جنح

الادعاء بالحق المدنى الطريقة والشروط والانواع

الادعاء بالحق المدنى

سبب الادعاء بالحق المدنى هو الضرر الناشئ عن الجريمة

الادعاء بالحق المدنى

شروط الضرر فى الادعاء بالحق المدنى :

أول شرط للضرر في الادعاء بالحق المدنى: أن تكون هناك جريمة قد وقعت.

ثاني شرط للضرر في الادعاء بالحق المدنى : أن يكون هناك ضرر قد تحقق.

ثالث شرط للضرر في الادعاء بالحق المدنى: أن يكون الضرر ناشئاً عن الجريمة مباشرة.

رابع شرط للضرر في الادعاء بالحق المدنى: الدفع بانتفاء رابطة السببية المباشرة.

خامس شرط للضرر في الادعاء بالحق المدنى: أثر انتفاء شرط من شروط السبب في الدعوى المدنية

سادس شرط للضرر في الادعاء بالحق المدنى: الاستثناء الخاص بالادعاء المدني من المتهم.

لا يفوتك:رفض الدعوي بحالتها في القانون المصري

أولا : شروط الضرر فى الادعاء بالحق المدنى :

لقد عبر المشرع عن السبب في الادعاء بالحق المدنى بالنص على أن لمن لحقه ضرر من الجريمة أن يقيم نفسه مدعيا بحقوق مدنية أمام المحكمة المنظورة أمامها الدعوى الجنائية (م ٢٥١إجراءات).

كما نصت المادة ٢٥١ مكررا المضافة بالقانون رقم ١٧٤ لسنة ۱۹۹۸ على أنه «لا يجوز الادعاء بالحق المدنى وفقا لأحكام هذا القانون إلا عن الضرر الشخصي المباشر الناشئ عن الجريمة والمحقق الوقوع، حالا أو مستقبلا».

ويستفاد من ذلك أنه لكي يقوم السبب في الادعاء بالحق المدنى يلزم توافر شروط ثلاث: الأول أن تكون هناك جريمة قد وقعت من المتهم، والثاني أن يكون هناك ضرر قد تحقق الثالث أن يكون الضرر ناشئاً عن الجريمة أي أن يكون بين الجريمة والضرر علاقة مادية مباشرة.

الشرط الأول من شروط الضرر فى الادعاء بالحق المدنى: أن تكون هناك جريمة قد وقعت من المتهم

أولا: وقوع الجريمة :

إذا كان الادعاء بالحق المدنى يختص بها القضاء الجنائي استثناء فلأن الادعاء بالحق المدنى تجد سببا لها في الجريمة التي يختص هذا القضاء أصلا بنظرها ومعنى ذلك أنه لا اختصاص للقضاء الجنائي ب  الادعاء بالحق المدنى إذا لم يكن الفعل الذي الضرر قد توافرت فيه عناصر الجريمة.

فالفعل غير المشروع مدنيا لا يحق المطالبة بالتعويض عنه أمام المحاكم الجنائية إلا إذا كان أيضا غير مشروع جنائيا. ذلك أن الادعاء بالحق المدنى المنظورة أمام المحكمة الجنائية تكون تابعة للدعوى الجنائية المرفوعة أمام ذات المحكمة.

ولذلك إذا كان الفعل لا يكون جريمة فلن ترفع به الدعوى العمومية و الادعاء بالحق المدنى وبالتالي لن تختص المحكمة الجنائية به.

ولا يكفي أن يكون الضرر  ناشئاً عن جريمة، بل يلزم  في هذه الجريمة أن تكون قد حركت بشأنها الدعوى العمومية، فإذا لم تكن الدعوى العمومية قد حركت فلا يجوز الادعاء بالحق المدنى أمام المحكمة الجنائية باعتبار أن الدعوى المدنية تتبع الجنائية، اللهم إلا إذا كان جائزا الادعاء المباشر بصددها وتوافرت شروطه. ومعنى ذلك أنه لا اختصاص للمحكمة الجنائية بنظر دعوى تعويض عن وقائع لم ترفع بها الدعوى العمومية.

ما المقصود بالجريمة حتى يتم الادعاء بالحق المدنى

ولكن ما المقصود بالجريمة هنا، هل يلزم أن تكون الجريمة متوافرة الأركان أي ركنيها المادي والمعنوي أم أن المشرع قصد بالجريمة هنا الواقعة غير المشروعة المكونة للركن المادي فقط؟

ذهب جانب من الفقه إلى أنه يشترط لكي ينعقد الاختصاص للمحكمة الجنائية بنظر الادعاء بالحق المدنى أن يكون الفعل مكوناً لجريمة متوافرة الأركان في ركنيها المادي والمعنوي. فإذا تخلف الركن المعنوي فلن نكون بصدد جريمة ويتعين على المحكمة أن تحكم بالبراءة في الدعوى الجنائية وبعدم الاختصاص بنظر الادعاء بالحق المدنى .

شروط الضرر

غير أن هذا الرأي على وجاهته لا يمكننا التسليم. به ذلك أن المشرع إذ أباح للمضرور من الجريمة رفع الادعاء بالحق المدنى إلى المحكمة المنظورة أمامها الدعوى الجنائية لم يشترط تلازما بين المسئولية الجنائية والمسئولية المدنية إذ أن قواعد الاثنتين مختلفة.

ولذلك فقد اكتفى بأن تكون هناك جريمة قد وقعت من المدعى عليه وهو المتهم، وهذا يكفي لكي تختص المحكمة بنظر الادعاء بالحق المدنى الناشئة عن هذه الجريمة بغض النظر عن مسئولية الجاني أو انعدام مسئوليته. فانعدام المسئولية لا ينفى عن الفعل المرتكب الصفة غير المشروعة إذ أنه يظل جريمة في نظر القانون.

وهذا فضلا عن أن المشرع حينما يستخدم تعبير جريمة في قانون الإجراءات إنما يقصد فقط الواقعة غير المشروعة المكونة للركن المادي المكون للجريمة. أما مسئولية الجاني عن هذه الواقعة غير المشروعة فيبحثها القاضي بمناسبة الدعوى الجنائية، كما أنه يبحث مسئوليته المدنية بناء على الدعوى المدنية المرفوعة تبعا لها.

والقول بغير ذلك معناه أنه في جميع الأحوال التي يقضى فيها بالبراءة يمتنع الحكم بالتعويض للمضرور من الجريمة الذيقام ب الادعاء بالحق المدنى أمام المحكمة الجنائية.

وهذا ما لا يتفق والغرض الذي من اجله منح المشرع المحكمة الجنائية سلطة الفصل في الادعاء بالحق المدنى ، كما لا يتفق ونص القانون الذي قضى صراحة في المادة ۳۰۹ إجراءات بأن كل كم يصدر في موضوع الدعوى الجنائية يجب أن يفصل في التعويضات التي يطلبها المدعى بالحقوق المدنية أو المتهم.

ولم يحدد المشرع نوع الحكم الفاصل في الموضوع. فقصره على أحوال الإدانة، هو تقييد لم ينص عليه المشرع ويتنافى مع المحكمة من اختصاص المحاكم الجنائية بنظر الدعوى المدنية.

غير أنه يلاحظ أنه ليس للمحكمة الجنائية أن تقضى في الادعاء بالحق المدنى المرفوعة تبعاً للدعوى الجنائية في حالة الحكم بالبراءة المؤسسة على أن الفعل لا يكون جريمة في ركنها المادي.

ويتعين على المحكمة في هذه الحالة أن تحكم بعدم اختصاصها بنظر الدعوى المدنية، كما سنرى أكثر تفصيلا.

والرأي الذي نقول به يتفادى ما وقع فيه أنصار الرأي الأول من تضارب حينما تعرضوا لحالة ما إذا تبين للمحكمة بعد التحقيق أنه لا مسئولية جنائية لانعدام الركن المعنوي أو لتوافر سبب من أسباب الانعدام الأخرى.

فقد ذهب هذا الرأي إلى وجوب الفصل أيضاً في الادعاء بالحق المدنى ، بينما إذا تبين للمحكمة من الوهلة الأولى أن الركن المعنوي منتفى فتحكم بعدم اختصاصها بنظر الادعاء بالحق المدنى .

وهذا التضارب بين حكم الفرضين لا يجد أساساً له من القانون فالمحكمة الجنائية إما أن تكون مختصة بالفصل في الدعوى المدنية وإما ألا تكون سواء تبين لها ذلك في المراحل الأولى من نظر الدعوى أم بعد التحقيق فيها.

وفى الواقع أن جميع الأحكام التي استشهد بها أنصار الرأي المعارض في التدليل على تأييده إنما هي احكام تتعلق بالحكم بالبراءة المؤسس على انتفاء صفة التجريم عن الفعل المرتكب بحيث أنه لا يقوم به الركن المادي المكون للجريمة.

أن تكون هناك جريمة قد وقعت من المتهم

ومن ذلك مثلا حكم النقض الذي جاء به إذا كانت المحكمة قد أسست حكمها بالبراءة على عدم وجود جريمة في الواقعة المرفوعة عنها الدعوى العمومية وأن النزاع بين المدعى بالحقوق المدنية وبين المتهم هو نزاع مدني بحت يدور حول قيمة ما تسلمه المتهم من نقود وما ورده له من أدوية تنفيذا للاتفاق الحاصل بينهما،

وأن هذا النزاع لم يصف بعد، فإن مقتضى هذا الذي قالته كان يتعين حتما أن يكون فصلها بالنسبة ل الادعاء بالحق المدنى بعدم اختصاصها بنظرها مادامت هذه المحكمة قد فصلت في الدعوى العمومية بالبراءة.

وقضت أيضا ذات المحكمة بأنه متى كان الواضح مما أثبته الحكم المطعون فيه أن إخلال المتهم بالتعاقد الذي يدعيه الطاعن لا تتكون به جريمة الغش المرفوعة بها الدعوى، فإن قضاءه بالبراءة اعتمادا على هذا السبب يترتب عليه عدم اختصاص المحكمة بالفصل في الادعاء بالحق المدنى .

كما حكمت أيضا بأنه إذا كان الادعاء بالحق المدنى قد رفعت أصلا على الطاعن تعويضا عن الضرر الذي أصاب المطعون ضده من جريمة القتل الخطأ التي كانت مطروحة أمام محكمة الجنح للفصل فيها ،،،،

وكانت محكمة الجنح قد استظهرت أن الطاعن لم يرتكب تلك الجريمة إذ لم يرتكب خطأ أو إهمالاً، ولكنها مع ذلك حكمت عليه بالتعويض على أساس قدم البناء وما افترضته المادة ۱۷۷ من القانون المدني المصري من خطا حارس المبنى، فإنها تكون قد جاوزت حدود ولايتها.

ومن استقراء هذه الأحكام جميعها يبين أن الحكم بعدم الاختصاص المبنى على حكم البراءة قد تأسس على انتفاء الوجود القانوني للجريمة في ركنها المادي وليس في ركنها المعنوي.

خلاصة القول إذن هو أنه يجب لاختصاص المحكمة الجنائية ب الادعاء بالحق المدنى أن تكون هناك جريمة قد وقعت في ركنها المادي وأن تكون قد حركت فيها الدعوى.

وفي حالة تخلف هذا الشرط يتعين الحكم بعدم اختصاص المحكمة الجنائية  ب الادعاء بالحق المدنى وليس الحكم بعدم قبولها. إذ أن عدم القبول يفترض أن المحكمة الجنائية مختصة بينما في فرضنا هذا لا تكون مختصة بنظر الادعاء بالحق المدنى .

ثانيا: ثبوت ارتكاب الفعل من قبل المتهم 

لا يكفي لتوافر السبب في الادعاء بالحق المدنى أن تتحقق المحكمة من وقوع الجريمة في ركنها المادي بل يلزم فوق ذلك أن تتحقق المحكمة من أن الجريمة التي وقعت قد أتاها المتهم المرفوعة عليه الدعوى الجنائية.

وذلك لأن الحكم في الادعاء بالحق المدنى يصدر في مواجهة المتهم المرفوعة عليه الدعوى الجنائية ومن ثم يلزم أن يكون هو الذي أتى الفعل المكون للجريمة. ولذلك فإن براءة المتهم المؤسسة على عدم ارتكابه الفعل المكون للجريمة يترتب عليها وجوب الحكم بعدم المحكمة بنظر الادعاء بالحق المدنى .

وبناء عليه قضت محكمة النقض بأن المحكمة الجنائية لا اختصاص لها بالحكم بالتعويض عن وقائع لم يثبت وقوعها من المتهم الذي تحاكمه مهما يكن قد صح عندها أنها وقعت من غيره، مادام هذا الغير لم تقم عليه الدعوى بالطريق القانوني

كما قضت بأنه إذا تبين للمحكمة أن الحق المدعى به عن الفعل الخاطئ المكون للجريمة لم يثبت صلة المتهم به، سقطت الدعوى التابعة  و الادعاء بالحق المدنى بحالتها التي رفعت بها مهما يكن قد صح عندها أن الجريمة وقعت من غيره مادام المسئول الحقيقي عن الحادث لم يعين ولم ترفع عليه الدعوى بالطريق القانوني

الشرط الثاني من شروط الضرر فى الادعاء بالحق المدنى: أن يكون هناك ضرر شخصي مباشر قد تحقق أو أنه محقق الوقوع حالاً أو مستقبلا.

وهذا الشرط استحدثه المشرع بالقانون رقم ١٧٤ لسنة ۱۹۹۸ والذي أضاف المادة ٢٥١ مكررا بنصها على أنه لا يجوز

الادعاء بالحق المدنى وفقا لأحكام هذا القانون إلا عن الضرر الشخصي المباشر الناشئ عن الجريمة والمحقق الوقوع حالاً أو مستقبلا”.

تعريف الضرر  فى الادعاء بالحق المدنى : الضرر هو الأذى الذي يصيب الشخص في حق من حقوقه المالية المتعلقة بالذمة، بينما يكون معنوياً إذا أصابه في حق من الحقوق غير المالية والتي تتعلق فقط بشخص صاحبها وقد استقر الرأي في الفقه والقضاء منذ زمن بعيد على أن الضرر المادي والمعنوي يمكن تعويضهما بغير تفرقة بينهما. وقد نصت التشريعات المعاصرة في معظمها على ذلك المبدأ.

والخلاف الآن ينحصر فقط في مدى إمكان انتقال الحق في التعويض عن الضرر الأدبي إلى الورثة والرأي مستقر تقريبا في الفقه على عدم جواز الحق في تعويض الضرر الأدبي إلى الورثة، بل إن المشرع المدني حدد الأشخاص الذين يحق لهم التعويض عن الضرر المطالبة بالتعويض عن هذا الضرر المتمثل في الألم من فقد المصاب على الزوج الأدبي الناتج عن الفعل غير المشروع المتمثل في الوفاة، وقصر الحق في والأقارب للدرجة الثانية.

وفى هذه الحالة يكون التعويض عن ضرر شخصي اصاب الزوج أو الأقارب للدرجة الثانية وليس تعويضاً عن الضرر الذي أصاب المتوفى إذ إن الضرر الأدبي لا ينتقل بالوراثة وهذا أيضا هو ما حكمت به المحكمة العليا الليبية حين قضت بأن صفة الوراثة لا ترشح للتعويض وإنما الذي يرشح للتعويض هو الضرر ماديا كان أو أدبيا أو كليهما وعلى المحكمة أن تبين في عناصره التي اتخذتها أساسا لتقديرها وذلك لأن المادة ٢٢٤ إجراءات جنائية المقابلة للمادة ٢٥١ مصري) وقد أجازت هذا التدخل لمن لحقه الضرر من الجريمة» أما الوراثة فهي صفة تعطى لصاحبها الحق في المطالبة بقدر معين مما يكون المورث قد خلفه من تركة قبل وفاته» .

كما قضت محكمة النقض المصرية بأن الضرر المادي والأدبي سيان في إيجاب التعويض لمن أصابه شئ منهما، وتقدير كل منهما خاضع لسلطة محكمة الموضوع وذلك فإن تعويض الوالد عن فقد ابنه لا يعتبر تعويضاً عن ضرر محتمل الحصول في المستقبل إذ مثل هذا التعويض إنما يحكم به عن فقد الولد وما يسببه هذا الحادث من لوعة للوالد على أي حال.

أما التعويض عن الضرر الأدبي فيمكن أن ينتقل إلى الورثة متى دخل في عناصر الذمة المالية للمورث وتحول إلى حق مالي ذلك مثلا إذا صدر حكم للمورث بقيمة التعويض أو تم تحديده بمقتضى اتفاق او طالب به المورث امام القضاء.

ولعل هذا هو ما عنته محكمة النقض في حكمها الذي قضت فيه بان الحق الشخصي في التعويض  و الادعاء بالحق المدنى وإن كان الأصل أنه مقصور على المضرور إلا انه يجوز أن ينتقل إلى غيره ومن بينهم الورثة بوصفهم خلفه العام ويشترط في الضرر المكون لسبب الدعوى المدنية أن يكون محققا.

ويكون الضرر كذلك إذا كان قد تحقق فعلا أو كان تحققه في المستقبل حتميا لتوافر الأسباب المؤدية إليها حتما في الحاضر ومثال الضرر المحقق الوقوع الإصابة الوقوع ومثال ذلك فقد البصر مثلا أو فقد أي عضو اخر من أعضاء الجسم فيترتب بالعاهة فهي بالنسبة للآثار المترتبة عليها مستقبلا يعتبر الضرر بمقتضاها محقق عليه العجز المستقبل بالضرورة.

وإذا كان الضرر محتملا أي يحتمل وقوعه كما يحتمل عدم وقوعه فلا يجوز التعويض عنه وبالتالي يتعين على المحكمة في هذه الحالة أن تحكم برفض الادعاء بالحق المدنى .

وقد يثور التساؤل بالنسبة للضرر المتمثل في تقويت الفرصة. ولا شك أن تقويت الفرصة هو في حد ذاته ضرر يمكن التعويض عنه، أما الأضرار الأخرى التي قد تنجم عن تفويت الفرصة فهي تعتبر أضرارا محتملة لا يجوز التعويض عنها ومثال ذلك فقد فرصة دخول الامتحان بالنسبة للنجاح وفقد فرصة الطعن في الحكم بالنسبة للحكم في صالح الطاعن وهكذا.

ولذلك حكم بأنه لا حق لأخوة المجني عليه إذا كانوا أطفالا صغارا في المطالبة بتعويض عن وفاته على أساس أنه هو الذي كان سيتولى أمرهم بعد وفاة والدهم لأن هذا مجرد احتمال لا يصلح لأن يكون أساسا للتعويض.

ومتى كان الضرر محققاً سواء أكان قد تحقق فعلا أو كان تحققه في المستقبل مؤكدا جاز التعويض عنه. ويحق للمضرور في الضرر المحقق مستقبلا أن يطلب تعويضا مؤقتا إذا لم يكن من الممكن تحديد قيمة التعويض كاملة عن الضرر. وله بعد ذلك أن يلجأ إلى المحكمة المدنية لتقدير التعويض الكامل عند تحقيق الأضرار المستقبلة.

3- الشرط الثالث من شروط الضرر فى الادعاء بالحق المدنى: أن يكون الضرر ناشئاً عن الجريمة مباشرة:

لا يكفي أن تكون هناك جريمة ثبت ارتكابها من قبل المتهم وإنما يلزم فوق ذلك أن يكون الضرر قد ارتبط بالجريمة برابطة سببية مباشرة.

فلا يكتفى بمجرد ذلك أن يكون الضرر قد ارتبط بالجريمة برابطة سببية مباشرة. فلا يكتفى بمجرد وجود علاقة سببية أيا كانت بل لابد أن تتصف هذه العلاقة بصفة معينة وهي الناشئة عن الجريمة.

غير أنه في هذا القيد تكمن الحكمة من الاستثناء الخاص بجواز نظر الادعاء بالحق المدنى من قبل المحكمة الجنائية. فالمشرع لم يرد أن تعرض تلك المحكمة ل الادعاء بالحق المدنى إلا في الأحوال التي يكون فيها الضرر ناشئاً مباشرة عن الجريمة التي تختص بنظرها حتى لا يترتب تأخير في الفصل في الدعوى الجنائية بسبب التحقق من توافر رابطة السببية.

ومما ينبغي ملاحظته أنه ليس معنى اشتراط أن يكون الضرر و الادعاء بالحق المدنى قد نشأ عن الجريمة مباشرة لاختصاص المحكمة الجنائية أن المضرور الذي لا يتوافر في ضرره هذه الصفة لا حق له في التعويض.

فهذا الشرط هو فقط لتقرير اختصاص المحكمة الجنائية بنظر االادعاء بالحق المدنى الناشئة عن الجريمة ولذلك يحق له إذا لم يتوافر هذا الشرط أن يلجأ إلى القضاء المدني ليحكم له بالتعويض.

ولذلك فإن القاضي الجنائي في بحثه لعلاقة السببية بين الضرر والجريمة لا يجب عليه أن يراعى القواعد الخاصة ببحث السببية الجنائية.

فهذه الأخيرة لا يلزم أن تتوافر فيها صفة المباشرة وإنما يكتفى فيها بألا يكون هناك عامل آخر قد تدخل بين السلوك والنتيجة وكان كافيا بمفرده لتحقيقها وهذا ما قصدته المحكمة العليا بقولها: ينبغي لمساءلة الجاني في الجريمة أن تتوافر علاقة السببية بين فعله أو امتناعه وبين الضرر أو الخطر الذي يترتب عليه وجود الجريمة فإذا توافرت هذه العلاقة بطريق مباشر أي دون تدخل أسباب أخرى فإن الجاني يكون مسئولاً عن الجريمة.

فالسببية الجنائية يكتفى فيها بأن يكون السلوك الإجرامي لا يمكن أن توجد النتيجة بدونه. وفى هذا تقول المحكمة العليا بأن القاعدة لتحديد رابطة السببية بين الخطأ والقتل أو الجرح هو عدم تصور وقوع القتل أو الجرح بدون ذلك الخطأ بحيث يكفي أن نتصور حصول القتل أو الجرح بدون وجود الخطأ حتى تتوافر رابطة السببية.

وإذا لم يكن الضرر مباشر أي علاقة السببية المباشرة بين الجريمة والضرر لا يمكن الرجوع في تحديدها إلى السببية المدنية التي هي أوسع من هذه الرابطة ولا إلى السببية الجنائية التي هي بدورها تشمل نطاقا أوسع من صفة المباشرة،،،،

فما هو المقصود بهذا الشرط في مجال اختصاص القاضي الجنائي ب الادعاء بالحق المدنى ؟

ليس في الفقه أو القضاء نظرية متكاملة لعلاقة السببية المباشرة كشرط لاختصاص القاضي الجنائي بالدعوى المدنية كل ما هناك هو تطبيقات للمحاكم تستفاد منها العلاقة المباشرة بين الجريمة والضرر الناشئ عنها.

والرأي عندنا أنه يمكن القول بتوافر السببية المباشرة كلما كانت الجريمة التي وقعت هي الحلقة الأخيرة من سلسلة السببية بالنسبة للضرر المتحقق.

وتطبيقا لذلك لا يجوز أن تختص المحكمة الجنائية بالحكم في التعويض و الادعاء بالحق المدنى عن الإتلاف بالنسبة لجريمة قتل نتيجة تصادم سيارتين فالإتلاف هنا وإن استوجب التعويض المدني نتيجة خطأ السائق إلا انه لم ينشأ عن جريمة القتل الخطأ وإنما نشأ عن التصادم.

كذلك أيضا ليس للمحكمة أن تقضى بالتعويض المترتب على المسئولية العقدية بمناسبة نظرها لجريمة خيانة الأمانة. فالتعويضات الناشئة عن المسئولية العقدية لا تختص بها المحاكم الجنائية حتى ولو كانت متصلة بجرائم مقامة عنها الدعوى الجنائية لأن الضرر الناشئ عن الإخلال بهذه المسئولية لا يعتبر ناشئا مباشرة عن الجريمة.

كذلك ليس للمحاكم الجنائية أن تقضى بالتعويض عن الأضرار الناشئة بناء على علاقة بين المدعى المدني والمجني عليه في الجريمة والتي توافرت بمناسبة ارتكاب الجريمة ومثال ذلك ما تطلبه شركة التأمين من تعويض بمناسبة جريمة قتل خطا نظير ما تلتزم به من مبلغ تأمين يدفع لورثة المتوفى بناء على عقد التأمين وكذلك ما تطلبه الحكومة من مصاريف العلاج التي انفقتها على أحد موظفيها بسبب الجريمة. ولا يقبل من الحكومة مطالبة المتهم أمام المحكمة الجنائية بما ستدفعه لأرملة القتيل.

كذلك لا يجوز للمحكمة الجنائية أن تقضى في جريمة الشيك بدون رصيد للمستفيد بقية الشيك باعتباره تعويضاً عن الادعاء بالحق المدنى الجريمة إذ إن هذا يخرج عن ولاية المحكمة الجنائية، إذ إن الحكم به ليس تعويضاً عن ضرر ناشئ عن الجريمة وإنما هو قضاء بدين سابق على تحرير الشيك الذي تقوم به الجريمة وإن كان يجوز للمحكمة أن تقضى بالتعويض عن الضرر الناشئ عن عدم صرف قيمة الشيك إذا وجدت أضرار.

ولا يجوز للمحكمة الجنائية أن تقضى بالتعويض فى الادعاء بالحق المدنى إلا بناء على الخطأ الشخصي وليس بناء على أحكام المسئولية المفترضة وذلك إذا انتهت المحكمة إلى عدم توافر السلوك الإجرامي المستوجب للعقاب في الدعوى الجنائية.

ومثال ذلك أن تبرئ المحكمة المتهم من تهمة القتل الخطأ لعدم توافر سلوك يتصف بالإهمال أو الخطأ ثم تحكم عليه بالتعويض فى الادعاء بالحق المدنى بناء على ما افترضه المشرع من خطأ حارس المبنى.

وقد حكم بأنه إذا كانت الدعوى العمومية قد رفعت على المتهم بتهمة قيادة سيارة دون أن يكون حاصلا على رخصة قيادة بحالة ينجم عنها الخطر على حياة الجمهور وممتلكاته بأن قادها بسرعة وعلى يسار الطريق، فتدخل الطاعن مدعياً بحق مدني للمطالبة بقيمة التلف الذى أصاب سيارته،،،،

وكان الضرر الذي أسس عليه دعواه لم ينشأ مباشرة عن المخالفة موضوع الدعوى الجنائية وإنما نشأ عن اتلاف السيارة فإن المحكمة لا تكون مختصة، ذلك أن الدعوى العمومية إنما تقوم على مخالفة لائحة السيارات وهى مخالفة لا تنتج بدائها ضرر للطاعن أما الضرر الذى أصابه فناشئ عن واقعة إتلاف السيارة وهى لم ترفع بها الدعوى الجنائية متى كان ذلك فإن الفعل المكون للجريمة لا يكون هو السبب في الضرر الذي أصاب الطاعن ،،،،

وإنما ظرفا ومناسبة لهذا الضرر وتكون المحكمة الجنائية إذ قضت برفض الدعوى باعتبارها مختصة بنظرها قد جاوزت اختصاصها .

كما حكم بأنه متى كان التعويض في الادعاء بالحق المدنى المرفوعة من المدعية بسبب ما لحق سيارتها من أضرار نشأت عن مصادمة سيارة المتهم لها، لا بسبب ذات الفعل المكون للجريمة التي رفعت عنها الدعوى العمومية، وهي جريمة القتل والإصابة الخطأ فإنه يكون قد خالف القانون بما يستوجب نقضه.

وجدير بالذكر أن شركة التأمين ليست من بين المسئولين عن الحقوق المدنية، لأن مسئوليتها تقوم على أساس أخر هو الالتزامات الناشئة عن عقد التأمين المبرم بينها وبين المتعاقد معها،،،،

أما الفعل الضار فإنه لا يعتبر في هذه الصورة سببا مباشرا لمطالبة الشركة فالمضرور لا يطالب شركة التأمين بتعويض عن المسئولية العقدية لشركة التأمين، ومع ذلك فقد أجاز المشرع إدخال المؤمن لديه وذلك بمقتضى التعديل الذي جاء به القانون رقم ٨٥ لسنة ١٩٧٦ بتعديل المادة ٢٥٣ إجراءات.

وحكم أيضاً بأن ولاية المحاكم الجنائية بالنسبة إلى الحكم بالتعويضات المدنية هي ولاية استثنائية تقتصر على الدعوى الجنائية ومتصلة بها اتصالا مباشرا ولا يتعداها إلى الأفعال الأخرى غير المحمولة على الجريمة ولو كانت متصلة بالواقعة التي تجرى المحاكمة عنها لانتفاء علة التبعية التي تربط الدعوى المدنية بالدعوى الجنائية.

كما حكم بأنه لا يجوز الادعاء بالحق المدنى أمام المحكمة الجنائية بناء على دعوى جنائية مرفوعة على المتهم لارتكابه جريمة الاعتياد على الإقراض بالربا الفاحش ولا تختص المحكمة الجنائية هنا ب الادعاء بالحق المدنى حتى ولو كان المقترض قد تعددت منه الأفعال المكونة للعادة والجريمة. ذلك أن الضرر الذي أصابه ليس ناشتا مباشرة عن الجريمة لأن هذه الأخيرة تقوم على ركن الاعتياد الذي هو بطبيعته حالة معنوية لا يترتب عليها أي ضرر مباشر.

ولا تختص المحاكم الجنائية بنظر دعوى الضمان. وقد نص المشرع صراحة على ذلك في المادة ٢٥٣ من قانون الإجراءات الجنائية في فقرتها الأخيرة حيث جاء بها لا يجوز أمام المحاكم الجنائية أن ترفع دعوى الضمان، ولا أن يدخل في الدعوى غير المدعى عليهم بالحقوق المدنية والمسئولين عن الحقوق المدنية».

والمشرع إذ حظر رفع دعوى الضمان أو إدخال غير المدعى عليهم والمسئولين عن الحقوق المدنية فلأن هذا الادعاء بالحق المدنى بحت  ولا علاقة لها بالجريمة موضوع الدعوى الجنائية. فالمشترى حسن النية لشيء متحصل من جناية أو جنحة لا يجوز له رفع دعوى الضمان أمام المحكمة الجنائية التي تحاكم البائع المتهم بالسرقة مثلا.

وكذلك لا يجوز أن تختص المحكمة الجنائية بنظر دعوى المشترى الخاصة بضمان العيوب الخفية بمناسبة محاكمة البائع عن جريمة الغش التجاري أو التدليس.

فالتعويض هنا غير مستوجب عن ضرر ناشئ عن الجريمة المرفوعة بها الدعوى الجنائية وإنما على العلاقة المدنية القائمة بين المشترى والبائع التي تحكمها قواعد القانون المدني.

نخلص من كل ما سبق إلى أن المحكمة الجنائية لا تختص بنظر الادعاء بالحق المدنى إلا حيث يكون الضرر المستوجب للتعويض يجد مصدرا مباشرا له في الجريمة ذاتها، ولم تكن الجريمة مجرد ظرا أو مناسبة وإنما سببا للضرر

٤ – الشرط الرابع للضرر في الادعاء بالحق المدنى:  الدفع بانتفاء رابطة السببية المباشرة :

طالما أن السببية المباشرة هي شرط أساسي في الضرر المكون لسبب حتى ينعقد اختصاص المحاكم الجنائية بنظرها، فإن تخلف هذا الشرط يؤدى إلى تخلف اختصاص هذه المحاكم بنظر الدعاوى المدنية ولا شك أن اختصاص المحاكم الجنائية بنظرالادعاء بالحق المدنى الناشئة عن الجريمة هو أمر متعلق بالنظام العام لتعلقه بولاية المحاكم .ذاتها يترتب على ذلك أن الدفع بانتفاء السببية المباشرة بين الضرر والجريمة هو دفع متعلق بالنظام العام يجب على المحكمة أن تقضى به من تلقاء نفسها، كما يجوز الدفع به في أية حالة كانت عليها الدعوى ولو لأول مرة أمام محكمة النقض. غير انه في هذه الحالة إذا كان يترتب على الدفع إجراء تحقيق موضوعي فلا يقبل لأول مرة أمام هذه المحكمة نظراً لخروج ذلك عن ولايتها.

٥-  الشرط الخامس للضرر في الادعاء بالحق المدنى  أثر انتفاء شرط من شروط السبب في الدعوى المدنية:

إن الشروط الثلاثة السابق عرضها لابد من توافرها مجتمعة لكي ينعقد اختصاص المحكمة الجنائية بنظر الادعاء بالحق المدنى المرفوعة تبعا للدعوى الجنائية. ويترتب على ذلك أن تخلف أي شرط من هذه الشروط ينفى ولاية المحكمة بنظر الادعاء بالحق المدنى ويتعين على المحكمة أن تحكم بعدم اختصاصها.

ويستوي أن تكون المحكمة قد استظهرت تخلف شرط من هذه الشروط في بداية  اتصالها بموضوع الدعوى أم بعد تحقيقها للموضوع. كما يستوي أيضا أن يكون تخلف الشرط قد ظهر في أول درجة أو أمام المحكمة الاستئنافية أو أمام محكمة النقض بناء على دفع من الدفوع.

وقد ذهب البعض إلى أنه إذا أقيمت دعوى جنائية عن واقعة بوصفها جريمة ثم اتضح بعد البحث والتحقيق أنها لا تخضع للقانون الجنائي فليس هناك مانع من الحكم  فى الادعاء بالحق المدنى بتعويض مدني عن الضرر المترتب مباشرة على هذه الواقعة.

ويضرب مثلا لذلك بالمسئولية المدنية المفترضة بمقتضى قرائن القانون المدني إذا لم تثبت قبل المتهم – ابتداء – مسئولية جنائية غير مفترضة وكذلك دعاوى الضمان ويبدو أيضاً أن المحكمة العليا تميل إلى الأخذ بهذا الرأي حين قضت بوجوب نقض الحكم الصادر برفض الادعاء بالحق المدنى لانتفاء الجريمة مع توافر الخطأ المدني

غير أن هذا القول لا يستقيم واعتبار اختصاص القضاء الجنائي ب الادعاء بالحق المدنى هو اختصاص استثنائي ويتعلق بالنظام العام. وهو يعتبر كذلك حتى من قبل أنصار الرأي المعارض. وطالما أنه اختصاص له هذه الصفة فيستوى أن تستظهر المحكمة عدم اختصاصها في بدء نظر الدعوى أو في مرحلة لاحقة.

وإذا كان الدفع بعدم الاختصاص يمكن إبداؤه حتى لأول مرة أمام محكمة النقض لتعلقه بالنظام العام فليس هناك من مبرر لتفرقة بين فروض عدم الاختصاص بناء على الوقت أو المرحلة التي ظهر فيها للمحكمة الجنائية أنها غير مختصة بنظر الادعاء بالحق المدنى .

٦- الاستثناء الخاص ب الادعاء بالحق المدنى من المتهم:

استثنى المشرع اختصاص المحكمة الجنائية بنظر الادعاء بالحق المدنى من الشروط السابقة وذلك بالنسبة الادعاء بالحق المدنى التي يقيمها المتهم قبل المدعى المدني يطالبه فيها بالتعويض عما أصابه من ضرر نتيجة رفع دعواه المدنية. وقد أعطى المشرع في قانون الإجراءات الجنائية للمتهم هذا الحق في المادة ٢٦٧ حيث ورد بها للمتهم أن يطالب المدعى بالحقوق المدنية أمام المحكمة الجنائية بتعويض الضرر الذي لحقه بسبب رفع الادعاء بالحق المدنى عليه إذا كان لذلك وجه».

فهنا تختص المحكمة الجنائية بنظر الادعاء بالحق المدنى قد لا تجد سبباً لها في الجريمة المرتكبة كما أن الضرر الذي أصاب المدعى ليس ناشئاً عن الجريمة مباشرة وإنما كان بمناسبة محاكمته عنها. وهذا الاستثناء له ما يبرره نظرا لأن المحكمة الجنائية هي التي فصلت في الادعاء بالحق المدنى المرفوعة على المتهم ولذلك فهي أقدر من المحكمة المدنية على الحكم فيها فضلا عما في ذلك من رد الاعتبار المتهم وخاصة في حالات الادعاء المباشر الكيدي.

موضوع الادعاء بالحق المدنى

١- التعريف به 

أولا : التعويض النقدي.

ثانيا: الرد. 

ثالثا: المصاريف .

رابعا: التعويض الأدبي .

ماهو الادعاء بالحق المدنى :

إن موضوع الادعاء بالحق المدنى المرفوعة أمام المحاكم الجنائية يتحدد على أساس الهدف الذي أراد المشرع تحقيقه بتخويل هذه المحاكم سلطة الفصل في الادعاء بالحق المدنى .

وإذا كان المشرع قد قصر هذا الاختصاص على الادعاء بالحق المدنى المرفوعة عن الأضرار الناجمة عن الجريمة والتي تسببت فيها مباشرة، فإن موضوع الادعاء بالحق المدنى التي تختص المحكمة الجنائية بالفصل فيه لن يكون سوى تعويض المدعى المدني عن تلك الأضرار.

فالمحكمة الجنائية لا تختص ب الادعاء بالحق المدنى الناشئة عن الجريمة إلا إذا كان موضوعها هو التعويض. فإذا طالب المدعى المدني بطلبات أخرى خلاف التعويض فيترتب على ذلك زوال اختصاص المحكمة الجنائية بنظر الدعوى ويتعين عليها الحكم بعدم الاختصاص وليس بعدم قبول الدعوى المدنية.

وقصر اختصاص المحكمة الجنائية على الادعاء بالحق المدنى المتمثل موضوعها في التعويض مستفاد من النص الصريح للمادة ۲۲۰ إجراءات التي تقضى بأنه «يجوز رفع الدعوى المدنية، مهما بلغت قيمتها، بتعويض الضرر الناشئ عن الجريمة أمام المحاكم الجنائية لنظرها مع الدعوى الجنائية».

ويستفاد من هذا النص الذي جاء تحت عنوان رفع الدعوى المدنية أن المحاكم الجنائية غير مختصة بنظر االادعاء بالحق المدنى التي يطالب فيها المدعى المدني بإصلاح الضرر الناشئ عن الجريمة بغير طريق التعويض ومثال هذه الدعاوى التي لا ترمى إلى إصلاح الضرر بطريق التعويض دعوى الحرمان من الإرث المترتب على جريمة قتل المورث، ودعوى بطلان الحجز المترتب على جريمة تزوير.

وقد حكم بأنه إذا قضى الحكم على متهم بالتزوير بحبسه وبإلزامه بتعويض المجني عليه، وبإلزامه أيضاً بتسليم مستندات محررة لصالح المجني عليه كانت قد سلمت للمتهم، وببطلان الحجز الموقع عليها تحت يد المتهم كان الحكم باطلا من جهة قضائه بتسليم المستندات المشار إليها ومن قضائه ببطلان الحجز المتوقع عليها.

وكذلك حكم بأنه لا اختصاص للمحكمة الجنائية برد حيازة العين المتنازع عليها، وذلك عند نظرها في جريمة انتهاك حرمة ملك الغير نظرا لأن اختصاصها قاصر على التعويضات الناشئة عن ارتكاب الجريمة.

1- التعويض فى الادعاء بالحق المدنى وصوره :

التعويض قد يحمل مفهوماً خاصا به يعرف بانه الحصول على مقابل الضرر المتمثل في مبلغ من المال وهو في هذا المفهوم يحكم به سواء تعذر الرد العيني أم كان ممكنا ولكن ترتب ضرر على فقدان الشيء في الفترة التي احتفظ بها المتهم بالشيء ذاته. ولذلك فيمكن أن يحكم به أيضا إلى جانب الرد.

أما التعويض بمعناه العام فهو إصلاح الضرر الناشئ عن الجريمة إما بدفع مقابل مالي للضرر وإما برد الشيء إلى صاحب الحق فيه وإما بدفع ما تكبده من مصاريف بسبب رفع الادعاء بالحق المدنى للحصول على حقه.

وأخيرا قد يكون بأداء أمر معين متصل بالعمل غير المشروع. والقانون المدني قد عبر عن ذلك صراحة بصدد تقدير التعويض حيث نص بان يقدر التعويض بالنقد، على أنه يجوز للقاضي تبعا للظروف وبناء على طلب المضرور، أن يأمر بإعادة الحالة إلى ما كانت عليه أو يحكم بأداء أمر معين متصل بالعمل غير المشروع وذلك على سبيل التعويض.

ومن أمثلة هذه الحالة الأخيرة إعلان الحكم ونشره في الصحف على نفقة المتهم أو تعليقه على المحال العمومية على نفقة المحكوم عليه، كما يحدث في الدعاوى المدنية المرفوعة مع الدعاوى الجنائية الخاصة بالجرائم الماسة بالشرف والاعتبار.

وعلى ذلك فالصورة التي يمكن أن يتشكل عليها التعويض بوصفه موضوع  الادعاء بالحق المدنى هي:

1- التعويض بمعناه الخاص أو التعويض النقدي.

2- الرد

3- المصاريف القضائية

4- التعويض الأدبي

أولا: التعويض النقدي:

وهو المطالبة بقيمة الضرر الناشئ عن الجريمة نقداً، ويستوي أن يكون الضرر ماديا أو ادبيا.

ولطالب الادعاء بالحق المدنى أن يطلب تعويضاً مؤقتا ليثبت حقه في التعويض على أن يقتضي باقي حقه بدعوى مدنية مستقلة.

فالمضرور من الجريمة له أن يطالب بالتعويض الذي يقدره وبالوصف الذي يراه. وفي كلتا الحالتين فالأمر متروك للمحكمة تقدره بما يتراءى لها. وعلى ذلك إذا أقر الحكم المطعون فيه كامل التعويض الذي طلبه المضرور وبالوصف الذي وصفه به من أنه مؤقت فلا تثريب على الحكم في ذلك.

والمحكمة لها مطلق السلطة في تقدير التعويض وهي تقدره بناء على جسامة الضرر. وليست المحكمة ملزمة بإجابة المدعى المدني إلى المبلغ الذي طلبه، فلها ان تنزل عنه إذا رأت أن عناصر الضرر وجسامته لا ترقى إلى المبلغ المطلوب.

ولكن ليس لها أن تزيد عن المبلغ المطلوب وإلا كان حكمها معيباً باعتبار أنها بذلك تكون قد تجاوزت ما طلبه الخصوم ومع ذلك فللمحكمة مطلق الحرية في إدخال ما تشاء من عناصر في تحديدها لمبلغ التعويض.

وقد حكمت المحكمة العليا بأنه من الأمور المستقرة فقها وقضاء أن مقدار التعويض تقدره محكمة الموضوع حسب اجتهادها المطلق ولا سلطان عليها في ذلك للمحكمة العليا مادام استنتاجها جائزا وله أصل ثابت في الأوراق، ولمحكمة الاستئناف أن تقدر بكل حرية زيادة أو نقص مقدار التعويض المحكوم به ابتدائيا مادامت المجني عليها كانت من بين المستأنفين لحكم محكمة أول درجة.

ومعنى ذلك أن تقدير التعويض يمكن أن يكون محلا للنقض في حالة ما إذا أخطأت المحكمة في استنتاج عناصر التعويض بأن تدخل في التقدير مثلا درجة جسامة الخطأ أو مدى يسار المسئول عنه كما يجوز لمحكمة النقض أن تتدخل في التقدير إذا كان تقديره غير محتاج إلى تحقيق موضوعي لا تختص به محكمة النقض.

ثانيا: الرد:

هو عبارة عن إعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل وقوع الجريمة. ومثال ذلك رد المسروقات. والرد هو تعويض عيني بمقتضاه يستعيد صاحب الحق فيه حقه الذي أضير بالجريمة. ويلاحظ أن الرد لا يكون إلا إذا كان الشيء المفقود بالجريمة قائماً بذاته، فلا يجوز رد البدل أو ثمن الأشياء المفقودة بالجريمة إذا بعت مثلا بمعرفة الجاني

وتجب التفرقة بين الرد باعتباره تعويضاً عينيا يمكن أن يكون موضوعاً ل الادعاء بالحق المدنى وبين الرد كإجراء إداري تأمر به سلطات التحقيق. ذلك أن المشرع قد نظم في الفصل الرابع من الباب الثاني تحت عنوان التصرف في الأشياء المضبوطة الإجراءات الخاصة بالرد من قبل سلطات التحقيق في المواد ۱۰۱ وما بعدها.

فقد نص المشرع في المادة ۱۰۱ على أنه يجوز أن يؤمر برد الأشياء التي ضبطت أثناء التحقيق ولو كان ذلك قبل الحكم، ما لم تكن لازمة للسير في الدعوى أو محلا للمصادرة

وللتمييز بين الرد الإداري والرد الذي يكون محل  الادعاء بالحق المدنى ينبغي أن تفرق بين الأشياء المضبوطة بمناسبة الجريمة. وذلك على النحو الاتي:

1- إذا كانت المضبوطات من الأشياء التي وقعت عليها الجريمة أو متحصلة من الجريمة فيكون للمضرور، وهو هنا من فقد حيازتها بالجريمة، أن يدعى مدنياً أمام المحكمة مطالباً بالرد ذلك أن الضرر الذي أصابه هنا هو ضرر مباشر من الجريمة.

2 – باقي المضبوطات الأخرى التي ضبطت أثناء التحقيق باعتبارها لازمة أو يمكن أن تكون محلا للمصادرة فالرد فيها يكون بإجراء إداري ولا يجوز المطالبة به أمام المحكمة بطريق الادعاء المدني إذ إن الأضرار التي تصيب حائزها ليست ناجمة عن الجريمة في حد ذاتها وإنما عن عملية الضبط بمناسبة التحقيق.

ولذلك فإن القانون بالنسبة لهذه الأشياء ينص على أنها تسلم إلى من كانت في حيازته وقت الضبط. بينما الأشياء التي وقعت عليها الجريمة أو كانت متحصلة منها فتسلم إلى من فقد حيازتها بالجريمة.

ويلاحظ أن الرد المكون لموضوعالادعاء بالحق المدنى لا يحكم به إلا بناء على طلب المدعى، اللهم إلا إذا كان القانون يجيز الحكم به بغير طلب كما هو الشأن بالنسبة للأشياء المضبوطة التي وقعت عليها الجريمة أو تحصلت منها. فالمادة ١٠٥ تنص على أنه يؤمر بالرد ولو من غير طلب

وإذا كان الأمر بالرد قد صدر من المحكمة بناء على طلب الادعاء بالحق المدنى في مواجهة المتهم فلا يجوز لهذا الأخير الالتجاء إلى المحكمة المدنية للمطالبة بما له من حقوق بالتطبيق للمادة ١٠٤ إجراءات.

ولكن إذا كان الرد هو إعادة الحال إلى ما كانت عليه فهو يمكن ان يأخذ صورة المطالبة ببطلان المحرر المزور مثلا أو الإزالة أو غلق محل خطر فتح دون ترخيص.

ولقد تعرضت محكمة النقض المصرية إلى موضوع إعادة وضع اليد على عقار سلبت حيازته بالقوة وقضت بأن هذا الطلب لا يدخل ضمن التعويضات الناشئة عن الجريمة فلا اختصاص للمحكمة الجنائية به.

وقد اعترض بعض الفقهاء بحق على هذا القضاء باعتبار أن رد العين المتنازع عليها إن لم يعد تعويضاً فهو من صورة الرد الذي تختص به المحكمة الجنائية

ثالثا: المصاريف:

إن المدعى ب الادعاء بالحق المدنى يتكبد مصاريف تستحق للخزانة العامة، ولذلك فهي تدخل ضمن عناصر التعويض التي يحكم بها على المتهم. فالمدعى المدني عليه فضلا عن دفع الرسوم القضائية أن يودع مقدما الأمانة التي تقدرها النيابة العامة أو قاضي التحقيق أو المحكمة على ذمة أتعاب ومصاريف الخبراء والشهود وغيرهم. وهذا بالإضافة إلى ما يتكبده من مصاريف أخرى في مباشرة الدعوى المدنية وأتعاب المحاماة وغير ذلك.

ويكون المدعى ب الادعاء بالحق المدنى ملزما للحكومة بمصاريف الدعوى ويتبع في تقدير هذه المصاريف وكيفية تحصيلها ما هو وارد قانون الرسوم القضائية (م۳۱۹ إجراءات).

ولذلك إذا حكم بإدانة المتهم في الجريمة، فإنه يجب الحكم عليه للمدعى المدني بالمصاريف التي تحملها (۳۲۰ إجراءات). ومع ذلك فقد أجاز القانون للمحكمة ان تخفض مقدار هذه المصاريف إذا رأت أن بعضها غير لازم. ويحكم بالمصاريف حتى ولو لم يطلبها المدعى بالحقوق المدنية.

أما في حالة عدم الحكم للمدعى المدني بالتعويضات سواء أكان الحكم بالنسبة للمتهم في الدعوى الجنائية صادرا بالبراءة أو بالإدانة فإن المدعى المدني يلزم بالمصاريف التي استلزمها دخوله في الدعوى ومثال ذلك الحكم بالبراءة لسقوط الدعوى الجنائية. وإذا كان الحكم قد صدر للمدعى المدني ببعض التعويضات التي طلبها، فيجوز للمحكمة تقدير هذه المصاريف على نسبة تبين في الحكم (٣٢٠/٢) ويعامل المسئول عن الحقوق المدنية معاملة المتهم فيما يختص بمصاريف الدعوى.

ويلاحظ أنه في حالة تعدد المتهمين في الجريمة الواحدة، فاعلين كانوا أو شركاء، فالمصاريف التي تحكم بها عليهم تحصل منهم بالتساوي ما لم يقض الحكم بتوزيعها بينهم على خلاف ذلك أو الزامهم بها متضامنين. (م۳۱۷ إجراءات).

مصاريف الدعوى الجنائية:

بالنسبة لمصاريف الدعوى الجنائية ينبغي التفرقة بين الحكم بالإدانة والحكم بالبراءة. فالحكم على المتهم بالبراءة لا يجوز معه إلزامه بالمصاريف الخاصة بالدعوى الجنائية.

أما إذا كان بالإدانة فقد أعطى المشرع للمحكمة سلطة الحكم عليه بالمصاريف كلها أو بعضها أو إعفائه منها. فقد نصت المادة ۳۱۳ إجراءات بخصوص الإلزام بالمصاريف على أن كل منهم حكم عليه في جريمة يجوز إلزامه بالمصاريف كلها أو بعضها.

كما أجاز الحكم بمصاريف الاستئناف كلها أو بعضها إذا حكم بتأييد الحكم الابتدائي (م ٣١٤). ونفس الوضع بالنسبة لمصاريف الطعن بالنقض فيجوز لمحكمة النقض أن تحكم بمصاريف الطعن كلها أو بعضها على المتهم المحكوم عليه إذا لم يقبل طلبه أو إذا رفض (٣١٦).

وفي حالة عدم الحكم بكل المصاريف وجب أن يحدد في الحكم مقدار ما يحكم به عليه منها (م۳۱۸). إذا أغفل الحكم النص على المصاريف فمعنى ذلك انه أعفى المحكوم عليه منها.

وإذا حكم على عدة متهمين بحكم واحد لجريمة واحدة فاعلين كانوا أو شركاء فالمصاريف التي يحكم بها تحصل منهم بالتساوي ما لم يقض الحكم بتوزيعها بينهم على خلاف ذلك، أو الزامهم بها متضامنين (م۳۱۷)

وبطبيعة الحال إذا كان الحكم قد صدر بالنسبة لبعض المتهمين بالبراءة والبعض الآخر بالإدانة جاز إلزام المحكوم عليهم بالإدانة بكافة مصاريف الدعوى الجنائية.

ويعامل المسئول عن الادعاء بالحق المدنى معاملة المتهم فيما يختص بمصاريف الدعوى الجنائية كلها أو بعضها وإذا حكم على المتهم بمصاريف الدعوى الجنائية كلها أو بعضها، وجب إلزام المسئول عن الادعاء بالحق المدنى بما حكم به، وفى هذه الحالة تحصل المصاريف المحكوم بها من كل منهما بالتضامن (م۳۲۱، ۳۲۲).

رابعا: التعويض الأدبي

قد يأخذ التعويض صورة أخرى خلاف الرد النقدي والعيني. فقد يطلب المدعى المثنى الحكم له على المدعى عليه بنشر الحكم في الصحف أو في أحد المحال العامة. وقد يرى المضرور أن في هذا إصلاحا للضر الذي نشأ عن الجريمة قد يفوق في ذاته الحكم به بتعويض نقدي ومن أجل هذا نص المشرع المدني في المادة ۱۷۱ على أنه يجوز للقاضي وبناء على طلب المضرور ان يحكم بأداء أمر معين متصل بالعمل غير المشروع وذلك على سبيل التعويض.

وقد جرى القضاء  بإقرار هذا النوع من التعويض وخاصة في الجرائم الماسة بالشرف والاعتبار.

غير أن عددا من الفقهاء لا يرون هذه الصورة من صور التعويض في مجال الادعاء بالحق المدنى المرفوعة أمام المحاكم الجنائية وذلك تأسيسا على أن النشر نص عليه القانون كعقوبة تكميلية في بعض الجرائم وبالتالي لا يصح للقاضي الجنائي أن يحكم بها في غير الأحوال التي نص عليها القانون صراحة.

والحقيقة هي أن التعويض الأدبي الذي يتمثل في نشر الحكم على نفقة المحكوم عليه لا غضاضة فيه ولا مخالفة فيه لنصوص القانون.

فالمشرع المدني يجيزه ويسمح به ومادام الأمر كذلك فالقاضي الجنائي الذي يحكم في الدعوى المدنية إنما يفصل فيها مطبقا القواعد الموضوعية المنصوص عليها في القانون المدني.

وأما القول بأن القاضي الجنائي لا يحكم بالنشر إلا في الأحوال التي ينص عليها القانون على ذلك بوصفه عقوبة تكميلية فهذا سليم إذا كان القاضي الجنائي يفصل في الدعوى الجنائية.

أما إذا كان النشر هو بصدد الادعاء بالحق المدنى وعلى سبيل التعويض الأدبي فليس في الأمر أية مخالفة للقانون. هذا فضلا عن أنه من غير المنطقي أن النشر يعتبر عقوبة تكميلية إذا حكم به القاضي الجنائي في الدعوى الجنائية، بينما يكون تعويضاً أدبيا إذا حكم به القاضي المدني في الدعوى المدنية المرفوعة له ابتداء، بالإضافة إلى أن حكم القاضي الجنائي في الادعاء بالحق المدنى

بنشر الحكم قد يكون مستقلا عن الدعوى الجنائية كما لو كانت هذه الأخيرة قد انقضت بسبب التنازل عنها أو لأي سبب من أسباب السقوط والتي لا تتأثر بها الدعوى المدنية.

الخصوم في الادعاء بالحق المدنى

أولا: المدعى في الادعاء بالحق المدنى

1- شروط ثبوت صفة المدعى في الادعاء بالحق المدنى ، صفة المضرور في حالة التقاضي .

2- الادعاء بالحق المدنى من غير شخص المضرور في حالة انتقال الحق إلى الغير

أولاً: حق الورثة.

ثانيا: مدى قبول الادعاء بالحق المدنى من دائن المضرور.

ثالثا: مدى قبول الادعاء بالحق المدنى من المحول إليه الحق.

1- شروط ثبوت صفة المدعى في الادعاء بالحق المدنى :

يستلزم القانون لكي تثبت صفة المدعى في الادعاء بالحق المدنى توافر شرطين الأول: أن تكون الدعوى قد رفعت من شخص أصابه ضرر من الجريمة والثاني: أن يكون لدى الشخص أهلية التقاضي.

ويترتب على تخلف أي من الشرطين عدم قبول الادعاء بالحق المدنى . ذلك أن صفة الخصوم والشروط الواجب توافرها فيهم إنما تتعلق بشروط قبول الدعوى وليس بولاية المحكمة بها. ولذلك فالحكم الذي تصدره المحكمة في حالة تخلف أحد هذين الشرطين هو حكم بعدم قبول الدعوى المدنية وليس برفضها أو عدم اختصاصها.

وذلك على عكس الشروط الخاصة بسبب الادعاء بالحق المدنى وموضوعها فهي تتعلق بولاية المحكمة ومن ثم يكون الحكم في حالة تخلف شرط من شروطها هو بعدم الاختصاص.

1– صفة المضرور:

لا تثبت صفة المدعى إلا لشخص لحقه ضرر من الجريمة. وهذا هو العنصر الأول اللازم التثبت منه للقول بقيام صفة المدعى. وليس بشرط أن يكون المضرور من الجريمة هو المجني عليه فيها. فقد رأينا فيما سبق أن الضرر الناشئ عن الجريمة قد يصيب أخرين غير المجني عليه.

ولذلك فإن عدم ثبوت صفة المجني عليه لا تنفى ثبوت صفة المضرور ولقد عبر المشرع في نص المادة ٢٥١ بخصوص الادعاء بالحق المدنى لمن لحقه ضرر من الجريمة أن يقيم نفسه مدعيا بالحقوق المدنية أمام المحكمة المنظورة أمامها الدعوى الجنائية». ويستوي أن يكون الضرر ماديا أو أدبيا. غير أنه يلزم أن يكون الضرر قد أصابه شخصيا.

فلا يجوز الادعاء بالحق المدنى من الوالد بالنسبة لجريمة وقعت على ابنه اللهم إلا إذا كان قد اصابه فعلا ضرر كما في حالة فقدان الابن بسبب الجريمة.

ويلاحظ أن التنازل عن الشكوى لا يتضمن في معناه تنازلا عن الحق في الادعاء بالحق المدنى ويجوز للمتنازل الاستمرار في دعواه المدنية وتحكم المحكمة فقط بانقضاء الدعوى الجنائية دون أن تتأثر الدعوى المدنية بذلك.

وإذا حدث أن دفع للمضرور تعويض بمناسبة وقوع الجريمة من الجهة التي يعمل بها أو من شركة التأمين فلا ينفى ذلك حقه في الادعاء بالحق المدنى والمطالبة بالتعويض عن الأضرار الناشئة عن الجريمة من المتهم. ويجوز للمتنازل الاستمرار في دعواه المدنية وتحكم المحكمة فقط بانقضاء الدعوى الجنائية دون أن تتأثر الدعوى المدنية بذلك.

وإذا حدث أن دفع للمضرور تعويض بمناسبة وقوع الجريمة من الجهة التي يعمل بها أو من شركة التأمين فلا ينف ذلك حقه في الادعاء بالحق المدنى والمطالبة بالتعويض عن الأضرار الناشئة عن الجريمة من المتهم

وقد حكم بأنه لا يقبل الادعاء بالحق المدنى من نقابة الأطباء بالنسبة للدعوى الجنائية المرفوعة على المتهم بتهمة إساءة مباشرة مهنة الطب طالما أنه لم ينتج عن هذه الجريمة ضرر خاص بالنقابة ذاتها وكل ما تعنيه هو ضرورة حماية المصالح المعنوية والأدبية لطائفة الأطباء.

كذلك لا يجوز الادعاء بالحق المدنى من قبل شركة التأمين التي دفعت مبلغ التأمين للمجني عليه بمناسبة وقوع الجريمة باعتبار أن الضرر الذي أصاب الشركة ليس ناشئا عن الجريمة وإنما بناء على عقد التأمين.

ويلاحظ أن الوالدين يمكنهما الادعاء بالحق المدنى إذا أصابهما ضرر مباشر من الجريمة، وللورثة أيضا ذلك الحق في الحدود التي نص عليها القانون المدني وهي قاصرة على الأزواج والأقارب للدرجة الثانية وذلك بالنسبة للضرر الأدبي.

وقد حكم بأنه للدولة أن تدعى مدنياً إذا كان قد أصابها ضرر مباشر من الجريمة. وحق الدولة في الادعاء بالحق المدنى لا يجب أن يختلط بالمصلحة الاجتماعية التي تضار من الجريمة والتي يمثل المجتمع فيها النيابة العامة.

وعليه فإن الادعاء بالحق المدنى من قبل الدولة في جرائم التهرب الضريبي مقبول وكذلك في جرائم القتل والجرح التي تقع على موظفيها وفى جرائم التزوير والرشوة الواقعة من الموظف ويشترط في جميع الأحوال التي تدعى فيها الدولة أو إحدى هيئاتها مدنيا أن يكون هناك ضرر خاص قد أصابها من الجريمة.

أما الضرر الاجتماعي الذي تحدثه الجريمة فهذا تتكفل به النيابة العامة بصدد الدعوى الجنائية وإذا كان لا يلزم في المدعى أن يكون شخصا طبيعيا، وإنما يمكن للأشخاص المعنوية أن تدعى مدنياً أمام المحكمة الجنائية، إلا أن الادعاء لا يقبل إلا إذا كان من يمثلها قانونا في الادعاء بالحق المدنى قد توافرت له الأهلية اللازمة للتقاضي

خلاصة القول إذن هو أن المدعى يلزم أن تتوافر له صفة المضرور من الجريمة وهذه لن تتأتى إلا إذا كان قد أصابه ضرر مباشر منها على التفصيل السابق.

2- أهلية التقاضي :

لا تثبت صفة المدعى للمضرور إلا إذا توافرت في حقه أهلية التقاضي. وهي لا تثبت إلا للشخص البالغ الرشيد أما معدوم الأهلية أو ناقصها فلا تثبت له أهلية التقاضي وإنما تثبت لوليه أو وصيه أو القيم عليه.

ولذلك يجب أن نفرق بين الحق الشخصي في التعويض وبين الحق في الادعاء بالحق المدنى . فالحق الشخصي في التعويض وإن ثبت لعديم الأهلية أو ناقصها إلا أنه لا يثبت له الحق في الادعاء بالحق المدنى وإنما يثبت ذلك الحق للولي أو الوصي أو القيم.

واشتراط أهلية التقاضي كشرط في اكتساب صفة المدعى يستفاد من نصوص قانون الإجراءات. فبعد أن نص المشرع في المادة ۲٥١ على أن لمن لحقه ضرر من الجريمة أن يقيم نفسه مدعياً بالحقوق المدنية جاء في المادة ٢٥٢ ونص على أنه إذا كان من لحقه ضرر من الجريمة فاقد الأهلية ولم يكن له من يمثله قانونا.

جاز للمحكمة المرفوعة أمامها الدعوى الجنائية بناء على طلب النيابة العامة أن تعين له وكيلا ليدعي بالحقوق المدنية نيابة عنه. ومعنى ذلك أن المشرع لم يضف على عديم الأهلية أو ناقصها صفة المدعى، وإنما أضفى عليه فقط صفة المضرور، وجعل الادعاء بالحق المدنى ، إذا لم يكن له من يمثله قانونا، يتم بواسطة وكيل تعينه المحكمة بناء على طلب النيابة العامة.

ويلاحظ أنه في حالة فاقد الأهلية إذا لم يكن له من يمثله قانونا ترك المشرع للمحكمة سلطة جوازيه في تعيين وكيل له ليدعي مدنيا بحقوقه. ولذلك إذا لم تقم المحكمة بذلك فلا تقبل الادعاء بالحق المدنى من القاضي أو عديم الأهلية لانتفاء صفة المدعى بانتفاء أهلية التقاضي.

ومتى توافر في الشخص الشرطان السابق بيانهما اكتسب صفة المدعى وقبلت دعواه المدنية إذا رفعت للتعويض عن الأضرار الناشئة عن الجريمة وتعتبر الادعاء بالحق المدنى أنها رفعت من شخص ذي صفة فيها. وقد حكم بأنه إذا ادعى المجني عليه القاصر بحق مدني ضد المتهم، ولم يدع المتهم بعدم قبول دعواه بعدم أهليته بل قبلها وترافع في موضوعها حتى صدور الحكم لمصلحة المجني عليه فلا يجوز إثارة هذا الدفع لأول مرة أمام محكمة النقض

2- الادعاء بالحق المدنى من غير شخص المضرور في حالة انتقال الحق إلى الغير :

لقد ثار الخلاف حول ما إذا كان من الممكن الادعاء بالحق المدنى من قبل أشخاص آخرين خلاف المضرور من الجريمة وذلك إذا كان قد انتقل إليهم الحق الشخصي الثابت للمضرور في التعويض وسبب هذا التساؤل هو أن الحق الشخصي في التعويض عن الضرر الذي نشأ عن الجريمة يدخل ضمن العناصر المكونة للذمة المالية للمضرور.

فإذا انتقل هذا الحق بسبب الوفاة أو قام المضرور بتحويله إلى آخر فهل يجوز للورثة أو المحال إليه أن يدعى مدنياً أمام المحكمة الجنائية، وهل يجوز أيضا لدائني المضرور ذلك؟ أم أن حق الادعاء بالحق المدنى أمام المحكمة الجنائية قاصر على شخص المضرور من الجريمة؟

أولاً: حق الورثة في الادعاء بالحق المدنى :

أن حق الورثة في الادعاء بالحق المدنى يتوقف على التفرقة بين فروض ثلاثة جرى الفقه عليها

1- وقوع الجريمة قبل وفاة المضرور: إذا وقعت الجريمة قبل وفاة المضرور فهنا نفرق بين فرضين:

الأول: وهو حيث يكون المضرور قد قام ب الادعاء بالحق المدنى فعلا قبل وفاته، فلا صعوبة في الأمر إذ أن للورثة أن يحلوا محل مورثهم في الادعاء بالحق المدنى ويستمروا فيها باعتبار أن الحق في التعويض قد انتقل إليهم مع ذمة مورثهم.

الثاني: إذا كان المورث لم يقم ب  الادعاء بالحق المدنى قبل الوفاة فقد اختلف الرأي. فقد ذهب البعض إلى وجوب التفرقة بين الضرر المادي وبين الضرر الأدبي، فالأول هو فقط الذي يحق للورثة الادعاء بالحق المدنى عنه مدنياً أمام المحكمة الجنائية أما الثاني وهو الضرر الأدبي فلا ينتقل إلى الورثة بأي حال من الأحوال باعتبار انه ضرر أصاب شخص مورثهم في شعوره أو في وجدانه ولذلك فقد زال بوفاته

بينما ذهب آخرون إلى وجوب التسوية بين النوعين من الضرر والقول بانتقال الحق إلى الورثة في كليهما دون تمييز ولذلك يجوز للورثة طبقا لهذا الرأي الادعاء بالحق المدنى أمام المحكمة الجنائية

وقد تعرضت المحكمة العليا للموضوع وفرقت بين نوعين من الجرائم:

جرائم القتل بسائر أنواعه من عمد وخطا وضرب أفضى إلى موت، وبين باقي اع الجرائم، وقضت بأنه ليس للورثة في الجرائم الأولى أن يرفعوا الدعوى باعتبارهم ورثة تلقوا الحق من مورثهم. وأما بالنسبة للنوع الثاني من الجرائم هي التي لا تسبب الوفاة حالا ويدخل فيها أيضا الفرض الذي نحن بصدده وهو وفاة المجني عليه أو المضرور من الجريمة

فقد قضت بأنه إذا توفى المضرور من الجريمة فإن حقه في التعويض يعتبر جزءاً من أمواله وينتقل ضمن تركته إلى ورثته ويكون لهم حق رفع الادعاء بالحق المدنى التي كانت لمورثهم أو الحلول محله فيها إذا كان قد رفعها قبل وفاته. كل ذلك دون تمييز بين الضرر المادي والضرر الأدبي.

وفي نفس الاتجاه قضت محكمة النقض المصرية دون تفرقة بين جرائم المال والنفس صراحة بأنه إذا كانت الجريمة من الجرائم التي لا تتوقف فيها المحاكمة على شكوى من المجني عليه فلأبيه بعد وفاته أن يدعى الادعاء بالحق المدنى على أساس الضرر الذي لحق ابنه من جرائها لأن من حقه بصفته وارثا أن يطالب بتعويض الضرر المادي والأدبي الذي سببته الجريمة لمورثه على اعتبار أن هذا الضرر يؤول في النهاية إلى مال يورث عن الضرر.

وما دام المجني عليه قبل وفاته لم يتنازل صراحة عن حقه في التعويض فلا محل لافتراض هذا التنازل واستنتاجه من أن وفاته حصلت قبل أن يرفع دعوى التعويض. ويلاحظ أن المحكمة قد استلزمت أن تكون الجريمة لا يعلق فيها رفع الدعوى على شكوى لأن الوفاة في حالة تطلب الشكوى لرفع الدعوى يسقط الحق في الشكوى وبالتالي لا تتحرك الدعوى الجنائية ومن ثم فلن يكون هناك مجال ل الادعاء بالحق المدنى أمام المحاكم الجنائية.

وأيضا لا يجوز للورثة المطالبة بحق مورثهم أمام المحاكم المدنية نظرا للطابع الشخصي في هذه الأفعال غير المشروعة والتي ارتأى المشرع إسدال الستار عليها نهائيا بالوفاة دون تقديم الشكوى. ويذهب البعض إلى تأييد الرأي الذي انتهت إليه كل من المحكمة العليا الليبية ومحكمة النقض المصرية على أساس أن الضرر أيا كان نوعه ماديا أو أدبيًا فإن الحق في التعويض عنه هو حق مالي يدخل في عناصر الذمة المالية، ولذلك يجوز للورثة الادعاء بالحق المدنى بمقتضاه حتى بعد وفاة مورثهم دون أن يطالب به.

غير أنه يلاحظ أن المشرع المدني قد أورد قيدا على انتقال الحق في التعويض عن الضرر الأدبي إلى الغير. فقد نص على أنه لا يجوز أن ينتقل الحق في التعويض عن الضرر الأدبي إلى الغير إلا إذا تحدد بمقتضى اتفاق طالب به الدائن أمام القضاء، ففي حدود هذا القيد يجوز للورثة الادعاء المدني للمطالبة بالتعويض عن الضرر الأدبي الذي لحق مورثهم. وهذا أيضا هو ما قضت به محكمة النقض المصرية

ومع ذلك فإننا نميل إلى الأخذ بالرأي القائل بعدم انتقال الحق في الادعاء بالحق المدنى أمام المحاكم الجنائية إلى الورثة بالنسبة للضرر الأدبي اللهم إلا في حالة ما إذا كان المضرور قد رفع دعواه قبل الوفاة، أما إذا كان لم يدع مدنيا ولحقته الوفاة فلا ينتقل الحق في الادعاء بالحق المدنى أمام المحاكم الجنائية للورثة وذلك نظرا لأن المشرع في قانون الإجراءات الجنائية ميز الادعاء بالحق المدنى أمام المحاكم الجنائية باشتراط الضرر المباشر الناشئ عن الجريمة، أما الأضرار الأخرى فتختص بها المحاكم المدنية.

ومعنى ذلك أنه يجب فيمن يباشر الدعوى الجنائية التبعية أمام القضاء الجنائي أن يكون قد ثبتت له صفة المضرور ضررا مباشرا فحق الادعاء المدني عن الضرر الأدبي أمام المحاكم الجنائية هو حق شخصي لا ينتقل بالوفاة لتعلقه بشخص المضرور ضررا مباشرا.

وعلى الورثة في هذه الحالة ان يلجئوا إلى المحاكم المدنية إذ ينتقل لهم حق الادعاء بالحق المدنى أمامها ولا ينتقل إليهم حق الادعاء أمام المحاكم الجنائية. ولا يقدح في هذا القول إن قانون المرافعات ينظم انقطاع الخصومة نظرا لأن الدعوى المدنية أمام المحاكم الجنائية يطبق بشأنها القواعد المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية، وليست قواعد المرافعات المدنية إلا عند الإحالة إليها صراحة

2- أن تكون الجريمة هي سبب الوفاة الحالة وهذا الفرض لا يثير صعوبة نظرا لأن الوفاة الحالة بسبب الجريمة من شانها أن تحول دون ثبوت الحق في الدعوى المدنية. إذ إن هذا الحق لا يثبت إلا بالوفاة في هذا الفرض وبالتالي فقد نشأ معدوما. ذلك أن هذا الحق لم يدخل في ذمة المورث قبل وفاته وبالتالي لا ينتقل إلى الورثة. وإن كان هذا لا يمنع الورثة من الادعاء المدني إذا كان قد أصابهم ضرر مباشر من الجريمة

وفى هذا تقول المحكمة العليا الليبية إنه ليس للورثة في جرائم القتل بسائر أنواعه أن يرفعوا الدعوى باعتبارهم ورثة تلقوا الحق من مورثهم لأن القتيل لم يكتسب حق رفع الدعوى المدنية عن واقعة القتل ولا يكتسبها قبلها لأنها ام تكن وقعت ولا بعدها لأن الميت لا يكتسب حقوقاً، وإنما يكون للورثة أسوة بباقي الأقارب أن يرفعوا بصفتهم الشخصية دعوى على الجاني يطلب تعويض الضرر المادي والأدبي الذي نالهم شخصيا من الجريمة ولا يوزع عليهم هذا التعويض طبقا لأحكام الميراث لأنه ليس من التركة ولكن بقدر الضرر الذي لحق كلا منهم. كما أن صفة الوارث لا تكفي وحدها للحكم بالتعويض بل يتعين إثبات الضرر

كما قضت أيضا بأن التعويض عن الجرائم بسائر أنواعها من عمد وخطا وضرب أفضى إلى الموت لا يستحق إلا بعد الوفاة لأنه تعويض عن الموت ولما كان كذلك وكان الميت لا يتملك ذلك بعد موته لانعدام شخصيته القانونية وبالتالي لا يضاف التعويض المحكوم به إلى تركته، فإن مجرد صفة الوراثة لا تؤهل صاحبها للمطالبة به ولا للمشاركة فيه، لأنه ليس جزءا من التركة التي خلفها، وتحددت مفرداتها نهائياً قبل أن يموت،

وإنما يجب أن يكون لساس التعويض هو الضرر الذى أصاب الطالب شخصيا من موت المجنى عليه فأفقده بموته حناناً أو عطفا كان في حاجة إليه أو حرمه ممن كان يعيله وينفق عليه.

ومع ذلك فقد ذهب بعض الفقه إلى أن الوفاة تنشئ للمتوفي حقا في التعويض الذي يثبت له بالضرر الذي يصيبه من جراء الموت غير الطبيعي.

وهذا الضرر يلحق به لا قبل الموت ولا بعده ولكن في أثنائه، فالموت، وفقا لهذا الرأي مهما اقتربت ساعته أو تداخلت فيه لحظة الإصابة، فهو يأتي بعدها والفترة التي تفصل بينهما وإن قصرت تكفي لنشوء الحق في التعويض وهو حق ينتقل إلى الورثة بالوفاة

والواقع أن هذا الرأي ينطوي على خلط يجب تجنبه. فالحق في التعويض إما أن يكون ناشئا عن الوفاة، وهو في هذه الحالة يولد ميتا باعتبار أنه ولد بعد الوفاة وما كان ليوجد قبلها.

وطالما نشأ بعد الوفاة فهو يولد معدوماً لأن الميت لا يكتسب حقوقاً. وأما أن يكون ناشئاً عن الألآم التي تسببت في الوفاة وفي هذه الحالة يكون الحق قد نشأ قبل الوفاة ويطبق بشأنه من حيث انتقاله إلى الورثة ما قيل بصدد الفرض الأول علما بأنه لن يكون حقا في التعويض عن الوفاة وإنما عن الإصابة والألآم السابقة عليها.

هذا فضلا عن أنه من غير المتصور عقلا ومنطقا أن تتحدث عن حق التعويض عن الوفاة وثبوت هذا الحق للمتوفى الذي مات قبل نشوء الحق.

3- المساس بشرف واعتبار المورث المتوفى: وفي هذا الفرض نظرا لأن المشرع لا يجرم المساس بشرف واعتبار المتوفى فلا تثور أدنى مشكلة في هذا الصدد.

فالفعل المرتكب ماساً بشرف واعتبار المتوفى إذا كون أركان جريمة السب أو التشهير بالنسبة للورثة فإن هؤلاء هم الذين يأخذون صفة المجني عليهم في الجريمة ويحق لهم الادعاء مدنيا إذا كان الضرر الذي لحقهم من الجريمة هو ضرر مباشر وذلك وفقا للوضع العادي في الدعوى المدنية وشروط قبولها أمام المحكمة الجنائية.

أما إذا لم يكن السلوك قد ارتقى إلى مصاف التجريم فليس من سبيل للورثة سوى الالتجاء إلى الطريق المدني.

وأما إذا كانت الواقعة المرتكبة تشكل جريمة من جرائم إهانة الجثث وإتلافها والتمثيل بها، فيجوز هنا للورثة الادعاء المدني ليس بوصفهم ورثة تلقوا حق الادعاء عن مورثهم وإنما بوصفهم مضرورين من الجريمة ضررا مباشرا وفقا لقواعد الادعاء المدني أمام المحكمة الجنائية المرفوعة عنها الدعوى الجنائية.

ثانيا: مدى قبول الادعاء بالحق المدنى من دائن المضرور:

لقد ثار التساؤل عما إذا كان من الممكن تطبيق ما نص عليه القانون المدني من حق للدائن حتى ولو لم يكن دينه مستحق الأداء أن يستعمل باسم مدينه جميع الحقوق المتعلقة به إلا ما كان منه متصلا بشخصه خاصة أو غير قابلة للحجز وذلك بالنسبة لحق المدين في الادعاء بالحق المدنى أمام المحاكم الجنائية.

لقد ذهب بعض الفقهاء وتبعه جانب من القضاء إلى وجوب التفرقة بين حق الادعاء المدني الناشئ عن جريمة تنصب على مال أو حق يتعلق بالذمة المالية للمدين وبين حق الادعاء بالحق المدنى الناشئ عن جريمة تنصب على حق شخصي يتعلق بشخص المدين.

ومثال النوع الأول من جرائم الأموال كالسرقة والإتلاف ومثال النوع الثاني من جرائم الاعتداء على الأشخاص كالجرح والإيذاء والسب وقد انتهوا إلى أنه يجوز لدائن المدين الادعاء مدنياً باسمه في الحالة الأولى وعدم جواز ذلك في الحالة الثانية.

والرأي عندنا هو أنه لا يجوز إهمال ما نص عليه القانون المدني بصدد الحق الادعاء بالحق المدنى أمام المحاكم الجنائية. ذلك أن المشرع في قانون الإجراءات الجنائية قد قيد هذا الحق المقرر أيضاً في القانون المدني بقصره فقط على المضرور ضرراً مباشراً من الجريمة.

فإذا لم تتوافر هذه الصفة فلا يقبل الادعاء بالحق المدنى وإنما على الدائن أن يلجأ إلى القضاء المدني وتكون دعواه مقبولة بناء على ما خوله له القانون المدني وليس هناك مجال للتفرقة بين جرائم الأموال وجرائم الأشخاص والسماح ب الادعاء بالحق المدنى نيابة عن المدين في الأولى دون الثانية.

فالمشرع في قانون الإجراءات الجنائية لا يعرف هذه التفرقة، وكل الذي يضعه في الاعتبار أن يكون رافع الادعاء بالحق المدنى قد أضير ضررا مباشرا من الجريمة ويستوي بعد ذلك نوع الجريمة.

ولا يقدح في قولنا هذا ما أباحه القانون المدني للدائنين من استعمال حقوق مدينهم الغير متصلة بشخصه فنص قانون الإجراءات بصدد الدعوى المدنية يعتبر نصاً خاصاً ويقيد بذلك النص العام.

ولو كان الأمر خلاف ذلك لاكتفى المشرع في قانون الإجراءات الجنائية بالإحالة إلى قواعد القانون المدني. أما وقد خص المدعى أمام المحاكم الجنائية بصفة خاصة هي المضرور ضرراً مباشرا فلا مناص من وجوب الخضوع لهذا النص الخاص.

ثالثا: مدى قبول الادعاء بالحق المدنى من المحول إليه الحق:

يجيز القانون المدني للدائن تحويل حقه قبل المدين إلى شخص آخر اللهم إلا إذا حال دون ذلك حائل من نص القانون أو اتفاق المتعاقدين أو طبيعة الالتزام ونتم الحوالة دون ما حاجة إلى رضاء المدين.

والحق في التعويض عن الضرر الناشئ من الجريمة هو كسائر الحقوق التي يمكن لصاحبه أن يحوله إلى غيره.

وفى هذا لا يختلف اثنان ولكن السؤال هو: هل يجوز للمضرور ان يحول حقه في الادعاء بالحق المدنى أمام المحكمة الجنائية إلى شخص آخر؟

بطبيعة الحال لا يجب أن نخلط بين الحق الشخصي في التعويض والحق في الادعاء بالحق المدنى وقد سبق أن فرقنا بينهما. ومع ذلك فقد ذهب جانب كبير من الفقهاء وخاصة في فرنسا إلى القول بان للمضرور من الجريمة الذي يملك حق الادعاء بالحق المدنى أن يحول هذا الحق في الادعاء بالحق المدنى أمام القضاء الجنائي،،،،

ويكون للمحكوم إليه الحق إما أن يرفع الدعوى المدنية أمام المحكمة الجنائية باسم المحجل بناء على التوكيل الذي يرد بالحوالة، إما أن يرفعها باسمه الشخصي غير أننا لا نرى هذا الرأي فالحق في الادعاء المدني هو حق شخصي للمضرور من الجريمة ضررا مباشرا ولا يجوز له أن يحوله إلى الغير ليدعي مدنياً أمام القضاء الجنائي.

فيمكن للمحول إليه أن يرفع الدعوى أمام المحكمة المدنية، أما ادعاؤه أمام المحكمة الجنائية فهو غير مقبول إذ ليست له صفة المدعى المتطلبة في قانون الإجراءات الجنائية في الدعوى المدنية التي تنظرها المحكمة الجنائية. وعلى هذا الرأي الراجح من الفقه المصري وكذلك القضاء.

وقد سبق أن رأينا أن القضاء قد حكم في أكثر من مناسبة بأنه ليس لشركة التأمين التي تدفع مبلغ التأمين للمجني عليه أن تدعى مدنياً أمام المحكمة الجنائية على المتهم لاقتضاء ما دفعته للمجني عليه من تعويض إذ إنها لم يصبها ضرر مباشر من الجريمة.

ثانيا: المدعى عليه في الادعاء بالحق المدنى

شروط المدعى عليه في الادعاء بالحق المدنى

الأشخاص الذين يجوز رفع الادعاء بالحق المدنى عليهم خلاف المتهم:

(۱) المسئول عن الحقوق المدنية

(۲) الورثة.

شروط المدعى عليه في الادعاء بالحق المدنى:

يشترط فيمن ترفع عليه الادعاء بالحق المدنى أمام المحكمة الجنائية شرطان:

أن يكون متهما بارتكاب الجريمة المنظورة دعواها الجنائية أمام المحكمة، يستوي أن يكون فاعلا أصلياً أم شريكا. وهذا واضح من صريح نص الفقرة الأولى من المادة ٢٥٣ من قانون الإجراءات والتي جاء بها ترفع الدعوى بتعويض الضرر على المتهم بالجريمة».

وإذا تعدد المتهمون المسئولون عن الضرر كانوا متضامنين في التزامهم بالتعويض ولا يؤثر في هذا عدم ثبوت اتفاق بينهم على التعدي لأن المسئولية المدنية على حد تعبير محكمة النقض تبنى على مجرد توارد الخواطر على الاعتداء

ويلاحظ أنه يجوز رفع الدعوى المدنية أيضا على المسئولين عن الحقوق المدنية عن فعل المتهم، إلا أنه يشترط لذلك رفع الدعوى المدنية ابتداء على المتهم. وكذلك الحال أيضاً في حالة رفعها على الورثة إذا انقضت الدعوى الجنائية بالوفاة وكانت الدعوى المدنية قد رفعت على المتهم إلى جانب الدعوى الجنائية.

ومعنى ذلك أنه لا يجوز رفع الادعاء بالحق المدنى أمام المحاكم الجنائية على المسئول عن الحقوق المدنية دون رفعها على المتهم، أو الادعاء بالحق المدنى على الورثة دون أن تكون قد رفعت ابتداء على المورث واتصلت بها المحكمة الجنائية قبل وفاته وإلا فلا اختصاص لهذه المحكمة بتلك الدعوى المدنية ويتعين الالتجاء إلى الطريق المدني.

أن تتوافر لدى المتهم أهلية التقاضي. ولذلك إذا كان المتهم فاقد الأهلية لسبب من الأسباب فلا يجوز رفع الدعوى المدنية عليه وإنما ترفع على من يمثله. وقد نصت المادة ٢٥٣ على ذلك حين قضت بأن ترفع الدعوى المدنية بتعويض الضرر على المتهم بالجريمة إذا كان بالغاً، وعلى من يمثله إن كان فاقد الأهلية. فإن لم يكن له من يمثله وجب على المحكمة أن تعين له من يمثله بناء على طلب النيابة.

ويلاحظ أن المحكمة هنا تكون ملزمة بتعيين ممثل للمتهم، على حين أنه في حالة ما إذا كان المدعى ليس له من يمثله قانوناً فقد رأينا أن تعيين ممثل له بناء على طلب النيابة العامة هو امر جوازي للمحكمة. ولذلك فقد حكم بأنه إذا كان  الادعاء بالحق المدنى قد رفعت على المتهم وبوشرت إجراءاتها في مواجهته مع انه كان قاصراً عندما رفعت عليه الدعوى وعندما حكم عليه فيها، فإن الحكم يكون قد خالف القانون

من هم الأشخاص الذين يجوز الادعاء بالحق المدنى عليهم خلاف المتهم.

١- المسئول عن الحقوق المدنية:

أجاز المشرع الادعاء بالحق المدنى أيضا على المسئول عن الحقوق المدنية إلى جانب المتهم. والمسئول عن الحقوق المدنية هو الشخص المكلف بحكم الاتفاق أو بحكم القانون بالإشراف والرقابة على المتهم لصغر سنه أو بسبب حالته الجسمية أو العقلية، وإما بسبب علاقة التبعية التي تربط المتهم به.

وعلى ذلك فمسئولية المسئول عن الحقوق المدنية تقوم في فرضين:

الأول: هو حيث تقع الجريمة من شخص مكلف برعايته. والثاني: هو حيث تقع من شخص تابع له. وفى كلا الفرضين يفترض القانون الخطأ المدني في حق المسئول وذلك متى توافرت علاقة السببية المادية بين النتيجة التي وقعت وهي جريمة من هم في رعايته أو من هم تابعون له، والخطأ المفترض في حقه هو في عدم قيامه بواجب الرقابة والإشراف بالشكل الذي يحول دون وقوع الجريمة من المتهم.

فمجرد ارتكاب هذا الأخير للفعل غير المشروع يفترض أن المسئول عن الحقوق المدنية لم يقم بواجب الإشراف والرعاية. وقد حكم بأن القانون المدني يجعل الوالد مسئولاً عن رقابة ولده الذي لم يبلغ خمس عشرة سنة أو بلغها وكان في كلفه ويقيم من ذلك مسئولية مفترضة تبقى إلى أن يبلغ الولد سن الرشد.

وهذه المسئولية بالنسبة إلى الوالد تستند إلى الإخلال بواجب الرقابة أو إلى افتراض أنه أساء تربية ولده أو إلى الأمرين معا، وهي لا تسقط بإثبات العكس ويقع ذلك على كاهل المسئول الذي له أن ينقض هذه القرينة بأن يثبت أنه قام بواجب الرقابة أو يثبت أن الضرر كان لابد واقعاً ولو قام بهذا الواجب بما ينبغي من العناية.

وإذا كان المسئول هو الوالد فقد كان عليه أن يثبت أيضاً أن لا يسيء تربية ولده كما حكم أيضا أنه يكفي لتحقق مسئولية المتبوع عن الضرر الذي يحدثه تابعه بعمله غير المشروع أن تكون هناك علاقة سببية قائمة بين الخطأ وظيفة التابع يستوي في ذلك أن يكون خطا التابع قد أمر به المتبوع أو يأمر به علم به او لم يعلم مادام التابع لم يكن يستطيع ارتكاب الجريمة لولا الوظيفة.

وخلافا لهذين الفرضين اللذين افترض فيهما المشرع خطا المسئول فلا تتحدد مسئولية الشخص عن فعل الغير إلا وفقا للقواعد العامة في المسئولية المدنية.

ولذلك فإن شركة التأمين ليست من بين المسئولين عن الحقوق المدنية لأن مسئوليتها تقوم على أساس آخر هو الالتزامات الناشئة عن عقد التأمين بينها وبين المتعاقد معها، أما الفعل الضار فإنه لا يعتبر في هذه الصورة سببا مباشرا لمطالبة الشركة.

فالمضرور لا يطالب شركة التأمين بتعويض عن الفعل الضار، بل يطالبها بتنفيذ عقد التأمين حتى ولو كان التأمين إجباريا بمقتضى القانون ذلك فقد أجاز المشرع في المادة ٢٥٨ مكررا من قانون الإجراءات رفع الدعوى المدنية قبل المؤمن لديه لتعويض الضرر الناشئ عن الجريمة وتسري على المؤمن لديه جميع الأحكام الخاصة بالمسئول عن الحقوق المدنية المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية.

والمسئول عن الحقوق المدنية يشترك في المسئولية المدنية مع الجاني. ولا يتعدى ذلك إلى الدعوى الجنائية المرفوعة على المتهم بأي حال من الأحوال. فالدعوى ترفع عليه ليكون في إمكان المضرور الرجوع إليه بمبلغ التعويض الذي قضى به على المتهم.

ومن أجل ذلك أباح المشرع للنيابة العامة أن تدخل المسئول عن الحقوق المدنية حتى ولو يكن هناك ادعاء مدني من المضرور وذلك لكي يلزم بالمصاريف المستحقة للحكومة إذا ما حكم بها (م٢٥٣/٣).

ونظرا لأن المسئول عن الحقوق المدنية يضار من الحكم على المتهم بالإدانة حتى ولو لم يكن هناك ادعاء مدني من قبل المضرور، فقد أباح له القانون أن يتدخل في الدعوى الجنائية.

وقد نصت على ذلك المادة ٢٥٤ إجراءات حيث ورد بها للمسئول عن الحقوق المدنية أن يدخل من تلقاء نفسه في الدعوى الجنائية في أية حال كانت عليها، وقد قدر المشرع أن للمسئول عن الحقوق المدنية مصالح أكيدة في هذا التدخل.

ذلك أنه لو صدر حكم بالإدانة فإن هذا الحكم له حجيته من حيث ثبوت الخطأ المدني وما يتبعه من تعويضات إذا ما دفع المضرور دعواه أمام المحكمة المدنية. هذا فضلا عن أن تدخله قد يحول دون تواطؤ المتهم مع المدعى المدني للحكم الأخير بالتعويض.

غير أن القانون أباح للنيابة العامة وللمدعى المدني حق المعارضة في قبول تدخل المسئول عن الحقوق المدنية من تلقاء نفسه م ٢٥٤ إجراءات) ومثال ذلك أن تكون مسئوليته المفترضة عن أفعال المتهم غير متوافرة الأركان وإذا رفعت الدعوى على المسئول عن الحقوق المدنية فيكون له كل ما للمدعى عليه من حقوق.

وكذلك إذا تدخل من تلقاء نفسه كان له ما للمتهم من حقوق تتعلق بالطعن في الحكم الجنائي الصادر في الدعوى الجنائية. غير أنه لا يجوز له الطعن في الحكم الصادر في الدعوى الجنائية وحدها الذي لا يمسه الحكم فيها.

ويلاحظ أنه يترتب على ترك المدعى دعواه أو عدم قبوله مدعيا مدنيا استبعاد المسئول عن الحقوق المدنية إذا كان دخوله فيها بناء على طلب المدعي (م٢٦٣) أما إذا كان دخوله من تلقاء نفسه فلا يجوز استبعاده

2 – الورثة:

إن الالتزام بالتعويض يدخل في الذمة المالية للشخص منذ اللحظة التي يتوافر فيها سبب نشونه يترتب على ذلك أن وفاة الملتزم بالتعويض لا يؤثر في الحق الثابت للمضرور ويحق لهذا الأخير المطالبة به من تركة المتوفى. وهو في هذه الحالة يرفع دعواه على الورثة مطالباً بحقه من تركة المورث.

ويسأل الورثة كلا في حدود نصيبه من التركة وفى حدود التركة دون تضامن بينهم. وإذا توفى المتهم بعد رفع الدعوى المدنية عليه أمام المحكمة الجنائية فتظل الدعوى المدنية في طريقها الطبيعي رغم انقضاء الدعوى الجنائية بالوفاة ويختصم ورثته فيها لكي يلتزموا بدفع ما يحكم به في حدود التركة وكل في حدود نصيبه منها.

وبطبيعة الحال إذا توفى المتهم دون تركة فلا يجوز رفع الدعوى المدنية على الورثة إذ إن المسئولية لا تورث وما يصدق على المتهم يصدق أيضا على ورثة المسئول عن الحقوق المدنية إذا توفى هذا الأخير.

الحالات التى لا يجوز فيها الادعاء بالحق المدنى

لقد قدر المشرع في قانون الإجراءات الجنائية أن المحكمة الجنائية حينما تختص ب  الادعاء بالحق المدنى الناشئة عن الجريمة يجب أن يكون ذلك في الحدود التي تتفق وطبيعة الاستثناء ومن أجل ذلك فقد أورد حالات ثلاثة على حق المدعى المدني في الالتجاء إلى المحكمة الجنائية

الحالة الأولى :يتعلق بطبيعة المحكمة التي تختص بنظر الدعوى الجنائية التي ترفع الادعاء بالحق المدنى تبعا لها.

الحالة الثانية: فهو يتعلق بقاعدة تبعية الادعاء بالحق المدنى للدعوى الجنائية وما يترتب على ذلك من قيود تحد من حق المدعى المدني في الالتجاء إلى المحكمة الجنائية.

 الحالة  الثالثة :فهو متعلق بحق المدعى في الخيار بين رفع دعواه إلى المحكمة المدنية أو المحكمة الجنائية.

وسنتناول هذه الحالات الثلاثة بالتفصيل:

الحالة الخاصة بالجهة المختصة بنظر الدعوى الجنائية

أولاً: لا يجوز الادعاء بالحق المدنى أمام المحاكم الجنائية الاستثنائية.

ثانيا: لا يجوز الادعاء بالحق المدنى أمام محاكم الأحداث.

ثالثا: لا يجوز الادعاء بالحق المدنى أمام المحكمة الاستئنافية الادعاء المدني إن كان جائزا قبوله أمام المحكمة الجنائية التي رفعت إليها الدعوى الجنائية إلا انه مع ذلك مقيد بطبيعة المحكمة التي تنظر الدعوى الجنائية.

أولاً: لا يجوز الادعاء بالحق المدنى أمام المحاكم الجنائية الاستثنائية والخاصة:

الادعاء بالحق المدنى لتعويض الضرر الناشئ عن الجريمة لا يجوز إلا حيث تكون الدعوى الجنائية قد رفعت إلى القضاء العادي.

أما إذا كانت قد تم رفعها إلى محكمة استثنائية نص قانون إنشائها على اختصاصها بنظر جرائم معينة نظرا لطبيعتها وأهميتها الخاصة، فإن هذا الاختصاص الاستثنائي يحول دون نظر الدعوى المدنية الناشئة عن الجريمة اللهم إلا إذا خولها القانون صراحة الفصل أيضا في الدعوى المدنية. ومثال ذلك النوع من المحاكم الاستثنائية محاكم أمن الدولة الطوارئ ومثال المحاكم الخاصة محاكم الأحداث.

كذلك لا يقبل الادعاء بالحق المدنى أمام المحاكم العسكرية سواء تلك المختصة بنظر الجرائم العسكرية وفقا القانون العقوبات والإجراءات العسكرية أم أنها محكمة انشئت بقانون خاص للنظر في جرائم محددة. وفى هذه الأحوال لا يكون أمام المضرور من الجريمة إلا الالتجاء إلى الطريق المدني.

ثانيا: لا يجوز الادعاء بالحق المدنى أمام محاكم الأحداث:

لقد راعى المشرع في تنظيمه لمحاكم الأحداث والإجراءات المتعلقة بها هدفا معينا وهو بحث حالة الحدث بحثا مستفيضا لمعرفة الدوافع الإجرامية التي دفعته إلى ارتكاب الجريمة واختيار التدبير الملائم لحالته.

لذلك لم يكن من المستساغ أن يسمح المشرع الادعاء بالحق المدنى أمام تلك المحاكم حتى لا يصرفها عن الغرض الذي من أجله أنشئت. ولذلك نص صراحة في المادة ۱۲۹ من قانون الطفل رقم ١٢ السنة ١٩٩٦ على أنه لا تقبل الدعاوى المدنية أمام محكمة الأحداث. ويكون على المضرور ان يلجأ إلى المحكمة المدنية لاقتضاء حقه في التعويض عن الضرر الناشئ من جريمة الحدث.

وجدير بالذكر أن قيد الادعاء بالحق المدنى أمام محاكم الأحداث إنما يتعلق بولاية هذه المحكمة في الفصل في الدعوى المدنية فالمشرع قد سلب منها هذه الولاية ومن ثم يتعين عليها إذا ما رفعت أمامها الدعوى المدنية أن تحكم بعدم الاختصاص وليس بعدم القبول.

ثالثا: لا يجوز الادعاء المدني لأول مرة أمام المحكمة الاستئنافية

حتى لا يفوت على المتهم فرصة التقاضي على درجتين. ومع ذلك أجاز قضاء النقض الادعاء المدني لأول مرة عند نظر المعارضة بناء على طعن المتهم.

وهذا القضاء محل نظر باعتبار أن محكمة المعارضة تنظر الدعوى مقيدة بتقرير المعارضة وهي لا تكون إلا بالنسبة للحكم بالإدانة في الدعوى الجنائية، فضلا عن قبول الادعاء بالحق المدنى في المعارضة فيه تسوى لمركز المتهم والقاعدة أنه لا يضار معارض بمعارضته.

الحالة الناشئة عن قاعدة تبعيةالدعوى المدنية للدعوى الجنائية

1 – مؤدى قاعدة التبعية.

2 – الآثار المترتبة على قاعدة التبعية.

3- استثناءات قاعدة التبعية.

4 – الدفع بمخالفة قاعدة التبعية.

1 – مؤدى قاعدة التبعية:

تقضى قاعدة التبعية بأن الادعاء بالحق المدنى لا يجوز رفعها أمام القضاء الجنائي إلا تبعا لدعوى جنائية تكون قد رفعت قبل المتهم المرفوعة عليه الدعوى المدنية.

فرفع دعوى جنائية على المتهم بمناسبة ارتكابه جريمة معينة هي السبب الذي من أجله استثنى المشرع من قواعد الاختصاص بالدعوى المدنية المنعقدة للمحاكم المدنية أصلا دعوى المطالبة بالتعويض الناشئة عن ارتكاب الجريمة وذلك للاعتبارات السابق بيانها عند الحديث عن مبررات الادعاء المدني أمام المحاكم الجنائية.

وإذا كان الأصل هو اختصاص المحاكم المدنية بدعوى التعويض الناشئة عن الجريمة وعن أي فعل غير مشروع، فإن الاستثناء هو اختصاص القضاء الجنائي بدعوى تعويض الأضرار المترتبة على ارتكاب الجريمة.

وطالما أننا في إطار استثناء من قواعد الاختصاص، فليس هناك من مبرر لهذا الاستثناء سوى قيام دعوى جنائية عن ذات الفعل وتكون قد رفعت إلى القضاء الجنائي.

2- الآثار المترتبة على قاعدة التبعية:

ومفاد ذلك أن الدعوى المدنية إنما ترفع تبعًا للدعوى الجنائية. فلا يجوز رفعها استقلالا أمام القضاء الجنائي لانتفاء ولايته في هذه الحالة لعدم وجود دعوى جنائية منظورة أمامه. فالقضاء الجنائي لا ينظر الادعاء بالحق المدنى إلا بمناسبة نظره للدعوى الجنائية.

إذا كان  الادعاء بالحق المدنى لا يختص بنظرها القضاء الجنائي إلا تبعا لدعوى جنائية معروضة عليه عن ذات الفعل المكون للجريمة وعلى ذات المتهم، فمؤدى ذلك أن الادعاء بالحق المدنى تتأثر بكل ما يعترض الدعوى الجنائية من ظروف قد تؤثر فيها من حيث اختصاص المحكمة المرفوعة إليها الدعوى الجنائية ومن حيث صحة إجراءات رفعها ومن حيث أسباب سقوطها أو انقضائها، وذلك على التفصيل الاتي:

1- إذا كانت المحكمة الجنائية التي رفعت إليها الدعوى الجنائية غير مختصة بنظر الدعوى، فلا يمكن أن تختص بنظر الدعوى المدنية المرفوعة تبعا لها.

ويتعين عليها أن تحكم بعدم اختصاصها بنظر الدعويين ويستوي أن يكون سبب عدم اختصاصها هو مخالفة قواعد الاختصاص النوعي أو المكاني المتعلق بالدعوى الجنائية.

2- إذا كانت إجراءات رفع الدعوى الجنائية قد وقعت، باطلة، فلا يترتب على ذلك اتصال المحكمة بها ويجب الحكم بعدم قبولها ومتى حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى الجنائية لعيب شاب إجراءات رفعها تعين عليها أيضا الحكم بعدم قبول الدعوى المدنية حتى ولو كانت هذه الأخيرة قد رفعت بإجراءات صحيحة.

كل ذلك بالتطبيق لمبدأ التبعية. وعلى ذلك إذا رفعت النيابة العامة الدعوى الجنائية في جريمة يتطلب فيها القانون لرفعها شكوى أو طلبا أو إذنا وذلك دون الحصول على الإذن أو دون التقدم بالطلب أو الشكوى تعين على المحكمة الجنائية الحكم بعدم قبول الدعوى الجنائية وكذلك الدعوى المدنية المرفوعة تبعا لها.

3- إذا كانت الدعوى الجنائية قد سقطت لسبب من أسباب السقوط التي تعتريها قبل رفعها فلا يجوز الادعاء المدني أمام المحكمة الجنائية.

فسقوط الدعوى أثناء مرحلة التحقيق الابتدائي الذي تجريه سلطات التحقيق بالوفاة أو بالتقادم أو بصدور عفو عام أو بالتنازل عن الشكوى أو الطلب يترتب عليه انقضاء الدعوى الجنائية ولا يكون للمحاكم الجنائية ولاية الفصل في الدعوى المدنية إذ تنقضي هذه الولاية تبعا للدعوى الجنائية التي سقطت.

أما إذا كانت أسباب الانقضاء قد عرضت للدعوى الجنائية بعد رفعها إلى المحكمة واتصالها بها وكانت الدعوى المدنية قد رفعت صحيحة تبعاً لها، فسوف نرى أنها تستثنى من قاعدة التبعية ويستمر القاضي الجنائي في نظرها.

4- إذا اتصل القاضي الجنائي بالدعوى الجنائية وبالدعوى المدنية المرفوعة تبعاً لها، فإن هذه التبعية تظل قائمة حتى الفصل في الدعوتين معا.

وبالتالي لا يجوز للقاضي أن يفصل في الدعوى الجنائية ويؤجل نظر الدعوى المدنية. فالحكم الصادر في الدعوى الجنائية في الموضوع لابد وأن يفصل أيضا في الدعوى المدنية.

وهذا أيضاً ما نصت عليه المادة ۳۰۹ إجراءات من أن كل حكم يصدر في موضوع الدعوى الجنائية يجب أن يفصل في التعويضات التي يطلبها المدعى بالحقوق المدنية أو المتهم، وذلك ما لم تر المحكمة إحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة المدنية وبدون مصاريف

وتأسيسا على ما تقدم قضت محكمة النقض بأنه لا يجوز للمحكمة أن تفصل في الدعوى الجنائية وتؤجل الفصل في الادعاء بالحق المدنى لجلسة تالية وإلا كان حكمها بعد ذلك في الدعوى المدنية باطلا لزوال ولاية الفصل فيها.

وإذا كانت الدعوى الجنائية قد أقيمت بطريق الدعوى المباشرة من المدعى المدني وتخلف هذا الأخير عن الحضور فقضت المحكمة ببراءة المتهم وشطب الدعوى المدنية، فلا يجوز للمحكمة إعادة نظر القضية المدنية إذا ما حضر المدعى قبل انتهاء الجلسة، إذ لا يمكن اعتبار الدعوى المدنية عندئذ مرفوعة بالتبعية لدعوى عمومية قائمة.

ماهى الحالات التى يجوز فيها للمحكمة ان تحيل الادعاء بالحق المدنى الى المحكمة المدنية المختصة

ومع ذلك، فقد أجاز القانون للمحكمة أن تفصل في الدعوى الجنائية وتحيل الدعوى المدنية إلى المحكمة المدنية. إلا أن ذلك مشروط بشروط ثلاثة

الأول: أن تكون المحكمة الجنائية مختصة أصلا بنظر الدعوى المدنية.

الثاني: أن ترى المحكمة أن الفصل في الدعوى المدنية يستلزم إجراء تحقيق يترتب عليه إرجاء الفصل في الدعوى الجنائية. ومن أمثلة ذلك المنازعة في صفة المدعية بالحق المدني.

ولذلك فلا يجوز للمحكمة أن تقضى بعدم اختصاصها بنظر الدعوى المدنية وتحيلها في الوقت ذاته إلى المحكمة المدنية، وإذا فعلت ذلك فإنها تكون قد أخطأت. فالإحالة لا يؤمر بها إلا عندما تكون المحكمة الجنائية مختصة بنظر الدعوى المدنية المرفوعة إليها بطريق التبعية.

والثالث: كما لا يحق لمحكمة الموضوع أن تفصل في الدعوى الجنائية التي هي أساس الدعوى المدنية من غير أن تستنفذ وسائل التحقيق الممكنة، فلا ينبغي لها أن تحيل الدعوى المدنية إلى المحكمة المختصة بمقولة أن الأمر يحتاج إلى إجراءات وتحقيقات يضيق عنها نطاق الدعوى، ذلك بأن نطاق الدعوى الجنائية لا يمكن أن يضيق عن تحقيق موضوعها والفصل فيها على أساس التحقيق الذي تم.

ولا يجوز إصدار قرار بإحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة المختصة إذا كان حكم البراءة يمس أسس الدعوى المدنية مساساً يقيد حرية القاضي المدني، إذ أنه في هذه الحالة كان ينبغي على المحكمة أن تفصل في الدعوى المدنية.

كما قضى أيضا بأنه إذا كانت المحكمة قد قضت في الدعوى الجنائية وأحالت الدعوى المدنية إلى المحكمة التجارية وسببت قضاءها بالإحالة على ما تبين لها من وجود دعوى أخرى منظورة أمام هذه المحكمة الأخيرة وعلى ما ارتأته من وجود ارتباط وثيق بين الدعويين وكان قانون الإجراءات لم يتحدث عن حالة الارتباط وهو وفقا لقانون المرافعات لا يحكم به إلا إذا دفع من له مصلحة فيه، وكان أحد لم يدفع به، فإن الحكم يكون مخالفاً للقانون ويتعين نقضه.

فخلاصة القول إذن هو أنه لا يجوز للمحكمة الجنائية أن تحيل الدعوى المدنية إلى المحكمة المختصة اصلا بها إلا إذا كان فعلا يترتب على الفصل فيها تأخير الفصل في الدعوى العمومية.

خضوع الدعوى المدنية أمام القضاء الجنائي لقانون الإجراءات الجنائية وليس لقواعد المرافعات المدنية والتجارية.

3- استثناءات قاعدة التبعية:

ونقصد بذلك الحالات التي تنفصل فيها الدعوى المدنية المنظورة أمام القضاء الجنائي لا تكون تابعة لها في مصيرها.عن الدعوى الجنائية

كما أن المشرع جعل للقضاء الجنائي حق الفصل في الدعوى المدنية ليس باعتبارها مؤسسة على الجريمة المرفوعة عنها الدعوى الجنائية وإنما بمناسبة الفصل فيها في حالة واحدة نص المشرع عليها صراحة كل ذلك على التفصيل الاتي:

1- سقوط الدعوى الجنائية بعد رفع الدعوى المدنية:

إذا رفعت الادعاء بالحق المدنى تبعا للدعوى الجنائية واتصلت المحكمة بالدعويين ثم عرض للدعوى الجنائية سبب أسقطها فلا تأثير لذلك على الدعوى المدنية، ولا تسقط تلك الأخيرة تبعا لها وإنما تظل المحكمة مختصة بالفصل فيها.

فإذا توفى المتهم بعد رفع الدعوى الجنائية والمدنية أو سقطت الجريمة بالتقادم أو صدر عفو عام بالنسبة لها حكمت المحكمة الجنائية بسقوط الدعوى الجنائية واستمرت في نظر الدعوى المدنية حتى تفصل فيها بحكم في الموضوع.

وهذه القاعدة وردت بالمادة ٢٥٩ إجراءات في فقرتها الأخيرة والتي تنص على أنه «وإذا سقطت الدعوى الجنائية بعد رفعها لسبب من الأسباب الخاصة بها، فلا تأثير لذلك في سير الدعوى المدنية المرفوعة معها».

والدعوى المدنية تنقضي بالتقادم وفقا للقواعد المقررة في القانون المدني وهي بثلاث سنوات من تاريخ العلم بالسبب المنشئ لها وبمرتكبه، أو بخمس عشرة سنة من تاريخ ارتكاب الفعل غير المشروع على أنه إذا كانت هناك دعوى جنائية قد رفعت عن ذات الفعل إلى المحكمة الجنائية فلا تنقضي الدعوى إلا بانقضاء الدعوى الجنائية ومع ذلك لا تنقضي بالتقادم الدعوى المدنية الناشئة عن الجرائم المنصوص عليها بالقانون رقم ۳۷ لسنة ۱۹۷۲ ،،،

وهذه الجرائم هي الواردة بالمواد ،۱۱۷، ١٢٦، ۱۲۷، ۲۸۲، ۳۰۹ مكررا (أ) من قانون العقوبات (م ٢٥٩ إجراءات المعدلة بالقانون رقم ٣٧ لسنة ۱۹۷۲ ) بتعديل بعض النصوص المتعلقة بضمان حريات المواطنين في القوانين القائمة.

2- الطعن في الحكم فيما قضى به في الدعوى المدنية:

إن الحكم الصادر في الدعويين الجنائية والمدنية قد يكون قابلا للطعن فيه سواء من جانب المتهم أو من جانب النيابة العامة، كما يجوز الطعن فيه أيضا من قبل المسئول عن الحقوق المدنية والمدعى المدني.

وقد يحدث الا تطعن النيابة العامة في الحكم الصادر من المحكمة بخصوص الدعوى الجنائية، كما قد لا يطعن المتهم، وإنما الذي يطعن هو المدعى المدني أو المسئول عن الحقوق المدنية بخصوص الدعوى المدنية وحدها.

وفي هذا الفرض تطرح الادعاء بالحق المدنى وحدها أمام المحكمة الاستئنافية دون الدعوى الجنائية وتفصل فيها المحكمة الاستئنافية غير مقيدة بحكم أول درجة حتى فيما يتعلق بما قضى به في الدعوى الجنائية فهي تعيد تحقيق الدعوى المدنية على ضوء تحقيقها في الدعوى الجنائية من حيث ثبوت عناصر الجريمة ومسئولية المتهم

وتفصل في الدعوى المدنية على ضوء ما أظهره تحقيقها غير مقيدة بما قضت به محكمة أول درجة. فيجوز أن تقضى المحكمة الاستئنافية بالتعويض رغم أن حكم أول درجة كان بالبراءة لعدم كفاية الأدلة، كما لها أن تحكم برفض الدعوى المدنية رغم أن حكم أول درجة كان بالإدانة،

ويجوز أيضا أن تطرح الادعاء بالحق المدنى وحدها أمام محكمة النقض إذا كان الطعن بالنقض قد قرر به من قبل المدعى المدني أو المسئول عن الحقوق المدنية دون المتهم أو النيابة العامة. وتنظر المحكمة في الطعن في الدعوى المدنية رغم أن الدعوى الجنائية تكون قد انقضت بصدور حكم فيها صار باتا.

ويلاحظ أن طعن المتهم قد يطرح الادعاء بالحق المدنى وحدها دون الدعوى الجنائية وذلك في الحالات التي لا يتصرف فيها طعنه إلى الدعوى الجنائية. كما لو كان قد قضى في الدعوى الجنائية بالبراءة وفى الدعوى المدنية بالتعويض. فيجوز له الطعن في الحكم الصادر في الدعوى المدنية وحدها بطريق الاستئناف أو النقض إن كانا جائزين وتنفصل بذلك الدعوى المدنية عن الدعوى الجنائية.

وقد نص المشرع على القاعدة السابقة في المادة ٤٠٣ إجراءات حيث ورد بها أنه يجوز استئناف الأحكام الصادرة في الدعوى المدنية من المحكمة الجزئية في المخالفات والجنح من المدعى بالحقوق المدنية ومن المسئول عنها أو المتهم فيما يختص بالحقوق المدنية وحدها إذا كانت التعويضات المطلوبة تزيد على النصاب الذي يحكم فيه القاضي الجزئي نهائياً.

3- مطالبة المتهم بالتعويض من المدعى المدني: إذا كانت القاعدة هي أن الدعوى المدنية لا ترفع إلى المحكمة الجنائية إلا تبعاً لدعوى جنائية، فإن المشرع خرج على هذه القاعدة وأورد استثناء بمقتضاه تختص المحكمة الجنائية بالفصل في طلب المتهم بتعويض الضرر الذي لحقه من الادعاء المدني عليه.

فقد نصت المادة ٢٦٧ إجراءات على أنه للمتهم أن يطالب المدعى المدني بالحقوق المدنية أمام المحكمة الجنائية بتعويض الضرر الذي لحقه رفع الدعوى المدنية عليه إذا كان لذلك وجه».

ذلك فقد فهذه المطالبة بالتعويض ليست بسبب ضرر ناشئ عن جريمة. فالادعاء المدني على المتهم لا يشكل جريمة بل إنه حق خوله المشرع للمضرور.

ومع أجاز المشرع للمتهم أن يطلب من المحكمة الجنائية أن تحكم له بتعويض عن الضرر الذي لحقه من إساءة المدعى المدني لاستعماله لهذا الحق. ولا يكفي أن تحكم المحكمة برفض الدعوى المدنية حتى يكون هناك مبرر لتعويض المتهم وإنما يلزم أن يكون هناك مبرر لتعويض المتهم أي يلزم أن يكون هناك خطا من قبل المدعى المدني يستوجب التعويض وفقا لقواعد المسئولية المدنية فإذا تبين للمحكمة أن رفع الدعوى كان بسبب خطأ من المدعى المدني وجب عليها أن تقضى عليه بالتعويض للمتهم إذا ما طلب الأخير ذلك.

ويشترط الحكم بتعويض المتهم الآتي:

أولا: أن تنتهي المحكمة في الدعوى المدنية إلى الرفض. فلا يكفي الحكم بعدم قبول الدعوى المدنية أو بعدم الاختصاص أو بالإحالة إلى المحكمة المختصة. بمعنى أنه يلزم بأن يكون الحكم فاصلا في موضوع الدعوى وبالرفض. كذلك لا يجوز تعويض المتهم إذا كان الحكم صادرا بقبول الدعوى وتعويض المدعى عليه وهذا بطبيعة الحال.

ثانيا: أن يثبت للمحكمة أن ضررا أصاب المتهم ومرتبطا بخطأ من جانب المدعى بإقامة الدعوى المدنية ويكون ذلك مثلا في حالات رفعها بسوء قصد او بغير تبصر وترو. فإذا كانت قد رفعت بحسن نية وبناء على شبهات قوية تصلح سندا لبناء عقيدته على أسباب معقولة فلن تكون دعوى المتهم قبله بالتعويض مقبولة.

ثالثا: أن تكون مطالبة المتهم للمدعى المدني بالتعويض قد تمت في مواجهة المدعى المدني وقبل أن تفصل المحكمة في الدعوى المدنية. فصدور حكم في الدعوى المدنية يحول دون إمكان مطالبة المدعى المدني بتعويض المتهم وإنما يكون على الأخير الالتجاء إلى الطريق المدني.

ذلك أن صدور حكم في الدعوى المدنية تنتهي به ولاية المحكمة الجنائية بنظر الدعوى المدنية ولا تستطيع المحكمة بذلك أن تفصل في طلب المتهم في مواجهة شخص لم تصبح له صفة في الدعوى، ولذلك إذا قبل ترك المدعى المدني لدعواه أو فصلت المحكمة في الدعوى المدنية فلا يجوز للمتهم بعد ذلك مطالبتها بالحكم له بالتعويض

وغنى عن البيان أن الادعاء المدني إذا شكل أركان جريمة البلاغ الكاذب بالنسبة للمدعى المدني جاز رفع الدعوى بطريق الادعاء المباشر وفقا للقواعد العامة.

4- الدفع بمخالفة قاعدة التبعية:

في غير حالات الاستثناء الواردة على قاعدة التبعية والسابق بيانها، فإن تبعية الدعوى المدنية للدعوى الجنائية هي من القواعد المتعلقة بالنظام العام باعتبارها تخص ولاية المحكمة بالحكم في الدعوى.

فالمحاكم الجنائية ليست لها ولاية الفصل في الدعوى المدنية إلا تبعا للدعوى الجنائية ولذلك فإن مخالفة أحكام القانون المتعلقة بهذه الولاية هو أمر متعلق بالنظام العام.

ويترتب على ذلك أنه يجب على المحكمة أن تقضى به من تلقاء نفسها وبغير طلب من الخصوم ولا يسقط الحق في التمسك به في أية مرحلة كانت عليها الدعوى ويجوز التمسك به لأول مرة أمام محكمة النقض.

الحالة الخاصة بحق المدعى المدني في اختيار القضاء الجنائي

1- القاعدة العامة.

2- ثبوت حق الاختيار بين الطريقين المدني والجنائي.

3- مباشرة حق الاختيار.

4- سقوط الحق في اختيار الطريق الجنائي.

5- الدفع بعدم قبول الدعوى المدنية أمام القضاء الجنائي.

1- القاعدة العامة:

إن المشرع في قانون الإجراءات الجنائية حينما أجاز للمضرور من الجريمة أن يرفع الادعاء بالحق المدنى أمام المحكمة الجنائية المرفوعة أمامها الدعوى الجنائية، فهو لم يسلبه حقه المستمد من القانون المدني في رفع دعواه أمام المحكمة المدنية.

غير أن الحرية للمدعى المدني ليست مطلقة. فقد قيدها المشرع مراعيا أن أحد الطريقين اللذين يجوز للمضرور سلوكهما لاقتضاء حقه هو ذو طبيعة أو صفة استثنائية، وذلك هو الطريق الجنائي، أما الطريق المدني فهو الأصل.

ومن ثم فقد أورد المشرع قيدا على حرية المضرور في الالتجاء إلى الطريق الجنائي إذا كان قد اختار الطريق المدني. بمعنى أنه إذا رفع دعواه إلى المحكمة المدنية فليس له أن يدعى مدنياً أمام المحكمة الجنائية ولذلك يعتبر من شروط قبول الادعاء بالحق المدنى أمام القضاء الجنائي الا يكون المدعى المدني قد سلك الطريق المدني.

وإذا تبين للمحكمة الجنائية ذلك فعليها أن تقضى في الدعوى المدنية إذا رفعت بعدم قبولها وليس بعدم اختصاصها أو برفضها.

وهذا القيد يجد ما يبرره في الصفة الاستثنائية لاختصاص القضاء الجنائي ب الادعاء بالحق المدنى. فإذا كان صاحب الحق في الدعوى قد اختار بإرادته الطريق بالدعوى المدنية.

فإذا كان صاحب الحق في الدعوى قد اختار بإرادته الطريق الأصلي وهو الطريق المدني بينما كان في مكنته أن يأخذ الطريق الاستثنائي وهو الطريق الجنائي فهو يسقط حقه بنفسه في الالتجاء إليه. وهذا القيد يختلف عن القيدين السابقين في أنه قد يتسبب فيه المدعى المدني بسلوكه ويسقط حقه بنفسه، أما ما سبق من قيود فلا دخل لإرادة المدعى المدني فيها وهو حينما يلجأ إلى الطريق المدني بصددها فلأنه لا سبيل لها إلا ذلك الطريق.

2- ثبوت حق الاختيار بين الطريقين المدني والجنائي:

لا يمكن القول بثبوت حق الاختيار إلا إذا كان السبيلان المدني والجنائي يمكن للمضرور طرقهما. فإذا كان الطريق الجنائي لا يمكن ولوجه لسبب من الأسباب فلا يبت حق الاختيار لل الادعاء بالحق المدنى إذ لن يكون أمامه سوى الطريق المدني

وبطبيعة الحال فإن الطريق المدني دائما يمكن سلوكه، باعتباره الطريق الطبيعي الذي نص عليه القانون لاقتضاء الحق في التعويض الناشئ عن الفعل الضار سواء أكان جريمة أم لم تتوافر أركانها. وهذا حتى ولو كانت قد انقضت الثلاث سنوات من تاريخ العلم بالفعل وبمرتكبه طالما أن الدعوى الجنائية الناشئة عن الفعل لم تنقض بعد.

ولذلك فيشترط لثبوت حق الاختيار أن يكون كل من الطريقين يمكن للمدعى المدني أن يلجأ إليهما دون قيد.

ماهى الحالات التى لا يثبت حق الاختيار للمدعى المدني

في الأحوال الآتية:

1- إذا كانت المحكمة الجنائية المرفوعة أمامها الدعوى الجنائية ليست لها ولاية الحكم في الادعاء بالحق المدنى بمقتضى القانون أو بحسب طبيعتها ومثال ذلك إذا كانت الدعوى قد رفعت إلى محكمة عسكرية أو استثنائية أو كانت قد رفعت إلى محكمة الأحداث.

2- إذا كانت النيابة العامة أو سلطة التحقيق لم ترفع الدعوى الجنائية أمام المحكمة الجنائية بعد ولم يكن في مكنة المضرور ان يرفع الدعوى بطريق الادعاء المباشر لتخلف شرط من شروطه كان تكون الجريمة من جرائم الإذن أو الطلب أو الشكوى، أو كانت الجريمة جناية.

3- إذا كانت الدعوى الجنائية قد انقضت لأي سبب من أسباب الانقضاء العارضة قبل رفع الدعوى كوفاة المتهم أو سقوط الجريمة بالتقادم أو صدور عفو عام أو للتصالح أو كان قد صدر فيها حكم بات أو قرار بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية أو أمر، جنائي كل ذلك قبل أن يرفع المدعى دعواه إلى المحكمة المدنية.

ففي جميع هذه الأحوال لا يمكن القول بثبوت حق الخيار وإنما يكون المضرور ملزما بالالتجاء إلى القضاء المدني إذا أراد اقتضاء حقه في التعويض.

3- مباشرة حق الاختيار:

متى كان في مكنة المضرور ان يلجأ إلى أي من الطريقين المدني أو الجنائي لاقتضاء حقه في التعويض دون قيد، فإن التجاءه إلى أيهما لا يمنعه من الالتجاء إلى الآخر طالما لم يسقط حقه في الاختيار كما سنرى فطالما الحق في الاختيار مازال ثابتاً له فالقاعدة هي أنه يجوز له ترك دعواه المرفوعة أمام أي من الجهتين المدنية أو الجنائية والالتجاء إلى الجهة الأخرى.

وعلى هذا، فإذا كان قد رفع دعواه ابتداء إلى المحكمة المدنية ثم رفعت الدعوى الجنائية أمام المحكمة الجنائية، فمنذ لحظة رفعها أمام المحكمة الجنائية يثبت الحق في الاختيار، أما قبل ذلك فلم يكن قد ثبت له ذلك الحق لعدم رفع الدعوى الجنائية.

ولذلك تنص المادة ٢٦٤ إجراءات على أنه إذا رفع من ناله ضرر من الجريمة دعواه بطلب التعويض إلى المحكمة المدنية، ثم رفعت الدعوى الجنائية، جاز له إذا ترك دعواه أمام المحكمة المدنية أن يرفعها إلى المحكمة الجنائية مع الدعوى الجنائية.

وطالما أن حق الالتجاء إلى المحكمة المدنية هو الأصل فإن هذا الحق لا يسقط حتى ولو كان المضرور قد رفع دعواه أمام المحكمة الجنائية.

فطوال نظر الادعاء بالحق المدنى أمام المحكمة الجنائية يظل حق المضرور في الاختيار قائما ويجوز له في أية لحظة أن يترك دعواه أمام المحكمة الجنائية ويرفعها أمام المحكمة المدنية اللهم إلا إذا كان الحق في دعواه المدنية قد انقضى. وعلى هذا تنص المادة ٢٦٢ إجراءات بأنه إذا ترك المدعى بالحقوق المدنية دعواه أمام المحاكم الجنائية، يجوز له أن يرفعها أمام المحاكم المدنية ما لم يكن قد صرح بترك الحق المرفوع به الدعوى.

4- سقوط الحق في اختيار الطريق الجنائي:

يسقط حق المضرور في اختيار الطريق الجنائي وبالتالي لا يكون له إلا أن يباشر دعواه المدنية أمام المحاكم المدنية. وذلك إذا توافرت شروط ثلاثة:

1- أن يكون المضرور قد رفع دعواه إلى المحكمة المدنية.

2- ان تكون الدعوى الجنائية قد رفعت أمام القضاء الجنائي المختص قبل رفع المضرور لدعواه المدنية أمام المحكمة المدنية.

3- ان تكون الدعوى المرفوعة أمام المحكمة المدنية تتحد في السبب وفي الموضوع وفى الخصوم مع دعواه التي يريد رفعها أمام المحكمة الجنائية. وذلك على التفصيل الآتي

أولا: أن يكون المضرور قد رفع دعواه بالتعويض إلى المحكمة المدنية. ومفاد هذا الشرط هو أن يكون المضرور قد اختار الطريق المدني بأن رفع دعواه أمام المحكمة المدنية.

ولكن لا يكفي أن ترفع الدعوى بإعلان صحيفة الدعوى. بل يلزم أن تكون إجراءات رفعها قد وقعت صحيحة أو لم يشبها بطلان يحول دون اتصال المحكمة بالدعوى وذلك فإن الحكم ببطلان صحيفة الدعوى تعتبر الدعوى في نطاقه كان لم تكن قد رفعت ويعود حق الخيار من جديد للمضرور. وكذلك الحكم بعدم اختصاص المحكمة المدنية يعيد للمضرور حقه في الخيار.

ولذلك قضت محكمة النقض بأن الحكم بعدم الاختصاص يزيل الدعوى ويجعلها كان لم تكن فيعود للمدعى المدني بمقتضى هذا الحكم كل الحق الذي كان له من قبل في اختيار الطريق الذي يريده لدعواه.

وكذلك الحكم بعدم قبول الدعوى المدنية لا يؤثر في سقوط الحق في الالتجاء إلى الطريق الجنائي.

ثانيا: أن تكون الدعوى الجنائية قد رفعت أمام القضاء الجنائي قبل رفع الدعوى المدنية أمام المحكمة المدنية.

ذلك أن رفع الدعوى الجنائية أمام القضاء الجنائي قبل أن يرفع المضرور دعواه أمام القضاء المدني هو الذي ثبت له حق الخيار بين الطريقين.

فإذا كانت الدعوى الجنائية لم تكن قد رفعت وقت رفع الدعوى المدنية أمام المحكمة المدنية فمعنى ذلك انه لم يكن قد نشأ بعد حق المضرور في الاختيار. وطالما لم ينشأ بعد حق المضرور في الاختيار فلا مجال للحديث عن سقوط الحق قبل نشوئه ولكن هل يلزم أن تكون الدعوى الجنائية قد رفعت فعلا إلى القضاء الجنائي وفقا لإجراءات رفع الدعوى الجنائية أم يكفي أن تكون قد حركت بمعرفة سلطات التحقيق.

يميل الغالب من الفقه إلى القول بأن حق المضرور في الالتجاء إلى الطريق الجنائي يسقط متى كانت الدعوى الجنائية قد حركت قبل أن يرفع دعواه المدنية. بمعنى أنه لا يشترط أن تكون الدعوى الجنائية قد رفعت فعلا واتصلت المحكمة بها بل يكفي أن تكون قد حركت أمام قضاء التحقيق قبل رفع الدعوى المدنية، ويحتج البعض منهم بالقياس أي أن تحريك الدعوى أمام قضاء التحقيق يقاس على رفعها إلى المحكمة وذلك لاتحاد العلة.

غير أننا لا نرى التسليم بهذا الرأي. وذلك لأسباب كثيرة أهمها أن سقوط الحق الالتجاء إلى الطريق الجنائي إنما يستفاد بمفهوم المخالفة من المادة ٢٦٤ إجراءات والتي تنص على أنه إذا رفع من ناله ضرر من الجريمة دعواه بطلب التعويض إلى المحكمة المدنية، ثم رفعت الدعوى الجنائية، جاز له إذا ترك دعواه أمام المحكمة المدنية أن يرفعها إلى المحكمة الجنائية الدعوى الجنائية.

وهذه المادة وردت في الكتاب الثاني الخاص بالمحاكم ولم يرد نص مماثل في باب التحقيق وقد استعمل المشرع تعبير رفع الدعوى الجنائية وهو لا ينصرف إلى التحريك، فضلا عن أنه لا يجوز إعمال القياس فيما يتعلق بإسقاط الحقوق باعتبار ان سقوط الحق أما أن يكون جزاء وإما أن يكون خروجا عن الأصل العام وفي كلتا الحالتين لا يجوز أعمال القياس هذا بخلاف النتائج غير المقبولة التي يؤدى إليها الأخذ بالرأي المعارض.

فإذا قلنا بأن مجرد تحريك الدعوى من قبل النيابة أو قضاء التحقيق قبل رفع الدعوى المدنية يسقط حقه في الالتجاء إلى القضاء إذا ما رفعت الدعوى الجنائية، فماذا يكون الحل فيما إذا ادعى المضرور مدنياً في التحقيق واختار بذلك الطريق الجنائي ثم صدر أمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى في الوقت الذى تنقضي فيه دعواه أمام المحاكم المدنية بالتقادم القصير ،،،

ولذلك فإن المشرع حين أراد أن يسقط حقه في التجاء إلى الطريق الجنائي إنما وضع في اعتباره أن تكون فعلا الدعوى الجنائية في مرحلة يمكن أن يتصدى فيها قضاء الحكم للحكم في الدعوى المدنية إذا ما رفعت إليه. وهذا لا يتأتى إلا حيث تكون الدعوى الجنائية قد رفعت إلى المحكمة الجنائية.

تخلص من ذلك أن الشرط الثاني لسقوط الحق في الالتجاء إلى الطريق الجنائي هو أن تكون الدعوى الجنائية قد رفعت فعلا قبل الالتجاء إلى الطريق المدني.

ويجب أيضا أن تكون قد رفعت بإجراءات صحيحة. فإذا كانت قد رفعت إلى محكمة غير مختصة أو رفعت دون شكوى أو طلب أو إذن ممن يمكن تقديم ذلك في جريمة يتطلب فيها القانون لرفع الدعوى إجراء مماثلاً فإن حق المدعى المدني لا يسقط إذا كان التجاؤه إلى المحكمة المدنية قد حدث بعد رفع الدعوى الجنائية التي قضى فيها بعدم الاختصاص أو بعدم القبول.

ولكن هل يشترط لتوافر الشرط الذي نحن بصدده أن يكون المضرور قد رفع دعواه إلى المحكمة المدنية مع علمه برفع الدعوى الجنائية أمام المحكمة الجنائية، أم أن الحق يسقط حتى ولو كان المضرور غير عالم برفع الدعوى الجنائية.

تذهب الغالبية من الفقه إلى وجوب توافر العلم برفع الدعوى الجنائية حتى هذا الشرط أثره في سقوط حق الالتجاء إلى الطريق الجنائي.

وذلك تأسيساً على التجاءه إلى الطريق المدني يسقط حقه في الالتجاء إلى المحكمة الجنائية بناء على قرينة التنازل. وطالما أن الحق سقط لافتراض التنازل فلا يتصور هذا الأخير إلا إذا كان هناك علم برفع الدعوى الجنائية.

ويعارض البعض هذا الاتجاه بحجة أنه يخلط بين السقوط كجزاء إجرائي وبين التنازل عن الحق، فإن السقوط هنا جزاء إجرائي يترتب على القيام بإجراء أخر وهو رفع الدعوى المدنية أمام القضاء المدني، ومن ثم فإن هذا السقوط ينتج أثره حتى ولو لم يعلم به المضرور غيران هذا الاعتراض لا محل له لأنه إذا كان السقوط هو فعلا جزاء إجرائي،

فإنه لا يمنع من قيامه على قرينة التنازل. وهناك الكثير من الجزاءات الإجرائية تقوم على هذه القرينة، ولذلك فإن هذه القرينة قابلة لإثبات عكسها ومن ثم لا يحدث الإجراء أثره إلا إذا كان المضرور قد باشره وهو يعلم برفع الدعوى الجنائية.

ويثير الفقه مشكلة خاصة بالفرض الذي يكون فيه المضرور من الجريمة يملك رفع الدعوى الجنائية بطريق الادعاء المباشر. فهل إذا لم يرفع الدعوى الجنائية والمدنية بطريق الدعاء المباشر وقام برفع دعواه المدنية إلى المحكمة المدنية يسقط حقه في الالتجاء إلى الطريق الجنائي إذا ما رفعت النيابة الدعوى الجنائية إلى المحكمة الجنائية؟ وإذا لم ترفع النيابة الدعوى الجنائية فهل يسقط حقه في الادعاء المباشر أمام المحكمة الجنائية.

بالنسبة للشق الأول من السؤال نجد الفقه والقضاء مجمعين على أنه إذا رفعت الدعوى الجنائية من النيابة العامة فإنه يجوز لمن سبق ورفع دعواه المدنية أمام المحكمة المدنية أن يدعى مدنيا أمام المحكمة الجنائية ويترك دعواه أمام المحكمة المدنية. غير أن الخلاف ينحصر فيما إذا كان حق الادعاء المباشر أمام المحكمة الجنائية يسقط بمجرد رفع الدعوى المدنية أمام المحكمة المدنية.

ذهب جانب من الفقهاء إلى أنه إذا كان المضرور يملك حق رفع الدعوى الجنائية بطريق الادعاء المباشر ويطالب بحقه في التعويض أمام المحكمة الجنائية عن هذا الطريق،

فإن عدم قيامه بذلك وهو في مكنته أن يقوم به، والتجاءه إلى القضاء المدني الذي يعتبر تنازلا منه عن حقه في الادعاء المدني أمام المحكمة الجنائية وبالتالي لا يجوز له رفع الدعوى المباشرة إلى محكمة الجنح.

وقد أيدت محكمة النقض هذا الاتجاه وقضت بأن المضرور من الجريمة لا يملك بعد رفع دعواه أمام القضاء المدني أن يلجأ إلى الطريق الجنائي، إلا إذا كانت الدعوى الجنائية قد رفعت من النيابة العامة، فإذا لم تكن قد حركت منها امتنع على المدعى بالحقوق المدنية رفعها بالطريق المباشر.

بينما ذهب البعض الآخر إلى انتقاد هذا الرأي بحجة أن سقوط حق المدعى في الالتجاء إلى القضاء الجنائي يقتصر على حقه في رفع الدعوى المدنية التبعية وليس على حقه في الادعاء المباشر أمام القضاء الجنائي، لأنه لا يمس الدعوى المدنية فحسب وإنما يتعلق أيضا بتحريك الدعوى الجنائية.

غير أننا نرى أن تعلق الادعاء برفع الدعوى الجنائية لا ينهض سندا قويا للاعتراض السابق. ذلك أن المشرع قد منح المضرور حق الادعاء المباشر لكي يتمكن من عرض دعواه المدنية على المحكمة الجنائية إلى جانب الدعوى الجنائية في حسبانه أن عدم تحريك النيابة العامة للدعوى الجنائية سوف يحرم المضرور من الالتجاء إلى المحكمة الجنائية ومن ثم فقد أعطاه هذا الحق في الادعاء.

وذلك فإن حق المضرور في الخيار يبدأ منذ اللحظة التي يثبت له فيها حق الادعاء المباشر. ففي هذه اللحظة حتى ولو لم تكن النيابة العامة قد حركت الدعوى الجنائية فإنه يثبت له حق الادعاء أمام المحاكم الجنائية بطريق الادعاء المباشر، فإن كان قد رفعها إلى المحكمة المدنية سقط حقه في الالتجاء إلى الطريق الجنائي بعد ذلك بالادعاء المباشر.

ولكن المنطق يقضى بسقوط حقه كذلك حتى ولو رفعت النيابة العامة الدعوى بعد ذلك، إلا أنه نظراً لورود النص المجيز لحق المدعي المدني في الالتجاء إلى المحكمة الجنائية، إذا ما رفعت الدعوى الجنائية من النيابة العامة. رفع الدعوى المدنية، مطلقا فلا يحق تقييده وحرمان المضرور من هذا الحق على أساس أنه كان يستطيع الالتجاء مقدماً إلى المحكمة الجنائية.

فالدعوى الجنائية إذا ما باشرتها النيابة العامة فلا يجب حرمان صاحب الحق في الادعاء المباشر في أن الادعاء بالحق المدنى أمام المحكمة الجنائية وقد يكون المضرور لم يلجأ إلى الدعوى المباشرة لاعتبارات خاصة أو اجتماعية وذلك كما لو كان لا يريد توقيع عقوبة جنائية على المتهم.

ولذلك إذا قامت النيابة العامة برفع الدعوى من جانبها فلا يوجد ما يبرر حرمانه من الادعاء المدني أمام المحكمة الجنائية إذا ما ترك دعواه أمام بعد المحكمة المدنية.

ثالثا: أن تكون هناك وحدة في السبب والموضوع والخصوم في الدعويين: يشترط أخيرا لسقوط حق المضرور في الادعاء المدني أمام المحكمة الجنائية إذا ما رفع دعواه المدنية أمام المحكمة المدنية وكانت الدعوى الجنائية قد رفعت إلى المحكمة أن تكون الدعوى المدنية المرفوعة أمام القاضي المدني والدعوى المراد رفعها أمام القضاء الجنائي متحدتين في السبب وفي الموضوع وفي الخصوم

فإذا اختلفت إحدى الدعويين عن الأخرى في أي عنصر من عناصرها فلا يسقط حق الالتجاء إلى الطريق الجنائي ويجوز له رفع الدعوى المدنية أمام المحكمة الجنائية.

وتكون الدعويان مختلفتين في السبب إذا كانت الدعوى المرفوعة أمام القضاء المدني هي للإخلال بالمسئولية العقدية بينما الدعوى المراد رفعها أمام القضاء الجنائي هي للأضرار الناجمة عن جريمة التبديد أو خيانة الأمانة. واختلاف الموضوع يكون بأن يطلب المضرور من المحكمة المدنية للحكم له برد المنقولات بينما يكون موضوع الدعوى أمام القضاء الجنائي هو بالتعويض عن الحرمان من المنقولات بسبب الجريمة.

وتطبيقا لذلك حكمت محكمة النقض بأنه إذا كانت المدعية بالحق المدني لم تطلب أمام المحكمة المدنية إلا تسليمها مقولاتها عينا، وكانت لم تطلب في دعواها المباشرة أمام القضاء الجنائي إلا تعويض الضرر الناشئ عن تبديد مقولاتها المذكورة فإن الدفع بعدم قبول هذه الدعوى الأخيرة لأن المدعية لجات إلى القضاء المدني يكون على غير أساس.

أما اختلاف الخصوم فمثاله أن تكون الدعوى المدنية أمام المحكمة المدنية قد رفعها المضرور على المسئول عن الحقوق المدنية بينما رفع المضرور دعواه أمام المحكمة الجنائية على المتهم.

ويلاحظ أنه في هذا المثال قد لا يكون هناك اختلاف في الخصوم فحسب بل وأيضا اختلاف في السبب في كلتا الدعويين. فقد يكون السبب في الدعوى المدنية أمام المحكمة المدنية هو المسئولية عن فعل الغير، بينما السبب في الدعوى المدنية أمام المحكمة الجنائية هو الضرر الناشئ عن الجريمة التي وقعت من المتهم.

– الدفع بعدم قبول الدعوى المدنية أمام القضاء الجنائي: إذا كان المضرور قد اختار الطريق المدني ورفع دعواه أمام المحاكم المدنية فإن ادعاءه أمام المحاكم الجنائية يكون غير مقبول، ويمكن للمدعى عليه سواء أكان المتهم أو المسئول عن الحقوق المدنية الدفع بعدم قبول الدعوى المدنية بسبب سقوط حق المضرور في الالتجاء إلى الطريق الجنائي.

وهذا الدفع لا يتعلق بالنظام العام وإنما يتعلق بصالح الخصوم في الدعوى المدنية. والواقع أن هذا الدفع في حقيقته يتعلق باتصال المحكمة الجنائية بالدعوى المدنية أي يتعلق بقبول الدعوى أمامها، إلا أن اتصال الدعوى المدنية بالمحكمة يختلف في جوهره وطبيعته عن الدعوى الجنائية.

فشروط قبول الدعوى الجنائية تتعلق بالنظام العام أما الدعوى المدنية فهي تتعلق بمصلحة الخصوم اللهم إلا الدفع بسبق الفصل في الدعوى المدنية فهو ليس من الدفوع المتعلقة بمصالح الخصوم وإنما من تلك المتعلقة بالنظام العام (م ١١٦ مرافعات).

وتأسيسا على ذلك استقر القضاء على أن الدفع بسقوط حق الالتجاء إلى الطريق الجنائي لا يجب على المحكمة أن تقضى به من تلقاء نفسها وإنما يتعين طلبه من الخصوم. وطالما أن له هذه الصفة فيجب إبداؤه قبل الدخول في موضوع الدعوى وإلا سقط الحق في التمسك به.

إجراءات الادعاء بالحق المدنى أمام القضاء الجنائي 

يثبت للمضرور حق الادعاء بالحق المدنى أمام القضاء الجنائي منذ اللحظة التي تحرك فيها الدعوى الجنائية. ويظل هذا الحق قائماً طالما أنه لم يفصل في الدعوى الجنائية بحكم تنقضي به صلة المحكمة الجنائية بالدعوى الجنائية.

ومفاد ذلك أن الادعاء بالحق المدنى جائز بعد رفع الدعوى الجنائية إلى المحكمة كما يجوز أيضاً قبل رفعها وهي مازالت في مرحلة الاستدلال والتحقيق. وتختلف الإجراءات المتبعة في الادعاء بالحق المدنى في مرحلتي الاستدلال والتحقيق عنها في مرحلة المحاكمة. كما قد يترك المدعى دعواه بعد رفعها.

الادعاء بالحق المدنى في مرحلتي الاستدلال والتحقيق

1– إجراءاته.

2- الفصل في طلب الادعاء بالحق المدنى.

3- حكم الادعاء بالحق المدنى عند التصرف في التحقيق بعدم الإحالة إلى المحكمة.

اجراءات الادعاء بالحق المدنى فى مرحلتى الاستدلال والتحقيق

أجاز القانون الادعاء بالحق المدنى أمام سلطة. التحقيق سواء تمثلت في النيابة العامة أم في قاضي التحقيق. وهذا الحق مستفاد من نص المادة ۲۷ من قانون الإجراءات الجنائية والتي جاء بها أنه لكل من يدعى حصول ضرر له من الجريمة أن يقيم نفسه مدعيا بحقوق مدنية في الشكوى التي يقدمها إلى النيابة العامة أو إلى أحد مأموري الضبط الاستدلالات سلطات جمع وجميع القضائي.

1- ويلاحظ أن تعبير الشكوى هنا لا ينصرف إلى معناها المحدد بكونها قيدا على حرية النيابة العامة في بعض الجرائم. وإنما إلى المعنى العام الذي مفاده التضرر من تصرف معين يرفع لذوي الأمر لإثبات الحق واقتضائه والدليل على ذلك أن المشرع يقصر حق الشكوى بالمعنى الدقيق على المجني عليه، بينما في المادة ٢٧ منحه للمضرور بصفة عامة وليس للمجني عليه.

ويشترط أن يكون الادعاء بالحق المدنى قد ورد بعبارات صريحة في الشكوى التي تقدم لمأموري الضبط أو النيابة فإذا ما قدمت شكوى من المضرور دون أن يكون قد ورد بها صراحة الادعاء بالحق المدنى فقد نص المشرع على اعتبارها من قبيل التبليغات. ولا يعتبر الشاكي مدعيا بحقوق مدنية إذا صرح بذلك في شكواه أو في ورقة مقدمة منه بعد ذلك أو طلب في أحدهما تعويضا ما. (م۲۸ إجراءات).

وإذا قدمت الشكوى المتضمنة الادعاء بالحق المدنى إلى مأمور الضبط القضائي تعين على هذا الأخير أن يحيلها مع المحضر إلى النيابة العامة. ويستوي أن تكون الشكوى كتابية أم شفهية. وإذا أحالت النيابة العامة الدعوى إلى قاضـ التحقيق عليها أن تحيل معها وخلاصة القول إنه في جميع مراحل الاستدلال والتحقيق أيا كانت الجهة التي تباشر التحقيق يجوز للمضرور الادعاء بالحق المدنى الشكوى المذكورة (م۲۷).

والحال كذلك بالنسبة لقاضي التحقيق فيجوز لمن لحقه ضرر من الجريمة أن يقوم ب الادعاء بالحق المدنى أثناء التحقيق في الدعوى بمعرفة قاضي التحقيق (م٧٦ إجراءات). وقد نص المشرع في المادة ۱۹۹ مكررا على أن لمن لحقه ضرر من الجريمة أن يدعى أثناء تحقيق الدعوى بواسطة النيابة العامة.

 الفصل في طلب الادعاء بالحق المدنى في مرحلتي الاستدلال والتحقيق:

الجهة المختصة بالفصل في طلبات الادعاء بالحق المدنى أثناء مرحلتي الاستدلالات والتحقيق هي الجهة المختصة بالتحقيق. وإذا كان الادعاء قد تم أمام مأمور الضبط فتفصل في الطلب للنيابة العامة اللهم إلا إذا ارتأت عدم تحقيق الدعوى وإحالتها إلى قاضي التحقيق، ففي هذه الحالة يفصل قاضي التحقيق في الطلب.

فقد نصت المادة ٧٦ على أنه لمن لحقه ضرر من الجريمة أن يدعى بحقوق مدنية أثناء التحقيق في الدعوى، ويفصل قاضي التحقيق نهائيا في قبوله بهذه الصفة في التحقيق.

كذلك النيابة العامة هي التي تفصل في طلبات الادعاء بالحق المدنى التي تقدم في مرحلة الاستدلالات لمأمور الضبط القضائي، وكذلك تلك التي تقدم لها مباشرة أثناء التحقيق.

وعليها أن تفصل خلال ثلاثة أيام من تقديم هذا الادعاء بالحق المدنى وإذا رفض الطلب جاز للمضرور الذي طلب الادعاء المدني الطعن في قرار الرفض. ويكون الطعن أمام محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة المشورة في خلال ثلاثة أيام تسري من وقت إعلانه بالقرار (م۱۹۹ مكررا). وعدم صدور قرار برفض الطلب يعتبر قبولا ضمنيا له.

ويلاحظ أن القرار الصادر من النيابة العامة أو من قاضي التحقيق بعدم قبول الادعاء بالحق المدنى لا يحول دون إمكان الادعاء بالحق المدنى بعد ذلك أمام المحكمة الجنائية إذا ما رفعت الدعوى أو من رفع دعواه أمام المحكمة المدنية (م٢٥٨/١)

وإذا قبلت النيابة العامة أو قاضي التحقيق طلب الادعاء بالحق المدنى فإن إحالة الدعوى الجنائية إلى المحكمة تشمل الدعوى المدنية أيضا. غير أن القرار الصادر من قاضي التحقيق أو النيابة العامة بقبول الادعاء بالحق المدنى لا يلزم المحكمة المرفوعة أمامها الدعوى (م٢٥٨) فلها أن تحكم رغم ذلك بعدم اختصاصها بنظر الدعوى المدنية أو بعدم قبولها.

3- حكم الادعاء بالحق المدنى عند التصرف في التحقيق بعد الإحالة إلى المحكمة: إذا كان الادعاء بالحق المدنى قد تم أمام النيابة العامة أو قاضي التحقيق أثناء تحقيق الدعوى فإن مصيره يرتبط بمصير الدعوى الجنائية.

فإذا أصدرت النيابة العامة أمرا بحفظ الأوراق بناء على محضر جمع الاستدلالات أو أصدرت قرارا بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية فيمكن للمدعى المدني أن يطعن في القرار في الميعاد القانوني، فإذا قام بالطعن فيه ورفض الطعن فلن يكون أمامه سوى الالتجاء إلى الطريق المدني ليرفع دعواه المدنية، هذا إذا كان القرار الصادر بعد انتهاء التحقيق هو بالأمر بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية.

ذلك أن مرور مواعيد الطعن في القرار أو رفض الطعن في حالة مباشرته من المدعى المدني يعتبر قيدا عليه لرفع الدعوى المباشرة كما سبق أن رأينا.

أما إذا كان القرار الصادر من النيابة العامة هو بحفظ الأوراق لعدم وجود محل للسير في الدعوى الجنائية فإن هذا الأمر لا يحول دون إمكان الالتجاء إلى القضاء الجنائي وذلك بتحريك الدعوى المباشرة إذا توافرت باقي الشروط الخاصة بالادعاء المباشر

وغنى عن البيان أن القرار الصادر بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية من النيابة العامة أو من قاضي التحقيق لا يعتبر حكما ولا يكون له بالتالي أي حجية أمام المحكمة المدنية المرفوعة أمامها الدعوى المدنية.

وإذا ألغى الأمر بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية بناء على ظهور وقائع جديدة أو بناء على قرار من النائب العام ورفعت الدعوى الجنائية فيجوز للمدعى المدني أن يترك دعواه أمام المحكمة المدنية ويباشرها أمام المحكمة الجنائية.

الادعاء بالحق المدنى في مرحلة المحاكمة

1_شروط الادعاء بالحق المدنى في مرحلة المحاكمة.

2- إجراءات الادعاء بالحق المدنى أمام المحكمة .

3- الاعتراض على الادعاء بالحق المدنى .

4- الأثار المترتبة على قبول الادعاء بالحق المدنى.

5- القواعد التي تحكم الإجراءات في الدعوى المدنية أمام المحكمة الجنائية.

1- إذا رفعت الدعوى الجنائية إلى المحكمة الجنائية ولم يكن المضرور قد قام ب الادعاء بالحق المدنى في التحقيق فله أن يرفع دعواه المدنية إلى المحكمة المختصة بنظر الدعوى الجنائية.

وادعاؤه أمام المحكمة الجنائية يكون في أي حالة كانت عليها الدعوى الجنائية.

 شروط قبول الادعاء بالحق المدنى في مرحلة المحاكمة:

أولا: أن يكون الادعاء بالحق المدنى قد تم قبل صدور قرار المحكمة بإقفال باب المرافعة. والمحكمة تصدر قرارها هذا بعد سماع شهادة الشهود والنيابة العامة والمتهم والخصوم في الدعوى. ثم تصدر حكمها بعد المداولة (م٢٧٥).

ثانيا: ألا يترتب على تدخل المدعى بالحقوق المدنية تأخير الفصل في الدعوى الجنائية وإلا حكمت بعدم قبول تدخله.

ثالثا: الا تكون الدعوى منظورة أمام المحكمة الاستئنافية. وبطبيعة الحال لا يقبل الادعاء بالحق المدنى والدعوى منظورة أمام محكمة النقض نظرا لأنها غير مختصة بأي تحقيقات موضوعية وإذا توافرت هذه الشروط فيمكن قبول الادعاء المدني أمام محكمة أول درجة.

غير أنه لا يجوز الادعاء بالحق المدنى لأول مرة عند إعادة القضية إلى محكمة الموضوع بناء على نقض الحكم لأن محكمة الموضوع تتقيد في هذه الحالة بحدود الدعوى كما طرحت أمام النقض.

ولذلك حكم بأن طبيعة الطعن بالنقض واحكامه وإجراءاته لا تسمح بالقول بجواز تدخل المدعى بالحق المدني في الدعوى الجنائية

لأول مرة بعد نقض الحكم. إذن يكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ إذ قبل الدعوى المدنية عند إعادة نظر الدعوى الجنائية ويجب في سبيل وضع الأمور في نصابها نقضه بهذا الصدد والقضاء بعدم قبول الدعوى المدنية.

وكذلك إذا صدر حكم غيابي من محكمة أول درجة فعارض المتهم فيه فلا يجوز الادعاء بالحق المدنى أثناء نظر المعارضة إذا حضر المتهم وذلك لأن محكمة أول درجة تنظر الموضوع في هذه الحالة مقيدة بالتقرير بالمعارضة فضلا عما في ذلك من تسويئ لمركز الطاعن والقاعدة انه لا يضار طاعن بمعارضته.

ومع ذلك فقد ذهب قضاء النقض حديثا إلى جواز الادعاء بالحق المدنى لأول مرة عند نظر الدعوى الجنائية في المعارضة. كذلك الحكم الغيابي الصادر من محكمة الجنايات في جناية.

فإن إعادة نظر الدعوى عند القبض على المتهم أو حضوره يحول دون الادعاء بالحق المدنى نظراً لأن إعادة نظر الدعوى وإن كان مقرراً للمصلحة العامة إلا أن المحكمة تنظرها في الحدود التي كانت عليها عند قفل باب المرافعة، فبطلان الحكم الغيابي هنا وأن انصرف إلى ما قضى به في الدعوى الجنائية والمدنية إلا أن نظر الدعوى من جديد ليس معناه قبول الادعاء المدني إذا لم يكن قد تم عند نظر الدعوى لأول مرة.

كما أنه لا يجوز الادعاء بالحق المدنى أمام محكمة الأحداث أو المحاكم الاستثنائية أو العسكرية

 إجراءات الادعاء بالحق المدنى في مرحلة المحاكمة:

يتم الادعاء بالحق المدنى أمام المحكمة الجنائية بأحد طريقين نصت عليهما المادة ٢٢٤ إجراءات.

الأول: وهو الطريق الرسمي العادي وذلك بإعلان المتهم أو المدعى عليه على يد محضر

الثاني: بطلب في الجلسة المنظورة فيها الدعوى إذا كان المتهم حاضراً فإذا لم يكن حاضرا يجب على المحكمة تأجيل الدعوى وتكليف المدعي المدني بإعلان المتهم بطلباته.

ويلاحظ على هذا الطريق الثاني انه غير جائز في حالة الادعاء المباشر. فقد رأينا أن الادعاء المباشر لا يكون إلا بإعلان المتهم بورقة التكليف بالحضور ونظرا لأن الادعاء المباشر يتضمن توجيه الاتهام إلى المتهم، فإن هذا لا يجوز في الجلسة إلا من النيابة العامة وحدها ولا يقبل الادعاء المباشر في الجلسة حتى ولو قبله المتهم، إذ لا بد أن يتم عن طريق التكليف بالحضور وغنى عن البيان أنه إذا كان قد سبق قبول الادعاء المدني في مرحلتي التحقيق والاستدلالات فإن إحالة الدعوى الجنائية إلى المحكمة تشمل الدعوى المدنية كذلك.

3- الاعتراض على الادعاء بالحق المدنى:

اجازت المادة ٢٥٧ إجراءات لكل من المتهم والمسئول عن الحقوق المدنية وكذلك النيابة العامة أن يعارضوا في قبول المدعى بالحقوق المدنية. ويجب أن تتم المعارضة في الجلسة التي يتم فيها الادعاء بالحق المدنى ويكون ذلك إذا كانت الدعوى المدنية غير جائزة أو غير مقبولة. وتفصل المحكمة في المعارضة بعد سماع أقوال الخصوم.

4- الآثار المترتبة على قبول الادعاء بالحق المدنى:

إذا قبلت المحكمة الادعاء المدني أصبح المدعي المدني خصما في المدنية ويصبح المتهم والمسئول عن الحقوق المدنية الخصوم الآخرين في ذات الدعوى وهذه الصفة لا تخول له حقوقا في مباشرة الدعوى الجنائية أمام المحكمة. فالمباشرة قاصرة فقط على النيابة العامة وإنما يمكن له أن يشارك في إثبات الواقعة الإجرامية في الحدود التي تفيده في دعواه المدنية. وقد رتب المشرع على ثبوت هذه الصفة حقوقا وواجبات حيال المدعى المدني.

أولا: حقوق المدعى المدني:

1- يجوز له حضور جميع إجراءات التحقيق سواء بوشرت بمعرفة النيابة العامة أو قاضي التحقيق، ولذلك يجب على النيابة العامة وأيضا على قاضي التحقيق إخطاره بيوم التحقيق ومكانه، اللهم إلا إذا قرر المحقق سرية التحقيق. وفي هذه الحالة يكون له الحق في الاطلاع على الأوراق المثبتة لهذه الإجراءات (م۷۷)

للمدعى المدني أن يقدم إلى قاضي التحقيق أو النيابة العامة إذا تولت هي التحقيق الدفوع والطلبات وتفصل فيها سلطة التحقيق في ظرف أربع وعشرين ساعة وتبين الأسباب التي تستند إليها.

2- في حالة صدور أوامر سلطة التحقيق في غير مواجهة الخصوم فيجب على النيابة العامة أن تبلغها له بوصفه من الخصوم في ظرف أربع وعشرين ساعة من تاريخ صدورها (م۸۳).

3- له أن يطلب على نفقته أثناء التحقيق صوراً من الأوراق أيا كان نوعها إذا كان التحقيق حاصلا بغير حضور الخصوم بناء على قرار بذلك (م٨٤).

4- للمدعى المدني أن يطلب إلى المحقق رد الخبير إذا وجدت أسباب قوية تدعو لذلك، ويبين في طلب الرد أسبابه، وعلى المحقق الفصل فيه في مدة ثلاثة أيام من يوم تقديمه

5- له حق الطعن في الأوامر الصادرة من قاضي التحقيق بان لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية. وذلك في خلال عشرة أيام من تاريخ إعلانه، إلا إذا كان الأمر صادرا في تهمة موجهة ضد موظف أو مستخدم عام أو أحد رجال الضبط لجريمة وقعت منه أثناء تأدية وظيفته أو بسببها ما لم تكن من الجرائم المنصوص عليها في المادة ۱۲۳ عقوبات (م ١٦٢ إجراءات).

وله الطعن في الأوامر بان لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية الصادرة من النيابة بذات الشروط والقيود الخاصة بالطعن في تلك الأوامر من قاضي التحقيق (م ۲۱۰ معدلة).

6- له جميع الحقوق المقررة للخصوم أمام المحكمة من حيث الإعلان وإبداء الطلبات والدفوع ومناقشة الشهود وإبداء دفاعه والاستعانة بهم.

7- له حق الطعن في الأحكام الصادرة في الدعوى المدنية بجميع طرق الطعن الجائزة قانونا.

8- للمدعى المدني المعارضة في قبول تدخل المسئول عن الحقوق المدنية من تلقاء نفسه (م٢٥٤).

واجبات المدعى المدني:

1- يجب على المدعى المدني دفع الرسوم القضائية، سواء أكان الادعاء في مرحلة الاستدلالات أو التحقيق أو المحاكمة، وعليه أيضا أن يودع مقدما الأمانة التي تقدرها النيابة العامة أو قاضي التحقيق أو المحكمة على ذمة أتعاب ومصاريف الخبراء والشهود وغيرهم. كما عليه إيداع الأمانة التكميلية التي قد تلزم أثناء سير الإجراءات (م٢٥٦)

2- يجب على المدعى المدني أن يعين له محلا في البلدة الكائن فيها مركز المحكمة ما لم يكن مقيما فيها، ويكون ذلك بتقرير في قلم الكتاب. (م٢٥٥).

٥ – القواعد التي تحكم الإجراءات في الدعوى المدنية أمام المحكمة الجنائية

أن القواعد التي تطبق على الدعوى المدنية من حيث الإجراءات ليست قواعد المرافعات المدنية والتجارية وإنما قواعد قانون الإجراءات الجنائية المنطبقة على الدعوى الجنائية. وقد نصت على هذا المبدأ صراحة المادة ٢٦٦ حيث ورد بها يتبع في الفصل في الدعوى المدنية التي ترفع أمام المحكمة الجنائية الإجراءات المقررة بهذا القانون».

ويستوي أن تكون الدعوى المدنية منظورة مع الدعوى الجنائية أم أن تكون هذه الأخيرة قد انقضت واستؤنف السير في الدعوى المدنية، أو كانت الدعوى المدنية قد طرحت على محكمة الاستئناف أو النقض دون الدعوى الجنائية لعدم استئناف النيابة العامة أو المتهم لها. وعليه فلا يجوز تطبيق قواعد المرافعات المدنية والتجارية المتعلقة بوقف الخصومة مثلا بناء على اتفاق الطرفين أو بانقطاعهما لتغير ممثل المدعى بالحقوق المدنية.

وتأسيسا على ذلك فقد قضت محكمة النقض بأن نصوص قانون الإجراءات الجنائية هي الواجبة التطبيق على الإجراءات في المواد الجنائية وفي الدعاوى المدنية التي ترفع بطريق التبعية أمام المحاكم الجنائية ولا يرجع إلى قانون المرافعات إلا لسد النقص، ومن ثم فانه لا يصح للمحاكم الجنائية أن تحكم بانقطاع سير الخصومة لتغير ممثل المدعى بالحقوق المدنية الذي كان قاصرا وبلغ سن الرشد.

كما قضى بأن الدعوى المدنية تابعة للدعوى الجنائية تأخذ حكمها في إجراءات المرافعة وفي الأحكام والطعون الجائزة فيها من حيث الإجراءات والمواعيد فلا يستثنى في شيء من هذا اقتباس أي نص من نصوص المرافعات المدنية، ولا يغير من هذه الحالة انحصار الخصومة بسبب عدم استئناف النيابة في الدعاوى المدنية إذ هذه التبعية من طبيعتها ومن شأنها أن تجعل الدعوى المدنية خاضعة لأحكام قانون الإجراءات الجنائية.

ترك الادعاء بالحق المدنى

1- أنواع الترك في قانون الإجراءات الترك الصريح، الترك الضمني

2- المعارضة في الترك.

3- أثار الترك.

لقد نص قانون الإجراءات الجنائية على جواز ترك الادعاء بالحق المدنى من قبل المدعي المدني في أية حالة كانت عليها الدعوى (م ٢٦٠ إجراءات).

والترك هو إجراء بمقتضاه يعبر المدعى المدني فيه صراحة عن إرادته في التنازل عن جميع إجراءات الخصومة بما في ذلك صحيفة الدعوى.

وترك الدعوى هو نظام يعرفه أيضاً قانون المرافعات المدنية والتجارية. غير انه لم يكن من الممكن تطبيقه أمام المحكمة الجنائية بصدد الدعوى المدنية إلا حيث نص صراحة قانون الإجراءات على ذلك.

لأننا رأينا أن الدعوى المدنية أمام المحكمة الجنائية تخضع في إجراءاتها للقواعد المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية.

ولذلك لم يكن من الممكن تطبيق الأنظمة الأخرى المتعلقة بالخصومة كنظام انقطاع الخصومة، لأن المشرع في قانون الإجراءات لم ينص عليه مراعياً في ذلك أننا لانهمل كلية قواعد قانون المرافعات في هذا الصدد وإنما ينبغي أن نطبقها عند الإحالة إليها صراحة أو عندما تكون غير متعارضة مع طبيعة الدعوى التي ينظرها القضاء الجنائي.

ولذلك فإن طرق الترك الصريح الواردة بقانون المرافعات هي التي تراعى أيضا عند معالجة طرق ترك الدعوى المدنية أمام المحكمة الجنائية. كما أن قانون الإجراءات نص على الترك الضمني وهو ما لا يعرفه قانون المرافعات.

1- أنواع الترك في قانون الإجراءات:

لقد نص قانون الإجراءات على نوعين من الترك: الصريح وهو مماثل للترك أمام المحاكم المدنية والترك الضمني وهو خاص بالدعوى المدنية أمام المحكمة الجنائية.

أولا: الترك الصريح:

ولقد نصت عليه المادة ٢٦٠ إجراءات فقد ورد بها أن للمدعى بالحقوق المدنية أن يترك دعواه في أية حالة كانت عليها الدعوى ويشترط في هذا الترك لكي يحدث أثاره القانونية ما يشترطه قانون المرافعات وهو:

1- أن يتم الترك بالتعبير الصريح عن إرادة التنازل عن جميع إجراءات الخصومة المدنية.

2- أن يأخذ هذا التعبير الصريح إحدى الصور الآتية:

(أ) الإعلان للخصم على يد محضر.

(ب) التقرير به في قلم الكتاب.

(جـ) البيان الصريح في مذكرة موقع عليها من المدعى المدني أو من وكيله مع اطلاع خصمه عليها.

(د) إبدائه شفوياً بالجلسة وإثباته في المحضر. وهذه الصور واردة على سبيل الحصر وفقا للراجح من الفقه.

3_ أن يتم الترك قبل صدور حكم نهائي في الدعوى المدنية.

4- إذا وقع الترك بعد إبداء المدعى طلباته فيلزم أن يقبل الترك حتى ينتج آثاره. لذلك إذا كان الترك قد وقع أمام المحكمة الاستئنافية وكان الحكم المستأنف صادرا لمصلحة المتهم فلا يقبل ترك الدعوى من المدعى المدني ويتعين على المحكمة الاستمرار في نظرها.

الترك الضمني

وقد نصت عليه المادة ٢٦١ إجراءات. فقد اعتبر المشرع المدعى المدني تاركا دعواه في حالتين.

1- إذا لم يحضر المدعى المدني أمام المحكمة بغير عذر مقبول بعد إعلانه لشخصه أو عدم حضور وكيل عنه.

2- إذا حضر المدعى المدني ولكنه لم يبد طلبات بالجلسة. وعليه فإذا ثبت أن المدعى المدني أعلن للحضور للجلسة في محلة المختار، ولم يعلن لشخصه، فانه لا يعتبر تاركا دعواه.

ويلزم للحكم بالترك الضمني أن يطلبه المتهم أو المدعى عليه في الادعاء بالحق المدنى أمام المحكمة الجنائية. فلا يجوز للمحكمة أن تقضى به من تلقاء نفسها.

وتطبيقا لذلك قضى بأنه إذا كان المتهم لا يدعى أنه أعلن المدعى بالحق المدني لشخصه بالحضور في الجلسة التي نظرت فيها الدعوى ولم يطلب من المحكمة اعتباره تاركا لدعواه، فإن الحكم المطعون فيه يكون صحيحا فيما انتهى إليه من تأييد الحكم الابتدائي القاضي بالتعويض وإذا طلب المتهم الحكم بالترك في هذه الحالة ولم تجبه المحكمة إلى طلبه تعين عليها الرد على ذلك الطلب بما يوضح أسباب رفضه وإلا كان حكمها مشوبا بالقصور.

3- المعارضة في الترك:

ويجور للمدعى عليه في الادعاء بالحق المدنى المعارضة في الترك بالشروط الآتية:

1- أن يكون الترك قد وقع بـ بعد إبداء المدعى عليه لطلباته.

2- ألا يكون المدعى عليه قد دفع بعدم اختصاص المحكمة أو بإحالة القضية إلى محكمة أخرى أو ببطلان صحيفة الدعوى أو طلب غير ذلك مما يكون القصد منه منع المحكمة من المضي في سماع الدعوى.

غير انه يستثنى من هذا الشرط حالة الاعتراض على الترك من قبل المتهم حتى يحكم له في طلب التعويض المقدم منه عن الضرر الذي لحقه بسبب رفع الدعوى المدنية عليه بالتطبيق لنص المادة ٢٦٧ إجراءات.

3- آثار الترك:

متى اعتمد الترك من المحكمة الجنائية سواء أكان ذلك بالتنازل الصريح من المدعى أو طلب المتهم أو المدعى عليه في الادعاء بالحق المدنى في حالة الترك الضمني، فانه يترتب على ذلك إلغاء جميع إجراءات الخصومة بما في ذلك صحيفة الدعوى.

ولذلك إذا كانت الدعوى الجنائية قد حركت بطريق الادعاء المباشر في جريمة يتعلق فيها رفع الدعوى على الشكوى، وكان المدعى المدني هو المجني عليه فيها فانه يترتب على الترك سقوط الدعوى الجنائية أيضا.

لأن التنازل المتمثل في الترك يلغى جميع إجراءات الخصومة بما فيها صحيفة الدعوى التي تتضمن الشكوى.

كما يترتب على الترك زوال صفة المدعى. ولذلك فقد قضى بأنه إذا كان الطاعن قد تنازل عن دعواه المدنية وكانت المحكمة قد أجابته إلى ما طلب، فانه لا تكون له صفة فيما يثيره في طعنه بالنسبة إلى الدعوى العمومية.

كما يترتب على الترك أيضا وجوب استبعاد المسئول عن الحقوق المدنية إذا كان تدخله قد وقع بناء على طلب المدعى. أما إذا كان قد تدخل من تلقاء نفسه أو بناء على طلب النيابة العامة فلا تأثير للترك عليه.

ولا يؤثر الترك على الدعوى الجنائية. وهذا ما أنه أكدت عليه المادة ٢٦٠ إجراءات في فقرتها الأخيرة حيث نصت صراحة على ولا يكون لهذا الترك تأثير على الدعوى الجنائية».

ومع ذلك فقد جاءت الفقرة الثانية بعد تعديلها بحكم خاص بالدعوى الجنائية التي تم رفعها بطريق الادعاء المباشر حيث يترب على اعتبار المدعي المدني تاركا دعواه الحكم بترك الدعوى الجنائية ما لم تطلب النيابة العامة الفصل فيها.

ويلزم المدعى التارك لدعواه بدفع المصاريف السابقة على الترك. ولا يخل الترك بطبيعة الحال بحق المتهم في الالتجاء إلى القضاء المدني للحكم بالتعويضات أن كان لها وجه.

وبطبيعة الحال لا يؤثر الترك على موضوع الحق الثابت للمدعى المدني. فهو يؤثر فقط على الإجراءات التي بوشرت أمام المحكمة الجنائية في الدعوى المدنية.

أما الحق في تعويض الضرر الناشئ عن الجريمة فلا يتأثر بالترك اللهم إلا إذا صرح بذلك المدعى. ولذلك تنص المادة ٢٦٢ إجراءات على انه إذا ترك المدعى بالحقوق المدنية دعواه المرفوعة أمام المحاكم الجنائية، يجوز له أن يرفعها أمام المحاكم المدنية ما لم يكن قد صرح بترك الحق المرفوع به الدعوى.

وإذا حدث الترك أمام المحكمة المدنية بصدد الدعوى المدنية المرفوعة أمامها ابتداء فلا يؤثر ذلك على حق المدعى في الالتجاء إلى القضاء الجنائي طالما أن حقه في الخيار لم يكن قد سقط وفقا للقواعد السابق بيانها في أحوال سقوط الحق.

وعلى هذا تنص أيضا المادة ٢٦٤ إجراءات على انه إذا رفع من ناله ضرر من الجريمة دعواه بطلب التعويض إلى المحكمة المدنية، ثم رفعت الدعوى الجنائية، جاز له إذا ترك دعواه أمام المحكمة المدنية أن يرفعها إلى المحكمة الجنائية مع الدعوى الجنائية.

مع ملاحظة ما نصت عليه المادة ۲٦٠ فقرة ثالثة من انه إذا حكم بترك الدعوى الجنائية التي رفعت بطريق الادعاء المباشر، سقوط حق المدعي المدني نفسه في الادعاء بالحق المدنى عن ذات الفصل أمام المحكمة الجنائية.

ومعنى ذلك انه لا يجوز أن يلجأ إلى القضاء الجنائي إلا إذا كانت الدعوى المدنية قد رفعت إلى القضاء المدني قبل رفع الدعوى الجنائية. فإذا كانت الدعوى قد رفعت بعد رفع الدعوى الجنائية فيترتب على التجائه إلى الطريق المدني هنا سقوط حقه في الالتجاء إلى الطريق الجنائي كما سبق أن فصلنا.

الحكم في الادعاء بالحق المدنى التبعية

1- مبدأ وحدة الحكم في الدعويين المدنية والجنائية.

2- المشكلة الخاصة بالفصل في موضوع الدعويين بحكمين منفصلين.

3- مدى اشتراط التلازم بين حكم البراءة وبين رفض الدعوى المدنية.

4- الحكم في الدعوى الفرعية من المتهم على المدعى المدني .

متى رفع  الادعاء بالحق المدنى صحيح  واتصلت بها المحكمة الجنائية المنظورة أمامها الدعوى الجنائية تعين عليها وفقا لمبدأ التبعية أن تحكم في الدعويين الجنائية والمدنية بحكم واحد.

وقد رأينا أن هذه القاعدة يرد عليها بعض الاستثناءات والتي فيها تنفصل الدعوى المدنية عن الدعوى الجنائية ويصدر القاضي الجنائي حكمه في الدعوى المدنية استقلالا، كما هو الشأن في حالة سقوط الدعوى الجنائية بعد رفع الدعوى المدنية، ففي هذه الحالات لا تتأثر الدعوى المدنية بسبب السقوط وإنما تظل قائمة حتى يفصل فيها بحكم في الموضوع.

كما رأينا أن من حق القاضي الجنائي إذا رأى أن الفصل في الدعوى المدنية سيؤخر الفصل في الدعوى الجنائية أن يحيلها إلى القضاء المدني.

والذي نود بحثه هنا ليست الاستثناءات السابقة التي عرضنا لها فيما قبل، وإنما الفرض العادي، الذي فيه يفصل القاضي في الدعوى الجنائية وأيضا في الدعوى المدنية. فما هي القاعدة التي يتعين مراعاتها حتى يكون حكمه الفاصل في الدعويين صحيحاً، وما الحل فيما لو خالف القاضي هذه القاعدة؟ وهل يجوز للقاضي أن يحكم بالبراءة في الدعوى العمومية وفى نفس الوقت يحكم بالتعويض في الدعوى المدنية.

2 – مبدأ وحدة الحكم في الدعويين المدنية والجنائية:

أن القاعدة التي يتعين أن يراعيها القاضي الجنائي عند فصله في الموضوع بالنسبة للدعوى الجنائية والمدنية يحكمها مبدأ وجوب الفصل في الدعويين بحكم واحد.

فالقاضي الجنائي مادام سيصدر حكما في موضوع الدعويين. ولم ير مبررا لإحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة المدنية، وإن كانت الدعوى الجنائية قد سقطت دون تأثير على الدعوى المدنية فيجب أن يصدره بالنسبة للدعويين في حكم واحد وفى وقت واحد.

ولكن هل يجوز للقاضي أن يفصل في الدعويين بحكمين منفصلين، أي هل يكون الحكم صحيحاً لو فصل القاضي في الدعوى الجنائية بحكم ثم بعد ذلك فصل في الدعوى المدنية بحكم أخر أو العكس بطبيعة الحال القاعدة السابقة لا تنصرف إلى الأحكام الصادرة في الدعويين بصدد المسائل المنطقة بالإجراءات وهي ما نطلق عليها الأحكام الإجرائية فالقاعدة السابقة قاصرة على الأحكام الفاصلة في الموضوع، ولذلك يجوز للقاضي أن يحكم بعدم قبول الدعوى المدنية في حكم مستقل وبعد ذلك يحكم بعدم قبول الدعوى الجنائية، أو يحكم بعدم اختصاصه في الدعوى الجنائية.

المشكلة الخاصة بالفصل في موضوع الدعويين بحكمين منفصلين:

ولكن ما هو الحل فيما لو أصدر القاضي الجنائي حكمين منفصلين في كل من الدعوى الجنائية والدعوى المدنية متعلقا بموضوع كل منهما؟

يتحقق ذلك إذا أصدر القاضي حكما في الدعوى المدنية بالرفض مثلا ثم بعد ذلك أصدر حكمه في الدعوى الجنائية بالبراءة، أو أصدر حكما بالإدانة في الدعوى الجنائية ثم يعقبه بحكم بالتعويض في الدعوى أو برفضها إذا لم يكن للتعويض مقتض

والواقع أن حل التساؤلات السابقة يتوقف على وجوب التفرقة بين الفروض الآتية:

الفرض الأول: أن يفصل القاضي بحكم في موضوع الدعوى الجنائية ويرجي الفصل في الدعوى المدنية في مثل هذا الفرض يظل الحكم في الدعوى الجنائية صحيحا.

أما الحكم الذي يصدره بعد ذلك في الدعوى المدنية فقد اختلف الرأي فيه. فقد ذهب بعض الأحكام إلى انه يجوز للمحكمة الجنائية أن تنظر الدعوى المدنية في هذه الحالة حينما يخطئ القاضي ولا يصدر حكمها في الدعوى المدنية في ذات الحكم الصادر في الدعوى الجنائية.

غير أن هذا الرأي يتنافى مع طبيعة الدعوى المدنية واختصاص القاضي الجنائي بها. فهو لا يختص بالدعوى المدنية إلا حيث تكون الدعوى الجنائية منظورة امامه ولذلك أوجب القانون أن يكون الحكم في الدعوى الجنائية متضمنا أيضا الحكم في الدعوى المدنية.

فإذا ما أصدر حكمه في الدعوى الجنائية زالت عنه ولاية الفصل في الادعاء بالحق المدنى. ولا يقدح في صحة هذا القول ما نصت عليه المادة ٢٥٩ إجراءات من أن سقوط الدعوى الجنائية لا يؤثر على سير المدنية.

فالمادة سالفة الذكر هي استثناء قاصر فقط على حالات سقوط الدعوى أي الدعوى الأسباب التي تعرض للدعوى فتسقطها قبل الحكم فيها، ومما لا شك فيه أن حالات الحكم في موضوع الدعوى الجنائية لا تندرج تحت هذه المادة لأن الدعوى هنا تنقضي بالحكم، فضلا عن أن المشرع أوجب على القاضي الحكم في الدعويين معا.

ومن أجل ذلك فإن حكم القاضي الجنائي في الدعوى المدنية بعد حكمه في الدعوى الجنائية يكون باطلا وهو بطلان متعلق بالنظام العام يجوز التمسك به ولو لأول مرة أمام محكمة النقض.

ويلاحظ أن قرار تأجيل الدعوى المدنية بعد صدور الحكم الجنائي لا يجوز الطعن فيه إذ انه ليس حكما. وليس أمام صاحب المصلحة في هذه الحالة إلا الانتظار حتى يصدر القاضي حكمه ويطعن فيه أو أن يترك دعواه ويرفعها إلى المحكمة المدنية إذا كان صاحب المصلحة هو المدعى.

وتطبيقا لذلك حكمت محكمة النقض بأنه إذا أصدرت المحكمة الجنائية حكمها في موضوع الدعوى الجنائية وحدها امتنع عليها بعدئذ الحكم في الدعوى المدنية على استقلال لزوال ولايتها في الفصل فيها، وقد ورد على هذا الأصل أحوال استثناها القانون، من بينها حالة سقوط الدعوى الجنائية بعد رفعها لسبب من الأسباب الخاصة بها كالتقادم.

ويلاحظ أن بطلان الحكم الصادر في الدعوى المدنية بعد الحكم في الدعوى الجنائية لا يؤثر على صحة هذا الأخير إذ أنها صاحبه الولاية الأصلية بالفصل في الدعوى الجنائية، وينصرف البطلان فقط إلى الاختصاص العارض المتعلق بالدعوى المدنية.

وهذا ما عنته محكمة النقض حينما قضت بأنه لا يجوز للمحكمة أن تفصل الدعوى الجنائية وتؤجل الفصل في الدعوى المدنية لجلسة تالية وإلا كان حكمها بعد ذلك في الدعوى المدنية باطلا لزوال ولاية الفصل فيها.

الفرض الثاني: أن يصدر القاضي حكمه في الدعوى الجنائية ويغفل الفصل في الادعاء بالحق المدنى. وهذا هو الفرض الذي يفصل فيه القاضي بحكم في الدعوى الجنائية ويسهو عن الحكم في طلبات المدعى المدني بالتعويض. وقد عرض الأمر على المحكمة العليا الليبية فقضت بأن الحكم الذي يغفل الفصل في طلب لا يعتبر حكماً وبنت على ذلك نتيجتين.

الاولي: هي انه لا يجوز الطعن فيه بالاستئناف الثانية: هي انه نظرا لخلو قانون الإجراءات الجنائية من نص يحكم هذه الحالة فيجب تطبيق ما نصت عليه المادة ۱۹۳ مرافعات والتي تقض بأنه إذا أغفلت المحكمة الحكم في بعض الطلبات الموضوعية، جاز لصاحب الشأن أن يكلف خصمه بالحضور أمامها لنظر الطلب والحكم فيه.

ولا يغير من هذا ما أوجبه المشرع في المادة ۳۰۹ إجراءات من ضرورة الحكم في الدعويين بحكم واحد لعدم معالجتها حالة إغفال الفصل في طلب موضوعي سبق أن عرض على المحكمة ، كما قضت بذلك أيضا محكمة النقض المصرية فاعتبرت الحكم الصادر في الدعوى الجنائية باطلا إذا ما أغفل الفصل في الدعوى المدنية التابعة لها ،،،

وعليه قضت أيضا بأنه إذا ثبت أن المحكمة الجنائية حين فصلت في الدعوى الجنائية قد أغفلت الفصل في الدعوى المدنية إغفالاً تاما فلم تتحدث عنها في منطوق حكمها ولا في مدوناتها فإن اختصاصها بنظر هذه الدعوى يكون باقيا بالنسبة لها وذلك تطبيقا لقاعدة إجرائية عامة نص عليها قانون المرافعات تقضى بأنه إذا أغفلت المحكمة الحكم في بعض الطلبات الموضوعية جاز لصاحب الشأن أن يكلف خصمه بالحضور أمامها لنظر هذا الطلب والحكم فيه

غير أن التسليم بصحة ما جاء في قضاء المحكمة العليا ومحكمة النقض يتعارض مع صفة الدعوى المدنية التي يختص بها القاضي الجنائي وهي التبعية،

إذ أن مفاد هذه الصفة انه لا ولاية للقاضي الجنائي بالفصل في الدعوى المدنية استقلالاً عن الدعوى الجنائية إلا بصدد استثناءات محددة وليست هذه الحالة بينها.

أن مفاد طرح الدعوى المدنية على القاضي الذي أصدر الحكم الجنائي للفصل فيها يحدث في وقت تكون ولايته فيه زالت لإصداره الحكم الذي كان يجب أن ينطوي أيضا على الدعوى المدنية. أما وقد أغفل النص عليه فلا مناص من الالتجاء إلى الطريق العادي وهو الطريق المدني

ولا محل للاحتجاج بالنص الوارد في قانون المرافعات في المادة ۱۹۳. حقا أن قانون الإجراءات لم يفصل في الفرض الذي نحن بصدده بنص خاص، إلا أنه لا يمكن تطبيق نصوص قانون المرافعات إلا حيث تكون متناسقة مع طبيعة الدعوى المنظورة أمام القضاء الجنائي.

ولا شك أن تطبيق المادة ۱۹۳ يتعارض تعارضا صارخا مع صفة التبعية التي تقضى بأن لا اختصاص للقاضي الجنائي بالدعاوى المدنية إلا إذا توافرت فيها هذه الصفة.

ومع ذلك نرى انه يمكن أعمال نص المادة ۱۹۳ مرافعات في حالة واحدة فقط وهي حينما يفصل القاضي الجنائي بحكم واحد في الدعوى الجنائية وفي الدعوى المدنية إلا انه يغفل في فصله في الادعاء بالحق المدنى إحدى الطلبات الموضوعية لأن نظر المحكمة الجنائية في الطلب الموضوعي الذي أغفلته في حكمها في الدعوى المدنية هو نوع من تصحيح الحكم الذي تملكه دائما المحكمة التي أصدرته. فالمادة ۱۹۳ وردت تحت عنوان تصحيح الأحكام وتفسيرها.

وهذا الإغفال الجزئي لا يبطل الحكم الصادر في الادعاء بالحق المدنى، ولذلك فانه يمكن لذات المحكمة التي أصدرته أن تنظر فيما أغفلته، وليس في هذا تعارض مع صفة التبعية.

ولقد جانب التوفيق القضاء الذي حكم ببطلان الحكم الجنائي أيضا الفاصل في الدعوى الجنائية دون المدنية. ذلك إنه وإن كان القانون يلزم القاضي بإصدار حكمه الدعويين معا، إلا أن إغفاله الحكم في الادعاء بالحق المدنى لا تأثير له على الحكم في الدعوى الجنائية الذي صدر صحيحا.

وإذا كان الحكم في الدعويين يتم بمنطوق واحد إلا انه ينطوي في حقيقته على حكمين في المضمون ولم يشترط المشرع تبعية الحكم إلا بالنسبة للدعوى المدنية، أما الدعوى الجنائية فاختصاصه بها أصيل ولذلك إذا أغفل النص على الادعاء بالحق المدنى فلا يؤثر في صحته، على عكس الحال بالنسبة للحكم في الدعوى المدنية. فاختصاصه بتلك الأخيرة استثنائي ولذلك فإن الحكم فيها لابد أن يكون تابعاً لحكم جنائي كما سنرى في الفرض التالي.

الفرض الثالث: أن يصدر القاضي حكمه الفاصل في الادعاء بالحق المدنى قبل الحكم في الدعوى الجنائية.

قد يفصل القاضي في موضوع الدعوى المدنية قبل إصدار حكمه الفاصل في الدعوى الجنائية، في هذه الحالة يقع الحكم في الدعوى المدنية باطلا دون أن يؤثر بطلانه على الحكم التالي بعد ذلك في الدعوى الجنائية.

وبطلان الحكم المدني في هذه الحالة مبنى على أن القاضي وأن اختص بنظر الادعاء بالحق المدنى التابعة لدعوى جنائية منظورة أمامه إلا انه لا يجوز له الفصل فيها بحكم إلا تبعا للحكم في الدعوى الجنائية وإلا انتفت العلة التي من اجلها منحه المشرع اختصاص نظر الدعوى المدنية.

وبطبيعة الحال لا ينصرف هذا البطلان إلا إلى الأحكام في الدعاوى المدنية من حيث موضوعها، أما الأحكام الصادرة فيها من حيث قواعد الإجراءات كالحكم بعدم الاختصاص أو بعدم القبول، فهذه يجوز إصدارها قبل الحكم في الدعوى الجنائية، إذ الأصل فيها أن تصدر قبل الفصل في موضوع الدعوى الجنائية وبمجرد بحث صحة الادعاء المدني من حيث إجراءاته وشروطه.

4- مدى اشتراط التلازم بين حكم البراءة وبين رفض الدعوى المدنية:

قد يحدث أن تقضى المحكمة في الدعوى الجنائية بالبراءة، فهل يجوز لها رغم ذلك أن تقضى بالتعويض في الدعوى المدنية دون أن يكون هناك تناقض في الحكم؟ وإذا كان يجوز لها ذلك فهل في جميع أحوال البراءة تملك المحكمة الحكم بالتعويض إذا وجدت لذلك مقتضيا.

لا شك أن الحكم بالبراءة في الدعوى الجنائية والتعويض في الدعوى المدنية لا ينطوي على تناقض لأنه إذا كانت كل من الدعويين يفصل في موضوعها بحكم واحد إلا انهما مختلفان من حيث العناصر فهذا الحكم في حقيقته ينطوي على حكمين أحدهما في ثبوت أو عدم ثبوت المسئولية الجنائية والثاني في ثبوت أو انتفاء المسئولية المدنية.

هل تملك المحكمة الجنائية الحكم بالتعويض فى  الادعاء بالحق المدنى في جميع أحوال البراءة؟

ينبغي هنا التفرقة بين الفروض الأتية:

أولاً: أن يكون حكم البراءة مبنيا على سبب إجرائي لا يتعلق بثبوت الواقعة ونسبتها إلى المتهم وإنما يتعلق بسلطة المحكمة في الفصل في الدعوى الجنائية ومثال ذلك براءة المتهم لسقوط الدعوى الجنائية بالتقادم أو بوفاة المتهم أو بالتنازل عن الطلب أو الشكوى.

وقد سبق أن رأينا أن سقوط الدعوى الجنائية لسبب من الأسباب المتعلقة بها لا يؤثر على سير الادعاء بالحق المدنى. وبطبيعة الحال إذا كان الحكم بالبراءة مؤسسا على سبب إجرائي يتعلق بولاية المحكمة بالدعوى الجنائية أو بشروط قبولها، فهذا يحول دون نظر الادعاء بالحق المدنى لأنها لا تكون تابعة لدعوى جنائية، كما لو قضت المحكمة بعدم اختصاصها بنظر الدعوى الجنائية أو بعدم قبول الدعوى الجنائية كما سبق أن أوضحنا.

ثانيا: أن يكون الحكم بالبراءة مبنيا على توافر مانع من موانع المسئولية أو مانع من موانع العقاب.

وفى هذا الفرض يكون الحكم سليما لا غبار عليه. فانعقاد ولاية القاضي الجنائية بالدعوى المدنية متوقف على ثبوت وقوع الجريمة في ركنها المادي وصحة نسبتها إلى المتهم.

ولذلك إذا كان هناك مانع من موانع المسئولية أو مانع عقاب فإن هذه الموانع وأن حالت دون عقاب الجاني وتقرير مسئوليته الجنائية فإنها لا تحول دون تقرير مسئوليته المدنية.

ولذلك نجد أن القانون المدني يقرر صراحة إمكان الحكم بالتعويض رغم توافر حالة الضرورة. وهذا الرأي أيضا هو ما أخذت به المحكمة العليا الليبية حيث قضت بأن انتفاء المسئولية الجنائية بسبب عدم توافر القصد الجنائي فإن هذا لا يكفي وحده لعدم المسئولية المدنية كما قضت محكمة النقض بأن شرط الحكم بالتعويض في الدعوى المدنية التبعية في حالة الحكم بالبراءة هو ثبوت وقوع الفعل موضوع الدعوى الجنائية وصحة نسبته إلى المتهم المقامة عليه الدعوى المذكورة.

ثالثا: أن يكون حكم البراءة مؤسسا على أن الواقعة لا يعاقب عليها القانون.

وفى هذا الفرض ذهب بعض الفقه إلى أن الحكم ببراءة المتهم بناء على أن الواقعة لا عقاب عليها قانونا لا يمنع أن تكون الواقعة فعلا خاطئا ضارا يوجب ملزومية فاعله بتعويض الضرر بالتطبيق لقواعد القانون المدني.

وقد اشترط البعض في هذه الحالة أن تكون الدعوى الجنائية قد رفعت بمعرفة النيابة لا أن يكون قد تم رفعها بطريق الادعاء المباشر حتى يفوت على المدعى قصده في رفع الدعوى الجنائية إلى المحكمة الجنائية للحكم له بالتعويض رغم علمه بعدم العقاب على الواقعة أما إذا كان المدعى المدني قد رفع دعواه بناء على رفع الدعوى الجنائية من النيابة العامة فلا يتحمل بخطئها في تقدير توافر العناصر القانونية للواقعة.

وقد اتجهت محكمة النقض إلى تأييد هذا الرأي فقضت بأن الحكم بالتعويض غير مرتبط حتماً بالحكم بالعقوبة في الدعوى الجنائية، إذ أن الشارع أوجب على المحكمة أن تفصل في الدعوى المدنية، فالفعل ولو لم يكن جريمة معاقبا عليها قانونا إلا انه مع ذلك قد يكون جنحة أو شبه جنحة مدنية يصح لمن ناله ضرر منه أن يطالب بتعويضه.

غير أننا لا نرى التسليم بصحة هذا الرأي لأن المشرع جعل اختصاص المحكمة الجنائية بنظر الدعوى المدنية منوطا بوقوع فعل مكون لجريمة معاقب عليها في قانون العقوبات حتى يكون الاستثناء بنظر الدعوى المدنية مبرر.

ولذلك فإن المشرع أعطى المحكمة الجنائية حق إحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة المدنية إذا رأت في ذلك تعطيلا لسير الدعوى الجنائية فإذا لم يكن الفعل مكونا لجريمة في ركنها المادي فيكون الاستثناء بنظرها غير متوافرة فيه حكمه ولا تختص المحكمة الجنائية بنظر الدعوى المدنية من باب أولى.

ولذلك فالأصل في دعاوى الحقوق المدنية كما تقول محكمة النقض أن ترفع إلى المحاكم المدنية، وإنما أباح القانون استثناء رفعها إلى المحكمة الجنائية متى كانت تابعة للدعوى الجنائية، فإذا لم يكن الضرر الذي لحق به ناشئاً عن هذه الجريمة أو كان أساسه منازعة مدنية لا شبهة فيها من بادئ الأمر، سقطت تلك الإباحة وزال معها اختصاص المحكمة الجنائية بنظر الدعوى المدنية، ومن ثم فإن القضاء بالبراءة يلزم عنه القضاء بعدم اختصاص المحكمة الجنائية بنظر الدعوى المدنية

وفي الحقيقة نلاحظ على احكام النقض التي اباحت للمحكمة الجنائية الحكم بالتعويض رغم الحكم بالبراءة أن هناك خلطا بين انقضاء الجريمة لعدم توافر ركن من أركانها مما يتعين معه انتفاء العقاب عليها، كمانع المسئولية أو مانع العقاب، وبين انتفاء الجريمة لأن الفعل المرتكب لا يندرج تحت نص من قانون العقوبات. وهذا الخلط مصدره انه في كلتا الحالتين لن يوقع عقاب على المتهم.

إلا أن هذا الخلط يجب تفاديه. فالمحكمة الجنائية تختص بالحكم في الادعاء بالحق المدنى بالتبعية متى كان هناك فعل يندرج تحت نص تجريمي من نصوص قانون العقوبات أي متى كانت هناك واقعة مادية تكون الركن المادي في جريمة من الجرائم، أما مسئولية المتهم الجنائية عن هذا الفعل فلا تأثير لها على مسئوليته المدنية.

ولذلك يمكن أن تنتفي الأولى وتقوم الثانية. ففي هذا الفرض فقط يمكن الحكم بالبراءة وبالتعويض معاً. أما إذا كان الحكم بالبراءة هو لأن الفعل المادي ليس مجرما بنص في قانون العقوبات فهنا تزول ولاية المحكمة بنظر دعوى التعويض ويتعين الحكم بالبراءة وبعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى المدنية.

رابعا: أن تؤسس البراءة على عدم ثبوت التهمة قبل المتهم أو عدم وقوع الفعل.

إذا قضت المحكمة بالبراءة لأن الواقعة ثبت عدم صحة وقوعها أو أنها وقعت إلا انه لم يقدم الدليل الكافي على ارتكابها من قبل المتهم ففي هذه الحالة يكون الحكم متناقضاً إذا قضى بالبراءة في الدعوى الجنائية وبالتعويض في الدعوى المدنية. لأن الحكم القاضي بالبراءة لعدم صحة الواقعة أو لعدم نسبتها إلى المتهم يعتبر حجة أمام القضاء المدني وبالتالي فلا يجوز أن يحكم القاضي الجنائي بالتعويض وإنما يتعين أن يحكم برفض الدعوى المدنية.

ذلك عناصر الحكم بالبراءة في هذه الحالة هي ذات عناصر الحكم برفض الدعوى المدنية. إذ كلا الحكمان يقومان على نفى نسبة الفعل إلى المتهم وهو شرط أساسي للمساءلة الجنائية والمدنية معا.

٥ – الحكم في الدعوى الفرعية من المتهم على المدعى المدني

لقد رأينا أن المشرع أجاز للمتهم في المادة (٢٦٧ إجراءات) أن يطالب المدعى بالحقوق المدنية أمام المحكمة الجنائية بتعويض الضرر الذي لحقه بسبب الادعاء بالحق المدنى عليه إذا كان لذلك وجه ويجب على المحكمة في حكمها الصادر في موضوع الدعوى الجنائية أن تفصل في هذه الطلبات. غير أنه يشترط لذلك الاتي:

أولا: أن تنتهي المحكمة في موضوع الدعوى الجنائية إلى البراءة المبنية على أحد أمرين:

أ- عدم صحة الواقعة.

ب- عدم كفاية نسبتها إلى المتهم.

ثانيا: أن تخلص المحكمة في موضوع الدعوى المدنية إلى الحكم بالرفض. فلا يجوز الحكم للمتهم بالتعويض إذا كانت المحكمة قد قضت في الدعوى المدنية بعدم الاختصاص أو بعدم القبول، أو صدر قرار من المحكمة بإحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة المدنية.

ثالثا: ألا يكون المتهم قد قبل ترك الدعوى المدنية من قبل المدعى ذلك انه متى اعتمدت المحكمة الترك زالت ولايتها بنظر الدعوى المدنية الأصلية والدعوى الفرعية التي يقيمها المتهم.

رابعا: أن يثبت خطأ في جانب المدعى المدني يستوجب الحكم بالتعويض وفقا لقواعد المسئولية المدنية بأن كان سيء النية مثلا.

والمحكمة تفصل في طلب المتهم سواء أكان الادعاء المدني قد تم بطريق الادعاء المباشر أم كان المدعى المدني قد رفع دعواه بناء على رفع الدعوى الجنائية من النيابة العامة.

وعلى ذلك يطبق بصدد هذه الدعوى الفرعية ما يطبق على الدعوى المدنية الأصلية من حيث جواز إحالتها إلى المحكمة المدنية إذا رأى القاضي الجنائي أن الفصل فيها يترتب عليه تأخير الفصل في الدعوى الجنائية وبالشروط السابق بيانها بخصوص صحة ذلك القرار.

ويلاحظ أن إغفال المحكمة الفصل في طلب المتهم الحكم له بالتعويض يجب أن نفرق فيه بين فرضين:

الأول: هو حيث يصدر الحكم في الدعوى الجنائية ويغفل الفصل في الدعوى المدنية الأصلية والفرعية، وهنا لا يكون أمام أصحاب الحقوق المدنية إلا الالتجاء إلى القضاء المدني لزوال ولاية المحكمة الجنائية في الفصل في الدعاوى المدنية بإصدارها الحكم في الدعوى الجنائية.

الثاني: أن تفصل المحكمة في موضوع الدعوى الجنائية والدعوى المدنية المقامة من المدعى المدني وتغفل الفصل في الدعوى الفرعية المقامة من المتهم. وفى هذا الفرض نرى إمكان تطبيق المادة ۱۹۳ مرافعات من حيث إمكان عرض الموضوع على المحكمة الجنائية للفصل فيه باعتبار أن طلب المتهم بالتعويض باعتباره دعوى فرعية يمكن طرحه على المحكمة التي أصدرت الحكم في الدعوى المدنية الأصلية لمعرفة رأيها في الطلب العارض المتمثل في التعويض، وذلك طبقا لرأينا الذي انتهينا إليه في حالة إغفال الفصل في الدعوى المدنية.

علاقة الدعوى الجنائية والحكم الفاصل فيها بالدعوى المدنية أمام القضاء المدني

إذا ما نشأت عن الجريمة دعويان الأولى جنائية والثانية مدنية ونظرت الأولى المحكمة الجنائية بينما نظرت الثانية المحكمة المدنية، أما لأن المدعى المدني اختار الطريق المدني أما لأن المحكمة الجنائية لم تكن مختصة بنظرها وإما لأنها إحالتها إلى المحكمة المدنية حتى لا يتعطل الفصل في الدعوى الجنائية، فلابد وأن تكون هناك صلة بين الدعويين وما يصدر فيهما من أحكام حتى يتفادى التعارض بين ما يقضى به في الدعوى الجنائية وما يقضى به في الدعوى المدنية رغم وحدة المصدر. لذلك ينبغي معرفة حدود هذه العلاقة.

ولدراسة حدود العلاقة بين الدعوى الجنائية والدعوى المدنية المنظورة بمعرفة القضاء المدني ينبغي دراسة النقاط الآتية:

أولا: أثر الحكم الصادر في الدعوى المدنية على الدعوى الجنائية من حيث حجيته.

ثانيا: أثر الحكم الصادر في الدعوى الجنائية على الدعوى المدنية المنظورة امام القاضي المدني.

 ثالثا: أثر نظر الدعوى الجنائية على الدعوى المدنية من حيث وجوب وقف الفصل في هذه الأخيرة.

 رابعا: هل يمكن أن يكون لنظر الدعوى المدنية أثر على وقف الفصل في الدعوى الجنائية.

خامسا: الدفوع الخاصة بالحجية ووقف الدعوى المدنية.

حجية الحكم المدني أمام القضاء الجنائي

1- القاعدة.

2- حدود القاعدة ومدى انطباقها على المسائل الفرعية.

3- الاستثناء الوارد على القاعدة

1- القاعدة:

إذا رفعت الدعوى المدنية أمام المحكمة المدنية وفصلت هذه الأخيرة في موضوعها بحكم، فالقاعدة أن الحكم الصادر في الدعوى المدنية الناشئة عن الجريمة لا يحوز أية حجية فيما قضى به متعلقا بثبوت وقوع الجريمة أو فيما قضي به متعلقا بصحة نسبتها إلى الفاعل.

بمعنى أن المحكمة الجنائية لا تتقيد بما قضى به القاضي المدني متعلقا بوقوع الجريمة وإسنادها إلى المتهم ويمكنها رغم الحكم أن تفصل بعكس ما انتهى إليه القاضي المدني.

وقد نصت على هذه القاعدة المادة ٤٥٧ إجراءات حيث ورد بها لا تكون للأحكام الصادرة من المحاكم المدنية قوة الشيء المحكوم به أمام المحاكم الجنائية فيما يتعلق بوقوع الجريمة ونسبتها إلى فاعلها».

والحكمة التي تقف وراء هذا النص تنحصر في أمرين

الأول: أن المحكمة الجنائية هي صاحبة الاختصاص الأصيل بالفصل في مدى صحة وقوع الجريمة ونسبتها إلى فاعلها، بينما تتعرض لها المحكمة المدنية بالقدر الذي يمكنها من الفصل في الدعوى المدنية،

الثاني: هو أن المحكمة الجنائية تتمتع بقدر أكبر في طرق الإثبات ولا تتقيد في ذلك بطريق معين ويكون القاضي عقيدته بنفسه بمطلق الحرية، بينما نجد المحكمة المدنية تتقيد بطرق إثبات معينة نص عليها القانون.

2- حدود القاعدة ومدى انطباقها على المسائل الفرعية:

لقد نص المشرع في المادة ٤٥٧ على عدم تقيد القاضي الجنائي بحكم المحكمة المدنية بالنسبة لوقوع الجريمة ونسبتها إلى فاعلها.

والمقصود بوقوع الجريمة ليس فقط صحة وقوع الفعل الإجرامي مادياً وإنما ايضا كل ما يتعلق بالوقوع القانوني أي توافر الأركان والعناصر المتطلبة للوجود القانوني لها. فالمحكمة الجنائية لا تتقيد بحجية الحكم المدني في أي واقعة يتوقف عليها الحكم في الدعوى الجنائية المرفوعة أمامها، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك (م ۲۲۱ وما بعدها إجراءات).

وتطبيقا لذلك حكم بأنه إذا طعن في سند التزوير أمام المحكمة المدنية وقضت هذه المحكمة بصحة السند فإن هذا الحكم لا يمنع المحكمة الجنائية متى طرح أمامها موضوع تزوير السند من القضاء بتزويره وتوقيع العقوبة على المزور، إذ انه متى رفعت الدعوى إلى المحكمة تصبح وقد اتصلت بها ملزمة بالفصل فيها على ضوء ما تستظهر من توافر أركان الجريمة أو عدم توافرها على مدى ما تستلهمه في تكوين عقيدتها من شتى الأدلة والعناصر دون أن تتقيد بالأحكام المدنية التي صدرت أو تعلق قضاءها على ما عساه من أحكام بشان الأوراق المطعون بتزويرها .

غير أن الفقه آثار مشكلة تتعلق بمدى انطباق هذه القاعدة على المسائل المدنية الفرعية والتي تثار أمام المحكمة الجنائية ويكون قد صدر فيها حكم من المحكمة المدنية، فهل تلتزم به المحكمة الجنائية أم أن تلك الأخيرة لا تتقيد بما فصل به القاضي المدني؟

التسليم أو الخطأ المدني. لقد ذهب جانب من الفقه إلى أن المسائل المدنية الفرعية إذا أثيرت أمام القضاء الجنائي فيجب أن يتقيد هذا الأخير بما قضت به المحكمة المدنية. ومثال ذلك الفصل في النزاع على الملكية مثلا، أو تكييف العقد بأنه من عقود الأمانة أم لا، والجنائي

وحجة هذا الرأي أن كلا من القضاءين المدني والجنائي مختص بنظرها وأن الاختصاص الأصلي ثابت للمحكمة المدنية، فإذا سبق الفصل فيها نهائياً من القضاء المدني وجب على المحكمة أن تنزل على حكمه وخاصة وأن هذه المحكمة تتبع في المسائل المذكورة طرق الإثبات المقررة في القانون المدني.

على حين ذهب رأى آخر إلى أن المحكمة الجنائية تختص بالفصل في جميع هذه المسائل الفرعية ولا يكون للحكم المدني أية حجية بصددها أمام القضاء

وقد أيدت محكمة النقض هذا الرأي الأخير فقضت بأن القاضي الجنائي مختص بالفصل في كافة المسائل الفرعية التي تعرض أثناء نظر الدعوى الجنائية، فمن حقه بل من واجبه أن يفصل في صفة الخصوم ولا يجوز مطالبته بوقف النظر فيها حتى بفصل في دعوى مدنية رفعت بشأنها وذلك لان قاضي الأصل هو قاضي الفرع،

ولأن القاضي الجنائي غير مقيد بحسب الأصل بما يصدره القاضي المدني من أحكام كما قضت بأن المحكمة الجنائية مختصة بالفصل في جميع المسائل التي يتوقف عليها الحكم في الدعوى الجنائية أمامها ما لم ينص القانون على خلاف ذلك دون أن تتقيد بالأحكام المدنية التي صدرت او تعلق قضاءها على ما عساه يصد ر من أحكام بشأن نزاع مدنى قائم على موضوع الجريمة.

والرأي عندنا هو وجوب عدم تقيد القاضي الجنائي بما تصدره المحكمة المدنية من أحكام فيما يتعلق بأي مسألة من المسائل الفرعية أو الأصلية طالما أنها لازمة للفصل في الدعوى الجنائية. وذلك تأسيساً على ما يلي:

1- ان المشرع في المادة ۲۲۱ والتي تحدد اختصاص المحكمة الجنائية نص صراحة على أن تختص المحكمة الجنائية بالفصل في جميع المسائل التي يتوقف عليها الحكم في الدعوى الجنائية المرفوعة، أمامها، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.

ومفاد هذا النص أن المحكمة الجنائية تفصل في آية مسألة تعرض عليها وتكون لازمة للفصل في الدعوى الجنائية حتى ولو كانت هذه المسألة أصلا من اختصاص المحكمة المدنية، وحتى ولو كانت تتبع في إثباتها طرق الإثبات المقررة بالقانون المدني. وهذا الإطلاق الوارد بالمادة ۲۲۱ لم ينص المشرع على خلافه بالنسبة للمسائل المدنية الفرعية وإنما نص فقط على مسائل الأحوال الشخصية كما سنرى.

2- أن القول بحجية الحكم المدني فيما يتعلق بالمسائل المدنية الفرعية سيؤدى إلى نتيجة لم يسلم بها حتى أنصار الرأي المعارض وهي أن الحجية في هذه المسائل قد تؤدى بالضرورة إلى وجوب وقف الدعوى الجنائية حتى يفصل في هذه المسائل إذا كانت مازالت معروضة على المحكمة المدنية وهذا ما لم يقل به أحد. والدليل على ذلك أن المشرع حينما يقضى بحجية حكم أمام محكمة أخرى ينص على وجوب وقف الفصل في الدعوى إلى أن تفصل الجهة الأخرى في المسائل محل النزاع. فمثلا حينما جعل الحكم الجنائي يحوز حجية أمام القضاء المدني أوجب على هذا الأخير أن يوقف الفصل في الدعوى المدنية إلى أن يصدر الحكم في الدعوى الجنائية، والحال كذلك أيضاً بالنسبة لمسائل الأحوال الشخصية. ولذلك من غير المنطق أن يكون للحكم المدني حجية أمام المحكمة الجنائية بالنسبة للمسألة الفرعية وفى نفس الوقت لا يكون هناك إلزام على المحكمة الجنائية بوقف الدعوى حتى تفصل المحكمة المدنية في المسائل المعروضة عليها. فالحجية ووقف الدعوى متلازمان. وهذه النتيجة لم ينته إليها أحد من الفقه ولا القضاء بالنسبة للمسائل الفرعية المدنية.

٣-لا يصح الاستناد إلى نص المادة ٤٥٧ حين قصرت عدم حجية الأحكام الصادرة من المحاكم المدنية أمام المحاكم المدنية على وقوع الجريمة ونسبتها إلى فاعلها. وذلك أن وقوع الجريمة يمتد ليشمل وقوعها في مادياتها وأركانها القانونية والتي تتشكل من عناصر قانونية غير جنائية يستعيرها المشرع للوجود القانوني للجريمة.

٣_الاستثناء الوارد على القاعدة:

إذا كانت القاعدة العامة هي أن الحكم المدني لا تتقيد به المحكمة الجنائية فيما يتعلق بثبوت وقوع الجريمة وإسنادها إلى الفاعل، وسواء أكانت المحكمة المدنية قد فصلت في موضوع الثبوت أو الإسناد مباشرة أو كانت فصلت في مسألة فرعية يتوقف عليها قيام الجريمة كالملكية مثلا بالنسبة للسرقة، فإن المشرع قد أورد استثناء على هذه القاعدة يتعلق بالحكم الصادر في مواد الأحوال الشخصية.

فالحكم الصادر في مواد الأحوال الشخصية تكون له حجية أمام المحكمة الجنائية في جميع المسائل التي يتوقف عليها الفصل في الدعوى الجنائية ومثال ذلك الأحكام الصادرة بصحة الزواج أو بطلانه بالنسبة للحكم في جريمة الزنا أو الحكم الصادر بثبوت النسب لجرائم مواقعة المحرمات

والحكمة من ذلك هي أن المحكمة الجنائية لا ولاية لها بالفصل في مسائل الأحوال الشخصية على عكس ما هو مقرر بالنسبة للمسائل المدنية. وقد نصت على هذا الاستثناء المادة ٤٥٨ حيث ورد بها تكون للأحكام الصادرة من دوائر الأحوال الشخصية في حدود اختصاصها قوة الشيء المحكوم به أمام المحاكم الجنائية في المسائل التي يتوقف علها الفصل في الدعوى الجنائية. ونظرا لهذه الحجية فإن المشرع قد رتب نتيجة أخرى وهي وجوب وقف الدعوى الجنائية إذا عرضت مسألة من مسائل الأحوال الشخصية ضرورية للفصل في الدعوى الجنائية، وذلك إلى حين صدور حكم من الجهة المختصة، إذ أن التلازم بين الحجية ووجوب وقف الدعوى أمر ضروري ومنطقي في الوقت ذاته. وتأسيسا على ذلك قضت المادة ۲۲۳ إجراءات على أنه إذا كان الحكم في الدعوى الجنائية يتوقف على الفصل في مسألة من مسائل الأحوال الشخصية يجب على المحكمة الجنائية أن توقف الدعوى، وتحدد للمتهم أو المدعى بالحقوق المدنية أو المجني عليه على حسب الأحوال أجلا لرفع المسألة المذكورة إلى الجهة ذات الاختصاص.

 

حجية الحكم الجنائي أمام القضاء المدني

١ – القاعدة العامة. ۲ – شروط حجية الحكم الجنائي أمام القضاء المدني. ٣- العناصر التي تحوز الحجية في الحكم الجنائي أمام القضاء المدني، أولا: صحة الجريمة. ثانيا: الوصف القانوني للجريمة ٥ – ثالثا: إسناد الفعل للمتهم. ٦- ما يقيد حجية الحكم الجنائي أمام القضاء المدني: الحكم بالبراءة لعدم العقاب على الفعل، أن يكون فيما فصل فيه ضرورياً للحكم في الدعوى الجنائية.

١ – القاعدة العامة

إذا أصدرت المحكمة الجنائية حكما فاصلا في موضوع الدعوى الجنائية وكانت الدعوى المدنية. منظورة أمام القضاء المدني، فالقاعدة هي أن الحكم الجنائي يحوز حجية أمام القضاء المدني فيما فصل فيه وكان فصله ضروريا للحكم في الدعوى الجنائية.

وقد نصت على هذه القاعدة المادة ٤٥٦ إجراءات تحت عنوان أثر الحكم الجنائي بالنسبة للمحاكم المدنية حيث جاء بها يكون للحكم الجنائي الصادر من المحكمة الجنائية بالبراءة أو الإدانة قوة الشيء المحكوم به أمام المحاكم المدنية في الدعاوى التي لم يكن قد فصل فيها فيما يتعلق بوقوع الجريمة وبوصفها القانوني ونسبتها إلى فاعلها. ويكون للحكم بالبراءة هذه القوة سواء بنى على انتفاء التهمة أو على عدم كفاية الأدلة. ولا تكون له هذه القوة إذا كان مبنيا على أن الفعل لا يعاقب عليه القانون.

ولا شك أن هذه القاعدة لها ما يبررها، فالمحكمة الجنائية هي المختصة أصلا ببحث وقوع الجريمة وتكييفها القانوني ونسبتها إلى فاعلها. ولذلك فهي مخولة سلطات في الإثبات لا تتوافر للمحكمة المدنية، فكان من الطبيعي أن يكون لحكمها الحجية أمام القضاء المدني. هذا فضلا عن أن الحكم الجنائي باعتباره صادرا في دعوى عمومية تتعلق بحق المجتمع في العقاب لابد أن يكفل له المشرع الهيبة والحجية بالنسبة للكافة.

٢ – شروط حجية الحكم الجنائي أمام القضاء المدني

لكي يكون الحكم الجنائي الصادر في الدعوى الجنائية له حجية أمام القضاء المدني المنظورة أمامه الدعوى المدنية لابد من توافر الشروط الآتية:

١ – اتحاد الواقعة في الدعويين هو امر ضروري ولازم في جميع الأحوال التي يربط فيها المشرع الأحكام والدعاوى بعضها ببعض، وهو العلة التي من أجلها يكون للحكم الجنائي الفاصل حجية أمام المحكمة المدنية التي تتعرض لذات الواقعة. ولا يلزم أن يكون هناك اتحاد في الخصوم أو في الموضوع كما هي القاعدة العامة في حجية الأحكام ومن ثم فإن حجية الحكم الجنائي هنا أمام المحكمة المدنية هي استثناء من القواعد العامة المتعلقة بحجية الأحكام والتي تستلزم اتحاد في السبب والموضوع والخصوم. إذ يكفى هنا للاحتجاج بالحجية أن تكون هناك وحدة في الواقعة. ويحتج بها على الكافة حتى على الأشخاص الذين لم

يكونوا خصوما في الدعوى الجنائية وتطبيقا لذلك قضت محكمة النقض بأنه يجب أن تكون للحكم الجنائي الصادر بالإدانة حجية أمام المحاكم المدنية متى كان أساس الدعوى المدنية هو ذات العمل الذي فصلت فيه المحكمة الجنائية وإلا أدى ذلك إلى وجود تناقض بين الحكم الجنائي والحكم المدني بشأن فعل واحد بعينه هو الذي استوجب العقاب.

٣_أن يكون الحكم الجنائي صادرا في موضوع الدعوى الجنائية بالإدانة أو البراءة. والمقصود بذلك أن يكون الحكم فاصلا في الموضوع ولذلك فلا تحوز حجية الأحكام الأخرى غير الفاصلة في الموضوع كالأحكام التمهيدية والتحضيرية وعدم القبول وعدم الاختصاص. ويستوي بعد ذلك أن يكون الحكم صادرا من محكمة جنائية عادية أو من محكمة خاصة أو استثنائية. ويلاحظ أن الحكم الذي يتمتع بهذه الحجية هو فقط ذو الطبيعة الجنائية. فالحكم الصادر من المحكمة الجنائية في الدعوى المدنية التبعية لا يحوز هذه الحجية وإنما يخضع للقواعد العامة في حجية الأحكام الصادرة في الدعاوى المدنية التي وردت أحكامها بالقانون المدني وقانون المرافعات.

٣_أن يكون الحكم الجنائي حائزا لقوة الشيء المقضي به أي أن يكون باتا. فإذا لم يكن كذلك بأن كان قابلا للطعن بالمعارضة أو الاستئناف أو النقض فلا تكون له هذه الحجية لاحتمال إلغائه عند الطعن فيه وعلى ذلك فلا تكون هناك حجية أمام القضاء المدني للقرارات الصادرة من سلطات التحقيق بعدم موجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية حتى ولو صارت نهائية

لأنها ليست أحكاما كما أن الأمر الجنائي وأن اتفق في آثاره مع الأحكام الجنائية الصادرة من المحكمة إلا انه ليس حكما بالمعلى الدقيق ولذلك لا يجوز حجية أمام القضاء المدني وأن كانت له حجية أمام القضاء الجنائي كما سنرى في موضعه، وذلك نظرا للطبيعة الخاصة بأمر الحكم الجنائي حتى ولو كان صادرا من القاضي.

٤_ألا تكون الدعوى المدنية أمام القضاء المدني قد فصل فيها بحكم اكتسب قوة الشيء المقضي به، إذ يجب أن تكون الدعوى المدنية مازالت منظورة أمام القضاء المدني.

٥_ أن يكون الحكم الجنائي قد فصل في موضوع لازم للحكم في الدعوى الجنائية.

٣_العناصر التي تحوز الحجية في الحكم الجنائي أمام القضاء المدني

ليست جميع المسائل التي وردت بالحكم الجنائي تحوز الحجية أمام القاضي المدني، فهذه الحجية قاصرة على بعض عناصر الحكم دون البعض الآخر. والمعيار الذي يعمل به هذا الشأن هو أن جميع العناصر الفاصلة في مسائل ضرورية ولازمة للحكم في الدعوى الجنائية تتمتع بالحجية أمام القضاء المدني. فإذا لم تكن ضرورية لذلك انتفت عنها صفة الحجية أمام القاضي المدني. ويستوي بعد ذلك أن تكون هذه العناصر قد وردت في منطوق الحكم أو وردت بذلك الجزء من الأسباب الذي يعتبر مكملا للمنطوق.

والعناصر ذات الحجية أمام القضاء المدني هي:

أولا: صحة وقوع الجريمة:

فالحكم الجنائي له حجية فيما يتعلق بثبوت وقوع الجريمة من عدمه. والمقصود بوقوع الجريمة الوجود المادي والقانوني لها. بمعنى أن القاضي المدني ملزم بما ورد بالحكم الجنائي متعلقا بوقوع الفعل المادي المكون للجريمة وحدوث النتيجة وعلاقة السببية بينهما. فإذا انتهى الحكم الجنائي إلى أن الجريمة لم تقع أصلا أو حكم بانتفاء رابطة السببية بين الفعل والنتيجة فلا يجوز للمحكمة المدنية أن تناقش وقوع الفعل أو أن تناقش علاقة السببية. فإذا قدم متهم بتهمة الضرب المفضي إلى عاهة مستديمة واعتبرت المحكمة الجنائية الواقعة مجرد ضرب بسيط لانتفاء

علاقة السببية بين الفعل والنتيجة فلا يجوز للمحكمة المدنية أن تقضى بالتعويض على أساس العاهة باعتبار أن علاقة السببية قائمة بين السلوك وهذه النتيجة غير المشروعة. كذلك ليس للمحكمة المدنية أن تناقش أية نتيجة كانت تحت بصر المحكمة الجنائية قبل الحكم الجنائي. ولكن للمحكمة المدنية أن تأخذ في تقديرها للتعويض المضاعفات التي نتجت عن الجريمة ولم تأخذها المحكمة الجنائية في اعتبارها نظرا لحدوثها بعد الحكم. ومثال ذلك مدة المرض مثلا في جريمة الإيذاء البسيط إذا زادت عن مدة العشرين يوما.

كذلك بالنسبة لانتفاء الجريمة لانعدام القصد الجنائي إذا كانت العناصر المكونة للقصد الجنائي هي بذاتها المكونة للمسئولية المدنية وتطبيقا لذلك حكم بأن الحكم بالبراءة لانتفاء القصد في جريمة النصب يكون له حجيته أمام المحكمة المدنية فيما يتعلق بانتفاء التدليس كعيب من عيوب الرضاء، ولذلك فإن المضرور يتعين عليه أن يؤسس دعواه على أسباب أخرى خلاف التدليس لإثبات عيب الإرادة

وعلى ذلك فإن صحة وقوع الجريمة لا تشمل فقط النتيجة غير المشروعة التي تحققت وإنما أيضاً الواقعة الإجرامية بجميع عناصرها وظروفها وكيفية حدوثها، وكذلك أيضاً عناصرها النفسية المستوجبة للمسئولية الجنائية أي أنها تشمل جميع العناصر التي بتوافرها تقوم الجريمة. ولذلك إذا حكم القاضي الجنائي بالإدانة في جريمة قتل خطأ فلا يجوز للمحكمة المدنية مناقشة ثبوت الخطأ من عدمه ويتعين عليها أن تفصل في موضوع الدعوى المدنية بما يتفق وما جاء بالحكم الجنائي.

أما إذا كان الحكم الجنائي قد قضى بالبراءة لتخلف عنصر من عناصر الجريمة وبالتالي انتهى إلى انتفائها فإن القاضي المدني لا يتقيد بهذا الحكم، إلا إذا كانت الدعوى المدنية قد أسست على ذات العنصر الذي انتهت المحكمة الجنائية إلى تخلفه أما إذا كان أساس الدعوى الجنائية مختلفا فلا يتقيد القاضي المدني بالحكم الجنائي. ومفاد ذلك أن القاضي المدني يتقيد بالحكم الجنائي فيما فصل فيه إذا كان هناك اتحاد في الواقعة بعناصرها المادية والمعنوية بين الدعويين. فإن اختلفت الواقعتان في أحد عناصرهما فلا تتقيد المحكمة المدنية إلا بالنسبة للعناصر موضوع الاتفاق دون العناصر الأخرى.

وتطبيقا لذلك فإن المحكمة المدنية لا تتقيد بحكم البراءة الصادر في جريمة

الإصابة الخطأ أو القتل الخطأ لانتفاء الإهمال وعدم الاحتياط إذا كانت الدعوى يفترض الخطأ في جانب المدعى عليه كما هو الشأن في المسئولية عن فعل المدنية قد است على العنصر المادي للواقعة فقط باعتبار أن المشرع المدني الحيوان مثلا. فهنا تتقيد المحكمة المدنية فقط بما جاء بالحكم الجنائي متعلقا بوقوع الفعل المادي، أما ما جاء به متعلقا بانتفاء الركن المعنوي فلا تتقيد به المحكمة باعتباره أمرا غير لازم لها للفصل في الدعوى المدنية. أما الوقوع المادي للفعل فهو أمر ضروري لها ومن ثم يتعين أن تلتزم بما جاء بالحكم الجنائي

ثانيا: الوصف القانوني للجريمة:

تتقيد المحكمة المدنية بالوصف القانوني للواقعة والوارد بالحكم الجنائي. فلا يجوز للمحكمة المدنية أن تحكم في الدعوى المدنية المنظورة امامها بناء على تكييف لها للواقعة بما يتناقض مع ما انتهى إليه الحكم الجنائي.

وتطبيقا لذلك إذا حكمت المحكمة الجنائية بان الواقعة هي ضرب جسيم فلا يجوز للمحكمة المدنية أن تعتبرها ضربا بسيطا وتقضى بناء على ذلك. ولا يجوز للمحكمة المدنية أن تكيف الواقعة تكييفا مغايرا لما قضت به المحكمة الجنائية طالما أن العناصر التي تدخلها في التكييف كانت تحت بصر القاضي الجنائي قبل الحكم. ولذلك لا يجوز للمحكمة أن تفصل في الدعوى المدنية على أساس أن الواقعة هي ضرب مفض إلى موت بينما قضت المحكمة الجنائية بانتفاء رابطة السببية وعقاب المتهم بوصف الواقعة ضرب بسيط. كذلك إذا حكمت المحكمة الجنائية بمعاقبة المتهم عن الواقعة بوصفها خيانة أمانة فلا يجوز للمحكمة المدنية أن تفصل في دعوى الاسترداد المرفوعة أمامها بوصف الواقعة سرقة ويدخل في الوصف القانوني أيضاً الظروف المشددة والمتعلقة بجسامة الضرر فإذا انتهى القاضي الجنائي إلى تكييف الواقعة بناء على توافر الظرف المشدد المتمثل في جسامة الضرر حال ذلك دون الفصل في الواقعة باعتبار الضرر اليسير

 ثالثا: إسناد الفعل للمتهم:

الحكم الجنائي يعتبر حجة أمام القاضي المدني أيضاً فيما يتعلق بثبوت التهمة قبل الفاعل. ويستوي في هذه الحالة أن يكون الحكم قاطعاً في نفي التهمة أو متشكك فيها. فبراءة المتهم بناء على الثبوت القطعي بعدم ارتكابها تستوي مع البراءة المؤسسة على عدم كفاية الأدلة. وهذا ما حرص المشرع على النص عليه صراحة في المادة ٤٥٦ بقوله «ويكون للحكم بالبراءة هذه القوة سواء بنى على انتفاء التهمة أو على عدم كفاية الأدلة».

وتأسيسا على ذلك إذا حكم القاضي الجنائي بانتقاء التهمة في القتل الخطأ بناء على أن المتهم لم يرتكب السلوك المادي المؤدى إلى النتيجة فلا يجوز للمحكمة المدنية أن تناقض هذه الواقعة من جديد. كذلك أيضاً إذا كانت البراءة لانتفاء التهمة تأسيسا على نفى الخطأ غير العمدي فلا يجور للقاضي المدني بحث الإهمال أو عدم الاحتياط. وإذا كان الحكم الجنائي قد أسس البراءة على أساس أن النتيجة قد تدخل في أحداثها عامل خارجي تمثل في خطأ الغير أو خطأ المجني عليه المضرور ذاته فلا يصح للقاضي المدني التعرض لعلاقة السببية هذه ويكون حكم القاضي الجنائي حجة في هذا المجال في نفيه للتهمة أو إسنادها إلى المتهم.

ومع ذلك فإن مثل هذا الحكم الجنائي لا ينفى إمكان الحكم في الدعوى المدنية بالتعويض إذا كان أساس الحكم المدني ليس هو ثبوت التهمة أو ثبوت الخطأ أو ثبوت علاقة السببية وإنما كان مؤسساً على المسئولية المفترضة. وإذا كانت المسئولية المفترضة تنتفي بانتفاء رابطة السببية فإن الحكم الجنائي القاضي بانتفاء هذه الرابطة يعتبر حجة فيما قضى به بالنسبة للمحكمة المدنية.

الحالات التى لا يكون فيها للحكم الجنائي حجية أمام القضاء المدني:

لا يكون للحكم الجنائي أمام القضاء المدني حجية في حالتين:

الحالة الأولى الحكم بالبراءة لعدم العقاب على الفعل

لا تثبت الحجية أمام المحكمة المدنية لحكم البراءة المؤسس على أن القانون لا يعاقب على الفعل، ذلك أن المشرع قدر أن الحكم بالبراءة لعدم العقاب على الفعل ليس معناه انتفاء المسئولية المدنية ولا يمنع أن تكون نفس هذه الواقعة فعلا ضاراً يوجب ملزومية فاعله بتعويض الضرر، ولذلك فإن الحكم في هذه الحالة لا يعتبر فاصلا في واقعة ضرورية للفصل في الدعوى المدنية باعتبار أن السبب المنشئ للدعوى المدنية مختلف عن الأساس الذي بنت عليه المحكمة الجنائية حكمها. ولذلك فإن الحكم الجنائي لا يقيد القاضي المدني إلا في حالة نفيه الإسناد إلى الفاعل بالنسبة لواقعة منشئة لنتائج جنائية ومدنية. أما إذا كان الحكم قد انتهى إلى ان الفعل المنسوب إلى المتهم لا يكون فعلا معاقبا عليه بمقتضى قانون العقوبات فإن المحكمة المدنية لا تكون ملزمة بما قضى به ويستوي أن يكون سبب عدم العقاب على الفعل هو لأن القانون ليس به نص تجريم يعاقب به عليه، أو أن يكون الفعل لم تكتمل له العناصر القانونية اللازم توافرها لكي تقوم الجريمة. ومثال ذلك انتفاء الركن المعنوي المتمثل في القصد الجنائي وكان القانون لا يعاقب إلا على مانع من مواقع العقاب ففي جميع هذه الأحوال لا تتقيد المحكمة المدنية بما جاء بالحكم بالبراءة، وقد سبق لنا أن رأينا أن المحكمة الجنائية ذاتها يمكن أن تحكم بالتعويض رغم أنها حكمت بالبراءة لانتفاء القصد الجنائي أو لوجود مانع من مواقع المسئولية أو مانع من موانع العقاب، فيكون للمحكمة المدنية أن تفصل في الدعوى المدنية غير مقيدة بما انتهى إليه الحكم الجنائي بهذا الصدد من باب أولى. الحالة الثانية: لا يكون للحكم الجنائي حجية فيما فصل فيه ولم يكن ضروريا للحكم في الدعوى الجنائية. ففي جميع الأحوال لا يكون الحكم الجنائي حجة أمام القضاء المدني إلا إذا كان ما فصل فيه من حيث وقوع الجريمة ونسبتها إلى فاعلها وتكييفها القانوني وكل ما عدا ذلك من عناصر الحكم ضروريا للفصل في الدعوى الجنائية. فإذا لم يكن فصله ضروريا فلا قيمة لما جاء به أمام المحكمة المدنية ويكون لها أن تقضى بغير ما ورد به ومثال ذلك أن تقضى المحكمة. ببراءة المتهم لأن القانون لا يعاقب على الواقعة ومع ذلك تقضى بتوافر رابطة السببية بين السلوك والنتيجة. فإثبات رابطة السببية بين السلوك والنتيجة ليس لازما للحكم بالبراءة والذي يكفي فيه أن الواقعة غير معاقب عليها قانونا. فيمكن للمحكمة المدنية في هذه الحالة أن تحكم بانتفائها، ومثال ذلك أن يقدم شخص إلى المحكمة الجنائية بتهمة الإتلاف غير العمدي وتنتهي المحكمة إلى البراءة تأسيسا على أن القانون لا يعاقب على الإتلاف غير العمدي ومع ذلك تقضى المحكمة بثبوت الإهمال في حق الفاعل، فثبوت الإهمال هنا ليس من العناصر الضرورية للحكم بالبراءة والذي يكفي فيه التأكد من انتفاء القصد الجنائي، ولذلك يجوز للمحكمة المدنية أن ترفض الدعوى المدنية تأسيسا على انتفاء الخطأ المدني. وتطبيقا لذلك حكمت محكمة استئناف بنغازي بأنه لا حجية للحكم الجنائي

وتطبيقا لذلك حكمت محكمة استئناف بنغازي بأنه لا حجية للحكم الجنائي الصادر في دعوى جنائية عن تهمة نصب وذلك فيما جاء به عن ملكية العين التي اتخذ بصددها المتهم الصفة الكاذبة مدعياً أنها مالكها. فقد ورد به آن واقعة تملك المستأنف عليه للبئر ليست من الوقائع الضرورية لقيام جريمة النصب التي أدين بها المستأنف لأن جريمة النصب تقوم حتى ولو لم يكن البئر مملوكا لأحد من الناس»

وقضت محكمة النقض بأنه إذا كانت التهمة المرفوعة بها الدعوى على المتهم أمام المحكمة العسكرية هي انه عمل أو حاول التأثير في أسعار السوق والتموين، بان حبس بضائع من التداول، فحكمت له هذه المحكمة بالبراءة وتعرضت، وهي تبحث أدلة الإدانة إلى مالك هذه البضاعة فقالت إنها ملك للمتهم، فقولها هذا لا يمكن عده قضاء له قوة الأمر المقضي، إذ أن تعيين المالك للبضاعة لم يكن أصلا عنصرا لازما في تلك التهمة.

كذلك أيضا لا تكون حجة اعتبارات التشديد أو التخفيف التي يراعيها القاضي في حكمه في الدعوى الجنائية دون أن تتعلق بالوصف القانوني للواقعة وإنما تتعلق بتقدير القاضي للعقاب الذي يوقع

ولا تكون حجة الوقائع الجانبية التي ليست ضرورية في حكم في الدعوى الجنائية. ومثال ذلك تقدير قيمة المسروقات أو تقدير من المتهم أو المجني عليه واسم المتهم أو اسم المجني عليه.

 

هل الدعوي الجنائية توقف الدعوي المدنية

١ – القاعدة العامة: الجنائي بوقف المدني. ۲ – شروط تطبيق القاعدة ٣ – مدة الوقف. ٤- الاستثناء من القاعدة.

١ – القاعدة العامة الجنائي يوقف المدني:

إذا كان الحكم الجنائي له حجيته أمام القضاء المدني فيما يتعلق بالأمور الضرورية للفصل في الدعوى الجنائية، فلابد أن يكون في رفع الدعوى الجنائية ونظرها بمعرفة القاضي الجنائي أثر على سير الدعوى المدنية التي رفعت بعد الدعوى الجنائية أو أثناء السير فيها. إذ من غير المنطقي أن يترك المشرع الدعويين كل يسير في سبيله حتى النهاية التي قد تأتى بالتعارض بين الحكمين الصادرين فيها. في حين انه لو سبق الحكم في الدعوى الجنائية الدعوى المدنية لكان له إثر مقيد على النحو السابق، بيانه ومن ثم كان لزاما أن يكون لرفع الدعوى الجنائية أثر واقف لسير الدعوى المدنية.

ومن أجل ذلك نص المشرع في قانون الإجراءات في المادة ٢٦٥ تحت عنوان وقف الفصل في الدعوى المدنية على انه إذا رفعت الدعوى المدنية أمام المحاكم المدنية يجب وقف الفصل فيها حتى يحكم نهائيا في الدعوى الجنائية المقامة قبل رفعها أو في أثناء السير فيها على انه إذا أوقف الفصل في الدعوى الجنائية لجنون المتهم، يفصل في الدعوى المدنية». فالقاعدة العامة إذن هي أن الجنائي يوقف المدني بمعنى أن رفع الدعوى الجنائية يؤدى بالضرورة إلى وقف السير في الدعوى المدنية الناشئة عن الفعل الكون للجريمة وذلك حتى يفصل القاضي الجنائي بحكم في موضوع الدعوى الجنائية.

۲ _شروط تطبيق القاعدة:

يشترط لتطبيق قاعدة الجنائي يوقف المدني ما يأتي:

أولا: اتحاد الواقعة المقامة عنها الدعويان بمعنى أن تكون كل من الدعوى المدنية والدعوى الجنائية قد نشأتا عن واقعة واحدة فإذا اختلفت الواقعة المقامة عنها الدعوى الجنائية عن تلك المقامة عنها الدعوى المدنية فإنه يترتب على ذلك وقف سير الدعوى المدنية. ذلك أن اختلاف الواقعة سيؤدى إلى انه لا تكون هناك حجية للحكم الصادر في الدعوى الجنائية أمام المحكمة المدنية.

وعلى ذلك فإذا طعن بالتزوير في مستند مقدم إلى المحكمة المدنية ثم رفعت الدعوى الجنائية عن جريمة التزوير فيجب على المحكمة المدنية أن توقف السير في الدعوى المدنية حتى تفصل المحكمة الجنائية في جريمة التزوير وإذا رفعت دعوى الاسترداد أمام المحكمة المدنية ثم رفعت الدعوى الجنائية عن جريمة السرقة تعين على المحكمة المدنية وقف السير في الدعوى المدنية إلى حين الفصل في السرقة.

ومن أمثلة اختلاف الواقعتين أن ترفع الدعوى المدنية بناء على الخطأ المفترض في حق صاحب البناء ثم ترفع الدعوى العمومية عن جنحة القتل والإصابة الخطأ. فهنا لا يجب على المحكمة المدنية أن توقف السير في الدعوى المدنية إذ أن الحكم الجنائي الصادر في الدعوى الجنائية لن يقيد المحكمة المدنية فيما قضى به لاختلاف السبب المنشئ لكل من الدعويين.

ويلاحظ أن المقصود بالمحكمة المدنية هنا أي محكمة غير جنائية أي سواء اكانت مدنية أو تجارية أو أحوال شخصية.

كما أن المقصود بالمحكمة الجنائية أية محكمة تنظر الدعوى الجنائية وسواء اكانت عادية أم استثنائية وسواء أكانت محكمة مدنية أو تجارية يخولها القانون حق النظر في بعض الدعاوى الجنائية.

ثانيا: أن تكون الدعوى الجنائية قد حركت قبل الدعوى المدنية أو في أثناء السير فيها ولا يشترط أن تكون الدعوى الجنائية قد رفعت فعلا بل يكفي أن تكون قد حركت بمعرفة سلطات التحقيق وهذا هو ما يجمع عليه الفقه وسار عليه رغم أن المشرع استخدم تعبير «رفع». فإذا لم يكن قد تم التحريك على الأقل فلا تلتزم المحكمة المدنية بوقف سير الدعوى المدنية. فإذا كانت الإجراءات مازالت في مرحلة الاستدلال فلا تعتبر الدعوى الجنائية قد حركت بعد. وتطبيقا لذلك لا تعتبر الدعوى قد حركت وبالتالي لا يترتب على ذلك وقف سير الدعوى المدنية إذا كان الإجراء الذي تم هو مجرد بلاغ أو شكوى قدمت لمأمور الضبط القضائي أو النيابة العامة دون أن تتخذ هذه الأخيرة أي إجراء من إجراءات التحقيق.

٣_مدة الوقف:

نقل الدعوى المدنية أمام القاضي موقوفة حتى يصدر في الدعوى الجنائية حكم بات وفاصل في الموضوع. فلا يستطيع القاضي المدني مواصلة السير في الدعوى المدنية لمجرد صدور حكم من محكمة أول درجة او من محكمة الاستئناف طالما أن طريق الطعن بالنقض مازال مفتوحا وإذا كانت الدعوى في مرحلة النقض فيجب الانتظار حتى يصدر حكم محكمة النقض إذ به يصير الحكم باتا. ويعتبر من قبيل الأسباب القاطعة للوقف صدور قرار نهائي بان لا وجه لإقامة الدعوى من سلطات التحقيق.

واستثناء من الحكم البات يرى الفقه أن الحكم الغيابي الصادر من محكمة الجنايات في جناية يأخذ حكم الحكم البات من حيث إمكان السير في الدعوى المدنية رغم انه ليس حكما باتا بل انه مجرد حكم تهديدي يسقط بضبط المتهم أو بحضوره، إلا أنه من غير المستساغ أن تظل الدعوى المدنية معطلة السير حتى يضبط المتهم وهو أمر قد يطول. ومن اجل ذلك فإن الحكم الغيابي الصادر في جناية من محكمة الجنايات يعتبر كالحكم البات تنتهي به مدة وقف سير الدعوى المدنية.

٤ – الاستثناء من قاعدة الجنائي يوقف المدني

نص المشرع في المادة ٢٦٥ في فقرتها الأخيرة على استثناء من وقف سير الدعوى المدنية لرفع أو تحريك الدعوى الجنائية حال إيقاف الدعوى الجنائية بسبب جنون المتهم. إذ أن حالة الجنون قد تطول وهي لا تؤثر كما هو معلوم في المسئولية المدنية ومن ثم لم يكن من المنطقي أن يوقف الفصل في الدعوى الجنائية والدعوى المدنية إلى حين زوال حالة الجنون، لذلك نص المشرع في الفقرة الأخيرة من المادة ٢٦٥ إجراءات على انه إذا أوقف الفصل في الدعوى الجنائية لجنون المتهم، يفصل في الدعوى المدنية».

 

تأثير الدعوى المدنية على الدعوى الجنائية

١ – القاعدة العامة. ٢- الاستثناء.

١ – القاعدة العامة:

القاعدة العامة هي أن الدعوى المدنية لا توقف الدعوى الجنائية، وهذه القاعدة مستفادة من نص المادة ٤٥٧ التي تقضى بأنه لا تكون للأحكام الصادرة من المحاكم المدنية قوة الشيء المحكوم به أمام المحاكم الجنائية فيما يتعلق بوقوع الجريمة ونسبتها إلى فاعلها.

وطالما أن الأحكام المدنية ليس لها هذا التأثير فليس هناك من مبرر لوقف سير الدعوى الجنائية إذا كانت المحكمة المدنية قد رفعت إليها الدعوى المدنية ولذلك فالقاعدة العامة هي أن المدني لا يوقف الجنائي وإنما العكس كما سبق أن رأينا في المطلب السابق.

٢ – الاستثناء:

رأينا أن الحكم الصادر من دائرة من دوائر الأحوال الشخصية في حدود اختصاصها له قوة الشيء المحكوم به أمام المحاكم الجنائية في المسائل التي يتوقف عليها الفصل في الدعوى الجنائية.

وطالما أن الحكم له هذه الحجية فلابد أن يكون له أثره من حيث تقيد المحكمة الجنائية بما ورد به ويترتب على ذلك انه إذا رفعت الدعوى الجنائية وكانت منظورة أمام دائرة الأحوال الشخصية أو رفعت هذه أثناء نظر الدعوى الجنائية فإن على المحكمة الجنائية أن توقف الفصل في الدعوى الجنائية حتى يفصل في دعوى الأحوال الشخصية.

وقد نصت على هذا الاستثناء المادة ۲۲۳ حين قضت بأنه إذا كان الحكم في الدعوى الجنائية يتوقف على الفصل في مسألة من مسائل الأحوال الشخصية يجب على المحكمة الجنائية أن توقف الدعوى، وتحدد للمتهم أو المدعى بالحقوق المدنية أو المجني عليه على حسب الأحوال اجلا لرفع المسألة المذكورة إلى جهة الاختصاص ولا يمنع وقف الدعوى من اتخاذ الإجراءات أو التحقيقات الضرورية أو المستعجلة.

ويستفاد من هذا النص انه إذا كان الفصل في الدعوى الجنائية يتوقف على الفصل في دعوى أحوال شخصية منظورة فعلا أمام القضاء فيجب على المحكمة أن توقف الدعوى الجنائية. وإذا لم تكن دعوى الأحوال الشخصية قد رفعت فيجب على المحكمة أن تحدد للخصم سواء أكان المتهم أو المدعى بالحقوق المدنية أو المجني عليه على حسب الأحوال أجلا لرفع المسألة التي يتوقف عليها الفصل في الدعوى الجنائية إلى الجهات ذات الاختصاص.

غير أنه بالنسبة لتلك الحالة الأخيرة من أحوال الوقف إذا انقضى الأجل الذي حددته المحكمة ولم يقم الخصم برفع الدعوى إلى الجهات ذات الاختصاص يجوز للمحكمة أن تصرف النظر عن وقف الدعوى وتفصل فيها، كما يجوز لها أن تحدد اجلا أخر إذا رأت أن هناك أسبابا مقبولة تبرر ذلك (٢٢٤) ومعنى ذلك أنه لا يجوز للمحكمة أن تعدل عن الوقف إلا إذا لم تكن الدعوى المتعلقة بالأحوال الشخصية قد رفعت. وهذا منطقي باعتبار أنها طالما لم ترفع فإن المحكمة الجنائية لن تكون مقيدة بما يقضى فيها بعد ذلك. أما إذا كانت قد رفعت سواء من قبل رفع الدعوى الجنائية أو أثناءها وسواء أكان ذلك بناء على قرار من المحكمة الجنائية أم كان من تلقاء نفس الخصم فانه لا يجوز للمحكمة أن تعدل عن الوقف. وهذا مستفاد من صفة الوجوب الواردة بالمادة .۲۲۳. أما جواز العدول فهو. في حالة تحديد أجل للخصم لرفع الدعوى وعدم قيامه بذلك في الميعاد المحدد. ويشترط للاستثناء أن تكون المسألة المتعلقة بالأحوال الشخصية ضرورية للحكم للخصم فقط

في الدعوى الجنائية.

وفى غير مسائل الأحوال الشخصية التي يتوقف عليها الفصل في الدعوى الجنائية لا يكون لرفع الدعوى المدنية أي أثر معطل لسير الدعوى الجنائية.

وتطبيقا لذلك قضى بأن القاضي في المواد الجنائية غير مقيد بحسب الأصل بما يصدره القاضي المدني من أحكام، فإذا ما رفعت امامه الدعوى ورأى هو بناء على ما أورده من أسباب أن الورقة مزورة فلا تثريب عليه في ذلك، ولو كانت الورقة متصلة بنزاع مطروح أمام المحكمة المدنية لم يفصل فيه، وفي هذه الحالة يكون الواجب أن ينتظر القاضي المدني حتى يفصل القاضي الجنائي نهائياً في أمر الورقة. كما قضى بأنه لما كانت المحكمة الجنائية مختصة بالفصل في جميع المسائل التي توقف عليها الحكم في الدعوى المطروحة أمامها ما لم ينص القانون

علي خلاف ذلك، فإن المحكمة إذا أدانت المتهم في جريمة تأجير محل إيجار يزيد اجرة المثل، دون انتظار الفصل في الدعوى المدنية المرفوعة بشأن تخفيض الأجرة لا تكون قد خالفت القانون

 الدفوع المتعلقة بأثر الدعوى الجنائية على الدعوى المدنية

القاعدة العامة:جميع الدفوع المتعلقة بحجية الحكم الجنائي أمام المحكمة المدنية ووجوب وقف الدعوى المدنية لحين الفصل في الدعوى الجنائية كذلك وجوب وقف الدعوى الجنائية لحين الفصل في دعوى الأحوال الشخصية المتعلقة بمسألة ضرورية للحكم في موضوع الدعوى الجنائية، جميع هذه الدفوع متعلقة بالنظام العام، ويترتب على ذلك:

أولا: يجب على المحكمة أن تقضى بها من تلقاء نفسها دون أن تتقيد بطلب من الخصوم

ثانيا: لا يجوز التنازل عنها من قبل الخصم. ثالثا: يجوز الاحتجاج بها لأول مرة أمام محكمة النقض بشرط الا تتطلب تحقق موضوعي.

 

مكتب سعد فتحي سعد للمحاماة

مكتب إستشارات قانونية، مستشار قانوني لكبري الشركات الاستثمارية، متخصص في كافة المجالات القانونية والمكتب يضم محامين ومستشارين وأساتذة جامعات .