جنح

جريمة الخطأ الطبى ومسئولية المستشفى والطبيب

Contents

جريمة الخطأ الطبى

جريمة الخطأ الطبى هي  خطأ  يتم ارتكابه في المجال الطبي، نتيجة  عدم الخبرة أو الكفاءة من قبل الطبيب أو من يساعده

و  جريمة الخطأ الطبى هي نتيجة ممارسة عملية أو طريقة حديثة وتجريبية في العلاج، أو نتيجة حالة طارئة يتطلب السرعة على حساب الدقة،

جريمة الخطأ الطبي

و جريمة الخطأ الطبى ايضا تكون نتيجة طبيعة العلاج المعقد، تصل نسبة حالات الوفاة نتيجة الخطأ الطبى إلى معدلات عالية سنويا في معظم أنحاء العالم ومنها الدول المتقدمة،

ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال يقدر حالات الموت الناتجة من الخطأ الطبي إلى ما يقارب 98,000 حالة وفاة سنويا.

فالعمل الطبي هو نشاط يتوائم في كيفية وظروف أدائه مع القواعد والأصول الراسخة في علم الطب، ويتجه في ذاته إلى شفاء المريض،

وهو لا يصدر إلا من شخص مرخص له قانوناً بمزاولة مهنة الطب،

اعتباراً بأن  المرخص له بمزاولة مهنة الطب  هو وحده الذي يستطيع أن يباشر العمل الطبي، طبقاً للأصول العلمية المتعارف عليها، والأصل في العمل الطبي أن يكون

علاجياً أي يستهدف بالدرجة الأولى تخليص المريض من مرض ألمَّ به أو تخفيف حدته أو تخفيف آلامه.  يعد كذلك من قبيل الأعمال الطبية ما يساهدف الكشف عن أسباب سوء الصحة،

أو مجرد الوقاية من مرض، وأن إباحة عمل الطبيب مشروط  بأن يكون ما يجريه مطابقاً للقواعد والأصول العلمية المقررة، وعلى ذلك يمكن القول

إن العمل الطبي هو عمل مشروع حتى ولو ساءت حالة المريض، ولكن إذا اقترن هذا العمل بخطأ ما سئل الطبيب عنه مسؤولية غير عمدية. وهذه جريمة الخطأ الطبى

بمعنى أن الطبيب غير مسوؤل عن نتيجة العلاج إذا قام بأداء واجبه كاملا حسب الأصول الطبية

لا يفوتك:فقد الجنسية المصرية للتجنس بجنسية أخرى 2023

ماهو المقصود بالأعمال الطبية :

تنص المادة الأولى من القانون رقم 415 لسنة 1954 (المعدل) في شـأن مزاولة مهنة الطب على أنه:

“لا يجوز لأحد إبداء مشورة طبية أو عيادة مريض أو إجراء عملية جراحية أو مباشرة ولادة أو وصف أدوية أو علاج مريض أو أخذ عينة من العينات التي تحدد بقرار من وزير الصحة العمومية من جسم المرضى الآدميين للتشخيص الطبي المعملي بأية طريقة كانت أو وصف نظارات طبية وبوجه عام مزاولـة مهنة الطب بأية صفة كانت إلا إذا… إلخ “. حيث تشكل مخالفتها الخطأ الطبى

وهذا يعني أن المادة لم تحدد الأعمال الطبية على سبيل الحصر،

فكل عمل لازم لعلاج المـريض أو تحســن صـحته وشفائه يعتبر عملا من الأعمال الطبية وعلى أية حال فهذه مسألة تتصل اتصالا وثيقا بتقدم العلوم الطبية وإمكانياتها، وهو تقدم يتصل بكافة مجـالات الأعمـال الطبية، وهي تشمل الوقاية والمشورة والتشخيص والعلاج.

ويبين من نصوص لائحة آداب وميثاق شرف مهنة الطب البشري التـي اعتمدتها الجمعية العمومية السنوية العادية لنقابة الأطبـاء فـي ۱۹۷3/4/13والصادرة بقرار وزير الصحة رقم ٢٣٤ لسنة 1974 أنها لـم تعـرف العمـل الطبي،

غير أنها نصت في مادتها الثامنة على أن: “لا يجوز للطبيب أن يعلن بأى وسيلة من وسائل الإعلان عن طريقة جديدة للتشخيص أو العلاج بقصد استخدامها إذا لم يكن قد اكتمل اختبارها وثبتت صلاحيتها ونشرت فـي المجـلات العلميـة كما لا يجوز له أيضا أن ينسب لنفسه بدون وجه حق أي كشف علمي “،

ماهو المقصود بالأعمال الطبية

ويستفاد من هذا النص أن مفهوم العمل الطبي لدى نقابة الأطبـاء يشـمل التشخيص والعلاج دون أن يقدم مفهوما محددا للعمل الطبي، غير أن هذا النص يمكـن أن يضع التجارب الطبية ضمن الأعمال الطبية، والتجارب الطبية تعد عمـلا مـن الأعمال الطبية،

لأنها تجارب علمية مشروعة، غير أنه لا يجـوز للطبيـب أن يعلن عنها بأي وسيلة من وسائل الإعلان قبل ثبوت صلاحيتها ونشـرها فـي المجلات العلمية.

وسنرى أن المادة (60) من الدستور المعدل سنة ٢٠١٤ تحظـر إجـراء التجارب الطبية أو العلمية على أي إنسان بغير رضاه الحـر الموثـق ووفقـا للأسس المستقرة في العلوم الطبية، على النحو الذي ينظمه القانون).

وقد عرف البعض الأعمال الطبية بأنها مجموعـة المعـارف والإجـراءات الخاصة بعلاج أو تخفيف الأمراض أو منعها وباستعادة الصحة وحفظها في الجنس البشري”).

وعرف البعض العمل الطبي بأنه ذلك النشاط الذي يتفق وظروف مباشرته مع القواعد المقررة في علم الطب، ويتجه في ذاته، أي وفق المجـرى العـادي للأمور إلى شفاء المريض،

والأصل في العمل الطبـي أن يكـون علاجيـا أي يستهدف التخلص من المرض أو تخفيف حدته، أو مجرد تخفيف آلامه، ولكـن يعد كذلك من قبيل الأعمال الطبية ما يستهدف الكشف عن أسباب سوء الصـحة أو مجرد الوقاية من المرض(3).

كما عرفه البعض بأنه: ذلك العمل الذي يقوم به شخص متخصص من أجل شفاء المريض وذلك طبقا للأصول والمعارف الطبية المقررة في علم الطـب والأصل في العمل الطبي أن يكون علاجيا، أي يستهدف التخلص من مرض أو تخفيف حدته او مجرد تخفيف الأمه

لا يفوتك :دعوى تعويض عن إتهام باطل و الأركان اللازم توافرها

ما الفرق بين الإهمال الطبى والخطأ الطبى

تعريف الخطأ الطبى يعرف الخطأ الطبى بأنه الخطأ الذي يحدث دون عمد أي سهوًا ودون قصد من قِبل أعضاء الفريق الطبي وقد يحدث نتيجة لتوتر،
لخوف أو حتى وفق  لعدم المعرفة وعدم دراية بالإجراءت اللازم اتباعها وإجراءها.  و الخطأ الطبى هو كل مخالفة أو انحراف في سلوك الطبيب أو في سلوك الطاقم الطبي بل حتى
خروجهم عن القواعد والأصول الطبية التي تندرج تحت بند العلوم والمتعارف عليها نظريًا وعلميًا وقت تنفذيه لأي عمل طبي أو نتيجة لإخلاله أو عدم التزامه بتعليمات الحيطة والحذر التي يفرضها قانون مهنته عليه. وهذا اولا الخطأ الطبى

اما  الإهمال الطبى  فيختلف عن  الخطأ الطبى فهو إهمال أو تهاون الطبيب بحالة المريض أو بإصابته نتيجة لعدم امتلاكه الخبرة الكافية التي تمكنه من القيام بواجبه على أكمل وجه
أو من الممكن بسبب لامبالاة الطبيب بالحالة أو بالمريض، و والاهمال الطبى يختلف عن الخطأ الطبى فى انه هو تقصير في مسلك الطبيب إذ إن الإهمال لا يقع من طبيب يقظ ومدرك وجد في نفس الظروف التي وجد فيها طبيب مسؤول.
وهذا يعني أن الطبيب الحذر قد يقدر الحالة ويعمل على ضبط البيئة بل ويعمل على تكوين بيئة طبية مناسبة لتجنب حدوث أي إهمال يقع على عاتقه، وهو فشل في توفير الرعاية الطبية سواء
كان خلال فترة العلاج أو ظهور عواقب الإهمال بعد انتهاء فترة العلاج سواء كان هذا الإهمال ناتجاً من المعالج، الطاقم الطبي أو حتى من الطبيب ذاته الذي أشرف على حالة المريض. وهذا هو الفرق بين الخطأ الطبى والاهمال الطبى

الأفعال التي يبيحها حق مباشرة الأعمال الطبية حتى لا يقع تحت وطأة الخطأ الطبى:

حق مباشرة الأعمال الطبية يبيح كل نشاط يعد عملا طبيا – بالمعنى الذي أوردناه سلفا – وبعض هذه الأعمال تكون في الأصل من قبيل إعطاء المـواد الضارة، أو إحداث جرح. فإعطاء الدواء هو إدخال مادة غريبة في الجسم وقـد تفضي في النهاية إلى الضرر، وإجراء العملية الجراحية هو إحداث لجرح فـي الجسم.

وهذا الحق يبيح كل نشاط يرتبط بالأعمال الطبية كحيازة المواد المخدرة والإجهاض، وكذلك يبيح جميع الأفعال الضرورية أو الملائمة لاستعماله.

وتحديد هذه الأفعال يرتبط بالنظريات الطبية السائدة في وقت معين، ومن ثم كانت محاولة حصرها غير مجدية .

ولا يكون عمل الطبيب أو الجراح مشروعا إلا إذا كان مقصودا به عـلاج مريض، فعلاج المريض هو الغرض الذي يقوم عليه حق الأطباء في التطبيـب والجراحة واستهدافه يوفر شرط حسن النية، وعلـى ذلـك لا يكـون الطبيـب مستعملا حقه إذا وجه فنه إلى غير الغرض المذكور ولو كان برضاء المجنـى عليه أو بإلحاحه .

أساس مشروعية العمل الطبي ومتى يعتبر عملة الخطأ الطبى :

ذهب رأى إلى أن العمل الطبي لا يستمد مشروعيته من الترخيص الـذي يشترطه القانون لمزاولة مهنة الطب. وإنما مشروعية العمل الطبي تستمد مـن الإجازة العلمية التي على أساسها يمنح الطبيب الترخيص بمزاولة المهنة .

 وعلة ذلك أن الشارع لا يثق في غير من رخص لهـم بالعلاج، إذ هم – في تقديره- الذين يستطيعون القيام بعمل طبي يطابق الأصول العلمية ويتجه في ذاته إلى شفاء المريض).

وفي تقديرنا أنه يجب الأخذ بالرأي الثاني، خاصة أنه يساند هذا الرأى أنه بالرغم من أن طبيب الامتياز حاصل على الإجازة العلمية إلا أن المادة الثانيـة من القانون رقم 415 لسنة 1954 (المعدل بالقانون رقم 46 لسـنة 1965) لا تعطيه الحق في الحصول على ترخيص بمزاولة مهنة الطب.

والترخيص للطبيب بمزاولة مهنة الطب لا يكفي وحده لممارسـة العمـل الطبي، وإنما يشترط لذلك كما سنرى – رضاء المريض، فهو شـرط مـن شروط إباحة العمل الطبي للطبيب.

كما أن إباحة عمل الطبيب مشروطة بأن يكون ما يجريه مطابقا للأصـول العلمية المقررة.

ما هي الشروط اللازمة لمزاولة مهنة الطب  

ينظم مزاولة مهنة الطب في مصر القانون رقم 415 لسنة 1954 المعـدل بالقانونين رقمی 491 لسنة 1955، ٢٩ لسنة 1965.

ويشترط هذا القانون في الشخص لمزاولة مهنة الطب تـوافر الشـروط الآتية:

1- أن يكون مصريا. أو يكون من بلد تجيز قوانينه للمصـريين مزاولـة مهنة الطب. واشتراط النص الجنسية المصرية فيمن يمارس مهنة الطب يبرره خطورة العمل الطبي، إذ هو يعني المساس بحسم الإنسان فضلا عن أنه يسمح للطبيـب بالوقوف على أسرار الحياة الخاصة.

ويعلل استثناء الأجانب، أن البلاد قد تحتاج إلـى بعـض التخصصـات النادرة التي يمارسها الأجانب.

٢- أن يكون حاصلا على درجة بكالوريوس الطب والجراحة مـن إحـدى الجامعات المصرية. أو حاصلا على درجة أو دبلـوم أجنبـي معـادل لدرجـة البكالوريوس التي تمنحها جامعات جمهورية مصر العربية، وأمضى بعد حصوله على هذا المؤهل تدريبا لمدة سنة معادلا للتدريب الإجباري وبشرط أن يجتــاز الامتحان المنصوص عليه في المادة الثالثة من القانون.

ويصدر بهذه المعادلات قرار من لجنة مكونة مـن أربعـة مـن الأطبـاء البشريين يعينهم وزير الصحة على أن يكون اثنان منهم على الأقل من عمـداء كليات الطب.

وقد أحاط الشارع الاستثناء الخاص بالأطباء الحاصلين على دبلومات أجنبية بعدة ضمانات نظرا لتعدد كليات الطب في الخارج واختلاف قيمتهـا العلميـة ومنعا لما حدث في بعض الأحوال من استعمال الدبلومات المزورة أو الدبلومات الصحيحة التي تخص أشخاصا غير أصحابها.

ولإيجاد ضمان كاف ضد عدم كفاية بعض حملة هذه الدبلومات الـذين لا يحضرون إلى مصر عادة إلا بعد أن يكونوا قد قضوا عدة سنوات من تـاريخ حصولهم على دبلوماتهم بدون ممارسة مهنتهم في أثناء ذلك .

وأجازت المادة الرابعة من القانون لـوزير الصـحة أن يعفـى مـن أداء الامتحان الأطباء من أبناء جمهورية مصر العربية الحاصلين علـى درجـة أو دبلوم من إحدى الجامعات الأجنبية المعترف بها من حكومة جمهوريـة مصـر العربية معادلة لدرجة بكالوريوس الطب والجراحة التي تمنحها جامعات جمهورية مصر إذا كانوا حاصلين على شهادة الدراسة الثانوية أو ما يعادلها وكانوا خلال مده دراستهم الطبية حسني السير والسلوك ومواظبين على تلقى دروسهم العلمية طبقا لبرامج المعاهد التي تخرجوا فيها.

و بشرط أن يؤدي هؤلاء الأطباء التدريب الإجباري إذا لم يكونوا قد أدوا ما يعادلها في الخارج

ما الفرق بين الإهمال الطبى والخطأ الطبى

3- أن يقيد وسجل الأطباء بوزارة الصحة وبجدول نقابة الأطباء البشريين. وذلك مع عدم الإخلال بالأحكام الخاصة المنظمة لمهنة التوليد .

وقد أوردت المادة التاسعة من القانون استثناء من شرط الجنسية والقيـد يسجل الأطباء بوزارة الصحة وبجدول نقابة الأطباء البشريين، فأجازت لوزير الصحة عند حدوث الأوبئة في أحوال الأخطار العامة أن يسمح بصفة استثنائية وللمدة التي تتطلبها مكافحة هذه الأوبئة والأخطار لأطباء لا تتوافر فيهم الشروط المنصوص عليها في المادة الأولى بالقيام بالأعمال الطبية التـى يـؤذن لهـم بمباشرتها.

كما أجازت له بعد أخذ رأى نقابة الأطباء البشريين أن يـرخص لطبيـب أخصائي في مزاولة مهنة الطب في جهة معينة بمصر لمدة لا تتجـاوز ثلاثـة أشهر غير قابلة للتجديد وفقا للشروط المبينة في هذا الترخيص.

وأجازت له بعد أخذ رأى مجلس نقابة الأطبـاء البشـريين أن يـرخص لطبيب في مزاولة مهنة الطب في مصر للمدة اللازمة لتأدية ما تكلفه به الحكومة على ألا تجاوز هذه المدة سنتين قابلتين للتجديد مرة واحدة إذا كان هذا الطبيـب من المشهود لهم بالتفوق في فرع من فروع الطب وكانت خدماته لازمة لعـدم توافر أمثاله في مصر.

وأجازت له أيضا أن يرخص للأطباء الذين يعينـون أسـاتذة أو أسـاتذة مساعدين في إحدى كليات الطب المصرية في مزاولة الطب مدة خدمتهم ولو لم تتوافر فيهم الشروط المنصوص عليها في المادة الأولى.

كما أجازت المادة 15 لوزير الصحة بعد أخذ رأى مجلس نقابة الأطبـاء البشريين أن يرخص للأطباء الفلسطينيين اللاجئين الذين أجبـرتهم الظـروف القهرية الدولية على مغادرة بلدهم والالتجاء إلى مصر والإقامة فيهـا والـذين تتوافر فيهم الشروط المنصوص عليها في المادة الثانية في مزاولة المهنة بمصر مدة أقصاها سنة قابلة للتجديد مع إعفائهم من تأدية الامتحان المنصوص عليـه في المادة الثالثة عند الاقتضاء.

هل يجوز الترخيص بمزاولة مهنة الطب لأطباء الامتياز ؟

لا يجوز الترخيص بمزاولة مهنة الطب لأطبـاء الامتياز بالمستشفيات المختلفة أثناء فترة التدريب، والحكمة في ذلك أن الأصول العلمية لمهنة الطـب لا تكتمل عند الحاصل على بكالوريوس الطب إلا بالتدريب العملي. وقبل انقضاء هذه السنة ينتسبون إلى طلاب كلية الطب، فإذا انقضت مدة السنة جاز لهم التقدم للجهات الإدارية المختصة للحصول على ترخيص بمزاولة المهنة.

وهذا واضح مما نصت عليه الفقرتان الأولى والثانية من المادة الثانية مـن القانون رقم 415 /1954 (المعدل) في شأن مزاولة مهنة الطب من أنه: “يقيـد بسجل وزارة الصحة من كان حاصلا على درجة بكالوريوس الطب والجراحـة من إحدى الجامعات المصرية وأمضى التدريب الإجبارى المقرر.

ويتم التدريب الإجباري بأن يقضى الخريجون سنة شمسية في مزاولة مهنة الطب بصفة مؤقتة في المستشفيات الجامعية والمستشفيات والوحدات التدريبيـة التي تقررها الجامعات وذلك تحت إشراف هيئة التدريس بكليات الطب أو مـن تندبهم مجالس الكليات لهذا الغرض من أطباء المستشفى والوحـدات المذكورة ويكون ذلك وفقا للنظم التي يصدر بها قرار من وزير التعليم العالي بالاتفاق مع وزير الصحة ” .

مدى الترخيص الصادر بمزاولة مهنة الطب :

لم يضع القانون رقم 1954/415 (المعدل) حدودا لاختصـاص الطبيـب البشرى. فهو إذ يحرم على غير الأطباء ذوى المؤهلات سالفة الذكر المرخص لهم بمزاولة المهنة الصور التي حددها على سبيل التمثيل بالمادة الأولى، قد أباح لهؤلاء الأطباء أن يعالجوا جميع الأمراض التي يمكن أن يتعرض لها البشـر، وبجميع الوسائل الطبية المعروفة من أدوية وغيرها.

وظاهر من نظام الدراسة في كليات الطب أن الطبيب الذي يحصل علـى درجة البكالوريوس في الطب والجراحة يتلقى دراسة تؤهله لذلك. فإن برنـامج الدراسة يشمل جميع الأمراض من باطنة أو جلدية أو أمراض النساء والأطفال والأمراض العصبية والعقلية … إلخ، فكل طبيب مهيأ لأن يكون طبيبا عامـا،

ولو أن بعض الأطباء يختارون فروعا يتخصصون فيها. وقد دعـت الحاجـة لوجود الأخصائيين إلى تنظيم دراسات عليا يعطى عنها دبلومات خاصة، ولكن وجود هذه الدبلومات لا ينفي حق الطبيب الحاصل على درجة البكالوريوس في الطب والجراحة في مزاولة علاج ما يرى أن يعالجه أو ينصرف إلى علاجه من الأمراض أما من حيث طرائق العلاج فإن الطبيب البشرى يحوز لـه أن يعـالج الأمراض،

ليس فقط بوصف الأدوية أو العمليات الجراحية بل بجميـع طرائـق العلاج الأخرى، من كهرباء وأشعة وغير ذلك مما يدخل في دراسته ، بـل ممـا يدخل أيضا في عمل المهن الأخرى المعاونة أو التابعة أو المكملة كإجراء الختان أو الوسائل الطبيعية وحدها، دون أن يتعرض لأى مسئولية عن ذلك .

غير أنه قد يصدر الترخيص بمزاولة مهنة الطب خاصـا بأعمـال طبيـة معينة، كالحالة التي نصت عليها الفقرة الأولى من المادة التاسعة من القانون رقم 1954/415، إذ أجازت هذه الفقرة لوزير الصحة عند حدوث الأوبئة في أحوال الأخطار العامة أن يسمح بصفة استثنائية وللمدة التي تتطلبها مكافحة هذه الأوبئة والأخطار لأطباء لا تتوافر فيهم الشروط المنصوص عليها في المـادة الأولـى بالقيام بالأعمال الطبية التي يؤذن لهم بمباشرتها.

ويستثنى من ذلك أيضا المهن التي يشترط القانون لمزاولتهـا ترخيصـا خاصا كمهنة العلاج النفسي إذ لا يكتفـى القـانون رقـم ١٩٨ لسـنة 1956 للترخيص بمزاولتها الحصول على بكالوريوس الطب أو الجراحة، وإنما يشترط الحصول على دبلوم الأمراض العصبية والعقلية (بالإضافة إلى الترخيص لبعض الفئات الأخرى)، وكذلك مهنة العلاج الطبيعي إذ لا يجوز الترخيص بمزاولتهـا طبقا للقانون رقم 3 لسنة 1985 في شأن تنظيم مزاولة مهنة العلاج الطبيعـي للحاصل على بكالوريوس الطب والجراحة.

وبالتالي تعد ممارسة الطبيب البشري لهذه المهـن ممارسـة لهـا بـدون ترخيص، ولا يخضع للإباحة المقررة للمرخص له.

عقوبة جريمة مزاولة مهنة الطب بدون ترخيص وهل يعتبر من قبيل الخطأ الطبى :

تعاقب المادة العاشرة من القانون رقم 415 لسنة 1954 (المعدل) فـى شـأن مزاولة مهنة الطب بالحبس مدة لا تجاوز سنتين وبغرامة لا تزيد على مائتي جنيـه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من زاول الطب على وجه يخالف أحكام هذا القانون.

وفي حالة العود يحكم بالعقوبتين معا.

وفي جميع الأحوال يأمر القاضي بإغلاق العيادة مـع نـزع اللوحـات واللافتات ومصادرة الأشياء المتعلقة بالمهنة ويأمر كذلك بنشر الحكم مـرة أو أكثر من مرة في جريدتين يعينهما على نفقة المحكوم عليه.

ومع ذلك، يجوز بقرار من وزير الصحة، أن يغلق بالطريق الإداري كـل مكان تزاول فيه مهنة الطب بالمخالفة لأحكام هذا القانون.

 هل يشترط رضاء المريض لممارسة العمل الطبي :

لا يكون العمل الطبي مباحا إلا إذا رضي به المريض، فالقانون يـرخص للطبيب بعلاج المرضى إن دعوه لذلك، ولكن لا يخوله الحق فـى إخضاعهم للعلاج رغما عنهم وهذا يشكل جريمة الخطأ الطبى.

ورضاء المريض ليس سبب الإباحة، ولكنه مجرد شرط مـن شـروطها، وعلة تطلبه رعاية ما لجسم الإنسان من حصانة.

ممن يصدر الرضاء بالعمل الطبي ؟

يجب أن يصدر الرضاء من المريض ذاته، إذا كان بالغا من الولاية على النفس، لأن الرضاء يتعلق بجسم المريض فهو من المسائل المتعلقة بالنفس .

وسن الولاية على النفس يتحقق بالبلوغ ويثبت البلوغ طبقا لرأى الصاحبين المفتى به في المذهب الحنفي، بالنسبة للغلام بالاحتلام مع الإنزال أو الإحبال أو الإنزال لأي سبب، وللبنت بالحيض أو الاحتلام مع الإنزال أو الحبل.

والحد الأدبي للبلوغ اثنتا عشرة سنة للغلام وتسع سنين للبنت.

أما إذا لم يتحقق ذلك، فإن بلوغهما يتحقق إذا أتما خمس عشـرة سـنة وتحسب السن طبقا للتقويم الهجري).

أما إذا لم يبلغ المريض هذه السن، أو كان المريض مجنونا، فإن الرضاء يجب أن يصدر من ولى النفس، وإذا كان المريض معتوها فإن الرضا يصـدر منه في فترات الإفاقة، ومن ولى النفس في غيرها.

العبرة برضاء الزوجة، إذا تعارضت مع زوجها فى اجراء عملية جراحية

وإذا اختلف الطبيب والزوج حول إجراء عملية جراحية للزوجة ، وهي في حالة لا تمكنها من إبداء رأيها. فإذا كانت الزوجة تعالج في منزلها فإن الطبيـب عليه أن يجرى العملية بغير رضاء الزوج.

ولكن إذا كانت المريضة في مستشفى فإن الطبيب يستطيع أن يجرى لهـا العملية بعد أخذ موافقة زملائه.

وإن كان يلزم لإنقاذ الزوجة الحامل التضحية بالجنين، فإن كـان يجـب النظر بعين الاعتبار إلى حقوق الزوج على ولده إلا أن العبرة في النهاية تكون برغبة الزوجة نفسها لأن حقها الطبيعي أن تعيش وليس للزوج أن يفرض عليها أن تضحي بحياتها في سبيل جنين لم ير بعد نور الحياة وقد لايراه).

 ما هو نطاق الرضاء  الصادر من المريض وعلاقته ب الخطأ الطبى:

الرضاء الصادر من المريض بخصوص علاج معين أو جراحـة معينـة، يجب أن يكون قاصرا على هذا العلاج أو العملية بعينها ولـذلك درج الأطبـاء على أخذ موافقة المريض مقدما على إجراء أية عملية جراحية أخرى يتضـح لزومها عند إجراء العملية المتفق عليها.

كأن يشترط الطبيب على المريضة في عملية استئصال أحد المبيضين أن يستأصل المبيض الثاني إذا وجد أن المسـألة تدعو إلى ذلك.

غير أن من حق الطبيب أن يجري في أثناء العملية المتفق عليهـا – دون رضاء المريض – أية عملية يتضح لزومها لإنفاذ حياة المريض، وكانت بحيـث لا يحتمل إجراؤها أي تأخير، أو يكون من شأن الانتظار حتى يفيق المريض من العملية الحاضرة لأخذ رضائه أن يقلل من نجاحها لعدم تحمل المريض تخديرين متلاحقين لأن صالح المريض في هذه الحالة يغني عن رضائه أو يساويه).

ومما يدخل في موضوع الرضاء أن يطلب المـريض أن يعـالج بعـلاج معين، فإنه لا يصح للطبيب في هذه الحالة أن يعالجه بعلاج آخر، غيـر أنـه يجوز للطبيب أن يعالج المريض بعلاج آخر، إذا كان هذا العلاج الآخر أقـل ألما أو خطرا من العلاج الذي اختاره المريض جهلا منه.

 وجوب صدور الرضاء عن إرادة حرة :

يجب أن يصدر رضاء المريض بالعمل الطبـي عـن إرادة حـرة وعلـم صحيح.

فيجب أن يعرف المريض حقيقة حالته وأهمية العلاج بالنسبة له، والخطـر الذي يمكن أن ينجم عنه، كما هو الحال في العلاجات الجديدة الخطرة.

غير أن هناك حالات كثيرة يكون من الملائم فيهـا أن يجهـل المـريض خطورة حالته، بل إن المريض يؤثر في نفسه أن يظل جاهلا بهذه الخطورة.

وقد يؤدى مواجهة المريض بخطورة حالته إلى الحط من حالته النفسية أو إصابته بصدمة عصبية تودي بحياته.

ومن ثم فإن الطبيب في هذه الحالات لا يكون ملزمـا بإخبـار المـريض بحالته. ويكتفى بأن يطلع أهل المريض على هذه الحالة.

ولكن من الملائم أن يذكر الطبيب للمريض الأضرار التي يمكن أن تعـود عليه من جراء إهمال العلاج حتى يحمله على قبوله دون الدخول في التفاصيل الطبية .

وإذا استدعى التوليد استعمال آلات جراحية قد تعرض الحامـل لأخطار فيجب عدم إبلاغها بالخطورة ونسبة الوفيات فيها، وإنما يمكن إفهامها أنها لا تستطيع أن تلد وحدها وأن الحالة تحتاج إلى مساعدة جراحية، وأن هـذه هـي الطريقة الوحيدة المناسبة، أو أن الطفل لا يستطيع الخروج عن طريق الجهـاز التناسلي ولذلك فإنه سوف يخرجه عن طريق البطن.

ويجب أن يظل رضاء المريض قائما حتى وقت إجراء العمل الطبي، إذ له أن يعدل عن رضائه في أي وقت قبل ذلك .

 ما هو شكل الرضاء المطلوب وعلاقته ب الخطأ الطبى 

الرضاء قد يكون صراحة أو ضمنا .

وإذا كان الرضاء صريحا فلا يشترط أن يكون كتابة إذ لم يشترط القـانون ذلك، كما أن اشتراط الكتابة لا يستطاع تحقيقه في كل الأحـوال بسـبب حالـة المريض الجسمية أو النفسية.

ويكون الرضاء الضمني تطبيقا للمادة 90 مدني التي قضى بأن التعبير عن الإرادة يكون باللفظ وبالكتابة وبالإشارة المتداولة عرفا، كما يكون باتخاذ موقف لا تدع ظروف الحال شكا في دلالته على حقيقة المقصود”.

ومثل الرضاء الضمني أن يذهب المريض إلى غرفة العمليات بعد أن علـم بنوع العملية التي تقتضيها حالته، وذلك بعد ايضاح نوع الجراحة تفصيلا.

ولكن لا يستفاد الرضاء الضمني من مجرد ذهاب المريض إلـى عيـادة الطبيب إذ أن الأعمال الطبية متنوعة، وقد يرضـى المـريض ببعضها دون البعض، ولذلك كان متعينا أن يعلم بما ينسب إليه الرضاء به).

استثناءات من شرط الرضاء بالعمل بالطبي :

يستثنى من شرط توافر رضاء المريض بالعمل الطبي، الحالات التي يوجد فيها نص قانوني عام أو خاص بمثل هذا التجاوز لصـالح المـريض ذاتـه أو لصالح عام يدعو إليه كوقاية الجماعة البشرية أو الأجيال المقبلة من الأمـراض أو الأخطار أو صيانة الحياة الاقتصادية أو الدفاع عن الدولة أو تحقيق العدالة.

ومثال ذلك ما يأتي :

1- حالة الضرورة المنصوص عليها بالمادة 61 من قانون العقوبات، التي تجرى على أن:

“لا عقاب على من ارتكب جريمة ألجأته إلى ارتكابها ضرورة وقاية نفسه أو غيره من خطر جسيم على النفس على وشك الوقوع به أو بغيره ولـم يكـن لإرادته دخل في حلوله ولا في قدرته منعه بطريقة أخرى”.

فإذا اعتقد الطبيب اعتقادا له ما يبرره، بأن في مباشرة العملية الجراحيـة التي رضي بها المريض ما يدعوه إلى إجراء عملية جراحيـة أخـرى رأى ضرورة إجرائها حالا، وكان في إرجاء ذلك حتى يفيق المـريض ويستحصـل على رضائه بإجرائها خطر على حياته، فلا يكون الطبيب مسئولا.

ولا يمنع من توافر الضرورة أن تكون الحالة المرضية التي حدثت للمريض وعرضته للخطر هي ذاتها من فعل الطبيب في أثناء علاجه، كأن يخطئ في العلاج خطأ يعرض مريضه للخطر.

فإن المتفق عليه أن الذي يمنع من تطبيق المادة إذا كان الخطأ الطبى من جانب الطبيب، هو الفعل العمد. أما إذا كان الخطر قد نجـم عـن إهمـال الفاعل، فإن ذلك لا يمنع من تطبيق النص، وعلى الأخص حيث يكون الخطر قد نشأ عن فعل مشروع، وهو الحال عندما يزاول العلاج ذو صفة فـي إجرائـه.

وليس للمحاكم أن تتدخل في صناعة الأطباء فتحكم بأن العملية الجراحية التـي أجراها الجراح كانت لازمة أو غير لازمة، ولو ظهر فيما بعد أن هذه العملية لم تكن تقتضيها الضرورة .

مسئولية الطبيب فى الخطأ الطبى عن الخطأ الفني والخطأ العادي :

يسأل الطبيب  فى الخطأ الطبى عن خطئه الفني، وهو الخطأ الطبى الذي يقع من الطبيب إذا خالف الأصول الفنية التي توجبها عليه مهنة الطب، كما إذا ارتكب خطأ في التشخيص أو العلاج أو في إجراء عملية جراحية. كما يسأل  فى الخطأ الطبى عن خطئه العادي (المــادي) الذي يخرج بطبيعته عن مهنة الطب، ويقع فيه الطبيب كما يقع فيه غيره من آحاد الناس،

وذلك حين لا يلتزم بمقتضى الحرص المفروض علـى كافـة الناس، ومن أمثلة هذا الخطأ أن يجرى الطبيب الجراحة في العضو السليم بـدلا من العضو المصاب، أو يترك المريض يقع من فوق منضـدة العمليـات لأنـه وضع في غير الموضع الصحيح، أو إجراء عملية جراحية بيد مرتعشة أو وهو في حالة سكر أو ترك قطعة من الشاش أو أداة في بطن المريض، أو إخـراج المريض من المستشفى قبل استكمال مدة علاجه).

وإن كان يراعى أن الأمر يدق أحيانا في التفرقة فى  الخطأ الطبى بين  الخطأ العادي والخطأ المهني، فمثلا عدم الأمر بنقل المريض إلى المستشفى في الوقت المناسب اعتبره البعض من الخطأ الطبى خطأ عاديا في حين أن الأمر بالنقل إلى المستشفى يحتاج حتما لتقـدير حالة المريض الطبية وما قد يتعرض له من أخطار لو بقى خارج المستشـفى.

كذلك ترك قطعة شاش أو آلة في جسم المريض أثناء العمليـة الجراحيـة فقـد يتبادر إلى الذهن أنه  من الخطأ الطبى خطأ عادي غير أن السرعة التي تتطلبها بعض العمليـات الجراحية قد تجعل منه خطأ مهنيا .

 مسئولية الطبيب فى الخطأ الطبى عن الخطأ اليسير :

لا يشترط لانعقاد مسئولية الطبيب عن الخطأ الطبى أن يكون هذا الخطأ جسيما وإنما يكفي لمسئولية الطبيب عن الخطأ الطبى ارتكابه خطأ يسيرا . (راجع نقض طعن رقم 464 لسنة 36 ق جلسة ۱۹۷۱/۱۲/۲۱ المنشـور بالبند السابق).

ولا مجال لما يقوله البعض بأنه ليس من سبيل إلى أن يستقر اليقين وتثبت الطمأنينة في نفس الطبيب إلا إذا شعر بأنه غير مسئول عن الأخطاء اليسيرة التي يتعرض لها الأطباء لزاما أثناء مباشرتهم لمهنتهم،

وأن الطب لازال فـي سبيل التقدم فيجب أن تتسع للأطباء حرية العمل حتى تسـهـل علـيهم مسايرة النظريات العلمية الحديثة والانتفاع بها بعد التحقق من صحتها، وفـى مؤاخـذة الطبيب على الخطأ اليسير إرهاق له فيحل محل روح الابتكار الخوف الدائم من مسئولية تكاد تكون محتومة إذ يكفي التافه من الأمور لكي تتقـرر،

لأن ذلـك مردود لانه إن وجب إدخال الطمأنينة في نفوس الأطباء حتى لا يقعدهم الخوف من المسئولية عن الإقدام المفيد المنتج، فإن من الواجب أيضا حماية الجمهـور حتى لا يعبث بسلامته استهتار الأطباء .

التزام الطبيب ليس التزام بشفاء المريض وانما التزام ببذل عناية :

الأصل أن التزام الطبيب ليس التزاما بتحقيق نتيجة هي شفاء المريض، وإنما هو التزام بيذل عناية، إلا أن العناية المطلوبة منه تقتضى أن يبذل لمريضه جهودا صادقة يقظة تتفق في غير الظروف الاستثنائية مع الأصول المستقرة فـي علـم  الطب، فيسال الطبيب عن كل تقصير في مسلكه الطبي لا يقع من طبيب يقظ في مستواء المهني وجد في نفس الظروف الخارجية التي أحاطت بالطبيب المسـئول ويعتبر ذلك من قبيل الخطأ الطبى، كما يسأل – كما ذكرنا سلفا- عن خطئه العادي أيا كانت جسامته.

وبالترتيب على أن التزام الطبيب هو ببذل عناية، فإن الطبيب لا يلتزم بأية نتيجة مهما كانت في علاج المريض فهو لا يلتزم بمنع المرض من التطور ضد مصلحته وهو لا يلتزم بألا تسوء حالته، وهو لا يلتزم بألا تتخلف عنده عاهـة بالغة ما بلغت من الشدة،

وفي النهاية لا يلتزم بأن لا يموت، فحدوث كل هـذه الآثار السيئة للمريض إن أمكن تصورها لا يعني في ذاته أن الطبيب قد أخـل بالتزاماته. فهو في أحسن الفروض لا يفعل أكثر من مساعدة الطبيعة لكي تقوى عوامل المقاومة في جسم المريض فكما قال أمبروازياريه متحدثا عن نفسه “أنا أعالجه والله يشفيه”.

 فلتقدير سلوك الطبيب إذن على القاضي أن يتساءل عما كان يفعله طبيـب يقظ في الزمان والمكان اللذين حصل فيهما العلاج مع مراعاة الأصول الفنيـة وحالة المريض،

وهكذا فإن معيار الخطأ يحتفظ بالمرونة اللازمة لكـى يلائـم ملابسات الحال ويتمشى مع التطورات الاجتماعية والتقدم العلمي فمن الظروف الخارجية التي تجب مراعاتها عند تقدير الخطأ المنسوب إلى الطبيب خطورة الحالة وما تستلزمه من إسعافات سريعة وقد لا تكون محاطـة بظروف ملائمة وكون العلاج تم بعيدا عـن المستشفيات والأدوات العلاجيـة اللازمة أو معونة الزملاء والممرضين إذ أن هذه الظروف وما يماثلهـا تبـيح للطبيب أعمالا لا يستطيع إجراؤها في غيرها.

فمثلا إغفال إجراء أشعة على العضو المصاب وهو ما قد يعتبـر خطـأ بالنسبة لطبيب المدن لا يمكن أن يؤخذ عليه طبيب الريف الذى لا تتوافر له الوسائل لإجرائها.

غير أنه لا عبرة في تقدير الخطأ الطبى  للطبيب بأحوال الطبيـب الداخليـة وهـى اللاصقة بشخصه أو بخصائصه الطبيعية والأدبية، ويدخل فيها ما تعلق بتكوينه الجسماني وبحالته النفسية، وعاداته وصفاته.

إذ ليس من العدل فـى شـيء أن يرجع في تحقيق مسئولية الطبيب إلى أحواله المتصلة بشخصه من حيث القـوة أو الضعف أو اليقظة أو الغفلة أو النشاط أو الخمول حتى لا يتحمل المجمـوع الآثار السيئة للطبائع الناقصة والمعيبة.

المستوى المهني للطبيب وعلاقته ب الخطأ الطبى :

من الظروف الظاهرة التي يجب أن يقام لها وزن فى تحديد مسئوليـة الطبيب عن الخطأ الطبى، ما عرف عنه من علم أو خبرة أو تخصص في ناحية معينة وهو ما يطلق عليه البعض المستوى المهني للطبيب. لأن هذا المستوى يكـون معروفـا للنـاس ظاهرا لهم بحيث يوحى إليهم ثقة مشروعة في أن الطبيب سيبذل قدرا من العنايـة يتفق مع هذا المستوى.

فتقاس واجبات الطبيب الناشئ مثلا بمسلك طبيـب نـاشـئ مثله، وواجبات الطبيب غير المتخصص بمثله، وتحدد التزامات الأخصائي بمسلك من يكون في مثل تخصصه والتزامات أستاذ الطب بمسلك أستاذ من طرازه.

 هل تعهد الطبيب بشفاء المريض باطل :

ذهب البعض إلى بطلان تعهد الطبيب بشفاء المريض لاستحالة محله. ولكن الراجح صحة هذا التعهد، لأن الشفاء ليس مستحيلا، وغاية الأمر أنه ليس محقق الوقوع.

فيكون تعهد الطبيب به تعهدا بأمر احتمالي، ولا مانع من أن يضمن الطبيب تحقق أمر احتمالي، بحيث إذا تحقق هذا الأمر برئت ذمته، وإذا تخلـف كـان ضامنا.

ولا فرق بين هذا التعهد وبين الاتفاق على تحمل المدين تبعة الحـادث الفجائي أو القوة القاهرة والذي أجازته الفقرة الأولى مـن المـادة ٢١٧ مـدنى صراحة بقولها: “يجوز الاتفاق على أن يتحمل المدين تبعة الحـادث المفـاجئ والقوة القاهرة” .

هل يجوز اتباع الطبيب رأي طبي ما زال محل خلاف  وعلاقتة ب الخطأ الطبى :

يسأل الطبيب عن الخطأ الطبى في العلاج إذا كان الخطأ الطبى ظاهرا لا يحتمل نقاشـا فنيا تختلف فيه الآراء.

أما إذا وجدت مسائل علمية خلافية يتجادل فيها الأطباء، ولم يستقر الـرأي عليها، فلا لوم على الطبيب إذا اتبع هذه المسائل، ولو كانت مرجوحة طالمـا كان مؤمنا بها.

وكذلك لا تثريب عليه إذا اتبع وسيلة علاج جديدة لم تسبق تجربتها إذا كان مقتنعا بجدواها وكان هدفه منها شفاء المريض لا مجرد تجربتهـا. لأن مـن مصلحة المجتمع أن يترك باب الاجتهاد مفتوحا أمام الطبيب حتى يتمكن مـن القيام بمهمته العالية من حيث خدمة المريض وتخفيف آلامه.

فلا يكون الطبيب مسئولا عن  الخطأ الطبى إلا إذا ثبت أنه في اختياره للعلاج قد أظهر جهلا فاضحا بأصول العلم أو الفن الطبي).

التجارب الطبية وعلاقتها ب الخطأ الطبى:

تنص المادة (60) من الدستور المعدل سنة ٢٠١٤ على أن: “لجسـد الإنسـان حرمة، والاعتداء عليه، أو تشويهه، أو التمثيل به، جريمة يعاقب عليها القانون.

ويحظـر الاتجار بأعضائه، ولا يجوز إجراء أية تجربة طبية، أو علمية عليه بغيـر رضـاه الحـر الموثق، ووفقا للأسس المستقرة في مجال العلوم الطبية على النحو الذي ينظمة القانون.

ولا يجوز للطبيب إجراء أي تجربة إلا برضاء المريض الصريح الحر الموثق ووفقا للأسس المستقرة في مجال العلوم الطبية وعلى النحو الذي ينظمة القانون، فيجب أن يفصح الطبيب للمريض عن كافة ظروف التجربة وأخطارها بحيث يصدر عنه رضاء حر ومتبصر على نحو كامل، والرضاء المستنير ، يبدو أكثر إلحاحا في مجال التجارب عنها في مجال العلاج العادي.

غير أنه يجب أن يرمى الطبيب من التجربة إلى علاج المريض لا إلـي مجرد التجربة فيه لإشباع شهوة علمية، ولو كان ذلك لخدمة الطب في ذاتـه أو الإنسانية جميعا، لأن الطبيب في هذه الحالة يكون قد خرج عن الحدود التـي رسمها الشارع لإباحة فعله.

ولا يجدى هنا قبول الشخص الذي أجريت عليه التجارب لأن سلامة جسم الإنسان لا يجوز أن تكون محلا للتصرفات وحمايتها من النظام العام، ولا يباح مسها إلا لضرورة فائدة الإنسان ذاته .

وقد نصت المادة الثامنة من لائحة آداب وميثـاق شـرف مهنـة الطـب البشري على أن:

“لا يجوز للطبيب أن يعلن بأي وسيلة من وسائل الإعلام عن طريقة جديدة للتشخيص أو العلاج بقصد استخدامها إذا لم يكن قد اكتمـل اختبارهـا وثبتـت صلاحيتها ونشرت في المجلات الطبية كما لا يجوز له أيضا أن ينسب لنفسـه دون وجه حق أي كشف علمي”.

 تكييف علاقة الطبيب بالمريض :

أولا : حالة اختيار المريض أو نائبه للطبيب والعلاقة ب  الخطأ الطبى:

إذا كان المريض أونائبه هو الذي اختار الطبيب، بأن تقدم المريض أو نائبـه إلى الطبيب ليقوم بعلاج المريض مقابل أجر يدفع إليه هو غالبا أجر الطبيب المعلن عنه- فإنه تكون قد نشأت علاقة عقدية بين المريض والطبيب.

ثانيا : حالة تدخل الطبيب بغير دعوة من المريض والعلاقة ب  الخطأ الطبى :

قد لا تسمح الأحوال للمريض باختيار طبیبه، کشخص يصاب من حـادث في الطريق أفقده وعيه، فتدخل أحد الأطباء المارين لإسعافه أو استدعاه أحـد الحاضرين لذلك،

فإنه لا يمكن القول في هذه الحالة بوجود عقد علاج طبي بين الطبيب والمريض، وإنما تكون العلاقة بينهما فضالة، وتكون مسئولية الطبيب عن الخطأ الطبى في العلاج مسئولية تقصيرية .

ثالثا : حالة الطبيب المعين من قبل مستشفى أو مشروع خاص  والعلاقة ب  الخطأ الطبى:

قد يحدث أن يتعاقد طبيب مع مستشفى خاص أو إدارة شـركة أو مصنع على علاج المرضى الذين يدخلون المستشفى أو العمال الذين يصابون أثنـاء العمل، فيكون تكييف العلاقة في هذه الحالة بأنها اشتراط لمصلحة الغير ذلك أن العلاقة بين الطبيب والمريض ما هي إلا نتيجة عقد إيجار أشـخـاص تـم بـين الطبيب وصاحب المستشفى الخاص أو صاحب المشروع الخاص.

ولا يقدح في هذا الرأي أن الاشتراط حصل لمصلحة أشخاص غير معينين وقت العقد مـادام أنهم قابلون للتعيين وقت التنفيذ. وتقريبا على ذلك فإن المستفيد دعوى مباشرة مستمدة من العقد يستعملها قبل المتعهد ليطالبه بتنفيذ التزامه و على ذلك فـان مسئولية الطبيب في هذه الحالة تكون مسئولية عقدية

رابعا : حالة الطبيب الذي يعمل بمستشفى عام والعلاقة ب  الخطأ الطبى:

من المقرر أن الطبيب الذي يعمل بمستشفى عام، يعتبر في مركز تنظيمي أو لائحي، وأنه يخضع تبعا لذلك للقوانين واللوائح الخاصة بالعاملين بالدولة وفي هذه الحالة لا يمكن مساءلة الطبيب عن خطئه قبل المريض الذي يعالجـه بالمستشفى إلا على أساس المسئولية التقصيرية.

رفض الطبيب علاج المريض والعلاقة ب الخطأ الطبى :

الأصل أن العلاقة بين الطبيب والمريض هي علاقة تعاقدية يلزم فيهـا رضاء كل من الطرفين. ومن ثم فإنه يكون للطبيب كامل الحرية في قبـول أو رفض الدعوة لعلاج المريض، وإذ رفض علاجه فإنه يستعمل حقا مشروعا له غير أن ظهور الاتجاهات الحديثة والوظيفة الاجتماعية للحقوق قيد حريـة الطبيب.

فحرية الطبيب في مزاولة مهنته يجب أن تستعمل فـي حـدود هـذا الغرض الاجتماعي وإلا كان متعسفا في استعمال حقه.

فإذا كان المريض في حاجة عاجلة إلى الإسعاف تتطلب التدخل الفوري مـن الطبيب الحاضر أو الطبيب الذي يلجأ إليه المريض أو ذويه أو من شاهد إصابته تعين على الطبيب الذي يلجأ إليه في ذلك أن يبادر إلى إسعافه وعلاجـه إلـى أن يزول عن المريض الخطر ويتيسر وجود طبيب آخر يتـولى علاجـه، وإلا كـان امتناعه خطأ يوجب مسئوليته عن الأضرار التي تصيب المريض بسبب ذلك

كذلك يلتزم الطبيب قبول دعوة المريض للعلاج في الحالة التي يوجد في الطبيب في مركز المحتكر، بمعنى أنه لا يوجد في الظروف القائمة سواء لإسعاف وعلاج المريض، كوجود المريض في مكان ناء ولم يكن هناك سوى طبيب معين أو في ساعة معينة من الزمان لا يوجد فيها غيره،

كما يسأل أيضا في حالة التأخير عن الحضور أو التدخل لإنقاذ المريض، ويقدر التأخير على ضوء ظروف الطبيب وارتباطاته ومشاغله ومسئولياته ومدى خطورة الحلة المعروضة أمامه وبصفة خاصة حسب مدى حسن أو سوء نيته).

وقد نصت المادة (15) من لائحة آداب وميثاق شرف مهنة الطب البشري

على أنه: “يجوز للطبيب أن يعتذر عن معالجة أي مريض منذ البداية لأسباب شخصية أو تتعلق بالمهنة، أما في الحالات المستعجلة فلا يجوز للممارس العام الاعتذار كما لا يجوز للطبيب الأخصائي رفض معالجة مـريض إذا استدعاه لذلك الممارس العام ولم يتيسر وجود أخصائي غيره “.

أما إذا كان الطبيب يعمل في مصلحة حكومية أو مستشفى عام فليس له أن يرفض علاج المرضى الذين ينبغى عليه علاجهم، أي ممن يدخلون في نطـاق اختصاصه الوظيفي، وكذلك لا يجوز للطبيب أو المستشفى الخاص الذي يتعاقد مع رب عمل معين على علاج العاملين به رفض علاج هؤلاء العاملين، لأنـه يكون في هذه الحالة مسئولا مسئولية عقدية قبل رب العمل.

 

هل يجوز انقطاع الطبيب عن علاج المريض :

إذا قبل الطبيب دعوة المريض لعلاجه، فإنه يلتزم بتنفيذ التزامه، وإلا كان مسئولا عن عدم تنفيذ العقد الذي أوجبه على نفسه، إلا إذا أقام الدليل على القوة المواصلات أو القاهرة أو الحادث الفجائي، كما لو استحالت عليه زيارة المريض بسبب انقطاع بسبب مرضه .

 ويسأل الطبيب إذا تغيب عن عيادته فأساء اختيار من يحل محله في علاج المرضى الذين يكون قد بدأ في علاجهم، بخلاف المرضى الجدد الذين لا يكون قد تقيد إزاءهم بشئ. كما أنه لا يسأل حتى بالنسبة لمرضاه القدامى عن أحد الطبيب الذي يخلفه متى كان معروفا بالكفاءة.

وقد نصت المادة (30) من لائحة آداب وميثاق شرف مهنة الطب البشري على أنه: “لا يجوز للطبيب المعالج أن يرفض طلب المريض أوأهله دعا طبيب آخر ينضم إليه على سبيل الاستشارة.

إنما له أن لا يستجيب إذا أصر المريض أو أهله على استشارة طبيب لا يقبله بدون أسباب ذلك “.

 

ما هي التزامات الطبيب في توقيع الكشف وتشخيص المرض وعلاقتها ب الخطأ الطبى:

هذه المرحلة هي أهم وأدق المراحل التي تمر بين الطبيب والمريض، ففيها يحاول الطبيب تعرف ماهية المرض ودرجته من الخطورة وتاريخه وتطوره مع جميع ما يؤثر فيه من ظروف المريض من حيث حالته الصحية العابرة وسوابقه المرضية وأثر الوراثة فيه.

فيجب على الطبيب أن يستمع إلى شكوى المريض ويأخذ منه ومن ذويه – إذا لزم الأمر- كافة المعلومات التي يحتاج إليها ثم يشرع بعد ذلك في فحـص المريض فحصا دقيقا متلمسا مواضع الألم متحسسا الداء وأعـراض المـرض مستعملا جميع الوسائل التي يضعها العلم تحت تصرفه ليكون رأيه بقدر الإمكان بعيدا عن الخطأ،

وله أن يستعين بجميع الطرق العلميـة للفحـص كالتحاليـل بأنواعها والأشعة والرنين المغناطيسي وما شابه ذلك كلما كان ذلك لازما للتثبت من الحالة وصحة التقدير، وكان في متناول يد الطبيب. أو يمكن إحالة المريض لمن يقوم بهذه الفحوص.

فإذا أهمل الطبيب ذلك، وشرع في تكوين رأيه فإنه يكون مسئولا عن جميع الأضرار التي تترتب على خطئه في التشخيص.

وإذا وجد الطبيب نفسه إزاء حالة لا يسعفه فيها علمـه وجـب عليـه أن يستعين بأحد زملائه المختصين، إلا أن تحول دون ذلك الظـروف وإلا كـان مهملا .

وإذا استدعى الطبيب أخصائيا بسبب تحيره في تشخيص المـرض فـإن التقاليد الطبية تفرض على الطبيب إذا خالف رأى هذا الأخصائي أن يخطر ذوى المريض لإجراء استشارة طبية أخرى، بعد أن يشرح لهم الأمر، فإذا أقروا رأى الأخصائي كان عليه أن ينسحب.

وقد جاء بالمادة ٢١ من لائحة آداب وميثاق شرف مهنة الطب البشـرى الصادرة بقرار وزير الصحة رقم ٢٣٤ لسنة ١٩٧٤ أنه: “على الطبيب عنـد الضرورة أن يقبل (أو يدعو إلى) استشارة طبيب غيره يوافق عليـه المـريض وأهله “.

ولكن ذلك لا يعني بطبيعة الحال أنه يجب في كل حالـة إجـراء تحاليـل بالأشعة، وإنما يجب الالتجاء إلى هذه الوسائل من وسائل التحقيق الفني وصور متى ساور التشخيص أي شك يدعو الطبيب إلى وجوب التثبت من صحة رأيـه بهذه الوسائل قبل الإقدام على العلاج.

فضلا عن أن الطبيب لا يلزم باللجوء إلى الفحص بالتحليل أو الأشـعة أوغيرها في الأحوال التي يضيق الوقت فيها دون ذلك، بأن كانت الحالة تحتـاج إلى إجراء عملية جراحية على وجه الاستعجال إلى درجة أن المريض لايستطيع الانتظار لحين إجراء الفحص).

وقد يحصل أحيانا أن تشتبه على الطبيب أعراض المرض وتعينه وسـائل الفحص في تشخيص الحالة فيجرى عليه عملية استكشافية يشـق فيهـا بطـن المريض ليرى موطن الداء من جسمه ويجرى له العملية المناسبة لإنقاذ حياته.

ولا يسأل الأخصائي عن عدم الكشف عن مرض لا يدخل فى دائرة تخصصه،  وبالتالى لا يكون من قبيل الخطأ الطبى فمثلا لا يلزم من تخصص في أمراض المعـدة بفحـص الأعضاء التناسلية للمريضة، وهو ما كان يضمن له الوقوف على حقيقة الداء.

وان كان هذا لا يعفيه من الاسترشاد برأي الأخصائي في هذا المجال ليتمكن من التشخيص الحالة التي تدخل في اختصاصه.

وعلى الطبيب أن يعترف بعجزه فيستعين بغيره إذا وجد أمامه حالة أشكل عليه تشخيصها أو اشتبهت عليه أعراضها وإلا كان مسئولا عن الخطأ الطبى إن هـو استبد برأيه.

غير أن الطبيب لا يسأل عن الخطأ الطبى في التشخيص، طالما تحرى أصول فنه وراعي الضمير والشرف في تشخيصه للمرض، متى كان هـذا الخطأ الطبى مـن المحتمل أن يقع فيه الطبيب اليقظ إذا أحيط بنفس الظـروف الخارجيـة التـي أحاطت به ووجد أمام نفس الحالة التي عرضت عليه.

فمثل هذا الغلط أقرب إلى أن يكون غلطا من العلم لا من الطبيب لأنه يرجع إلى النقص في العلوم الطبية. فهو الخطأ الطبى يتعرض له كل طبيب أثناء مزاولته مهنته. وقد كان الأستاذ برووارديل يقول لتلاميذه في دروس الطب الشرعي

“كثيرا ما وقعت في الغلط ولكن ليس لأحد أن يوجه إلينا أي لوم مادمنا قد توخينا الدقة في كشفنا ففحصنا الأعراض والسوابق قبل إجراء التشخيص، فإذا ظهر فســاده مع ما اتخذناه من الاحتياط لعدم الوقوع في الغلط، فليس لأحـد أن يحاسبنا ألا ننسى أن أكبر العلماء لم يسلموا من الغلط “.

 

التزامات الطبيب في وصف العلاج :

متى خلص الطبيب من فحص المريض إلى تشخيص حالته، ودخـل فـي مرحلة وصف العلاج، فإن عليه أن يراعي في ذلك بنية المريض وسنه ودرجة استهدافه وقوة احتماله وحالته النفسية ليختار له ما يناسبه من طـرق العـلاج فالمرض الواحد ليس علاجه واحدا في جميع الأحوال وما ينفع مريضا قد يلحق أكبر الضرر بمريض آخر مصاب بنفس المرض حتى لقد قبل إنه ليست هنـاك أمراض بل مرضى.

 

وعلى الطبيب تحديد جرعة الدواء التي لا تضر بالمريض، فـإذا وصـف الطبيب الدواء بجرعة تزيد على الجرعة اللازمة فأدى إلى تسمم المريض كان الطبيب مسئولا عن خطئه، وكذلك إذا كان التسمم نتيجة وصف الدواء على مدد متقاربة على خلاف الأصول الطبية.

أما إذا حدد الطبيب الدواء بجرعة أزيد قليلا من المعتاد حتى يكون تأثيره أقوى فإنه لا يرتكب الخطأ الطبى طالما أن الزيادة في الجرعة لم تخـرج عـن حد المعقول.

ويجب أن يتأكد الطبيب من تحمل المريض للدواء وأن ينبه المريض إلى ما يمكن أن يترتب عليه من أخطار، ثم يراقب بعناية طوال مدة تعاطيــه تـأثيره عليه.

ولكن الطبيب لا يسأل إذا لم يكن في إمكانه أن يكشف عما يمكن أن يكون بالمريض من حساسية تحول بينه وبين استعمال الدواء. 

 

الحقن بمصل التيتانوس هل يعتبر من قبيل الخطأ الطبى :

لا شك أن الحق بمصل التيتانوس في حالة الجروح الخطيرة من شأنه أن يجنب الجرحى خطر الإصابة بمرض التيتانوس، ولكن استعمال هذا المصل في جميع الأحوال يعرض المريض أحيانا لأخطار شـديدة، لاسيما إذا كـان لـه استهداف ذاتي لمضاعفات المصل أو كان قد سبق حقنه به.

ولذلك فإن المبادئ الأساسية التي نادى بها أساطين الطـب (مـا اقترحتـه إحدى اللجان في مؤتمر الطب الشرعي فـي فرنسـا دور ١٢ أكتـوبر سـنة 1936)، والتي تأثرت بها المحاكم في قضائها فوجب التفرقة بين فرضين:

1-  إذا كان الجرح غائرا أو غير منتظم وكان قد اتسـخ بحيـث يصـعب تعقيمه كان على الطبيب أن يحقن المصاب بمصل التيتانوس وإلا عرض نفسه للمسئولية ولا يعفية من هذا الواجب أن يكون المكان الذى حصلت فيه الاصابة مما تندر فيه حالات التيتانوس .

2- إذا كان الجرح سطحيا أو كانت ظروف الحال تدعو إلى الشك فى إحتمال الاصابة  بمرض التيتانوس فالطبيب وحده أن يقدر حالة المصاب وما قد يتعرض له من أخطار إن هو حقنة بالمصل ، ولا يسأل الطبيب عن المضاعفات الناشئة عن إستعمال المصل ولا عن إمتناعه عن إستعماله طالما أن رأية قد إستوفى فيه التعاليم الطبية الحديثة وبناه على تقدير دقيق لملابسات الحالة من حيث المكان الذى حصلت فيه الاصابة وسببها وطبيعتها وحالة المريض النفسية وتكوينه الجسمانى .

غير أنه يجب التأكد بالتجربة من أن هذا المصل لا يؤدي إلـى حساسية تودي بحياة المريض.

 

مسئولية طبيب التوليد عن الخطأ الطبى:

تبدأ مسئولية طبيب التوليد من ساعة حدوث الحمل، فيسأل عن كل عـلاج غير مناسب للحالة ويعتبر ذلك من قبيل الخطأ الطبى. وعن إدخال المجس الرحمي بهـا يكـن أن يـؤدى إلـى الإجهاض. وفي الأحوال التي يحدث فيها الإجهاض نتيجة دواء يعطيه الطبيـب لعلاج مريض لا علاقة له بالحمل،

ويسأل طبيب التوليد عن الإصابات التي تحدث أثناء التوليد، كتمزق الرحم وخرقه بواسطة جفت الولادة، أو ثاقب الرأس أو انتـزاع أو بتـر بعض أعضاء الطفل كالذراعين لغير ضرورة، أو كسـر جمجمـة الطفـل،

أو إصابته في عينه، أو في عصب الوجه بالجفت كما يسأل الطبيب عـن إجـراء العملية القرية بدون حاجة تدعو إلى ذلك، أو على طريقة مخالفة للأصـول أو سواء ربط الحبل السرى، أو ثقب رأس الجنين بغير داع، أو إهمال العلاجات اللازمة للأم أو للطفل الحديث الولادة، طالما ثبت الخطأ.

وقضى بأن المولد الذي يغفل ربط الحبل السرى للطفل ويتركه بغير عناية بعد مولده فيترتب على ذلك موته يرتكب جريمة القتل الخطأ .

ويجب أن يكون الخطأ – كما ذكرنا سلفا- واضحا ومميزا وبعيـدا عـن المناقشات العلمية.

 

مسئولية الجراح عن الخطأ الطبى:

(أ) – مسئولية الجراح عن الخطأ الطبى قبل إجراء الجراحة :

يتعين على الطبيب أن يفحص حالة المريض قبل إجراء الجراحـة بدقـة وعناية ليتبين ما إذا كانت العملية الجراحية المزمع إجراؤها لازمة له من عدمه.

ولا يجوز له الاعتماد على رأي الطبيب المعالج في لزوم العملية للمريض، لأن ذلك لا يتفق مع استقلال الجراح، فإذا أجرى العملية الجراحية التي أشار بها الطبيب المعالج دون أن يتأكد من فحصة للمريض أن العملية لازمة له، ثم تبين بعد ذلك أن هذه العملية كانت غير ضرورية، فإن الجراح يكون مسئولا عمـا أصاب المريض من ضرر .

فإذا تبين للجراح من فحصه للمريض أنه في حاجة إلـى إجـراء العمليـة الجراحية، كان عليه أن يتأكد من مدى احتماله للعملية المراد إجراؤها، وهـو مسئول عن القرار الذي يتخذه نتيجة لهذا الفحص ويلتزم الجراح أيضا باستشارة الطبيب المعالج قبل إجراء الجراحة حتى يستنير برأيه فـي احتمالـه للعمليـة وعلى الأخص حين تكون العملية خطيرة،

ولو أنه ليس من حق الطبيب المعالج أن يفرض على الجراح طريقة أداء عمله، فلا تجوز مساءلة هذا الأخصائي إلا إذا ثبت أنه وقع منه خطأ فيما هو واقع في دائرة اختصاصه. كما أنه لا يخلـى الجراح من المسئولية أن يكون الطبيب هو الذي أشار عليه بإجراء العملية.

فلا يقبل منه الاحتجاج بأنه إنما نفذ رأى الطبيب المعالج. لأن ذلك لا يتفـق مـع استقلال الجراح وحريته في مزاولة المهنة، وواجبه في فحص المريض قبل أن يجرى عليه الجراحة ليرى ما إذا كانت تقتضيها حالته.

 (ب) -مسئولية الجراح عن الخطأ الطبى  أثناء إجراء الجراحة :

يلتزم الجراح بأن يؤدي عمله الجراحي بالمهارة التـي تقتضيها مهنتـه وبالمستوى الذي ينتظره منه المريض، فهو مسئول عن كل الخطأ الطبى الذى يصدر منه ولو كان يسيرا.

فيسأل الجراح عن تجاهل القواعد الرئيسية للمهنة، كأن يهمل في تنظيـف الجرح وغسله وسبر غوره، أو ترك بقايا من الشاش أو القطن أو آله جراحيـة ببطن المريض.

ولكن الجراح يخلى من المسئولية في العمليات التي تكون على درجة مـن الخطورة بحيث يجب إجراؤها بمنتهى السرعة، وحيث تكون لكل دقيقة قيمتها،

ومن ثم فإن نسيان قطعة من القطن أو الشاش في جسم المريض لايعتبر  من الخطأ الطبى، بل مجرد حادث جراحي لا يسأل عنه الجراح. ولكن يجب لإخلاء مسئوليته أن يقوم الدليل على أن تركه هذه الضمادة كان نتيجة ضـرورة علاجيـة أو قـوة قاهرة .

ولكن الجراح لا يسأل  عن الخطأ الطبى إذا وجدت حالة شاذة لم يكن في إمكانه أن يعرفها أو يتوقعها كأن يقطع الشريان السباتي في عملية جراحية في البلعوم ويتضـح أن سبب القطع راجع إلى أن هذا الوريد لم يكن في موضعه الطبيعي ولـم يكـن للطبيب أن يتنبأ بذلك،

أو يهمل ربط الشريان في الفخذ أعلى ورم أنيو رزمي خاله ورما بسيطا حيث لا يوجد في الحالة ما يدعو إلى الشك في أنه ليس كذلك ولا يلزم الجراح في مثل هذه الأحوال بأن يستشير جراحا آخر أو يستعين باحد زملائه .

ولا يسأل الجراح عن إجراء العملية بطريقة دون طريقة أخرى طالما أن الطريقتين مسلم بهما علميا.

كما أنه لا مسئولية على الجراح إذا اتبع قواعد فنه ولم يحصل منه خط ولو لم يحصل من العملية على النتائج التي كان يمكن أن يحصل عليهـا طبيب أكثر مهارة.

 (ج) – مسئولية الجراح عن الخطأ الطبى بعد إجراء الجراحة :

يظل الجراح مسئولا عن المريض خــلال الفتـرة التـي تعقـب العمليـة الجراحية. ويقع الالتزام بمراقبة المريض بعد العملية فـى المقـام الأول علـى الجراح ولو كان قد استعان بطبيب للتخدير، وهذا لا ينفـى مسـئولية طبيـب التخدير المختص بالإنعاش فيما يختص بتخصصه.

وهذا الالتزام يقتضي من الجراح انتقاله لرؤية حالة الجرح، فلا ينبغـى أن يكتفى بالتفسيرات أو الإيضاحات التليفونية، وأن يراقب الجبس بعد الكسر وأن يفك الجبس في حالة الألم أو ظهور أي علامة للشك. وهو يعتبر مسئولا عـن الغرغرينة التي تحدث نتيجة عدم المراقبة، ويعتبر مسئولا أيضا إذا لـم يـوجـه المريض إلى طبيب متخصص إذا ظهرت عليه أعراض تستدعى ذلك .

 

جراحة التجميل و الخطأ الطبى :

ينقسم الطب الجراحي إلى نوعين: الجراحة العلاجية وهي التي تعنى بعلاج الأمراض، فيكون قصد الشفاء ملحوظا فيها، ثم جراحـة التجميـل أو جراحـة الشكل، وهي التي لا يكون الغرض منها علاج مرض، بل إزالة تشويه بالجسم.

وجراح التجميل – كغيره من الأطباء – لا يضمن نجـاح العمليـة التـي يجربها، إلا أن العناية المطلوبة منه أكثر منها في أحوال الجراحـة الأخـرى اعتبارا بأن جراحة التجميل لا يقصد منها شفاء المريض من علة في وإنما إصلاح تشويه لا يعرض حياته لأي خطر. جسمه

مسئولية طبيب التخدير عن الخطأ الطبى:

أصبح من المتفق عليه الآن هو ضرورة وجـود طبيـب للتخدیر الجراحة، ولا يجوز للجراح في غير حالة الضرورة تخدير المـريض بمفـرده ويلتزم طبيب التخدير مبدئيا بفحص المريض ليتمكن من تحديد حالته وما يجب أن يوصف لها من وسائل التخدير، وتحديد جرعة المخدر المناسبة للمريض من ناحية حالته الصحية بصفة عامة، وحالة قلبه وجهازه العصبي بصفة خاصة.

فلا يكفي إذن مجرد سؤال طبيب التخدير عن المريض صباح يـوم الجراحـة دون إجراء أي فحص مكتفيا بالملاحظة الظاهرية وإسناده إلى الممرضـة إجـراء اللازم.

وعليه أن يتأكد من خلو المعدة من أي طعام، فطبيب التخدير لا ينبغـى أن يقوم بالتخدير إذا لم يكن متأكدا من أن المريض صائم، وإذا كانت سيدة يتأكـد من أنها غير حامل.

و الخطأ الطبى  لا يوجد على الطبيب إذا استعمل نوعا من البنج لا تزال الآراء الطبية مانه طالما أنه لم يقع منه خطأ في استعماله وأن هذا النوع تخطـي مرحلة التجربة وأصبح شائعا في الأوساط الطبية، كما أنه يسير مسلولا إذا لجأ لى طريقة أكثر خطورة من طريقة أخرى.

ويجب على طبيب التخدير فحص النظام الوريدي المريض قبل استخدام الحقنة، وذلك لاحتمال اختيار نظام آخر يكون أكثر ملائمة لظروف المريض ويجب أن يتأكد من ثبوت الإبرة في الوريد، وعليه التوقف عن الحقـن إذا ظهرت بالمريض آلام غير عادية نتيجة لعدم ثبوت الإبرة في موضعها، ويتعين عليه الاحتياط بجهاز إنعاش قبل إجراء العملية.

ويجب أن يراقب ظهور أية حساسية للمريض من المخـدر، وأن يوقـف التخدير وأن يسارع باتخاذ الإجراءات الواجبة في هذا الشأن.

ويعتبر طبيب التخدير مسئولا أيضا عن إحداث نخد (موت موضعی) في ذراع المريض نتيجة تغلغل السائل المخدر في الأنسجة تحت الجلد .

وتستمر مسئولية طبيب التخدير أثناء إجراء الجراحة، فيجب عليه ملاحظة حالة المريض بدقة من حيث التنفس والقلب واستقرار الأعضاء فـي وضـعها السليم وتثبيت المريض فوق منضدة الجراحة حتى يكون في مأمن مـن خطـر الوقوع.

ويقع على عاتق طبيب التخدير مراقبة المريض بعد إجراء الجراحـة مـن وقت مغادرته غرفة العمليات حتى يفيق من التخدير ويستدل الأطباء على الإفاقة الكاملة بعودة أعضاء جسم المريض لاستئناف وظائفها الحيوية ولاسيما المودة والأمعاء ويجب على الطبيب التأكد من خمس علامات هي:

1- حركة عضلات البلعوم بحيث تعود إلى حالتها الطبيعية.

2- حركة أعضاء الجسم.

3- رد فعل الجسم إزاء وخز الجلد بالة شائكة.

4- استجابة المريض لنداء وحركات الآخرين على نحو واضح.

5- عودة الجهاز التنفسى لحالته الطبيعية.

ويكون طبيب التخدير مسئولا عن الخطأ الطبى من مساعديه كالممرضات .

وقد جرت التقاليد والعادات المهنية بأن يترك طبيب التخدير للممرضـات مهنة الإشراف على المريض حتى يفيق من المخدر، وهذه التقاليـد والـعـادات المهنية ليست إلا الحد الأدنى لما يجب أن يبذله رب المهنة من احتياطات وهـو حد قد يثبت أنه دون ما تتطلبه المصلحة العامة، فليس اعتياد الأطبـاء تـرك المرضى لعناية الممرضات سببا لإعفائهم من المسئولية متى ثبت أن سـلوكهم هذا كان ينطوى على الإهمال بالنظر إلى حالة المريض وما تتطلبة من عنايـة فنية خاصة .

مسئولية الجراح عن الخطأ الطبى من مساعديه :

(أ) – إذا كانت العلاقة بين الجراح والمريض تعاقدية :

إذا كانت علاقة الجراح بالمريض علاقة تعاقديـة علـى النحـو الـذي أوضحناه سلفا فالمقرر أن المدين في الالتزام التعاقدي يكون مسئولا عن عمل الغير إذا كان قد استخدمه في تنفيذ التزامه التعاقدي.

وبالترتيب على ذلك فإن الجراح يكون مسئولا عن الخطأ الطبى من مساعديه، سواء من الأطباء، أو الممرضات، ويدخل في هؤلاء المساعدين طبيب التخدير وكـل من يتدخل في الفريق الجراحي دون أن يمنعه الجراح من ذلك مع كونه قـادرا على منعه .

فإذا وقع خطأ من أحد هؤلاء كان الجراح مسئولا عنه قبل المريض، وقـد رأينا سلفا أن الجراح يسأل عن الخطأ الذي ترتكبه الممرضة بنسيان آلة طبية أو قطعة من الشاش أو نحوها في بطن المريض.

فالجراح هو رئيس الفريق الطبي وسيد العملية الجراحية، ويصـور الفقـه الجراح وهو في غرفة العمليات بأنه مثل قبطان السفينة له كل السلطة علـى طاقمها، أما طبيب التخدير فيكون مثل الضابط الميكانيكي على السفينة، له أهمية ولكن ليست له القيادة.

فيرجع إلى الجراح تنظيم وتسيير العمل الجراحي كله من أوله حتى آخره، وذلك طبقا للأصول العلمية المستقرة في علم الطب، لأن حالات العمل الجراحي دائما حرجة وقد تطرأ عليها ظروف جديدة، تحتاج إلى قرار فـورى وسـريع، وهذا القرار يجب اتخاذه فورا ليتناسب مع أي تغيير يطرأ على حالة المريض، ولا يجب التروى فيه أو مناقشته أو أخذ أغلبية الأصوات في الفريق الطبي .

غير أنه إذا كان المريض هو الذي تعاقد طبيب التخدير، فإن الجراح لا يسأل عن أخطائه لأنه يكون أجنبيا عن العلاقة التعاقدية التي تمت بين المريض وطبيب التخدير .

 ب) – إذا كان الجراح يعمل بمستشفى حكومی :

إذا كان الجراح يعمل بمستشفى حكومي، فإن علاقته بالدولة تكون علاقـة تنظيمية لائحية. وبالتالي لا يمكن إسناد ثمة مسئولية إليه إذا وقـع الخطأ الطبى مـن أعضاء الفريق الطبي الموجودين معه، ولو كان الخطأ الطبى من طبيب التخدير، لأنه بحكم كونـه طبيبا بالمستشفى مـا كان يستطيع أن يمنع الطبيب الـذي عينتـه إدارة المستشفى للقيـام بعمليات التخــدير،

أو يمنع المساعدين الآخـريـن مـن مباشرة عملهم، أو يختار غيرهم ولا يستطيع المريض الرجوع عليه على أساس مسئولية المتبوع عن أعمال تابعه المقررة في المادة 174 مدنى لأنـه يشـترط لقيام هذه التبعية أن يكون للمتبوع على التابع سلطة في رقابته وتوجيهه، وهذه السلطة لا تكون للطبيب الجراح في مستشفى حكومي على الطبيب الذي عينتـه إدارة المستشفى لإجراء التخدير أو على غيره من المساعدين.

غير أنه يجوز للمريض الرجوع على من صدر منه الخطأ علـى أسـاس المسئولية التقصيرية والرجوع على الحكومة أيضا باعتبارها مسئولة عن خطـأ تابعها عملا بالمادة ١٧٤ سالفة الذكر.

ج) – إذا كان الجراح يعمل بمركز طبي أو مستشفى خاص :

إذا كان الطبيب يعمل بمركز طبي أو مستشفى خـاص وكـان مسـاعدوه معينين من قبل المستشفى ولا سلطان له عليهم ولا يملك استبدال غيرهم بـهـم فإنه لا يكون للجراح سلطة فعلية في رقابتهم وتوجيههم، ومن ثم لا يعتبـرون تابعين له، ولا يسأل عن الخطأ الطبى على أساس مسئولية المتبوع عن أعمال التابع بالتطبيق لحكم 174 من القانون المدني.

مسئولية المستشفى الحكومي عن الخطأ الطبى:

المستشفيات الحكومية هي مصالح عمومية يجرى العمل فيها طبقا للقوانين واللوائح التي تنطبق ليس فقط على القائمين بأمرها بل على المرضـى الـذين يعالجون فيها فهؤلاء جميعا في مركز قانوني تحدده قوانين المصلحة.

وإذا لم يكن هناك شك في أن علاقة الموظفين بالدولة هي علاقة قانونيـة  فالحال يجب أن يكون بالمثل بالنسبة للمستفيدين من المرافق العامة فهم أيضا في مركز لائحى بعيد عن أن يكون تعاقديا.

ذلك أن حقوق المستفيدين والتزاماتهم ليست ناشئة عن اتفاقات ذاتية تـتم بينهم وبين الدولة بل هي مستمدة مباشرة من قواعد قانونيـة عامـة التطبيـق أوجدتها القوانين واللوائح المنظمة للمصلحة.

حقا إن المستفيد من المرفق العام يعرب عن إرادته في الاستفادة من هـذا المرفق ولكن عمله هذا لا يمكن وصفه بأنه من قبيل التعاقد.

وينبني على ذلك أن تكون مسئولية الدولة عن الأخطاء التي يرتكبها أطباء المستشفى وسائر العاملين فيها قبل المريض، مسئولية تقصيرية .

وبالتالي يجوز للمريض الرجوع على الطبيب أو غيـره مـن الـعـاملين بالمستشفى الذي صدر منه الخطأ الطبى، طبقا لقواعد المسئولية التقصيرية، كما أنه لا الرجوع على المستشفى والطبيب الذي يعمل بالمستشفى أو غيره من العـاملين بها معا متضامنين وتكون مسئولية المستشفى على سند من المادة 174 مـدنـي التي تقرر مسئولية المتبوع عن أعمال تابعه.

وإذا كانت المستشفى تابعة لشخص معنوى عام رفعت الدعوى على هـذا الشخص المعنوى، وإلا رفعت على وزير الصحة باعتباره الممثل لوزارته، إذا لم تكن تابعة لوزارة أخرى.

وإن كان الأصل – كما أوضحنا سلفا – ألا يسـأل الطبيـب عـن شـفاء المريض، فإنه يحصل أحيانا أن يكون الطبيب ملزما بـالتزام محــدد بسـلامة المريض لا من عواقب المرض بل من خطر الحوادث أو العدوى، وهي غالبـا الأحوال التي يقترن فيها العقد الطبي بعقد إيواء بمستشفى، ففي هذه الحالـة،

لا يكتفى المريض بأن يأويه الطبيب في المستشفى ويقدم له الغذاء المناسـب بـل يتطلب منه سلامة جسمه بحيث يظل الطبيب مسئولا عن الأضرار التي تلحقـه مدة إقامته في المستشفى ذلك أن المريض وهو راقد في فراشـه يعهـد بنفسـه مجبرا إلى مدير المستشفى،

وينتظر منه الحماية من الأخطار التي تهدده. فتلتزم المستشفى بتدفئة المريض بعد العملية الجراحية أو أثناء إقامته بالمستشفى وتقديم الأدوية اللازمة به وإجراء التحاليل اللازمة، ومنع انتقال العدوى إليه.

وتسأل المستشفى عن إصابة المريض في حريق شب في المستشفى، ما لم تثبت المستشفى حدوثه نتيجة قوة قاهرة أو حادث فجائي.

مسئولية المستشفى الخاص عن الخطأ الطبى :

عندما يذهب المريض إلى المستشفى الخاص لإجراء عملية جراحيـة، أو للعلاج من مرض معين، سواء بالعيادة الخارجية أو بالإقامة بالقسم الداخلي، فإنه يتم الاتفاق بينه وبين المستشفى على إجراء اللازم مقابل أجر يدفعه،

ومن ثم فإن العلاقة بين المريض والمستشفى الخاص تكون علاقة عقدية تلتـزم المستشـفي بإجراء الجراحة المتفق عليها أو تقديم العلاج المطلوب للمريض، وبـذل مـا يستلزمه هذا الالتزام من عناية ورعاية.

والأطباء الذين يناط بهم إجراء الجراحة أو العلاج هـم تـابعون للمستشـفي تستعين بهم في تنفيذ التزامها التعاقدي قبل المريض، ومن ثم فإنها تكون مسئولة عما يقع من خطأ من هؤلاء الأطباء، طالما أنها تستعين بهم في تنفيذ التزامهـا التعاقدى، وتكون مسئوليتها عن خطئهم على أساس مسئولية المتبـوع عـن أعمال تابعه. فضلا عن مسئولية هؤلاء الأطباء عن خطئهم الشخصي أو فعـل الغيـر الذي يسأل عنه.

 القتل بسبب الشفقة على المجنى عليه و الخطأ الطبى :

قد يكون الشخص مريضا في بعض الأحوال بمرض لا شفاء منه ويعـاني من مرضه آلاما مبرحة قاسية لا يطيقها، فيثير شفقة الطبيب عليه فيقتله رحمة به بإعطائه مادة سامة مثلا، وقد يكون ذلك بناء على طلـب المـريض نفسـه ويعبر عن ذلك بالقتل للشفقة.

وهذا القتل – في التشريع المصـري – لا يبـاح للطبيـب – أو غيـره- وإذا فعله الطبيب فإنه  قد خرج عن حدود الإباحة المقررة له مرتكبا لجناية قتل عمد أو جناية قتل عمد بالسم، أو جناية قتل عمد مع سبق الإصرار.

ذلـك أن القصد الجنائي في جناية القتل يتوافر بمجرد اتجاه إرادة الجاني إلى الاعتداء على إنسان حي وإزهاق روحه، مع علمه بذلك.

ولا أهمية بعد ذلك للباعث على القتل، حتى لو كان الباعث شريفا، فالباعث ليس ركنا في الجريمة ولا عنصـرا في ركنها المعنوى. والتعجيل بالموت مرادف لإحداثه في توافر علاقة السببية واستيجاب المسئولية .

 إثبات مسئولية الطبيب عن الخطأ الطبى:

سواء كانت مسئولية الطبيب عن الخطأ الطبى عقدية أو تقصيرية، فما دامت التزاماته ليسـت إلا التزامات بوسيلة أو بذل عناية، فيكون على المريض الذي يدعى الخطأ الطبى للطبيـب أن يقوم هو بإثبات الاحتياط المعين الذي كان على الطبيب أن يتخذه فلم يفعل.

والأصل أن إثبات الخطأ الطبى بوجه عام متروك لتقدير المحاكم ويجوز الالتجاء فيه إلى البينة، غير أنه فيما يتعلق بإثبات الخطأ الطبي لا يستساغ التعويل كثيرا على شهادة الشهود لجهلهم بالمسائل الفنية التي يدور البحث حولهـا، كمـا أن القضاة كثيرا مالا يطمئنون في ذلك إلى تقديرهم الشخصى ويرون الاستعانة بالخبراء،

مع علمهم بأن الخبير وهو في الغالب زميل للمدعى عليه في مهنتـه قد يميل إلى التسامح بعض الشيء في تقدير مسلك زميله فيحتاطون للأمـر ولا يسلمون بتقرير الخبير إلا بعد أن يستوثقوا من بعده عن المجاملة والتسامح.

على أن وقوع عبء الإثبات على عاتق المريض، لا ينفي أن للمحاكم فـى جميع الأحوال سلطة الأخذ بالقرائن القضائية. فإذا ثبت أن مثل الضـرر الـذي حاق بالمريض ما كان ليحصل لو اتبعت أصول الفـن،

جـاز وضـع قرينـة بمسئولية الطبيب. أما إن ثبت من استقراء الحوادث أن مثل الضرر الذي أصيب به المريض لا يمكن تلافيه في جميع الأحوال فلا يعفى المريض مـن عـبء إثبات الخطأ الطبى .

فإذا كان مسلما في الطب مثلا أن اتخاذ احتياطات معينة في إجراء جراحة يمنع تلوث الجرح كان للمحاكم أن تتخذ من حصـول التلـوث فعـلا قرينـة على وقوع الإهمـال في اتخاذ تلك الاحتياطات .

ولكن لا يصح أن يعتبر مجرد نزول الطبيب عن أتعابه في جراحة فشـلت اعترافا منه بخطئه، ما لم يكن ذلك مقترنا بوقائع أخرى يستدل منهـا علـى الاعتراف أو على وقوع الخطأ الطبى .

كيفية دفع مسئولية الطبيب الخطأ الطبى :

يجوز للطبيب المدعى عليه بالمسئولية أن يدفع وفقا للمـادة 165 مدنى مسئوليته بإثبات السبب الأجنبي وبخاصة خطأ المريض نفسه  فإذا طلب الطبيب من المريض أن يعرض نفسه عليه في أوقـات مـحـددة وخالف المريض ذلك وترتب على ذلك أن أحدث الدواء مضـاعفات لـم تـكـن الطبيب . لتحدث لو عرض نفسه على الطبيب في المواعيد التي حددها فلا مسئولية على الطبيب

الالتزام بالسلامة و الخطأ الطبى:

لئن كان التزام الطبيب بالعمل الطبي، سواء كان تشخيصا أو علاجا بالدواء أو غيره أو استئصالا للعلة بالجراحـة، التزاما ببذل عنايـة، وليس التزامـا بنتيجة، إلا أنه خارج هذا النطاق تقع على الطبيب التزامات محددة في بعـض الأعمال، كعمليات نقل الدم أو التحاليل المختلفـة أو في الأدويـة والأجهـزة المستخدمة،

إذ يقع فيها على الطبيب التزام بالسلامة، لأن العمل في هذه الحالـة فضلا عن گونه بعيدا عن مهمة الطبيب في معناها الدقيق، فـإن نتيجـة تنفيـذ الالتزام لا مجال فيها لفكرة الاحتمال التي تهيمن على نتيجة مهمته التي تتدخل فيها عوامل جديدة، لا تخضع لسيطرته، فالطبيب يعالج والله يشفى. وهـو مـا يبرر قصر التزام الطبيب على مجرد العناية .

العلاج بالأشعة و الخطأ الطبى:

يلتزم طبيب الأشعة بتحقيق نتيجة هي تقديم صورة أشعة للمريض واضحة ظاهرة تبين خفايا ودقائق الجزء من الجسم الذي طلب الطبيـب المعـالج أخـذ الصورة له مبينا به علامات وأمارات المرض الذي يعانيه المريض ومرفقا بها تقرير مكتوب بحالة المريض وتقوم مسئوليته بمجرد ثبوت الخطـأ الطبى فيهـا إلا إذا أثبت قيام السبب الأجنبي.

أما الأمراض التي لم يتوصل العلم إلى ظهورها فـى الأشـعـة بـالأجهزة العلمية المتاحة أو الصورة التي يختلف التفسير في قراءتها فإن مسئولية الطبيب في هذه الحالة تكون بذل عناية.

وترتيبا على ذلك إذا أخطأ طبيب الأشعة بأن قدم للمريض صـورة أشـعة غير دقيقة ترتب عليها إصابته بأضرار كان مسئولا عن تعويض هذا الضـرر كما إذا كان المريض مصابا بمرض السل في مرحلته الأولـى إلا أن صـورة الأشعة لم تظهره،

وترتب على عدم المبادرة بعلاج المريض نتيجـة لـذلك أن استشرى الداء في رئتيه، وكلفه علاجه نفقات كثيرة ووقتا طويلا في حين أنه لو أظهرت الأشعة هذا المرض في بدايته لكان علاجه أمرا سهلا ونســبة نجاحـه أكبر، فيسأل الطبيب عن جميع هذه الأضرار من مادية وأدبية .

و الخطأ الطبى في قراءة الأشعة لا يمكن إلا أن يحمل على أمرين كلاهما موجب للمسئولية الطبية فإما نتيجة إهمال من الطبيب في تحرى وجه الدقة في قـراءة الصورة وإما أنه يفتقد إلى الخبرة الفنية المطلوبة في الأخصائي .

ولما كان الخطر دائما كامنا في الأشعة واحتمال حدوثه قائم لأقل هفوة تقع في أي وقت من الأوقات، فإنه يجب على طبيب الأشعة قبل إجراء الأشعة التأكد من سلامة الآلات التي يستعملها، وألا يسلط على المريض من الأشعة إلا القدر الذي يتناسب مع درجة احتماله للتيارات الكهربائية، وهو ما يقتضيه فحص دقيق الأصول العلمية  لحالته،

ويتحتم على الطبيب أن يراقب تأثير الأشعة على جسم المـريض بمنتهـى اليقظة حتى إذا ظهر له أي أثر لحرق أو لعلامات غير طبيعية فعليه أن يوقـف العلاج – إذا كانت الأشعة علاجية – فورا أو يباعد على الأقل بين الجلسـات ويخفض من الوحدات المسلطة على المريض. ويسأل الطبيب عن كل إهمال أو عدم احتياط مهما يكن نوعه.

ولا تقتصر مسئولية الطبيب في ذلك على المريض بل إنها تتناول غير التي تعمل مع طبيب الأشعة.

المرضى مما يعرضهم الطبيب بإهماله للضرر من أجهزة الأشعة كالممرضـة غير أن الطبيب لا يسأل عن الضرر الناجم عن العلاج بالأشعة إذا كـان راجعـا إلى حساسيـة خاصة لدى المريض طالما أنه لا يمكن للطب أن يتنبأ بها.

ونظر لخطورة العلاج بالأشعة فقد ذهبت المحاكم في فرنسا إلـى وجـوب استعانة الطبيب بأحد زملائه في مباشرة العلاج منعا لما قد ينشأ من عدم إحكام الأجهزة من مخاطر .

ويجب في جميع الأحوال متى كانت الأشعة تنطوى على خطر على حيـاة المريض أن يحاط علما بذلك وأن يؤخذ رضاه قبل الالتجاء إليها.

 نقل الدم و الخطأ الطبى:

قد يحتاج المريض في بعض الظروف إلى نقل دم إليه، ومن ثم يكون التزام الطبيب بنقل الدم إلى المريض التزاما بنتيجة، بموجبه يتعهد الطبيب بنقل دم إلى المريض متفقا في الفصيلة مع دمه سليما خاليا من الأمراض وإلا انتقلت إليه العدوى ممن نقل منه الدم.

فيكون مخلا بالتزامه إذا كان الدم الذي نقلـه إلـى المريض غير مناسب له أو ملوثا بجرثومة، وتقوم مسئوليته العقدية عن الضرر الذي يلحقه أو المرض الذي يصيبه، إلا إذا أقام الدليل علـى أن عـدم تنفيـذه لالتزامه يرجع إلى سبب أجنبي غير منسوب إليه.

وإذا كان الطبيب المعالج هو الذي نقل الدم بنفسه، فإن عليـه التأكـد مـن سلامة معطى الدم حتى لا تنتقل العدوى إلى المريض ولا يعفيه من ذلك ادعاءه بأن العادة جرت على عدم القيام بفحص دم المعطى إلا في فترات متباعدة. لأن العادة لا ترفع حرية التقدير في المحاكم التي تستطيع دائما أن ترفض اعتمادها إذا رأتها غير كافية أو مخالفة لقواعد الحيطة .

والغالب الآن أن الطبيب المعالج يعهد إلى طبيب متخصـص أو مركـز تحاليل (بنك الدم) ليقوم بمهمة فحص دم المريض للوقوف على فصيلته بمقتضى عقد مع هذا الطبيب أو المركز يتعهد فيه الأخير بتقديم نتيجة التحليل صحيحة، وتقديم دم للمريض من ذات فصيلته خاليا من الجراثيم.

وفي هذه الحالة إذا أخطأ طبيب التحليل أو المركز المتخصص في نتيجتـه ونجم عن ذلك ضرر للمريض، كان أمام المريض للمطالبة بالتعويض طريقان.

الأول: أن يرجع بالتعويض على طبيبه المعالج ذلك أن هذا الطبيب هو الذي يرتبط به بعلاقة تعاقدية تفرض عليه التزاما بأن ينقل إليه دما يتفق مع فصيلته، وخاليا من التلوث.

الثاني: أن يرجع المريض بالتعويض على طبيب التحاليـل أو المركـز المتخصص، وذلك على أساس المسئولية التقصيرية القائمة على الخطأ الواجب الإثبات حيث لا تتوافر علاقة تعاقدية بين المريض وبين طبيـب التحاليـل أو المركز المتخصص.

التحاليل الطبية و  الخطأ الطبى :

التزام طبيب التحاليل الطبية التزام بنتيجة إذ في جميـع الحـالات التـي ينحصر نشاطه في أعمال معملية لا تتضمن حسب الأصول العلمية السليمة أي احتمال، فإنه يلزم بتحقيق النتيجة أي بتقديم تقرير صحيح مطابق للحقيقة .

ومن ثم يسأل عن خطئه إلا إذا أقام الدليل على أن إخلاله يرجع إلى – سبب أجنبي لا يد له فيه.

وفي الحقيقة لا يوجد ما يبرر اعتبار التزام الطبيب في التحاليل المختلفة محل بذل عناية لأن هذه التحاليل لا تعتبر عملا طبيا في معناه الدقيق ولا حتى عملا علميا، إذ تنحصر مهمة القائم به في مزج مساحيق أو محاليـل كميائيـة بطريقة ثابتة.

أما التحاليل ذات الطابع العلمي المتعمق والتي يجوز أن تختلف فيها الآراء العملية، فيجوز في صددها أن تكون النتائج محل شك، فيكون التـزام الطبيب بشأنها التزاما ببذل عناية، فإن أوفى به – والفرض أنه كذلك إلى أن يقوم بهـا الدليل على العكس – فلا مسئولية عليه فيما يتوصل إليه من نتائج غير حقيقية، تلحق بالمريض ضررا معينا.

مسئولية الطبيب عن الأجهزة فى الخطأ الطبى:

ذهب فريق من الفقهاء إلى إخضاع مسئولية الطبيب عن الإصابات التي تحدثها أجهزته بمرضاه، لذات القواعد التي تخضع لها مسئوليته عن الأعمال الطبية، وبالبناء على ذلك يتعين على المريض أن يثبت في دعـوى المطالبة بالتعويض خطأ الطبيب وعلاقة السببية بين هذا الخطأ الطبى والضرر.

ويستبعد هذا الرأي تبعا لذلك تطبيق المادة ١٧٨ مدنى الخاصة بمسئولية حارس الأشياء على الطبيب في استعماله تلك الأجهزة والأدوات ليس فقط مـن نطاق العقد الطبي حيث يتعين استبعادها نتيجة لإخراج المسئولية التقصيرية عن نطاق العقود،

بل وكذلك حين لا تقوم علاقة عقدية بين الطبيب ومريضه، على أن القضاء الفرنسي يؤسس استبعاد المادة 1/1384 مدنى المقابلة للمـادة 178مدنی مصرى على ما ذهب إليه من عدم جواز الخيرة بين المسئوليتين العقديـة والتقصيرية ولهذا يؤاخذ الطبيب بقرينة المسئولية الواردة بها متى كانت دعوى التعويض ضده لا تتأسس على المسئولية العقدية .

التركيبات الصناعية و الخطأ الطبى :

التركيبات الصناعية هي أعضاء صناعية يستعيض بها المريض عما فقـده من بعض أعضاء جسمه، ومثل ذلك الأطراف الصناعية والأسنان الصناعية.

و مسئولية الطبيب بصدد التركيبات الصناعية عن الخطأ الطبى على نوعين:

النوع الأول :

مسئوليته عن جدوى وفاعلية العضو الصناعي، أي بيان ما إذا كان سيؤدي فائدة المريض أم لا.

والطبيب في هذا النوع من المسئولية شأنه شأن باقي الأطباء، فيكون التزامـه في ذلك التزاما ببذل عناية، ولا يسأل الطبيب إلا إذا ثبت خطأ في جانبه.

النوع الثاني :

.مسئوليته عن سلامة العضو الصناعي ودقته والمادة المصنوع ومدى تحمله بعد استعماله  والطبيب في هذا النوع من المسئولية ملتزما بتحقيق نتيجة، فيكون الطبيب مسئولا إذا ثبت عدم سلامة العضو الصناعي أو رداءة المادة المصنوع منها أو منها أو أنه لا يتفق مع المقياس الصحيح للجسم.

مسئولية طبيب الأسنان عن الخطأ الطبى:

مسئولية طبيب الأسنان في الكشف على المريض وتشخيص المرض وتقريـر العلاج، وإجراء الجراحة، شأنها شأن مسئولية الطبيب والجراح البشرى، فهو ملزم ببذل عناية وليس بتحقيق نتيجة. ويلزم بتعويض الأضرار التي يتسبب فيها بخطئه.

كما يسأل عن الآلات والأجهزة التي يستخدمها في العلاج إذا مـا ترتـب عليها أضرار بالمريض، على النحو الذي فصلناه سلفا.

وقد حظر القانون رقم 66 لسنة ٢٠١٠ بتعديل بعض أحكام القانون رقـم 537 لسنة 1954 على غير أطباء الأسنان الحاصلين على شهادة الماجستير مع خبرة لا تقل عن ثلاث سنوات أو شهادة الدكتوراه في جراحـة الفـم والوجـه والفكين من الجامعات المصرية أو الشهادات المعادلة القيـام بجراحـة الأورام وتشوهات الفم والوجه والفكين وكسور الفكين وأمراض مفصل الفك والعـلاج التعويضي من داخل أو خارج الفم بالطريقة العلمية السليمة، على أن يكون مقيدا بسجل خاص لمزاولة تخصص جراحة الفم والوجه والفكين في نقابـة أطبـاء الأسنان (المادة الأولى من القانون).

وقد نصت المادة العاشرة من القانون (66 لسنة ٢٠١٠) على أن يعاقـب بالحبس مدة لا تجاوز سنتين وبغرامة لا تزيد على عشرة آلآف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من زاول مهنة طب وجراحة الفم والأسنان علـى وجـه يخالف ذا القانون وفي حالة العود يجوز الحكم بالعقوبتين معا.

وفى جميع الأحوال يأمر القاضي بإغلاق المنشأة مع نزع اللوحات واللافتـات ومصادرة الأشياء المتعلقة بالمهنة، ويأمر كذلك بنشر الحكم في جريدتين يوميتين واسعتي الانتشار على نفقة المحكوم عليه. ومن ثم يترتب على مخالفة الحكم السابق معاقبة الطبيب بالعقوبة المذكورة كما أن مخالفة هذا الحكم يشـكل ركـن الخطـأ الطبى المستوجب للمسئولية عما يحدث من ضرر للمريض من جراء فعله.

ويوجد تفصيل في مسئولية طبيب الأسنان عما يقع منه من الخطأ الطبى في تركيب الأسنان الصناعية والذي يتم باتفاق بين طبيب الأسنان والمريض، ذلك أن عمل طبيب الأسنان في هذا الصدد ينقسم إلى قسمين:

الأول: تقدير ملاءمة تركيب الأسنان الصناعية للمريض وتهيئة الفم لهـا، والتزامه في هذا كغيره من الأطباء البشريين التزاما ببذل عناية. فهو لا يسـأل عن الضرر الذي يلحق بالمريض إلا إذا ثبت وقوع الخطأ الطبى من جانبه.

والثاني: اختيار النوع المناسب من الأسنان الصناعية واتفاقه مع الفم في حجمه ومقاسه، وتأديته الوظائف المرجوة منه، ثم صناعة الأسنان ذاتها ولو عهد بذلك إلى غيره من المرخص لهم بصناعتها. فهو عمل فني والتزام بتحقيق نتيجة. وتتحقـق مسئولية طبيب الأسنان إذا أحضر طقما رديئا أو طقما غير مناسب فـي حجمـه ومقاسه لفم المريض، أو إذا أحدث تركيب الأسنان أضرارا بالجسم.

ولكن طبيب الأسنان لا يضمن متانة الأسنان الصناعية لمدة غير محدودة على الخصوص إذا لم يمكنه العميل مـن ملاحظاتهـا فـي الفتـرة التاليـة لتركيبهـا واستعمالها .

وقد حظرت المادة الأولى من القانون رقم 537 لسنة ١٩٥٤(المعدل) فـي شأن مهنة طب وجراحة الأسنان على غير أطباء الأسنان المقيدين بسجل أطباء الأسنان بوزارة الصحة أن يقوموا بالاستعاضة الصناعية الخاصة بالأسنان.

كما نصت المادة الثامنة من القانون رقم 65 لسنة 1957 (المعدل) بتنظيم مزاولة مهنة صانعي الأسنان ومحال صنعها على أنه لا يجوز لصانع الأسـنان المقيد اسمه بالسجل أخذ مقاس أسنان أو تعديل مقاس ورد له من طبيب أسنان مرخص له.

وفي رأينا أن ذلك لا يحول دون أخذ صانع الأسنان المقـاس فـي حضـور الطبيب وتحت إشرافه، شأنه في ذلك شأن الطبيب البشري فيمـا يعـهـد بـه إلـى الممرض أو المدلك أو عامل الكهرباء أو الأشعة بما يحوز أن يعهد به إلى مثلهم

 العلاج النفسي و الخطأ الطبى :

ينظم مهنة العلاج النفسي القانون رقم ١٩٨ لسنة 1956 (المعدل) بتنظــيم مهنة العلاج النفسي.

وطبقا لهذا القانون، لا يجوز لأي شخص أن يزاول مهنة العلاج النفسي إلا إذا كان مرخصا له في ذلك من وزارة الصحة العمومية.

ويشترط للحصول على هذا الترخيص الشروط الآتية :

أولا: أن يكون طالب الترخيص من إحدى الفئات الآتية:

(أ) الحاصلين على دبلوم الأمراض العصبية والعقلية من إحدى الجامعـات المصرية.

(ب) الحاصلين على دبلوم من الخارج تعادل الدبلوم المنصوص عليها في البند السابق فإن كان أجنبيا وجب عليه أداء الامتحان أمام اللجنة المشار إليها في المادة الثانية من القانون.

(ج) الحاصلين على مؤهل جامعي من الجمهورية المصرية أو من الخارج وعلى شهادة تخصص في العلاج النفسي من أحد معاهد العلاج النفسي المعترف بها والتي تقرها اللجنة المذكورة.

(د) أن يكون عضوا عاملا أو منتسبا بإحدى جمعيات العـلاج النفسـى أو هيئاته المعترف بها في مصر أو في الخارج والتي تقرهـا اللجنـة المـذكورة ويكون قد اجتاز امتحانا أمام هذه اللجنة.

(هـ) الحاصلين على مؤهل عال في علم النفس من إحـدى الجامعات أو المعاهد في مصر أو في الخارج وأعدوا أنفسهم للتخصص في العلاج النفسي لمدة سنتين على الأقل بأحد معاهد العلاج النفسي أو بمؤسساته التي تعترف بها اللجنة المذكورة أو يكون تحت إشرافها وبعد اجتيازه امتحانا أمام اللجنة.

ثانياً: ألا يكون قد حكم بإدانته في جناية أو جنحة مخلة بالشرف أو ماسـة بالكرامة أو لجنحة مزاولة مهنة الطب أو إحدى المهن المرتبطة بهـا بـدون ترخيص – وفي هذه الحالة لا يجوز أن يتقدم بطلب الترخيص قبل مضى خمس سنوات من تاريخ انقضاء العقوبة.

ثالثا: أن يكون حسن السمعة ومحمود السيرة وتقدر اللجنة المذكورة حالـة الطلب من هذه الناحية ولها إذا أرادت أن تطلب إيضاحات منه أو من أية جهـة أخرى ويكون قراراها في ذلك نهائيا. (م1 من القانون).

ويجوز استثناء من أحكام الفقرة أولا مـن المـادة الأولـى- للأشخاص المشتغلين بالعلاج النفسي وقت صدور القانون ممن تتوافر لديهم هذه المؤهلات ويكونون قد أمضوا في ممارسة هذه المهنة خمس سنوات على الأقل أن يتقدموا إلى اللجنة المنصوص عليها في المادة الثانية خلال سنة من تاريخ صدور هـذا القانون لتنظر في الترخيص لهم في الاستمرار في مزاولة العلاج النفسي بعـد التثبت من خلوهم من الموانع المنصوص عليها في الفقرتين ثانيا وثالثا من المادة المذكورة ومن صلاحيتهم فنيا لهذا النوع من العلاج (م 11 من القانون).

واستثناء من أحكام المادة (۱۱) الخاصة بامتحان الطالـب أمـام اللجنـة المنصوص عليها في المادة الثانية من القانون يجوز لوزير الصحة العمومية أن يعفي من هذا الامتحان أساتذة علم النفس بالجامعات أو المعاهد المصرية.

كما يجوز له أن يعفى من هذا الامتحان أسـاتذة علـم الـنفس السـابقين بالجامعات أو بالمعاهد المصرية أو الأجنبية. (م ١٢ من القانون).

ولا يجوز لمن يمنح ترخيص في مزاولة العلاج النفسي وكان من غير الأطباء أن يتولى علاج أية حالة نفسية مصحوبة بأعراض بدنية أو عقلية أو يشتبه في أنها كذلك إلا بعد عرض المريض على طبيب يقوم بفحصه للتثبت من أن الأعراض التي يشكو منها ليست نتيجة علة في الجسم أو مرض في العقل وعلى الطبيـب أن يبعث للمعالج النفسي بتقرير بنتيجة فحصه ،،،

وعلى المعالج أن يحتفظ بالتقرير إذا ظهر أن الحالة نفسية أو تحتاج لعلاج نفسي كجزء متمم للعلاج البـدنى أو العقلى وتولى علاجها على هذا الاعتبار وفي هذه الحـالة الأخيـرة يتعـين أن يكون على اتصال دائم بالطبيب وأن يبادله الرأي فيما يختص باستقرار العلاج النفسي أو قطعه أو إرجائه (م6 من القانون).

وإذا كانت الحالة نفسية وطرأت على المريض أعراض جديدة غير أثبتها الفحص من قبل بمعرفة الطبيب فعلى المعالج النفسـى أن يشــر علـى المريض بعرض نفسه على الطبيب للتثبت من حقيقة الأعراض وسببها وليس له أن يستمر في العلاج النفسي إلا بمشورة الطبيب كما لو كانت الحالة مستجدة.

وكذلك إذا تبين للمعالج النفسي أن الحالة المعروضة عليه عقلية أو يشتبه فـى أنها عقلية يجب عليه أن يتصل بأهل المريض على الفور لعرضه علـى طبيـب أخصائي في الأمراض العقلية، ولا يجوز له أن يستمر في علاج المريض نفسـيا إلا تحت إشراف الطبيب العقلي وبالتعاون معه (مادة 7 من القانون).

وإذا كان المعالج النفسي غير طبيب فلا يجوز له بحال مـن الأحـوال أن يتصدى لتشخيص العلل والآفات الجسمية أو علاجهـا أو مباشـرة أي عـلاج عضوى مما لا يجوز لغير الطبيب أن يزاوله ومحظور عليه الكشف على جسم المريض أو النصح إليه بأية وصفات طبية أو دوائية (م8 من القانون).

ويعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنتين وبغرامة لا تزيد على مائتي جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من يزاول مهنة العلاج النفسي دون أن يكون اسـمه مقيدا في جدول المعالجين النفسيين بوزارة الصحة العمومية وفي حالـة العـود يحكم بالعقوبتين معا (م9 من القانون).

وإذا أخل المعالج النفسي بواجبه عرض أمره على اللجنة المنصـوص عليهـا بالمادة الثانية من القانون لمحاكمته تأديبيا ولها بعد تحقيق ما نسب إليه وسماع أقواله أن توقع عليه أحد الجزاءات التأديبية الآتية:

– الإنذار أو التـوبيخ

– الوقـف مـدة أقصاها ثلاث سنوات

– سحب الترخيص نهائيا

ولا يكون انعقاد اللجنة صحيحا في هذه الحالة الأخيرة إلا بحضور سبعة من أعضائها على الأقل (م 10 من القانون).

وعلاقة المريض النفسي بطبيبه النفسي هي علاقة تعاقدية إذا توجـه إليـه ليتولى علاجه واتفق معه على ذلك، ويكون التزامه كالطبيب البشـرى التزامـا ببذل عناية وليس بتحقيق نتيجة.

غير أنه إذا باشر الطبيب النفسي بالمريض علاجا عضويا، كـان مرتكبـا لجريمة مزاولة مهنة الطب بدون ترخيص، وإذا أحدث به ثمـة جـروح كـان مرتكبا للجنحة المنصوص عليها بالمـادتين ٢٤١، ٢٤٢ عقوبــات بحسـب الأحوال، وإذ نشأ عن الجرح عاهة مستديمة عوقب بعقوبة الجناية المنصـوص عليها بالمادة ٢٤٠ عقوبات.

– مهنة العلاج الطبيعي :

ينظم مزاولة مهنة العلاج الطبيعي القانون رقم 3 لسنة 1985 فـي شـأن تنظيم مزاولة مهنة العلاج الطبيعي.

وتقضى أحكام هذا القانون بما يلى :

۱- مع مراعاة أحكام قانون مزاولة مهنة الطب، لا يجوز مزاولة مهنـة العلاج الطبيعي إلا بترخيص من وزارة الصحة طبقا للإجراءات والأوضـاع المقررة في القانون (م1 من القانون).

٢- يشترط للحصول على ترخيص مزاولة مهنة العلاج الطبيعي ما يأتى:

أ- أن يكون طالب الترخيص مصرى الجنسية أو من رعايا الدول التي تعامل المصريين بالمثل.

ب – أن يكون حاصلا على أحد المؤهلات الآتية:

– بكالوريوس العلاج الطبيعي من إحدى الجامعات المصرية.

– بكالوريوس العلاج الطبيعي من معهد التربية الرياضية قبل العمل بالقانون.

– دبلوم البعثة الداخلية في العلاج الطبيعي من معهد التربية الرياضـية قبل العمل بالقانون.

– شهادة أجنبية معادلة لأى من الشهادات السالف ذكرها وفقـا للقـوانين واللوائح الخاصة بذلك .

3- أن يكون محمود السيرة حسن السمعة.

4- ألا يكون سبق الحكم عليه بعقوبة جناية أو جنحة في جريمـة مخلـة بالشرف أو الأمانة متعلقة بمزاولة مهنة الطب أو إحدى المهن المرتبطـة دون ترخيص، وذلك كله ما لم يكن قد رد إليه اعتباره (م ٢ من القانون).

وينشأ بوزارة الصحة السجلان الآتيان :

١- سجل لممارسي العلاج الطبيعي، ويقيد فيـه الحاصـلـون علـى أحـد المؤهلات الدراسية المشار إليها في البنود أرقام (أ)، (ب)، (ج)، (د) من البند ۲ من المادة الثانية وكذا الحاصلون على مؤهلات دراسية معادلة لها.

٢- سجل أخصائي العلاج الطبيعي وتقيد فيه الفئات الآتية:

(أ) من يزاول مهنة العلاج الطبيعي مدة لا تقل عن خمس سنوات.

(ب) ممارس العلاج الطبيعي الذي حصل على درجة علمية لا تقـل عـن الماجستير في مجال التخصص (م 3 من القانون).

وللحاصل على دبلوم التخصص في التدليك والكهربـاء أو أي مـؤهلات دراسية معادلة الحق في مزاولة تخصصه تحت إشراف الطبيب المعالج.

ويقيد في السجل المعد لذلك بوزارة الصحة قبل حصوله على التـرخيص بالعمل.

وعلى من يزاول العلاج الطبيعي وضع وتنفيذ برنامج العلاج الطبيعي بناء على التقرير الطبي الكتابي الصادر من الطبيب المعالج، وأن يكون على اتصال دائم به، ويتبادل الرأي معه في شأن استمرار العلاج، ويكون الاتصال فوريا إذا ظهرت على المريض أعراض جديدة غير التي أثبتها فحص الطبيب المعالج من قبل.

ولا يجوز لمن يزاول العلاج الطبيعي تشخيص الحـالات، أو إعطـاء وصفات أو شهادات طبية أو دوائية، أو طلب فحوص معمليـة أو إشـعاعية أو غيرها (م 8 من القانون).

ولا يجوز مزاولة مهنة العلاج الطبيعي في مراكز خاصة خارج المنشـآت الطبية المنصوص عليها في القانون رقم 51 لسنة ١٩٨١ بتنظيم المنشآت الطبية إلا بترخيص خاص من وزارة الصحة ويمنح هذا الترخيص للمقيدين بالسـجل .

(۲) المنصوص عليه في المادة الثالثة من القانون (م9 من القانون).

ويمنح المشتغلون بالعلاج الطبيعي وقت صدور القانون مهلة قدرها سـنة القانون (م 10 من القانون).

تبدأ من تاريخ العمل به لاستيفاء شروط مزاولة المهنة المنصوص عليها في ومع عدم الإخلال بالأحكام الواردة في القانون رقم 415 لسنة 1954 في شأن مزاولة مهنة الطب، يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنتين وبغرامـة لا تزيـد عـن خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من خالف أحكام المواد الأولى والثانية والتاسعة من القانون وتضاعف العقوبة في حالة العود (م11 من القانون).

ويعاقب تأديبيا كل من زاول مهنة العلاج الطبيعي بالمخالفة لأحكام القانون أو العرف والتقاليد المرعية أو خرج على مقتضياتها، وتكون العقوبة التأديبيـة كالآتي:

1- الإنذار.

2- الوقف عن مزاولة المهنة لمدة لا تزيد على سنتين.

3- شطب الاسم من السجل المعد لذلك . ” – الصحة (م٢١ من القانون).

ويشكل مجلس التأديب بوزارة الصحة على النحو الذي أوردته المـادة 13من القانون. ويشطب من السجل المعد بوزارة الصحة كل من فقد شرطا من الشـروط الواردة في المادة الثانية من القانون، ويصدر بالشطب قرار من لجنـة القيـد المنصوص عليها في المادة الخامسة بعد إحالة الأمر إليها من وزيـر الصـحة ويجوز للجنة قبل إصدار قرارها الاستماع إلى أقوال صاحب الشـأن،

ويكـون قرار اللجنة نهائيا، وتنظم اللائحة التنفيذية الإجراءات المقررة لذلك (م١٤ مـن القانون)، وقد صدرت اللائحة المشار إليها بقرار وزير الصحة رقم 150 لسنة 1986 باللائحة التنفيذية للقانون رقم (3) لسنة 1985 في شأن تنظيم مزاولـة مهنة العلاج الطبيعي.

ولمن صدر قرار تأدیبیي بشطب اسمه أن يطلب من اللجنـة المنصـوص عليها في المادة الخامسة إعادة قيده بعد مضى ثلاث سنوات من تاريخ صـدور القرار وتصدر اللجنة قرارا نهائيا في هذا الشأن خلال شهر على الأكثـر مـن تاریخ تقديمه (م 15 من القانون).

والعلاقة بين المريض وممارس العلاج الطبيعـي أو أخصـائي العـلاج الطبيعي إذا كانت خارج نطاق المستشفيات هي علاقة عقدية، والتزامـه فـي العلاج التزام ببذل عناية لا بتحقيق غاية.

وإذا زاول الممارس أو الأخصائي تشخيص الحالات أو إعطاء وصفات أو طلب فحوص معملية أو إشعـاعية أو غيرها فإنه يعاقب بالعقوبة التي يرصدها القانون رقم 415 لسنة 1954 في شأن مزاولة مهنة الطب لمن يزاول المهنـة بدون ترخيص.

وإذا تعرض لعلة في جسم المريض و أحدث تدخله جرحا به، كان مرتكبا لجريمة الجرح العمد.

– مهنة تجهيز وبيع النظارات الطبية :

ينظم مهنة تجهيز النظـارات الطبية وبيعها القانـون رقـم ١٩۳ لسـنة 1959 في شأن إعادة تنظيم مزاولة مهنة تجهيز النظارات الطبية وبيعهـا فـي إقليمي الجمهورية (جمهورية مصر العربية الآن).

وتقضى أحكام هذا القانون بأن :

1- لا يجوز لأي شخص أن يزاول مهنة تجهيز النظارات الطبية وبيعهـا في جمهورية مصر العربية إلا إذا كان مرخصا له في ذلك من وزارة الصحة.

ويقصد بالنظارات في نصوص هذا القانون – النظارات التي تحمل عدسات صحية للنظر (م1 من القانون).

ويشترط فيمن يرخص له في مزاولة هذه المهنة أن تتـوافر فيـه الشـروط الآتية:

(أ) أن يكون متمتعا بجنسية الجمهورية العربية المتحدة (جمهورية مصر العربية الآن) أو بلد تجيز قوانينه للمتمتعين بجنسية الجمهورية العربية المتحدة مزاولة هذه المهنة فيه.

(ب) أن يكون حاصلا على شهادة من أحد المعاهد المتخصصة المعتـرف بها في جمهورية مصر أو على شهادة معادلة من الخارج. وتقوم بتقـدير هـذه الشهادات وتقدير معادلتها لجنة تشكل بقرار من وزير الصحة المركزي.

(ج) أن يكون قد أمضى بعد حصوله على المؤهل المنصوص عليه في الفقرة (ب) مدة تمرين لا تقل عن ستة أشهر في مؤسسـة لتجهيـز النظـارات الطبية تعترف بها وزارة الصحة التنفيذية المختصة.

(د) أن يكون محمود السيرة، حسن السمعة ولا يكون قد سبق الحكم عليـه بعقوبة جناية أو جنحة في جريمة مخلة بالشرف ما لم يكن قد رد إليه اعتباره.

ويستثنى من شرط الحصول على المؤهل المنصوص عليه في الفقرة (ب) من هذه المادة كل من سبق الترخيص له بمزاولة هذه المهنة (م ٢ من القانون).

وينشأ بوزارة الصحة سجل تقيد فيه أسماء المرخص لهم في مزاولة هـذه المهنة والمؤهـلات الحاصلين عليها، وتاريخ حصولهم عليهـا والجهـة التـى منحتهم الترخيص ومحل مزاولة المهنة ومحل الإقامة.

ويؤدى رسم قيد قدره جنيهان مصريان (أو عشرون ليرة سـورية) كمـا يؤدى هذا الرسم عند طلب إعادة القيد.

وتعطى الوزارة المختصة مستخرجا من هذا القيـد تلصـق عليـه الصـورة الفوتغرافية للمرخص له مختومة بخاتمها نظیر رسم قدره جنیه مصری (م۳ مـن القانون).

ولا يجوز فتح محل النظارات الطبية لبيعها إلا بترخيص من وزارة الصحة التنفيذية المختصة، ويصدر قرار من وزير الصحة بالشروط الواجب توافرها في المحل وفي طالب الرخصة (م6 من القانون).

ويجب أن يكون للمحل مدير فني مرخص له في مزاولة المهنة ويكون هو المسئول عن تجهيز النظارات الطبية وبيعها ويجب على صاحب المحل إبـلاغ وزارة الصحة التنفيذية المختصة عن اسم المدير الفني لمحله (م 8 من القانون).

ولا يجوز أن يصرف محل بيع النظارات، نظارة طبية إلا بناء على تذكرة من طبيب رمدي، ولا يجوز إدخال أي تعديل على الوصف المبين بهـا (م ۱۱ من القانون).

ولا يجوز توقيع الكشف الطبي على طالب النظارة أو غيره في المحل كما لا يجوز أن يحتوى المحل على حجرة مظلمة أو على الآلات الخاصة بقيـاس انكسار الأشعة في العين (م١٢ من القانون).

ويجب أن يبين على العدسات والنظارات التي بالمحـل نوعهـا واسـمها التجاري والمصانع المستوردة منها (م13 من القانون).

وتفصل اللجنة المشكلة وفقا لأحكام المادة الثامنة عشرة من القانون في كل خلاف قد يحدث بين الطبيب الذي وصف النظارة وبين المدير الفني للمحل الذي قام بتجهيزها ويكون قرارها في هذا الشأن نهائيا (م17 من القانون).

وتخضع محلات تجهيز النظارات وبيعها للتفتيش الذي تقوم به السلطات المختصة للتثبت من تنفيذ أحكام هذا القانون والاشتراطات التي يصدر بها بقرار من الوزير (التنفيذي) المختص (م ۲۱).

وكل من زاول مهنة تجهيز النظارات الطبية أو بيعها أو فتح محلا بـدون ترخيص يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز ثلاثة أشهر وبغرامـة لا تزيـد علـى عشرين جنيها مصريا أو بإحدى هاتين العقوبتين وفي جميـع الأحـوال يحكـم القاضي بإغلاق المحل ونزع لوحاتـه ومصادرة الأشياء المتعلقة بالمهنة (م٢٣ من القانون).

وكل مخالفة أخرى لأى حكم من أحكام القانون يعاقب مرتكبها بالحبس مدة لا تجاوز شهرا وبغرامة لا تزيد على عشرين جنيها أو بإحدى هاتين العقوبتين ويجب الحكم بمصادرة الأشياء محل المخالفة (م ٢٤ من القانون).

ويتضح مما سلف أن مزاول مهنة تجهيز وبيع النظـارات الطبية يـرتبط مع عميله بموجب عقد مقاولة، إلا أن التزامه هنا هو التزام بتحقيق نتيجـة، إذ يلتزم بموجبه أن يسلم العميل نظارة طبية طبقا للمواصفات التي قررها طبيب الرمد وما اتفق عليه بين الطرفين من مواصفات أخرى ومن ثم يسأل عـن أي خطأ أو تقصير في تجهيز النظارة إذا ترتب عليه ضرر للعميل.

وإذا صرف مزاول المهنة نظارة طبية بدون تذكرة طبية من طبيب رمـدي، أو أدخل أي تعديل على الوصف المبين بالتذكرة، أو أوقع الكشف الطبي على طالب النظارة أو غيره كان مزاولا لمهنة الطب بـدون تـرخيص ويخضـع للعقوبـة المنصوص عليها في القانون رقم 415 لسنة 1954 (المعدل) في شأن مزاولة مهنة الطب، وقد نصت المادة الأولى من هذا القانون صراحة على أن “وصف نظـارات طبية ” يعد من الأعمال الطبية التي لا يجوز مزاولتها بدون ترخيص.

(جريمة إفشاء الطبيب سر المهنة)

– النص القانوني :

المادة 310 من قانون العقوبات (معدلة بالقانون رقم ٢٩ لسنة ١٩٨٢). ” كل من كان من الأطباء أو الجراحين أو الصيادلة أو القوابل أو غيـرهم مودعا إليه بمقتضى صناعته أو وظیفتة سر خصوصي ائتمن عليه فأفشاه فـي غير الأحوال التي يلزمه القانون فيها بتبليغ ذلك يعاقب بالحبس مـدة لا تزيـد على ستة شهور، أو بغرامة لا تتجاوز خمسمائة جنيه.

ولا تسرى أحكام هذه المادة إلا في الأحوال التي لم يرخص فيهـا قـانون بإفشاء أمور معينة كالمقرر في المواد ۲۰۲ و ۲۰۳ و٢٠٤ و٢٠٥ من قـانـون المرافعات في المواد المدنية والتجارية .

وردت المادة السابقة في قانون العقوبات الباب التاسع الخاص بـ “القذف والسب وإفشاء الأسرار” من الكتاب الثالث الخاص بـ “الجنايات والجنح التـي تحصل لآحاد الناس”.

وإفشاء السر يعد من جرائم الأشخاص التي تصيبهم في شرفهم واعتبارهم حسب الأصل. وكتمان أسرار الغير ابتداء واجب خلقى تقتضية مبادئ الشرف والأمانـة. هذا فضلا عن أن من مصلحة المجتمع أن يجد المريض طبيبـا يـركن إليـه فيطمئن إلى سره لديه وأن يجد المتهم محاميا يطمئن إلـى سـكوته فيصـارحه بحقيقة أمره وهو ما يؤكد الثقة الواجبة في ممارسة المهن التي تقـدم خـدمات لأفراد المجتمع.

وواضح من النص المذكور أنه غير قاصر على الأطباء أو الجـراحين أو الصيادلة أو القوابل، إنما يسرى على كل من يؤتمن على السر بحكم مهنتـه أو صناعته وذلك بتفصيل ليس هنا محل دراسته.

ولكن نشير إلى ما قضت به محكمة النقض بتاريخ ١٩٥٣/٧/٢ طعن رقم 884 لسنة ٢٢ (جنائي) بأن :

“… لما كان ذلك وكان الشارع عندما وضـع المـادة 310 مـن قـانون العقوبات لم يعمم حكمها، بل إنه خص بـالنص طائفـة الأطبـاء والجـراحين والصيادلة والقوابل وغيرهم وعين الأحـوال التي حرم علـيهم فيهـا إفشـاء الأسرار التي يضطر صاحبها أن يأتمنهم عليها باعتبار أن طبيعة عملهم تقتضى هذا الاطلاع،

وهم في سبيل قيامهم بخدماتهم للجمهور فإنه لا يصح التوسع في هذا الاستثناء بتعميم حكمها إلى من عدا المذكورين في النص كالخـدم والكتبـة والمستخدمين الخصوصيين ونحوهم فهؤلاء لا يضطر مخدوموهم إلى اطلاعهم على ما يرتكبونه من أعمال مخالفة للقانون “.

– أركان الجريمة :

تتكون جريمة إفشاء سر المهنة الطبية من أربعة أركان هي :

1- ركن مادى يتمثل في فعل الإفشاء.

2- أن يكون الأمر الذي حصل إفشاؤه سرا.

3- أن يقع إفشاء السر من طبيب أو من في حكمه بحكم عمله.

4 – القصد الجنائي.

ونعرض لهذه الأركان بالتفصيل على النحو الآتى.

(الركن الأول)

(ركن مادي يتمثل في الإفشاء)

– المقصود بالإفشاء :

إفشاء السر هو كشفه واطلاع الغير عليه، بأي طريقة كانت سواء كان ذلك بالكتابة أو المشافهة أو الإشارة.

ولا أهمية للعلانية في إفشاء السر رغم أن المادة 310 عقوبات وردت في باب القذف والسب، فليست العلانية بشرط في هذه الجريمة.

فالإفشاء يتم بمجرد اطلاع شخص أو عدة أشخاص عليه بل إنه يقع قانونا ولو حصل لفرد واحد وطلب منه كتمانه أو الاحتفاظ به.

ولا عبرة بصلة الطبيب بهذا الفرد الواحد، فيكفي لتوافر ركن الإفشـاء أن يذكر الطبيب السر لزوجته أو لأحد من أفراد عائلته، ولو طلب الطبيب منهمـا كتمان هذا السر.

وقد نظرت أمام القضاء الإنجليزي في نهاية القرن التاسع عشر قضية ضد طبیب شهير بانجلترا، كان قد استدعى بسبب مهنته لفحص زوجة أخيه، وبعـد فحصها وجدها في حالة إجهاض وعالجها بالأساليب الطبية المتبعة، وعند فحص متحصلات الرحم ظن أن بها جنينا، وكان زوجها متغيبا من مدة طويلة فاعتقـد الطبيب عندئذ أنها سيئة السيرة،

فأخبر زوجته بذلك، وانتقل الخبر إلى أقربـاء آخرين اجتهدوا في إيقاف نفقاتها المقررة قانونا. فرفعت الزوجة دعـوى علـى الطبيب تطالبه بتعويض كبير.

ودفع الطبيب الدعوى بأن المسألة خاصة بشرف العائلة، فإفشاؤها لـذلك لأحد أفرادها مسموح به. ولكن القضاء لم يعر هذا الدفاع التفاتا، وحكـم عليـه بالتعويض .

ولا يباح الإفشاء ولـو من طبيب إلى طبيب، والحكمة في ذلك أن المريض لم يأتمن أي طبيب على سره، وإنما ائتمن طبيبا معينا.

ولكن لا يعد إفشاء لسر، إذا اجتمع أكثر من طبيب لفحص المريض وإبداء المشورة و الرأى فيما يحتاجه من علاج فيتداولون سره ويناقشون أمره، ذلك أن ما يبديه الطبيب لزميله أو رفاقه في مجلس المشورة أو ما يخوض فيه كلهم أو بعضهم من أسرار مريضهم في هذا المقام لا يعد سرا محظورا عليه،

فالطبيـب لم ينفرد بالاطلاع على السر والإفضاء به إلى سواه، وإنما وقـف عليـه هـو وزملاؤه جميعا، فأصبح الأمر دولة بينهم وأمانة في عنقهم كافة فمثل هذا الأمر الجماعي الذي ائتمنهم عليه سويا ذلك المريض لا يحول دون تناولهم له مـادام الأمر لا يخرج عن نطاقهم، وإنما لا يجوز لأحدهم أن يفضي به إلى فرد آخـر سواهم، ولو كان طبيبا بدوره. كما يمكن أيضا تبرير علة الإباحـة فـي هـذا فيما بين بعضهم البعض .

الخصوص برضاء المريض نفسه صاحب السر بتداول أطبائه إياه وإذاعتهم له

– وسائل الإفشاء :

يستوى في وقوع فعل الإفشاء وتحقق الجريمة إذا توافرت بـاقي أركانهـا، أن يكون الإفشاء شفويا أو كتابيا عن طريق إعطاء الغير شهادة أو تقرير يتضمن السـر، أو الإدلاء بشهادة أمام جهة إدارية أو قضائية، ما لم يجز القانون للطبيب ذلك.

لكن لا يعتبر إفشاء إعطاء صاحب السر تقريرا متضمنا ذلك السر كإعطاء الطبيب مريضه تقريرا عن مرضه ولا يعتبر إفشاء إعطاء ذلك التقرير لشخص كلفه صاحب السر بأن يحصل عليه نيابة عنه. وإذا ثبتت هذه النيابة فلا مسئولية على الطبيب إذا أفشى النائب السر الذي يتضمنه. ولا يتحقق الإفشاء إذا دون الملتزم بالكتمان السر لنفسه لكي يتناوله فيما بعد بالدراسة .

ومن صور الإفشاء كتابة نشر أسماء المرضى في كتب الطب أو المقالات الطبية أو نشر صورهم الفوتغرافية. فعلى الطبيب أن يحرص على عدم إذاعـة كل ما يمكن به التعرف على شخصية صاحب السر .

وليس في ذلك ما يتعارض مع تقدم العلوم الطبية، فإذا كـان تقـدم هـذه العلوم مرهونا ببحث الحالات الجديدة أو الشاذة التي تعرض على الأطباء فليس يعنيها بوجه عام معرفة أشخاص المرضى أو أسمائهم.

ولذلك يرى البعض أنه في الأحوال التي يتحتم البحث فيها عـن الأسـباب الوراثية للمرض أو الظروف المعيشية التي أدت إليه والتي لا غنى فيهـا عـن تصوير المريض وموطن الداء من جسمه، فإن الرغبة في خدمة العمل يجب أن تسمو على الاعتبارات التي من أجلها تقرر الاحتفاظ بسر المهنة .

ومن ذلك أيضا ما يجري في المستشفيات حيث يذكر في بطاقة على فراش المريض نوع مرضه وحالته، مما يمكن معه لجميـع مستخدمي المستشـفي وزواره الاطلاع عليه. ولاشك أن ذلك يعد إفشاء معاقبا عليه إذا أمكن إســناده إلى الطبيب أو إلى أحد مساعديه.

واقترح تخفيفا لمضار هذا الإجراء الأخذ بالنظام الفرنسي، حيـث يعطـى للمريض رقم يحل محل اسمه. ولا تعرف الأسـماء إلا لمسـتخدم واحـد فـي المستشفى أو أكثر حسب اتساع المستشفى، فيكون هذا مسئولا جنائيا عن إفشاء الأسرار .

– تحقق إفشاء السر ولو انصب على واقعة معروفة :

جرى القضاء الفرنسي على أنه يعد جريمة معاقبا عليها إفشاء السر ولـو انصب على واقعة معروفة مادامت غير مؤكدة، إذ أن محيط العامـة لا يعتمـد عليه كثيرا ومن الناس من لا يصدق ما يدور فيه، فإذا تقدم من ائتمن على السر وأفشاه فإنه يؤكد الرواية ويحمل المترددين على تصديقها .

ومتى أصبحت الواقعة مؤكدة زالت عنها صفة السر فترديـدها لا عقـاب عليه بمقتضى المادة 310، ولكن قد يعاقب عليها بمقتضى قانون آخر.

ومن صور إفشاء السر شفاهة الشهادة بـه أمـام السلطات القضـائية أو الإدارية، أو التبليغ عنه، حتى ولو كان السر عن جريمة وقعت ولا تزال محـل بحث السلطات وقد غلب القانون هنا واجب كتمان السر على واجب الشهادة أو التبليغ لمعاونة السلطات العامة على كشف الحقيقة. وذلـك إلا فـي الأحـوال الخاصة التي نص عليها القانون والتي سنتناولها في موضعها.

ولذلك نجد أن المادة 99 من قانون الإجراءات الجنائية مثلا، وهـى التـي تبيح لقاضي التحقيق أن يأمر الحائز لشيء يرى ضبطه أو الاطلاع عليه بتقديمه وإلا عد في حكم الممتنع عن الشهادة، استثنت صراحة مـن يخولـه القـانون الامتناع عن أداء الشهادة.

كما نجد المادة ٢٨٧ تنص على أن تسرى أمام المحاكم الجنائيـة القواعـد المقررة في قانون المرافعات (قانون الإثبات الآن) لمنع الشاهد من أداء الشهادة أو لإعفائه من أدائها .

– صور الإفشاء :

قد يكون الإفشاء صريحا – وهي الصورة المعتادة له – ويفترض الإفشـاء الصريح قدرا أدنى من التحديد والوضوح فيما يفضى به الطبيب. ومن ثم فـإن قولا يتسم بالغموض الشديد أو مجرد إجابة مبهمة على سؤال يستهدف في الحقيقة التهرب من الإجابة عليه لا يقوم بها الإفشاء .

أن يكون الإفشاء ضمنيا، ومثل ذلك أن يسمح الطبيب لشـخص كما يصح بأن يطلع على الأوراق التي دون فيها أسرار مرضاه.

ويستوى أن يكون الإفشاء تلقائيا أو غير تلقائي. ومثال الإفشاء غير التلقائي أن يكلف الطبيب بأداء الشهادة لدى القضاء، فلا يدفع بالإعفاء من الشهادة الذي يقرره له القانون ويفشي السر.

وقد يتخذ الإفشاء صورة الامتناع. ومثال ذلك أن يشاهد الطبيـب شخصـا يحاول الاطلاع على الأوراق التي دون فيها حالة المريض فلا يحول بينه وبين ذلك على الرغم من استطاعته.

وواضح أن هذا الامتناع مخالف لواجب قانوني. ومن ثم تتوافر له عناصر الامتناع في مدلوله القانوني. ولكن مجرد الصمت من جانـب الملتـزم بالكتمان إزاء سؤال وجه إليه لا يعتبر إفشاء. وإن أمكن أن يستخلص منه- على سبيل التخمين- نتيجة معينة. إذ أن هذا الصمت لا يناقض واجبا قانونيا .

ويجوز أن يكون الإفشاء غير مباشر، كأن يقبل الطبيب مهمتين تفتـرض إحداهما الإفضاء بالمعلومات التي حصل عليها من الأخـرى وكـان ملتزمـا بكتمانها.

وتطبيقا لذلك فإن الطبيب الذي عالج مريضا لا يجوز له أن يقبل أداء عمل من أعمال الخبرة في شأنه، إذ أن الخبرة تلزمه بأن يفضي بمعلومـات حصـل عليها بعلاجه هذا المريض كطبيب خاص .

ويذهب البعض إلى أن العرف قد يسيغ الإفشاء لاعتبــارات ذات صبغة قومية أو دولية كما في الحالات التي تصدر فيها نشرات طبية بمناسبة إصابة أو مرض أو وفاة رؤساء الدول والشخصيات البارزة في المجتمع الدولي.

أو تلـك التي تنشرها الهيئات والجمعيات الدولية المتخصصة، وهي بمعرض أداء واجبها تلبية لنداء الضمير الإنساني. فإنه لا وجه للعقاب على إفشاء السر الطبي في هذه الحالات ومثيلاتها .

– تحقق الإفشاء ولو كان جزئيا :

لا يتحقق الإفشاء بإفشاء السر جميعه فقط، بل يكفي الإفشاء الجزئـي، أي بإفشاء جزء من السر دون إفشاء باقيه(3). ولو كان الجزء الذي أفشى يسيرا.

ومثال ذلك أن يفضى الطبيب إلى الغير بواحد من أمراض عديـدة يعـاني منها المريض وإن لم يخطره في ذات الوقت بسـب إصـابته بـه أو مقـدار خطورته.

ويتحقق الإفشاء إذا كان الغير يعلم من قبل بكل ما أفضى بـه إليه الطبيب، ولكن كان علمه به على سبيل الشك ،فلما أكده له تحول علمه إلى علم يقينـي، ذلك أن إضافة اعتبار يزيد في تقدير الغير من صحة السر يعد اطلاعا له على أمر كان مجهولا لديه .

وقد قضى بأن مجرد ذكر دخول مريضة إلى مستشفى للولادة يعتبر إفشاء لسر المهنة، ولذلك فإنه يحق لمدير المستشفى أن يمتنع عن الإدلاء بشهادته في هذا الصدد .

بخلاف ما إذا كان المستشفى معدا لعلاج جميع الأمراض .

– متى ينتهى الالتزام بعدم الإفشاء ؟

الالتزام بكتمان السر الطبي مفروض على الطبيب طوال حياته ، فلا يجوز له أن يذكر شيئا عن مرض أحد مرضاه بعد وفاته. وللنيابة العامة رفع الدعوى الجنائية على الطبيب الذي يفشي سر المريض.

ويجوز لورثة هذا المتـوفى أن يقيموا الدعوى بطلب التعويض ضد الطبيب إذا حاق بهم ضرر من هذا الإفشاء كأن يثبت مثلا أن الإفشاء قد أصاب اعتباره الشخص هو نفسه بضرر، أو أنه أثار حوله شكوكا، أو أنه منعه من أن يجد عملا كان يستطيع أن يجده لولاه، أو أنه قد أقام عقبة ما في طريق مؤسسة له. فضلا عن ذلك فإن الضرر الأدبـي يكفي وحده لإعطاء الحق للوارث في رفع الدعوى .

وقد ذهب بعض الفقهاء إلى أحقية الوارث في رفع هذه الدعوى حتى ولو لم يمسسه ثمة ضرر استنادا إلى حقه في حماية ذكرى مورثه .

وقد ذهبت محكمة بيزانسون بتاريخ ١٨٩٩/٦/٧ إلى أن الطبيـب الـذي يقوم بعلاج مريض في مرض الموت لا يستطيع أن يذيع سبب موتـه دون أن خالف بذلك حكم المادة 378 عقوبات فرنسي التي فرضت سر المهنة بطريقـة مطلقة وجعلت منه أمرا متعلقا بالنظام العام .

(الركن الثاني)

(أن يكون الأمر الذي حصل إفشاؤه سرا)

– مضمون هذا الشرط :

يجب لتوافر جريمة إفشاء السر أن يكون ما أفشاه الطبيب سرا.

ولم يعرف القانون سر المهنة أو يبين ماهيته، وطبيعي فإن تحديده مسـألة تختلف باختلاف الظروف فما يعتبر سرا بالنسبة لشخص قد لا يعتبـر كـذلك بالنسبة لآخر، وما يعد في ظروف معينة سرا قد لا يعد كذلك في سواها.

وقد اختلف الفقهاء في تعريفه، فذهب البعض بأنه كل ما يعهد به المريض للطبيب على أنه سر .

ولكن جمهور الفقهاء على أنه لا ضرورة لأن يكون السر قد عهد به إلـى الطبيب. وأن السر يجب أن يشمل كل أمر يعد سرا بطبيعته. فالطبيـب يلـزم بالمحافظة على السر ولو لم يطلب صاحبه ذلك، بل ولو لم يدل به إليـه إدلاء، على خلاف ما يمكن أن يفهم من لفظ الإيداع الوارد بالنص. ولذلك يعد سرا كل أمر وصل إلى علم الطبيب عن طريق الخبرة الفنية، أو عن طريـق الظـن أو حتى المباغتة، ولو لم يذكر له المريض شيئا عنه .

وقيل في ذلك إنه لا يمكن القول بأن المرأة التي تكون قد صرحت للطبيب بأن يفحص أعضائها التناسلية، لا تكون قد عهدت إليه بشئ، لأنهـا بتسليمها

نفسها لمثل هذا الفحص بواسطة رجل فني، تكون قد عهدت إليه بكل ما يمكـن أن يحصل عليه من المعلومات نتيجة الأبحاث التي يقوم بها .

ومن حق المريض أن يعتمد دائما على سكوت الطبيب وكتمانه، في غيـر حاجة إلى أن يقول له بين كل حين وآخر أنه يعهد إليه بما لديه على أنه سر.

وقد استقرت على ذلك أحكام القضاء الفرنسي(۲)، فهي تعطى السر معنـى أكثر اتساعا وتدخل فيه المسائل التي تعد سرا بطبيعتها ولو لم يعهد بها المريض إلى الطبيب.

وقد ذهب البعض إلى أن السر هو ما يضر إفشاؤه بسـمعة المـريض أو كرامته

غير أن الرأي الغالب يذهب إلى أن السر قد يكون مشرفا لمن ير كتمانـة ومع ذلك يحميه النص

وقد ذهبت قلة من الفقهاء إلى أن العرف يقضى باعتبار بعض الأمـراض كالبرص والجذام والزهري من الأمراض التي لا يجوز إفشـاء سـرها لأنهـا بطبيعتها أمراض تدعو إلى النفور من المصاب بها مما يمس طمأنينة صاحبها.

ولا يغير من ذلك أن يكون لهذه الأمراض أعراضها الظاهرة. فإن معرفة هـذه الأعراض قد تفوت على الناس وإن لم تفتهم فقد لا يعرفون مأتاها .

وقد أخذت بهذا الرأي محكمة النقض المصرية في حكم لها صادر بتاريخ 2 فبراير سنة ١٩٤٢ قضت فيه بأن القانون لم يبين معنى السر وترك الأمـر لتقدير القضاة.

فوجب أن يرجع في ذلك إلى العرف وظروف كل حادثة علـى انفرادها. وبالنسبة لظروف الحادثة موضوع الدعوى فقد جرى العرف على أن مرض الزهري والسل هما المرضان اللذان يجب على الطبيـب أن لا يفشـى الرجال سرهما.

أما مرض البواسير فهو لا يعتبر سرا خصوصا إذا كان المريض من ولا يوافق معظم الفقهاء على ذلك التقسيم لأنه يؤدى إلـى تـرك ناصـية التحديد لمشيئة الطبيب وتقديره مع أنه لا يستطيع أن يتنبأ مقـدمـا بمـا سـوف يترتب على الإفشاء من آثار بالنسبة للمريض وأنه ينبغي ألا يفضى الطبيب الترخص في شأنه بالمرض مهما كان يسيرا ولا يصح أن يبوح به ولو كان العرف قد جرى على والتهوين من أمره، كما في حالات الرشح ونـزلات البـرد الطفيفة وما يشبه ذلك.

إن الطبيب ليس هو صاحب السر حتى يناط به تقدير مقتضيات إفشائه أو إمساكه، وإنما رب ذلك السر هو المريض نفسه، وما لم يأذن لطبيبه بإعلانه فلا يجوز له ذلك.

ولا يقدح في هذا النظر ما قد يذهب إليه عرف بعض الناس من حط وصف السر عن أمراض بعينها، مادام المرضى بها يعتبرونها خلافا لذلك من قبيل الأسرار. فنعت السر الطبي يدور وجودا وعدما مع نظـرة المـريض إليه، بغض النظر عما يراه المجتمع أو يرتاب الطبيب بشأنه.

فقـد لا يصـطبغ (الزكام) مثلا في مفهوم الجماعة بصفة السر، في حين أن إفضاء الطبيب به قد يضر بالمريض إذا كانت طبيعة عمله تتأثر ولو مؤقتا بحاسة الشم لديه .

ولا يقتصر السر على ما يصل إليه الطبيب من نتائج إيجابية بل قد يكـون في الأمر سر ولو كانت نتيجة الفحص سلبية، فالطبيب الذي يـذكر أن الزائـر خال من أي مرض يفشي في ذلك سرا. وإن كان القضاء يعتبر هذا من مبررات الرأفة بالمتهم .

وهذا فضلا عن أن احتمال وقوع الضرر متصور في حالة النتائج السلبية كما ما في تلك الإيجابية سواء بسواء فالطبيب الذي يذكر أن مريضه لا يشكو مـن شيء وأن حالته الصحية ممتازة قد يضر بمصلحة هذا المريض إذا كان يـدعى مثلا عدم قدرته على القيام بعمل معين أو أن ظروفه الصحية تقتضى تغيير نوع عمله أو مكانه .

وتقرير أن شخصا لا يعاني من مرض معين قد يستخلص منه عن طريق الخبرة الفنية أنه يعاني من مرض آخر مثال ذلك شخص تبدو عليـه أعراض مرضين فإعطاؤه شهادة سلبية في شأن أحدهما يعني بالضرورة أنـه يعاني من الآخر .

وبتطبيق ذلك على الأمراض العقلية قضت محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 29 مارس ۱۹۲۷(۹) بوجوب استبعاد الشهادة المقدمة من طبيب بتحديد المرض العقلي لعميله على اعتبار أن الطبيب لم يصل إلـى معرفـة ذلـك إلا بفضـل العلاجات التي قام بها لهذا العميل. وذلك على خـلاف الشهادة التي تقـرر أن العميل سليم القوى العقلية، طالما أن هذه الشهادة لم تحدد مرضا.

ويبدو من ظروف الحال أن سلامة القوى العقلية للمريض لم يعهد بها إلى الطبيب باعتبارها سرا، كما أنها ليست سرا بطبيعتها .

وسر المهنة الطبية كما يرجع إلى الحالة الحاضرة للمريض، فهو يرجع كـذلك إلى مستقبله، فلا يجوز للطبيب أن يذكر شيئا عن خطورة المـرض أو احتمـالات الشفاء.

كما أن السر يمتد أيضا إلى الوقائع والظروف التي يحدث فيها المـرض أو الوفاة. وقد ضرب مثلا برجل توفى فجأة في غرفة امرأة لم يكن يصح أن يـذهب إليها. وذكر أن واجب الطبيب الذي يدعى في هذه الحالة يقتضية أن يذكر للسـلطات الظروف التي حدثت فيها الوفاة. ولكن يجب أن يعمل الترتيب اللازم بمساعدة رجال البوليس على إخطار أسرة المريض بأن الوفاة حدثت في الطريق العام .

ولا يشترط لتوافر الجريمة وقوع ضرر من إفشاء السر، فالضـرر ركـن لقيام المسئولية المدنية فحسب، فلا ينظر إلى الضرر من ناحية المجنى عليه بل تعتبر الجريمة متوافرة أركانها متى حصل الإضرار بالمصلحة العامة التي أريد بالنص حمايتها، فلا يخفى كما ذكرنا سلفا أن السر قد يكون مشرفا لمـن يريـد كتمانه ومع ذلك جرمته المادة 310 عقوبات

وقد استندت بعض الآراء في اشتراط الضرر إلى وضع الشـارع جريمـة إفشاء الأسرار بين الجرائم الماسة بالشرف والاعتبار.

وعيب هذه الآراء أن الواقعة التي يحرص المجنى عليه على كتمانها قـد تكون مشرفة له .

(الركن الثالث)

(أن يقع إفشاء السر من طبيب أو من في حكمه بحكم عمله )

– مضمون الركن :

عينت الفقرة الأولى من المادة 310 عقوبات بعض طوائف يسرى عليهـا حظر إفشاء الأسرار فقالت: “كل من كان من الأطباء أو الجراحين أو الصيادلة أو القوابل”، ثم أردفت قائلة: “أو غيرهم مودعا إليه بمقتضى صناعته أو وظيفته سر خصوصی ائتمن عليه”.

فقد حرص الشارع في هذه الفقرة على توجيه خطابه صراحة إلى الأطباء والجراحين والصيادلة والقوابل، ثم أردف هذا الخطاب بقوله أو (غيرهم) فـدل بذلك على أن ذكر الأطباء ومن في حكمهم لم يكن على سبيل الحصر، بل يتسع النص ليشمل مدلوله سواهم وينعطف على غيرهم. فيشمل النص جميع الموظفين وأصحاب المهن الذين تقتضى وظائفهم أو مهنهم بتلقى أسرار الغير بسبب مـا يقومون به من الأعمال خدمة للجمهور. وترك النص للقضاء تحديد هؤلاء.

وقد رأينا أن محكمة النقض أخرجت من دائرة النص الخدم والكتبـة والمستخدمين الخصوصيين ونحوهم لأن مخدوميهم لا يضطرون إلى اطلاعهـم علـى مـا يرتكبونه من أعمال مخالفة للقانون.

وقد أردف الشارع إشارته إلى “الأطباء” ذكر “الجراحين” مع أن الجراحين نوع من الأطباء، ويكشف ذلك عن قصد الشارع أن يحيط بالأطباء كافة علـى اختلاف تخصصاتهم، بما في ذلك أطباء الأسنان، ولكن لا يدخل في نطاق النص الأطباء البيطريون .

وقد أشار الشارع إلى “القوابل” ويستخلص من ذلك قصد الشارع أن يشـير إلى جميع الأشخاص الذين يباشرون طبقا للقانون عملا طبيا وأن يكـون ذلـك محصورا في عمل أو أعمال محدودة، فيخضع للنص بناء على ذلـك ” حـلاق الصحة” في حدود ما رخص له به القانون .

غير أنه قد أثير الخلاف حول مدى التزام من يعاونون الأطبـاء بكتمـان سـر المهنة أسوة بهم مثل مساعدي الأطباء والممرضين والفنيين وكتبة المستشفيات ومدير المستشفى وطلاب كلية الطب وصانعي الأسـنان والنظـارات الطبيـة والأطـراف الصناعية فذهبت القلة إلى عدم تقيد هؤلاء بالكتمان رغبة في عدم التوسع في أحـوال المنع من الشهادة، وأخذا بقاعدة التفسير الضيق في المواد الجنائية .

غير أن الرأي الغالب يذهب إلى أن واجب الكتمان ينطبق على كل هـؤلاء باعتبارهم أمناء على السر بحكم الضرورة فالالتزام بعدم إفشاء السر يمتد إلـى كل من يتصل بالأطباء وتكون له فرصة الاطلاع على السر.

ذلك أن القول بغير ذلك لا يتفق وقصد المشرع في المحافظة على أسرار المهنة وحمايتها بسياج منيع وهو ما يتطلب حتما امتداد نطاق التأثيم إلى هؤلاء الذين يتصلون بحكـم الضرورة بالأطباء ومن في حكمهم إبان مباشرتهم لعملهم أو بمناسبته ويقفـون على السر بدورهم ومن مصلحة المريض نفسه أن يشرح لهم الطبيب حالته، فإن كانوا في حل من إباحة السر أصبح النص قليل الفائدة إذ ما يحرم على الطبيب يمكن أن يحل لمساعديه .

وليس من الضروري أن يكون الطبيب مرخصا له بمزاولة المهنة فهو يلزم بالمحافظة على سر المهنة ولو كان يزاولها بغير ترخيص ذلك أنه ينبغي في مفهوم النص أن يكون الأمين بمقتضـى صـناعته أو وظيفتـه موضـع ثقـة بالضرورة على السر فلا يطلع عليه أحدا، يستوى في ذلك أن يكون مأذونـا أو غير مأذون في ممارسة المهنة حاصلا أو غير حاصل على المؤهل العلمـي أو المسوغ اللازم لاستصدار مثل هذا الترخيص ويجزئ في هذا المقام مزاولتـه عمل الصنعة أو المهنة فعلا .

وواضح أن الالتزام بعدم الإفشاء قاصر على السر الذي يعلمه الطبيب ومن في حكمه بمقتضى مهنته. أما الأسرار الخارجة عن المهنة مما يصل الطبيـب ومن في حكمه إلى معرفته عرضا، ليس بوصفه طبيبا، بل بوصـفه شخصـا عاديا، فإن الطبيب لا يلزم بكتمان هذه الأسرار ولا يعاقب على إفشائها.

بل قـد يكون هذا الإفشاء من واجبه في بعض الأحيان. وقد قضى في فرنسا بأنـه لا استبعاد شهادة الطبيب الذي كان صديقا للمتوفى لمجرد أنه طبيب، طالمـا يصح أن هذه الشهادة لا تتعلق بأمور وصلت إلى علمه بصفته طبيبـا، بـل بصـفته شخصا عاديا بصرف النظر عن مهنته الطبية. بل إن الواجـب يقضـى علـى الطبيب في هذه الحالة بأن يبلغ بما وصل إلى علمه من هذا القبيل .

 (الركن الرابع)

(القصد الجنائي)

– تطلب توافر القصد الجنائي العام :

لا تعاقب المادة 310 على إفشاء الأسرار إلا إذا كان ذلك الإفشاء صـادرا عن قصد جنائي. ويتمثل هذا القصد في إفشاء الطبيب السر عن عمد عالما بأنه يفشى سرا لم يفض به إليه أو يصل إلى علمه إلا عن طريق مهنته فإذا اعتقـد الطبيـب أن الواقعة ليست لها صفة السر، كما لو اعتقد الطبيب أن المرض أو العجز اليسير ليس سرا فأذاعه أو اعتقد الطبيب أنه ليست للسر صلة بمهنتـه، أو اعتقـد أن المجنى عليه راض بإفشاء السر إلى شخص معين،

كما لـو ظـن الطبيـب أن المريض راض بإخطار زوجته بمرضه فأفضى به إليها، فإن القصـد الجنـائي ينتفي في جميع هذه الحالات. وغنى عن البيان أن الجهل أو الغلط الذي ينفـى القصد هو- تطبيق للقواعد العامة- ما تعلق بالوقائع أو بالتكييف القانوني غيـر الجنائي، أما إذا تعلق بالتجريم في ذاته فهو لا ينفي القصد. فإذا كان الطبيب يعلم

أن للواقعة صفة السر المهني، ولكنه يعتقد أن مهنته ليست من المهن التي يلتزم أفرادها بكتمان السر أو يعتقد توافر سبب إباحة لا يعترف به القانون فإن القصد يعد على الرغم من ذلك- متوافرا لديه .

ويتعين أن تتجـه إرادة المتهم إلى فعل الإفشاء وإلى النتيجة التي تترتـب عليه، وهي علم الغير بالواقعة التي لها صفة السر، وفي تعبير آخر فإنه يتعـين أن تتجه إرادة المتهم إلى الفعل الذي يمكن به الغير من أن يعلـم بالواقعـة وأن كذلك إلى توفير هذا العلم لديه .

وبالترتيب على ذلك لا يتوافر القصد الجنائي إذا أفشى الطبيب السر بإهمال منه أو عدم احتياط في المحافظة عليه أو كتمانه. فالطبيب الذي يترك سهوا في مكان غير أمين معلومات سرية عن أحد مرضاه، فاطلع عليها الغير عرضا، لا يكون مرتكبا لجريمة الإفشاء.

ولكن عدم مسئولية الطبيب جنائيا في هذه الحالة لا يمنع من الحكم عليـه بالتعويض إذا ما ترتب على إفشاء السر ضرر بالمريض أو ذويه .

– لا يشترط توافر نية الإضرار لدى الطبيب :

أثير خلاف هام حول ما إذا كانت جريمة إفشاء السر تستلزم قصدا خاصـا هو نية الإضرار بصاحب السر أم لا تستلزمه.

فذهب جانب من الفقه الفرنسي منذ عهد بعيد إلى القول بأن نية الإضرار هذه شرط لا غنى عنه لقيام الجريمة. لأنه إذا اختفت نية الإضرار فمقتضى ذلك أن صاحب النبأ لا يعتبره سرا، ولأن المشرع أورد جريمة الإفشاء فـي بـاب القذف والسب والبلاغ الكاذب، وهي جـرائم يتطلـب للعقـاب عليهـا قصـد الإضرار.

ومن ثم فإن هذه الجرائم جميعا قسائم متساوية في اقتضـائها نيـة الإضرار شرطا جوهريا لقيام القصد الجنائي.

وقد أخذت بهذا الرأى محكمة النقض الفرنسية في حكم لها صادر بتـاريخ 23/7/1830 إلا أن محكمة النقض الفرنسية عدلت عن هذا القضـاء ونبـذت فكرة الضرر في حكمها الصادر سنة ١٨٨٥ في القضية المعروفة باسم قضـية واتيلية watelet وتتلخص ظروف هذه القضية في أن مصورا يدعى باســتيان ليباج Bastien- Lepage أصيب بمرض في الخصية وقـام علـى علاجـه صديقه الدكتور ” واتيلية”.

ولما اشتدت وطأة المرض على المـريض اسـتعان الطبيب بزميليه الجراح مارشان، وفورنييه الأخصائي في الأمراض التناسلية.

وقد اتفقت آراء الأطباء الثلاثة على أن المريض مصاب بنوع من السـرطان. وأن الحالة تقتضى عملية جراحية لا تشفى المريض كلية، ولكن يمكن أن توقفه فترة من الزمن. وأجريت العمليـة فعـلا واتضـح مـن البحـث التشـريحي المكرسكوبي صحة التشخيص وقد تحسن المريض. ولكنه لم يلبث حتى شـعر بآلام في البطن،

فعاد إلى باريس لاستشارة طبيبه الدكتور واتيلية، وبعد استشارة بين هذا وبين الدكتور بوتان، وافق الطبيبان على سفر المـريض إلـى بـلاد الجزائر كطلبه ليبعد عن برد فرنسا. غير أنه لم يمكث هناك غير بضعة أيـام حتى شعر باشتداد وطأة المرض عليه، فعاد إلى باريز حيث أسلم الروح.

وقـد حدث بعد موته أن نشرت صحيفة الفولتير مقالا تتهم فيه الدكتور واتيلية بأنـه أرسل مريضه باستيان ليباج المذكور إلى بلاد الجزائر، وهو يعلـم أن طقـس الجزائر يضر بصحته، وذلك لأجل أن يتخلص منه بالموت، ويخفى بذلك خطـأ ارتكبه في علاجه، بإجراء عملية جراحية لم تكن تقتضيها حالة مرضه، الـذي ذكرت الجريدة ما يفيد أنه كان الزهري ولم يكن السرطان. فلما قـرأ الـدكتور واتيلية هذا المقال، أراد أن يدفع هذا الاتهام عن نفسه وعـن شـرف صـديقه المتوفى، فكتب رسالة إلى جريدة الماتان يدافع فيها عن نفسه ويشرح حقيقة مـا حصل.

ووجدت النيابة في هذا الرد ما يعد إفشاء لسر المهنة فقـدمت الـدكتور و أتيلية للمحاكمة. وقضى بإدانته ابتدائيا واستئنافيا. فطعن في الحكـم بطريـق النقض مستندا فيما استند إليه إلى عدم وجود نية الإضرار من جهتـه. ولكـن محكمة النقض قضت برفض الطعن مقررة أن المادة 378 (المقابلة للمادة 310 مصری) جاءت بنص عام مطلق يعاقب على كل إفشاء لسـر المهنـة بـدون اشتراط لنية الإضرار.

وأن الشارع عندما فرض المحافظـة علـى الأسـرار كواجب من واجبات المهنة، فإنه قد رمى بذلك إلى توكيد الثقـة الواجبـة فـى ممارسة بعض المهن، وإلى ضمان راحـة الأسر التي يمكن أن تؤدى بهـا الثقة الاضطرارية إلى الإباحة بأسرارها. ولا يمكن تحقيق ممارسة هذه المهـن

إذا كان القانون يقتصر على عقاب الإفشاء الذي يرجع إلى سوء النيـة، تاركا الإفشاءات الأخرى بغير عقاب. ولذلك فإن الجريمة تعتبر موجـودة طالمـا أن الإفشاء يحصل عن علم بصرف النظر عن نية الإضرار .

وينطبق هذا الحكم أيضا على الإفشاءات السلبية. وقد استقر الفقه في مصر على هذا المبدأ

ومتى توافر القصد الجنائي العام على الوجه المتقدم بيانـه، فـلا عبـرة بالبواعث أو الأغراض، فإفشاء السر لا يباح ولو كان الغرض منه درء مسئولية أدبية أو مدنية.

فإذا تعرض الطبيب لما يمس سمعته وينال من كرامته – كما رأينا- فليس له أن يذيع شيئا من الأسرار التي بلغته بحكم مهنته كطبيب، إذ أن نص المـادة 310 قد وضع لصالح عام فلا تبرر مصلحة شخصية الإفلات من حكمه. وإنما يكون في مقدور الطبيب أن يرفع دعوى قذف وتعويض ضد من عرض به بغير إفشاء لتلك الأسرار التي وقف عليها بوصفه طبيبا، وإذا سألته المحكمة تفصيلا لدعواه أو مزيدا من معلومات فله أن يعتصم بسر المهنة وقد ذهب البعض إلى أنه إذا استلزم الأمر بعض التفصيل فليكن ذلك فى جلسة سرية أو غرفة المشورة أو في مذكرات .

غير أن البعض – بحق- لا يوافق على هذا الرأي لأن فيه إذاعة للسر على كل حال. وأن القاضي لاشك سيحمد للطبيب التزامه جانب الصـمت، ويأخـذ بأقواله إذا كانت الاستشارات والزيارات ثابتة في دفتر زياراته وكانت مطابقـة لما جاء في عريضة دعواه .

وكذا إذا طالب الطبيب بأتعابه أمام القضاء، وكان القضاء له يحتـاج إلـى بعض التفاصيل فلا يجوز له الإفشاء بسر المريض.

ويرى البعض أنه لا يصح ذكر نوع المرض صراحة في أوراق الـدعوى بل يكتفى بالإشارة الخفيفة التي يمكن أن يفهم منها القضاة من بين السطور .

وقد قضت محكمة هامبورج في ألمانيا بإدانة طبيب بتهمة إفشاء الأسـرار لأنه قدم للمحكمة عن طريق محاميه في قضية أتعاب، رسائل كتبهـا لـه زوج امرأة كان يعالجها، وكانت هذه الرسائل تحتوى على تفاصيل خاصـة تتعلـق بالزوجة.

وقالت المحكمة في حيثيات حكمها إن نص المادة 378 وضع لصالح كان حسن النية.

عام، فلا يجوز لطبيب في سبيل مصلحته المادية أو الشخصية أن يخالفه ولـو وقضت محكمة بروكسل كذلك في ۲۸ مارس ۱۹۰۰ بإدانة طبيـب كـان يعالج مريضه الذي أظهر رغبته في إخفاء سر مرضه عن أبيه، ولكن الطبيـب في سبيل الحصول على أتعابه أفضى إلى الأب بمرض ابنه الذي كان يعالجه.

ولكن لا يعد إفشاء للسر ما يمكن أن يبديه الطبيب في صدد الـدفاع عـن نفسه عن وقائع تتعلق بالحالة المرضية للمريض الذي كان يعالجه، إذا رفعـت عليه دعوى نسب إليه فيها خطأ في العلاج الذي أجراه له. فإن حقه فـى دفـع المسئولية عن نفسه، سواء من الناحية الجنائية أو المدنية، يحله مـن التزامـه بالمحافظة على السر و الطبيب هو صاحب الرأي في تقدير ذلك .

ولا توافق قلة من الفقهاء على هذا الرأي بمقولة أن كتمان السر الطبي قد شرع لصالح عام تغيا الشارع من وراء فرضه ضرب حظر عام على الأسرار الطبية لا يسوغ معه التحلل منها بدعوى درأ المسئولية المدنية أو الجنائية، طالما أنه في مقدور الطبيب دفعا لهما أن يحتج بسر المهنة فحسب .

– عقوبة الجريمة :

يعاقب على جريمة إفشاء سر المهنة الطبية بالحبس مدة لا تزيد على سـتة شهور أو بغرامة لا تتجاوز خمسمائة جنيه مصرى. فلا يوقع على الجـاني إلا إحدى هاتين العقوبتين فقط. والحد الأدنى لعقوبة الحبس أربع وعشرين ساعة (م18 عقوبـات) والحـد الأقصى لها ستة شهور.

والحد الأدنى للغرامة مائة قرش (م۲۲ عقوبـات) والحـد الأقصـى لهـا خمسمائة جنيه. ويجوز للمحكمة أن تأمر في نفس الحكم بإيقاف تنفيذ العقوبة إذا رأت من أخلاق المحكوم عليه أو ماضيه أو سنه أو الظروف التي ارتكب فيها الجريمة ما يبعث على الاعتقاد بأنه لن يعود إلى مخالفة القانون. ويجب أن تبين في الحكـم أسباب إيقاف التنفيذ.

ويجوز أن يجعل الإيقاف شاملا لأية عقوبة تبعية ولجميع الآثار الجنائيـة المترتبة على الحكم (م55 عقوبات).

ويصدر الأمر بإيقاف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات تبدأ من اليوم الـذي يصبح فيه الحكم نهائيا (م1/56 عقوبات).

والجريمة جنحة دائما.

– تسبيب حكم الإدانة :

يتعين أن يتضمن حكم الإدانة بيانا واضحا للواقعة التـي أفشـاها المـتهم والمهنة التي يمارسها (مهنة الطب) وفعل الإفشاء الذي صدر عنه.

فبيان الواقعة يتيح لمحكمة النقض أن تتحقق من صفتها كسر، وبيان المهنة يتيح لها أن تتحقق من الطبيعة المهنية للسر ومن أن هذه المهنة هي إحدى المهن التي يلتزم أفرادها بكتمان السر.

ولا تلتزم محكمة الموضوع بالتحدث عن القصد اسـتقلالا. فـإذا أثبتت أن للواقعة صفة السر افترض علم المتهم بذلك، والأصل في فعل الإفشاء أنه إرادي، ولا تلتزم المحكمة من باب أولى أن تتحدث عـن البواعـث إلـى الجريمة.

ولكن إذا دفع المتهم بانتفاء القصد لديه كـان هـذا الـدفع جوهريـا، والتزمت المحكمة بالرد عليه ردا مدعما بالدليل، وكذلك الحال إذا دفع بتـوافر سبب للإباحة

الحالات التي يجب أو يجوز فيها إفشاء سر المهنة الطبية

يسرى على إفشاء أسرار المهنة الطبية جميع أسباب الإباحة التي يعتـرف بها القانون، ومن ثم فإن حالات إفشاء السر هي كافة الحالات التي تتوافر فيهـا أسباب الإباحة ولكن لبعض هذه الحالات أهمية خاصة في هذه الجريمة، أو تثير بعض مشاكل تقتضي أن يوضع تنظيم خاص لها. ومن ثم نتناول أهم هذه الحالات فيما يلي.

– الحالة الأولى :

تنفيذ أمر القانون أو استعمال حق يقرره :

رأينا أن المادة 310 عقوبات بعد أن جرمت في فقرتها الأولى إفشاء سـر المهنة. أردفت في فقرتها الثانية أنه لا تسرى أحكام هذه المادة إلا في الأحـوال التي لم يرخص فيها قانون بإفشاء أمور معينة.

ويمكن إسناد هذه الإباحة إلى المادة 60 من قانون العقوبات وإلى المبـادئ العامة في القانون التي تأبى أن يتناقض الشارع، وهو ما يتحقق إذا ما عاقـب على ما أمر أو رخص به.

ووفقا للمبادئ العامة في القانون فإنه لا يشترط أن يتضمن تقرير هذا الأمر أو الحق نص في قانون العقوبات أو القوانين المكملـة له بل يجوز أن يقرره نص في قانون غیر جنائي، ويجوز أن يكـون مصـدره العرف أو المبادئ القانونية العامة، وسند ذلك أن النظام العام في الدول هو كل متسق فلا يجوز أن يكون ثمة تناقض بين أجزائه .

وعلى ذلك فإن النصوص التي تجيز أو توجب الإفشاء وردت في قـوانين شتى. ونكتفي هنا بإيراد أمثلة لها. ومن بين ذلك.

(1) الإبلاغ عن المواليد :

أوجبت المادة 14 من القانون رقم ١٢ لسنة ١٩٩٦ بإصدار قانون الطفـل التبليغ عن المواليد خلال خمسة عشر يوما من تاريخ حدوث الولادة(‘)، ويكون التبليغ على النموذج المعد لذلك إلى مكتب الصحة في الجهة التي حدثت فيهـا الولادة إذا وجد بها مكتب أو إلى الجهة الصحية في الجهات التي ليسـت بهـا مكاتب صحة أو إلى العمدة في غيرها من الجهات، وذلك على النحو الذي تبينه اللائحة التنفيذية… الخ.

وحددت المادة 15 من القانون الأشخاص المكلفين بالتبليغ عـن الـولادة بأنهم:

1- والد الطفل إذا كان حاضرا.

2- والدة الطفل شريطة إثبات العلاقة الزوجية على النحـو الـذي تبينـه اللائحة التنفيذية. من الأماكن التي تقع فيها الولادات.

3- مديرو المستشفيات والمؤسسات العقابية ودور الحجر الصحى وغيرها

4 – العمدة أو الشيخ.

كما يجوز قبول التبليغ ممن حضر الولادة من الأقارب والأصهار البالغين حتى الدرجة الثانية على النحو الذي تبينه اللائحة التنفيذية. ويسأل عـن عـدم التبليغ في المواعيد المقررة المكلفون به بالترتيب السابق، ولا يجـوز قبـول التبليغ من غير الأشخاص السابق ذكرهم… إلخ .

وقد رصدت المادة (٢٣) من القانون عقوبة على مخالفة أحكـام المـادتين سالفتي الذكر هي الغرامة التي لا تقل عن عشرة جنيهات ولا تجاوز مائة جنيه.

وواضح من المادة (15) أن مدير المستشفى لا يلتزم بالتبليغ عن الميلاد إلا في حالة عدم وجود الأب والأم أو كانت الأم حاضرة ولـم تثبـت العلاقـة الزوجية على النحو الذي تبينه اللائحة التنفيذية.

فإذا قام مدير المستشفى بالإبلاغ على هذا النحو فإنه لا يرتكب جريمـة إفشاء سر المهنة.

(۲) الإبلاغ عن الوفيات :

ينظم الإبلاغ عن الوفيات القانون رقم 143 لسنة ١٩٩٤ في شأن الأحوال المدنية. :

فأوجبت المادة 35 من القانون التبليغ عن الوفيات إلى مكتب الصحة فـي الجهة التي حدثت فيها الوفاة أو إلى الجهات الصحية التي يحددها وزير الصحة بقرار منه في الجهات التي ليس بها مكاتب صحة، أو إلى العمدة أو الشيخ فـى غيرها من الجهات، وذلك خلال ٢٤ ساعة من تاريخ الوفاة أو ثبوتها… الخ.

وحددت المادة 36 الأشخاص المكلفين بالتبليغ عن الوفاة على الترتيب وهم:

1- أصول أو فروع أو أزواج المتوفى.

2- من حضر الوفاة من أقارب المتوفى البالغين.

3- من يقطن في مسكن واحد مع المتوفى من الأشخاص البالغين.

4- الطبيب المكلف بإثبات الوفاة.

5- صاحب المحل أو مديره أو الشخص القائم بإدارته إذا حدثت الوفاة في مستشفى أو عيادة خاصة أو ملجأ أو فندق أو مدرسة أو مؤسسة عقابية أو ربان السفينة أو قائد الطائرة أو المشرف على وسيلة السفر أو أى محل آخر.

ولا يقبل التبليغ من غير المكلفين به.

وقد رصدت المادة (66) من القانون عقوبـة على مخالفة حكم المـادة (35) سالفة الذكر هي الغرامة التي لا تقل عن مائة جنيه ولا تزيد على مائتي جنيه.

وواضح أن الطبيب المكلف بإثبات الوفاة لا يلزم بالتبليغ عن الوفاة إلا عند عدم وجود أحد ممن يسبقونه في الترتيب الوارد بالمادة (36) سالفة الذكر، وكذا مدير المستشفى أو الشخص القائم بإدارته، وهو تال في الترتيب للطبيب المكلف بإثبات الوفاة.

(3) الإبلاغ عن الأمراض المعدية :

تنص المادة الأولى من القانون رقم 137 لسنة 1958 (المعدل) في شـأن الاحتياطات الصحية للوقاية من الأمراض المعدية على أن:

” يعتبر مرضا معديا كل مرض من الأمراض الواردة بالجدول الملحق بهذا القانون ولوزير الصحة العمومية – بقرار منه أن يعدل في هذا الجـدول بالإضافة أو الحذف أو بالنقل من قسم إلى آخر من أقسام الجدول”.

وتنص المادة ١٢ على أنه ” إذا أصيب شخص أو اشتبه في إصابته بأحـد الأمراض المعدية وجب الإبلاغ عنه فورا إلى طبيب الصحة المختص.

أما في الجهات التي ليس بها طبيب صحة فيكون الإبلاغ للسلطة الإداريـة التي يقع في دائرتها محل إقامة المريض”.

وتنص المادة 13 على أن: “المسئولون عن التبليغ المشـار إليـه بالمـادة السابقة هم على الترتيب الآتي:

(أ) كل طبيب شاهد الحالة.

(ب) رب أسرة المريض أو من يعوله أو يأويه أو من يقوم على خدمته.

(ج) القائم بإدارة العمل أو المؤسسة أو قـائد وسيلة النقل إذا ظهر المرض أو اشتبه فيه أثناء وجود المريض في مكان منها.

(د) العمدة أو الشيخ أو ممثل الجهة الإدارية.

وقد رصدت المادة (٢٥) من القانون عقوبة على مخالفة المادتين سـالفتي الذكر هي الغرامة التي لا تقل عن جنيه ولا تتجاوز عشرة جنيهات أو بـالحبس لمدة شهر فإذا كان المرض من القسم الأول تكون العقوبة غرامة لا تقـل عـن خمسين جنيها ولا تتجاوز مائة جنيه أو الحبس مدة شهرين. وذلـك مـع عـدم الإخلال بأية عقوبة أشد يقضى بها قانون العقوبات أو أي قانون آخر.

(4) الإبلاغ عن الأمراض الزهرية :

تنص المادة الأولى من القانون رقم 158 لسنة 1950 بمكافحة الأمـراض الزهرية على أن: “يقصد بالأمراض الزهرية في تطبيق هذا القانون الزهري في أدواره المعدية والسيلان والقرحة الرخوة في أي جزء من أجزاء الإنسان”.

وتنص المادة الثانية على أن: “يجب على كل مـن علـم بإصـابته بأحـد الأمراض الزهرية أن يعالج نفسه لدى طبيب مرخص له بمزاولة المهنة”.

وتنص المادة الثالثة على أن: “إذا غير المريض الطبيب المعالج وجب عليه إخطاره بذلك وعليه أن يبلغ الطبيب الجديد عن اسم الطبيب السابق”.

وتنص المادة الرابعة على أن: “على الطبيب المعالج أن يحتفظ لديه بسجل يدون فيه بخط يده أسماء المصابين بأحـد الأمـراض الزهريـة وصـناعتهم وعنوانهم ونوع المرض ودرجته وتاريخ بدء العلاج ونوعه ونتيجـة العـلاج ويكون لكل مريض رقم سرى ويجب ختم هذا السجل بخاتم مكتب صحة الجهة وترقيمها منه.

ويكون لمفتش صحة المحافظة أو المديرية في كل وقت الاطلاع على هذا السجل بحضور الطبيب”.

وتنص المادة الخامسة على أن: “على كل طبيب أن يبلـغ تفتيش صـحة المحافظة أو المديرية في نهاية كل شهر عن عدد الأشخاص الذين تقدموا إليـه للمعالجة في خلال الشهر ووجدوا مصابين بأحد الأمراض الزهرية مـع بيـان الأرقام السرية المعطاة لكل منهم في السجل وذلك على الاستمارات التي تضعها وزارة الصحة العمومية لهذا الغرض.

وتقيد هذه التبليغات في دفتر خاص بمكاتب التفتيش”.

وتنص المادة الثامنة على أن: ” تقوم المؤسسات العلاجية الآتيـة التابعـة للحكومة أو لمجالس المديريات أو المجالس البلدية بعلاج الأمراض الزهريـة على نفقة الدولة لكل منها في نطاق عملها.

(أ) عيادات ومستشفيات الأمراض الجلدية والزهرية.

(ب) مستشفيات الأمراض العقلية.

(ج) المستشفيات العمومية والمركزية.

(د) العيادات الخارجية.

(هـ) مستشفيات أمراض النساء والولادة (للحوامل والمرضعات).

(و) مراكز رعاية الطفل (للحوامل والأطفال).

(ح) مستشفيات الرمد (لأمراض العين).

ولوزير الصحة العمومية بقرار يصـدره أن يضيف إليها مؤسسات علاجية أخرى.

ويجب على رؤساء هذه المؤسسات اتباع أحكام المادتين (4، 5) فيمـا يتعلق بالقيد والتبليغ”:

وقد رصدت الفقرة الثانية من المادة (۱۳) عقوبة عـدم إبـلاغ الأطبـاء ورؤساء المؤسسات العلاجية سالفة الذكر وهي الغرامة التي لا تتجاوز عشـرة جنيهات.

ولا تخل أحكام القانون بما يقضى به قانون العقوبات أو أي قانون آخر من عقوبات أشد كما لا تخل بالمحاكمات التأديبية (م ١٤).

وعلى ذلك فإن الطبيب أو رئيس المؤسسة العلاجية إذا قام بـالإبلاغ عـن الإصابة بأحد الأمراض الزهرية، فإنه لا يعد مفشيا لسر المهنة.

غير أنه ينبغي على الطبيب في الحالات الأربع السابقة، أن يقصر إبلاغـه على جهة الاختصاص، فلا يباح له إفشاء السر إلى غير تلك الجهة، وإلا كـان مرتكبا لجريمة إفشاء سر المهنة.

– الحالة الثانية :

الإبلاغ عن الجرائم :

تنص المادة 66 من قانون الإثبات على أن:

” لا يجوز لمن علم من المحامين أو الوكلاء أو الأطباء أو غيـرهم عـن طريق مهنته أو صنعته بواقعة أو بمعلومات أن يفشيها ولو بعد انتهاء خدمته أو زوال صفته ما لم يكن ذكرها له مقصودا به ارتکاب جناية أو جنحة… إلـخ “-

والثابت أن المادة 310 من قانون العقوبات قد أحالت على تلك المادة.

ونص المادة 66 لا ينصرف إلى ما نصت عليه المـادة ٢٥ مـن قـانون الإجراءات الجنائية التي تجرى على أن: “لكل من علم بوقوع جريمـة، يجـوز للنيابة العامة رفع الدعوى عنها بغير شكوى أو طلب، أن يبلغ النيابة العامـة أو أحد مأموري الضبط القضائي بها”.

ذلك أن هذه المادة غير مشار إليها- ولا إلى ما كان يقابلها فـي القـانون القديم- في المادة 310 عقوبات، فضلا عن أنها لم تتضـمن أي جـزاء علـى عدم الإبلاغ ومن ثم فإن تنفيذ مقتضى خطاب الشارع لا يعدو أن يكون أمـرا مندوبا فحسب، ولا يرقى إلى مرتبة الإلزام. وبالتالي فإن الطبيب لا يعد ملزمـا قانونا بالإبلاغ عن الجرائم فإذا علم الطبيب عن طريق مهنته بوقوع جريمة، لا يجوز له الإبلاغ عنها وإلا كان مفشيا لسر مهنته. فإن أبلغ وجـب عقابـه.

ولا يجوز للنيابة العامة مباشرة إجراء التحقيق فيها. فليس للطبيب الذي يدعى إلى عيادة مصاب أن يبلغ عن إصابته، ولو اتصلت بجناية سواء أكان فيها جانيا أم مجنيا عليه. وإذا دعى طبيب إلى معالجة سيدة فعلم أن مرضـها ناشـئ عـن إجهاض، فلا يجوز له الإبلاغ عن ذلك .

وقد ذهب البعض إلى أنه يجوز للطبيب أن يكشف عن الجرائم التي تكـون قد ارتكبت ضد المريض نفسه، كما لو عذب طفل أو هتك عرضه، وذلك علـى اعتبار أن هذا النص قد وضع أصلا لمصلحة المريض .

غير أنه استثناء من عدم إفشاء السر، أجازت المادة 66 من قانون الإثبـات – التي أحالت إليها المادة 310 عقوبات – للطبيب أن يبلغ السلطات عما وصـل إليه من المريض من معلومات إذا كان ذكر هذه المعلومات لـه مقصـودا بـه “ارتكاب جناية أو جنحة ” فقط. ومثال ذلك أن يتوجه شـخص إلـى طبيـب ليسترشد برأيه في إسقاط حمل، وطلب منه المساعدة على ذلك .

وقد قضت محكمة النقض الدائرة الجنائية بتاريخ 27/12/1933 فى الطعن رقم 1999 لسنة 3 ق بأن :

إذا إستطلع أحد المتهمين رأى محامية فى إرتكاب جريمة وهى الاتفاق مع أحد الشهود على أن يشهد زورا فهذا الامر ولو أنه سر علم به المحامى بسبب مهنته إلا أن من حقه بل من واجبه أن يفيشة لمنع وقوع الجريمة وفقا للمادة 205 مرافعات فإذا أخذت المحكمة بمعلومات المحامى عن تلك الواقعة وإستندت إليها فى التدليل على أن المتهم موكله كان يسعى فى تلفيق شهادة فلا يمكن إسناد الخطأ إليها فى ذلك .

أما إذا كانت هناك جريمة وقعت بالفعل فلا يجوز للطبيب الافشاء بالسر بأيه حال إلا إذا كان القانون يلزمة بالابلاغ رعاية لمصلحة عامة .

والحكمة من ذلك واضحة وهى رغبة الشارع فى أن تبلغ السلطات العامة بالجناية أو الجنحة قبل وقوعها للمبادرة بمنعها .

وقد جعل ذلك جوازيا متروكا لتقدير الطبيب الامين على السر وحده غير إنه يشترط أن يكون الابلاغ للجهه المختصة فإذا أفضى الطبيب بالسر خارجها كان الفعل مستوجبا للعقاب .

الحالة الثالثة :

طبيب شركة التأمين :

عندما يقدم طلب لاحدى شركات التأمين على الحياة فإنه لا يبت فيه إلا بعد إجراء كشف طبى دقيق على الطالب بمعرفة الطبيب الذى تندبه الشركة وعلى ضوء التقرير الذى يقدمه يصدر قرار الشركة بقبول الطلب أو رفضه والطبيب الكشاف فى هذه الحالة لا يعتبر وسيطا بين الطالب والشركة وإنما يعتبر ممثلا للشركة أو خبير لها ويعتبر عمله جزاء من عملها ويستتبع ذلك أن تقديم التقرير الطبى إلى الشركة لا يعتبر منه إفشاء لسر من أسرار مهنته على أنه لا يجوز للطبيب أن يذكر للغير شيئا مما تضمنه التقرير المقدم ولو كان ذلك الغير من الورثة .

و إذا كان هذا الطبيب قد سبق علمه بوجود مرض لدى طالب التأمين ولكنه لم يترك علامات تدل عليه فإنه  يجوز له ذكر هذا المرض لانه بذلك يكون قد أفشى سرا وصل إليه بحكم مهنته .

وليس للطبيب الذى يستدعى للكشف على جثة أن يعطى شهادة بنتيجة الفحص لشركة التأمين وإن كان له أن يعطيها للورثة .

مكتب سعد فتحي سعد للمحاماة

مكتب إستشارات قانونية، مستشار قانوني لكبري الشركات الاستثمارية، متخصص في كافة المجالات القانونية والمكتب يضم محامين ومستشارين وأساتذة جامعات .