفع الدعوى الجنائية عن الجريمة الأخيرة وحدها إذا لم يقدم المجني عليه الشكوى بالنسبة إلى جريمة القذف.
3- في حالة التعدد الصوري
حيث يكون فعل واحد أكثر من جريمة في نظر القانون كمن يزني بامرأة علانية، فهو يرتكب جريمة الزنا وجريمة الفعل الفاضح معا. في هذه الحالة لا يوجد تعدد حقيقي بين الجرائم، وإنما يتوافر تعدد في الأوصاف وجريمة واحدة فقط هي ذات الوصف الأشد.
فإذا كانت الجريمة ذات العقوبة الأشد هي التي يشترط فيها تقديم شكوى – فإن انقضاء الدعوى الجنائية عن هذه الجريمة لسقوط الحق في الشكوى أو التنازل عن الشكوى بمس بطريق غير مباشر قابلية الفعل المكون لها للعقاب عليه، تطبيقا لمبدأ (لا عقوبة بغير دعوى جنائية) وبالتالي فلا محل للعقاب عليه تحت أي وصف آخر أخف فإنما يعاقب القانون على الأفعال لا على الأوصاف.
أثر تقديم الشكوى
يتعين التمييز بين الإجراءات السابقة على الشكوى والإجراءات اللاحقة عليها.
أولا: الإجراءات السابقة على الشكوى
يجوز اتخاذ كافة الإجراءات السابقة على تحريك الدعوى الجنائية دون تقديم الشكوى، وهي إجراءات الاستدلال.
ولا يجوز اتخاذ أي إجراء من إجراءات تحريك الدعوى الجنائية سواء مــــن أعمال الاتهام أو التحقيق قبل تقديم الشكوى. وتعد الدعوى الجنائية قد حركت إذا باشرت النيابة العامة التحقيق أو انتدبت له أحد مأموري الضبط القضائي.
وقد نصت المادة ٣٩ إجراءات على أنه لا يجوز القبض على المتهم إلا إذا صرح بالشكوى من يملك تقديمها. وقد أجازت محكمة النقض المأمور الضبط اتخاذ الإجراءات المقيدة للحرية (القبض وتفتيش الشخص) من تلقاء نفسه في الأحوال التي سمح بها القانون دون تقديم الطلب (وهو كالشكوى)، على أساس أنها تعد من إجراءات الاستدلال.
ويترتب على مخالفة هذا المبدأ عدم قبول الدعوى الجنائية، فإذا لم يتقرر هذا الجزاء الإجرائي فإن تحريك الدعوى الجنائية وكل الإجراءات المترتبة عليه تكون باطلة بطلانا متعلقا بالنظام العام. ولا يصحح هذا البطلان تقديم الشكوى أي عقب تحريك الدعوى الجنائية.
ويجوز الدفع هذا البطلان لأول مرة أمام محكمة النقض ما لم يكن محتاجا إلى تحقيق موضوعي فإنه في هذه الحالة يخرج عن اختصاصها.
وقد استثنى القانون من هذا المبدأ حالتين، هما
1- إذا كانت الجريمة من جرائم القذف أو السب الواقعة ضد موظف عام أو شخص ذي صفة نيابية عامة أو مكلف بخدمة عامة ووقعت عليه أثناء تأدية وظيفته أو بسببها. فقد أجازت المادة ٩/٢ إجراءات اتخاذ إجراءات التحقيق فيها دون حاجة إلى تقديم شكوى (أو طلب أو إذن)، وذلك خشية أن يترتب على التأخير في اتخاذ هذه الإجراءات إخلال بالأمن والنظام.
2- حالة التلبس بالجريمة. وهنا يلاحظ أن المشرع قد عير في صيغة الاستثناء على ما يعد تطبيقا للقاعدة العامة، وذلك فيما نص عليه في المادة ٣٩ إجراءات من، أنه (إذا كانت الجريمة المتلبس بها مما يتوقف رفع الدعوى عنها على شكوى فلا يجوز القبض على المتهم إلا إذا صرح بالشكوى من يملك تقديمها) وبمفهوم المخالفة يجوز في حالة التلبس اتخاذ إجراءات التحقيق غير الماسة بشخص المتم قبل تقديم الشكوى، كسماع الشهود وإجراء المعاينة بواسطة سلطة التحقيق.
وعلى خلاف ذلك وبصدد جريمة الزنا، اتجه رأي في الفقه إلى أنه لا يجوز اتخاذ أي إجراء من إجراءات التحقيق بشأنها في حالة التلبس وقبل تقديم الشكوى، لما لهذه الجريمة من طبيعة خاصة وما تقتضيه من تستر على فضيحة حين يحرص الزوج على تفاديها حرصا على سمعة الأسرة وكيالها. ورغم وجاهة هذا الرأي لكنه يحتاج إلى نص صريح يقرره.
ثانيا: الإجراءات اللاحقة على الشكوى
متى قدمت شكوى استردت النيابة العامة حريتها في تحريك الدعوى الجنائية، وجاز لها مباشرة كافة إجراءات الاتهام والتحقيق والمحاكمة، لكنها ليست ملزمة بتحريك الدعوى الجنائية أو رفعها أمام المحكمة فإن سلطتها في الملاءمة تسمح لها بعدم تحريك الدعوى الجنائية ،
وقد ترى بعد تحقيقها أن الأدلة غير كافية فتأمر بعدم وجود وجه لإقامتها ولا يقبل من الشاكي تجزئة شكواه، بأن يطلب مجرد التحقيق مع المتهم دون رفع الدعوى الجنائية عليه، ذلك أن غاية ما يطلب من الشاكي هو الإذن بتحريك الدعوى الجنائية، أما رفعها إلى المحكمة فهو من إطلاقات النيابة العامة دون قيد على أنه إذا لم ترفع النيابة العامة الدعوى الجنائية رغم تقديم الشكوى في الميعاد – للمجني عليه أن يلجأ إلى طريق الادعاء المباشر لأنه يكون قد حفظ حقه من السقوط بتقديم الشكوى في الميعاد القانوني،
وكما قالت محكمة النقض لا يصح أن يتحمل مغبة إهمال جهة التحقيق أو تباطئها. ولكن، ماذا لو كشف التحقيق عن وقائع أخرى يلزم تقديم شكوى عنها؟
لما كانت الدعوى الجنائية تبيح للمحكمة تكييف الواقعة بجميع أوصافها وتعديل التهمة بإضافة جميع الوقائع المرتبطة إلى الواقعة الأصلية حتى تأخذ وجه الاتهام الحقيقي – فإن الشكوى المقدمة عن الواقعة الأصلية تنسحب قانونا على الوصف القانوني للواقعة، سواء بذاتها أو بعد إضافة وقائع أخرى إليها هذا مـ ناحية،
ومن ناحية أخرى فإن التعدد الصوري وكذلك التعدد الذي لا يقبل التجزئة يقوم على وحدة الجريمة ذات العقوبة الأشد، ومن ثم يكفي تقديم الشكوى عن هذه الجريمة وحدها حتى تنسحب على غيرها من الوقائع.
وقد قضت محكمة النقض أن الطلب – وهو كالشكوى في هذا الخصوص – لا يشترط فيه أن يكون مقصورا على الوقائع المحددة التي كانت معلومة وقت صدوره دون ما قد يكشف عنها التحقيق، عرضا، بل إنه يشمل الواقعة بجميع أوصافها وكيوفها القانونية الممكنة، كما ينبسط على ما يرتبط بها إجرائيا من وقائع لم تكن معلومة وقت صدوره متى تكشف عرضا أثناء التحقيق، وذلك بقوة الأثر العيني للطلب (أو الشكوى) وقت الأثر القانوني للارتباط.
انقضاء الحق في الشكوى
ينقضي الحق في الشكوى بأحد ثلاثة أسباب إما بمضي المدة أو بالتنازل أو بوفاة المجني عليه.
. (أ) مضي المدة
أوجب القانون لقبول الشكوى أن تقدم في خلال ثلاثة شهور من تاريخ علم المجني عليه بالجريمة وبمرتكبها ما لم ينص القانون على خلاف ذلك (المادة ٣/٢ إجراءات). فإذا انقضت هذه المدة سقط الحق في الشكوى، فإذا قدمت بغير حق بعد انقضاء مدة الشهور الثلاثة – تعين عدم قبولها.
وقد راعى المشرع في تحديد هذه المدة تحقيق الاستقرار القانوني الذي يتأذى من جعل شكوى المجني عليه سيفا مسلطا على الجاني فترة لا يعلم مداها، وحتى يحثه على تقدير مدى ملاءمة تقديمها في وقت مناسب وحتى لا يساء استعمالها وفقا لأهواء الشاكي.
وتبدأ هذه المدة منذ يوم علمه بوقوع الجريمة وبشخص مرتكبها لا منذ وقت ارتكابها. ويشترط في هذا العلم أن يكون يقينيا، فإذا كانت لدى المجني عليــــه مجرد ظنون أو احتمالات غير كافية عن وقوع الجريمة أو نسبتها إلى شخص معين، فلا تبدأ المدة من تاريخ هذا الظن أو الاحتمال وإنما يشترط أن تتوافر لديه معلومات كافية ولو كانت غير مؤكدة عن هذا الأمر.
ولا يكفي مجرد العلم بالجريمة وإنما يجب أن ينصرف أيضا إلى مرتكبها. ويكفي مجرد العلم بشخصيته عن طريق صفته أو وظيفته دون اسمه أو غير ذلك من البيانات، ولا عبرة لعلم وكيله في هذا الصدد.
وقد قضت محكمة النقض أن مدة الثلاثة شهور اللازمة لتقديم الشكوى خلالها تبدأ منذ بدء العلاقة الآثمة في جريمة الزنا لا من تاريخ انتهاء الأفعال المتتابعة في رباط زمني متصل اعتبرها جريمة واحدة بما مؤداه أن العلم يبدأ منذ يوم وقوع الجريمة لا منذ يوم انتهائها. ولا يقبل هذا الميعاد – بحسب طبيعته انقطاعا أو إيقافا، كما لا يمتد بسبب العطلة أو بسبب المسافة.
ورغم أن الشكوى قيد إجرائي على زنا الزوجة دون زنا الشريك، لكن الشريك يستفيد من هذا القيد الإجرائي، لأن فضيحة الزنا لا تتجزأ، فيكون من حق الشريك أن يدفع بسقوط الحق في الشكوى بسبب عدم تقديمها في الميعاد. ويشترط لذلك بطبيعة الحال أن تكون الزوجة طرفا في الدعوى الجنائية حتى يمكن للشريك أن يتحدث عنها ويستفيد من ورائها.
ولهذا قضت محكمة النقض أنه متى كانت دعوى الزنا قد رفعت صحيحة على الزوجة وشريكها المتهم طبقا للأوضاع التي يتطلبها القانون في جريمة الزنا – فإن غياب الزوجة أثناء المحاكمة لا يصح أن يترتب عليه تأخير محاكمة المتهم معها.
وإذا، فإدانة الشريك نهائيا جائزة ولو كان الحكم على الزوج غيابيا. والقول بأن للشريك أن يستفيد من براءة الزوجة أو من تنازل الزوج عن الشكوى لا يصح إلا عند قيام سبب الاستفادة بالفعل، أما مجرد التقدير والاحتمال فلا يصح أن يحسب له حساب في هذا المقام.
. (ب) التنازل
هو عمل قانوني يصدر من صاحب الحق في الشكوى ويترتب عليه انقضاء هذا الحق ولو كان ميعاد استعماله مازال ممتدا ولا يصح التنازل إلا من صاحب الحق في الشكوى، وهو المجني عليه أو وكيله الخاص أو الممثل القانوني لمن لا تتوافر لديه أهلية الشكوى على النحو الذي حددناه فيما تقدم. وإذا تعدد المحو عليهم وجب تقديم التنازل من جميع من قدم الشكوى (المادة ١٠/٣ إجراءات).
فإذا كان الذي قدم الشكوى واحدا فقط من المجني عليهم، فإن تنازله يكون كافيا، لأن شكواه هي التي ترتب عليها تحريك الدعوى الجنائية (المادة ٤ إجراءات). وإذا تعدد المتهمون في الجريمة فإنه بصدور التنازل بالنسبة إلى أحدهم يصبح ساريا عليهم جميعا (المادة١٠/٣ إجراءات)، فالتنازل لا يتجزأ وله أثر عيني شكل التنازل لا يشترط في التنازل شكل معين فقد يكون كتابة أو شفويا، صريحا أو ضمنيا.
وقد يستخلصه القاضي ضمنيا من تصرف معين، كمعاشرة الزوج لزوجته بعد ارتكابها الزنا. وقد حكم بأن مجرد رفع دعوى الطاعة على الزوجة ليس دليلا على تنازله عن الشكوى، لأن أظهر ما تفيده هذه الدعوى هي أن الزوج يريد مراقبة زوجته في منزله.
وفي كل الأحوال، يجب أن يكون التنازل واضحا في انصرافه إلى الشكوى لا إلى مجرد الحق المدني في التعويض.
وقت التنازل يشترط في هذا التنازل أن يثبت الحق في الشكوى ابتداء، وهو ما يتوقف على وقوع الجريمة بالفعل. فلا يصح التنازل عن الشكوى إذا تعلق بجريمة مستقبلية. ولكن إذا كان وقوع الجريمة يفترض عدم رضاء المجني عليه، كما في السرقة، ففي هذه الحالة قد يفيد هذا التنازل مقدما عن الشكوى من توافر هذا الرضاء، مما يحول دون وقوع الجريمة أصلا. وقد تعرض القضاء المصري لهذه المشكلة بصدد جريمة الزنا، فقضى بأن رضاء الزوج السابق هو في حكم التنازل عن الشكوى.
وتنص المادة العاشرة من قانون الإجراءات الجنائية على أنه لمن قدم الشكوى أن يتنازل عنها في أي وقت إلى أن يصدر في الدعوى حكم لهالي وتنقضي الدعوى الجنائية بالتنازل. والمقصود بالحكم النهائي في هذا الصدد الحكم البات أي غير القابل للطعن ولهذا يجوز التنازل عن الشكوى في أية حالة كانت عليها الدعوى ولو لأول مرة أمام محكمة النقض والتنازل في هذه الحالة يرد على الشكوى ذاتها لا على الحق فيها.
أثر التنازل متى قدم التنازل قبل تقديم الشكوى أنتج أثره بانقضاء الحق في تقديمها، ولا يجوز الرجوع في هذا التنازل ولو كان ميعاد الشكوى مازال ممتاز،
فالساقط لا يعود. فإذا كانت النيابة العامة لم تحرك الدعوى الجنائية بعد، امتنع عليها نهائيا اتخاذ هذا الإجراء بصدد المتهم والجريمة التي اشترط القانون بشأنها تقديم هذه الشكوى، وإلا وجب الحكم بعدم قبول الدعوى الجنائية وكذلك عدم قبول الدعوى المدنية التبعية.
أما إذا كان التنازل قد صدر بعد تقديم الشكوى وتحريك الدعوى الجنائية، فإنه يؤدي إلى انقضاء الشكوى، وهو ما يستتبع انقضاء الدعوى الجنائية. فإذا كانت الدعوى ماتزال أمام قضاء التحقيق أصدر فيها أمرا بألا وجه لإقامتها لانقضائها بالتنازل عن الشكوى.
وكذلك الحال إذا كانت الدعوى قد رفعت أمام المحكمة. ولا يؤثر في هذا الانقضاء واجب المحكمة الجنائية في الفصل في الدعوى المدنية التبعية المرفوعة أمامها (المادة٢٥٩/٢) إجراءات)، أو في حق المجني عليه في الادعاء المدني أمام المحكمة المدنية. كل هذا ما لم يتضمن تنازله عن الشكوى التنازل عن الحق المدني أيضا.
وينقضي الحق في التنازل بصدور حكم بات في الدعوى، فلا يؤثر في تنفيذ العقوبة التي تقضي بها المحكمة. ومع ذلك، فقد استثنى القانون من ذلك حالتين، هما
أ- لزوج الزانية أن يوقف تنفيذ الحكم عليها برضائه معاشرتها كما كانت (المادة ٢٧٤ عقوبات).
وهنا يلاحظ أن التنازل يأخذ شكلا خاصا هو الرضا بالمعاشرة الزوجية وذلك حرصا على أواصر الأسرة وضمانا للتحقق من أن التنازل كان مهمته الحفاظ على الأسرة لا مجرد العطف والشفقة. فإذا طلقها بعد ذلك فإن هذا الطلاق لا يترتب عليه إلغاء وقف التنفيذ.
وتستفيد الزوجة دون الشريك هذا الوقف للتنفيذ، لأن ارتباط حظه لها في الدعوى كان لضرورة تقدر بقدرها، وهي عدم تجزئة الفضيحة. أما وقد حدثت، فلا محل لاستفادة الشريك من الإفراج عنها، وخاصة أن هذا الإفراج قد شرع لسبب شخصي للزوجة، وهو عودتها إلى زوجها.
ويلاحظ أن القانون لم ينص على تخويل الزوجة حق وقف تنفيذ الحكم الصادر على زوجها في الزنا، ونرى وجوب سريان هذا المبدأ في هذه الحالة من قبيل القياس، وهو جائز في كل ما يفيد المتهم أو المحكوم عليه، فقد توافق الزوجة على معاشرة زوجها الزاني وبالتالي تتحقق علة هذا المبدأ.
(ب) للمجني عليه في السرقة بين الأصول والفروع والأزواج أن يوقف تنفيذ الحكم النهائي على الجاني في أي وقت شاء.
( ج) الوفاة
نصت المادة ٧/١إجراءات على أن الحق في الشكوى ينقضي بموت المجني عليه، وهو نتيجة منطقية لكون هذا الحق شخصيا لصيقا بذات، صاحبه، فلا ينتقل بالوراثة.
أما إذا حدثت الوفاة بعد تقديم الشكوى، فلا تؤثر على سير الدعوى الجنائية (المادة٧/٢إجراءات).