جنح

قوة الأمر المقضي به فى القانون 2024

Contents

قوة الأمر المقضي به

قوة الأمر المقضي به

ينال موضوع  قوة الأمر المقضي به أهمية خاصة في كافة القوانين الإجرائية، بناء على أن الدعوى مهما كانت طبيعتها يجب أن تلقى نهايتها.

فلا يمكن للنزاع مهما كان أن يستمر دون حد معين. وفي المواد الجنائية يلقى موضوع  قوة الأمر المقضي به أهمية خاصة لثلاثة أسباب

قوة الامر المقضي

 

أولها أن الإجراءات الجنائية بحسب طبيعتها قد تمس الحقوق والحريات، فلا يمكن السماح بمباشرتها بغير قيد أو أجل محدد.

وثانيها أن الإجراءات الجنائية تتميز بالطابع القضائي، فهي إما أن يباشرها القضاء بنفسه وإما أن تخضع تحت إشرافه.

وآخر الأسباب أن الإجراءات الجنائية بوصفها أذا أداة لتطبيق قانون العقوبات تعمل في نطاق مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، وهذا المبدأ كما يتطلب عدم معاقبة المتهم إلا عن جريمة نص عليها القانون قبل ارتكابها وطبقا للعقوبة الواردة في هذا القانون – فإنه يفترض عدم مسائلة المتهم عن الجريمة ومعاقبته عنها سوى مرة واحدة. 

لا يفوتك:الفرق بين انقضاء الدعوى وسقوط العقوبة

أساس قوة الأمر المقضي به

ترتكز  قوة الأمر المقضي به على مبدأ الحماية الاجتماعية التي تتحقق بحماية المصلحتين الفردية والعامة. أما عن حماية المصلحة الفردية فتبدو في ضمان الفرصة للمتهم لكي يرسم لنفسه حياة حرة هادئة بعيدا عن خطر المحاكمة الجنائية من جديد، وتتحقق المصلحة العامة في حسم التذاع المترتب على سبب معين وتوفير الأمن القانوني للعلاقات القانونية المترتبة على هذا الترا. فما بال الأمر إذا ما تعلق بالمساس بالحقوق والحريات.

تناسبه مع ولا شك في أن الخطر المترتب على عدم استقرار الأوضاع يحسم بافتراض الحقيقة التي عبر عنها الحكم. كما أن السماح بتعدد الأحكام عن الواقعة الواحدة قد يؤدي إلى تضاربها مما يخل بهيبة العدالة والثقة فيها. فضلا عن عدم احتمال العقاب عن الواقعة الواحدة أكثر من مرة.

ويترتب على هذه الاعتبارات تحديد

ما هو مضمون قوة الأمر المقضي به للحكم البات

في مبدأين.

1- عدم جواز نظر ذات الدعوى أمام محكمة أخرى

2- افتراض الحقيقة فيما قضى به هذا الحكم

وقد نص المعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على المبدأ الأول (المادة ١٤/٤) وأكدته كل من الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان (المادة ٨/٤) والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان (البروتوكول السابع).

ونصت عليه كثير من الدساتير، منها الدستور الألماني (المادة ٢٠٣/١) والدستور الهندي (المادة ٢٠٥/٢) والدستور الياباني (المادة ٣٩)

وقد نصت عليها المادتان ٤٥٤ و٤٥٥ من قانون الإجراءات الجنائية المصري. ورغم عدم وجود نص دستوري هذا المبدأ، لكن المحكمة الدستورية العليا منحته قيمة دستورية في إطار ما استقر عليه قضاؤها حول الاستخلاص الضمني للحقوق والحريات المحمية دستوريا، فقد قضت أن هذا المبدأ يعد جزءا من الحقوق الوثيقة الصلة بالحرية الشخصية ويعد من الحقوق التي يعد التسليم بها في الدول الديمقراطية مفترضا أوليا لقيام الدولة القانونية.

وعلاوة على ذلك، فإن عدم جواز محاكمة المتهم عن فعل واحد أكثر من مرة يحول دون تعريضه لعدة عقوبات بسبب ارتكاب هذا الفعل، الأمر الذي يتعارض مع مبدأ التناسب الذي تتطلبه الشرعية الإجرائية.

الفرق بين قوة الأمر المقضي به وحجية الأمر المقضي به

ينال الحكم قوة الأمر المقضي به متى استنفذ جميع طرق الطعن فيه، فيها يصبح الحكم بأتا في الدعوى على نحو لا رجعة فيه. ولهذا لا تثبت قوة الأمر المقضي به إلا للحكم البات وحده، فتعني غلق باب الدعوى الجنائية بصورة نهائية. أما حجية الأمر المقضي فتثبت للحكم بمجرد صدوره،

بمعنى أنه لا تجوز إعادة النظر في موضوعه إلا بطريق الطعن الذي حدده القانون. فكل حكم يجب احترامه والاعتداد به   وهو ما يسمى بالحجية، وتعني أنه لا يجوز المساس بالحكم إلا من خلال طرق الطعن فيه، فإن استنفدت هذه الطرق أصبح الحكم بأتا ونال قوة الأمر المقضي التي تعني في جانبها الإيجابي حجية في مواجهة القضاء الجنائي وسائر لم يكن باتا، جهات القضاء.

وعلى ذلك، فإن قوة الأمر المقضي به مرتبة يصل إليها الحكم منى استنفد جميع طرق الطعن فيه بمقتضاها يغلق باب الدعوى من جميع الوجوه سواء كانت من طرق الطعن أو كانت دعوى جديدة.

أما حجية الأمر المقضي فإنها لا تجيز إعادة النظر في موضوع الحكم إلا من خلال طرق الطعن في الأحكام، وهي حجية مؤقتة تصبح نهائية بمجرد صدور حكم بات فتقترن قوة الأمر المقضي به مع الحجية النهائية للحكم.

قوة الأمر المقضي به في جانبيها السلبي والإيجابي

تتميز قوة الأمر المقضي به للحكم الجنائي البات بجانبين، أحدهما سلبي والآخر إيجابي. والجانب السلبي  ل قوة الأمر المقضي به هو جوهرها الحقيقي، ويتمثل في انقضاء الدعوى الجنائية بالحكم البات بما يؤدي إلى منع المحاكم الأخرى من إعادة بعث الدعوى من جديد، سواء بناء على أدلة جديدة أو بناء على أوصاف جديدة بسبب الدعوى. أما الجانب الإيجابي ل قوة الأمر المقضي، فيبدو في افتراض الحقيقة فيما يقضي به الحكم.

وتسمى قوة الأمر المقضي به في جانبها السلبي بالقوة السلبية  وتسمى قوة الأمر المقضي به في جانبها الإيجابي بالقوة الإيجابية

وتنحصر أهمية التمييز بين القوتين السلبية والإيجابية للأمر المقضي في محال استخدامه. فالقوة السلبية  ل قوة الأمر المقضي به ينحصر أثرها على القضاء الجنائي وحده عندما تعرض عليه ذات الدعوى الجنائية، حيث يمتنع على جهات هذا القضاء إعادة النظر فيها من جديد.

أساس قوة الأمر المقضي به

أما القوة الإيجابية  ل قوة الأمر المقضي به فتبدو أهميتها فيما يناله الحكم الجنائي البات من حجية أمام القضاء الجنائي وسائر جهات القضاء، حيث يتعين على هذه الجهات افتراض الحقيقة فيما فصل فيه هذا الحكم بالنسبة إلى وقوع الجريمة ووصفها القانوني ونسبتها إلى فاعلها وقد عبرت عن ذلك محكمة النقض بقولها إن الحكم البات يصبح عنوانا للحقيقة بل أقوى من الحقيقة ذاتها.

وقد أكدت قوة الأمر المقضي به أمام القضاء الجنائي المادة ۲۲۲ من قانون الإجراءات الجنائية التي نصت على أنه إذا كان الحكم في الدعوى الجنائية يتوقف على الفصل في دعوى جنائية أخرى وحب وقف الأولى حتى يتم الفصل في الثانية.

وهذا الإيقاف الوجوبي هو نتيجة لحجية الحكم الجنائي. كما أكدت  حجية قوة الأمر المقضي به أمام القضاء المدني المادة ٤٥٦ من قانون الإجراءات الجنائية كما سنبين عند بحث تأثير قوة الأمر المقضي به للحكم الجنائي على المحاكم المدنية.

والواقع أن الحقيقة لا تقبل التدرج، وإنما يشير تعبير أقوى من الحقيقة إلى التعبير بأقوى العبارات عن عدم قابلية إثبات عكس الحقيقة التي يعبر عنها الحكم البات اللهم إلا عن طريق طلب إعادة النظر إذا توافرت شروطه قانونا.

أثر قوة الأمر المقضي به في إنهاء الدعوى الجنائية

هو ضمان مهم من لا تجوز محاكمة المتهم من جديد عن ذات الواقعة التي سبق محاكمته عنها وصدر فيها حكم بات، وهذا المبدأ مهم من ضمانات العدالة التي يضيرها أن يحاسب الجاني عن جريمته أكثر من مرة. ويرتكز على اعتبارات الأمن القانوني وكفالة الحرية الشخصية لضمان فرصة المتهم لكي يرسم لنفسه حياة حرة هادئة بعيدا عن خطر المحاكمة من جديد بسبب الواقعة نفسها التي سبق أن حوكم من أجلها، فضلا عن أن العدالة تأبى أن يعاقب الشخص عن الواقعة نفسها أكثر من مرة، هذا فضلا عن الحيلولة دون إضاعة الوقت وتبديد طاقات الناس وأموالهم.

بجانب الحيلولة دون احتمال تضارب الأحكام مما يقلل من هيئة القضاء والثقة في عدالته. ويمثل هذا المبدأ الجانب السلبي لقوة الأمر المقضي. والسلبية تنصرف إلى أثر قوة الأمر المقضي على الدعوى الجنائية.

 شروط صحة الدفع ب قوة الأمر المقضي به

يشترط لصحة الدفع ب قوة الأمر المقضي به أن ترفع من جديد ذات الدعوى التي صدر فيها الحكم البات، ولهذا فإن قبول الدفع المذكور يفترض توافر الشروط الآتية:

أولا: صدور حكم جنائي بات كشرط لصحة انقضاء الدعوى الجنائية .

ثانيا: وحدة الواقعة التي صدر بشأنها الحكم، وهو ما يتطلب وحدة عناصر الدعوى التي صدر فيها الحكم البات وهي الخصومة والموضوع والسبب.

اولا: الحكم الجنائي البات

لا تتوافر قوة الأمر المقضي به للحكم الجنائي إلا بتوافر المقومات الآتية:

1- أن يكون حكما جنائيا

فيستبعد من هذه الدائرة أوامر التصرف في التحقيق. هذا مع ملاحظة ما يتمتع به الأمر بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية من حجية موقتة طبقا للمادة ۲۱۳ إجراءات. على أن هذه الحجية الموقتة لها ما للأحكام من قوة الأمر المقضي به .

وترد قوة الأمر المقضي به للحكم في منطوقه دون الأدلة المقدمة في الدعوى فهي لا يمتد أثرها إلى الأسباب إلا ما كان مكملا للمنطوق

ويجب أن يكون الحكم فاصلا في موضوع دعوى جنائية سواء بالإدانة أو بالبراءة، وعلى ذلك فإن الحكم الصادر من محكمة تأديبية ولو عن جريمة لا يعد حكما جنائيا ومن ثم فهو لا يقيد المحكمة الجنائية

ولا تتوقف طبيعة الحكم على طبيعة المحكمة التي تصدره، وإنما تنبئ عن طبيعة الدعوى. فقد تصدر المحكمة المدنية حكما جنائيا كما في جرائم الجلسات وقد تصدر المحكمة الجنائية حكما مدنيا كما في الدعوى المدنية التبعية

ويستوي ان يكون الحكم صادرا من محكمة عادية او من محكمة عسكرية في حدود اختصاصها طبقا للقانون.

ويجب أن يكون الحكم صادرا من محكمة مصرية. وقد نصت الفقرة الثانية المادة الرابعة من قانون العقوبات على أنه لا تجوز إقامة الدعوى الجنائية على من يثبت أن المحاكم الأجنبية برأته ما أسند إليه أو أنها حكمت علية نهائياً واستوفى عقوبته.

أما عدا ذلك، فلا تتوافر في الحكم الأجنبي قوة الأمر المقضي به إلا على أساس اتفاقية دولية لها قوة القانون وتطبيقا لذلك قضت محكمة النقض أن صدور قانون بالعفو العام من ملك الأردن على من ارتكب الجريمة في الخارج وعاد إلى مصر لا يحول دون تحريك الدعوى الجنائية في مصر ،

على اساس ان الشارع المصري قد حصر في المادة الرابعة من قانون العقوبات القيود المانعة من إعادة تحريك الدعوى ضد المتهم في حالتي البراءة أو الإدانة المتبوعة بتنفيذ العقوبة، مما يعني استبعاد ما عداهما من الأسباب الأخرى كتقادم الدعوى أو العقوبة طبقا للقانون الأجنبي أو صدور عفو شامل أو عفو عن العقوبة لمصلحة المتهم أو حفظ سلطات التحقيق للدعوى.

ويشترط أن يكون هذا الحكم متمتعا بوجوده القانوني، فلا قوة الأمر المقضي به للأحكام المنعدمة قانونا.

وقد قضت محكمة النقض أنه إذا فقدت النسخة الأصلية للحكم المطعون فيه التي يوقعها رئيس المحكمة وكاتبها ومحضر جلسة المحاكمة، ولم يتيسر الحصول على صورة رسمية من الحكم الصادر في الدعوى – فإن مجرد صدور حكم لا وجود له لا تنقضي به الدعوى الجنائية ولا يكون له قوة الشيء المحكوم به نهائيا مادامت طرق الطعن فيه لم تستنفد بعد.

وبالنسبة إلى الجهات الإدارية ذات الاختصاص القضائي، فقد قضت محكمة النقض في ظل قانون الري والصرف رقم ٦٨ لسنة ١٩٥٣ قبل إلغائه بالقانون رقم ١٣ لسنة ۱۹۸٤ بأن اللجنة الإدارية التي ناط بها قانون الري والصرف الفصل في الجرائم المنصوص عليها في الباب الخامس من هذا القانون فإنها إذ تملك اختصاصا قضائيا فإن ما تصدره من قرارات في حدود اختصاصها يكون حائزا لحجية الأمر المقضي به .

2- أن يكون الحكم باتا

ويتحقق ذلك إذا استنفدت جميع طرق الطعن في الحكم، ومنها الطعن بالنقض. ويستوي في ذلك أن يكون الخصم قد لجأ إلى طرق الطعن أو فوت مواعيدها، أو أن يكون الحكم غير جائز الطعن عليه ابتداء. هذا مع ملاحظة أن الحكم الغيابي الصادر في جناية من محكمة الجنايات إذا سقطت باتا يصبح العقوبة بمضي المدة (المادة ٣٩٤ إجراءات).

3- أن يكون الحكم فاصلا في الموضوع

إن قوة الأمر المقضي به للحكم الجنائي لا تكون إلا للأحكام النهائية بعد صيرورتها باتة، فمتى صار كذلك أصبح عنوانا للحقيقة، فلا يصح النيل منه، ولا مناقشة المراكز القانونية التي استقرت به ويضحى الحكم بذلك حجة على الكافة بما يوجب على المحاكم إعمال مقتضى هذه الحجية ولو من تلقاء نفسها، ومن ثم يكون محظورا محاكمة الشخص عن الفعل ذاته مرة أخرى. ويستوي في ذلك أن يكون الحكم بالإدانة أو بالبراءة.

ولا خلاف في أن الحكم غير القطعي السابق على الفصل في الدعوى لا يجوز الحجية، مادام أنه يجوز العدول عنه.

إنما تثور الدقة بالنسبة إلى الحكم القطعي السابق على الفصل في الموضوع ا لحكم بعدم قبول الدعوى الجنائية أو الحكم بعدم الاختصاص مثلا، فإنه لا يجوز الحجية، لأنه يجوز إعادة نظر الدعوى من جديد أمام محكمة أخرى بعد استيفاء شروط قبولها أو رفعها أمام المحكمة المختصة.

لكنه لا يجوز إعادة نظرها بحالتها امام المحكمة الأولى التي سبق أن قضت بعدم القبول أو بعدم الاختصاص، وذلك لعلة الرأي تختلف عن قوة الأمر المقضي وهي خروج الدعوى من حوزة المحكمة وهو ما يتم بمجرد صدور الحكم ولا يتوقف على صيرورته غير قابل للطعن على ان ولاية المحكمة على الدعوى تعود إليها إذا ما ألغي الحكم الصادر بعدم القبول أو بعدم الاختصاص بناء على الطعن فيه قانونا.

ثانيا: وحدة الواقعة التي صدر بشأنها الحكم وحدة عناصر الدعوي كشرط لصحة انقضاء الدعوى الجنائية

ويتحقق ذلك بتوافر ما يأتي:

۱- وحدة الخصوم

يشترط لصحة  دفع  قوة الأمر المقضي به أن تتوافر وحدة الخصوم، فلابد من أن يكون أطراف الخصومة في المرتين واحدة. والعبرة بصفاتهم لا بأشخاصهم. فقد ترفع الدعوى على أحد الأشخاص بوصفه مساهما في الجريمة (فاعلا وشريكا) ثم يتدخل في المرة الثانية بوصفه مسئولا عن الحقوق المدنية، والعكس بالعكس.

وقد يكون المتهم في الدعوى الجنائية شخصا معنويا ويصدر الحكم على ممثله القانوني بصفته، ولا يحول ذلك دون محاكمة هذا الممثل القانوني بشخصه عن ذات الجريمـــة محل الدعوى التي صدر فيها الحكم على الشخص المعنوي، والعكس بالعكس

2- الحكم بالبراءة

لا خلاف أنه إذا كان الحكم صادرا بالإدانة، فلا يقبل من أحد المساهمين في الجريمة الدفع بسبق محاكمة شخص آخر عن ارتكابها ما دام الثابت أن أكثر مـــن شخص قد ساهم في ارتكابها. ومن ناحية أخرى، فإن هذه الإدانة ولو تضمنت مساهمة في ارتكاب الجريمة لا تكون حجة ضده مادام أنه لم يكن طرفا في هذا الحكم بل يجوز إثبات عكسها.

وتوافر قوة الأمر المقضي به بالنسبة إلى حكم البراءة لا يحول دون تولي النيابة العامة التحقيق في الدعوى والتصرف فيها بالنسبة إلى الجاني الحقيقي دون المساس بمن قضي ببراءته، لأن قوة الأمر المقضي تتطلب وحدة الخصوم.

البراءة لسبب موضوعى

والواقع أنه في هذه الحالة لا يتصور إدانة أحد المساهمين فاعلا) كان أو (شريكا في الجريمة إذا كان المساهم الآخر قد قضي ببراءته لهذا السبب فالحكم النهائي الذي ينفي وقوع الواقعة المرفوعة بها الدعوى ماديا ويبني على ذلك براءة متهم فيها، يجب قانونا أن يستفيد منه كل من يتهمون في ذات الواقعة باعتبارهم فاعلين أصليين أو شركاء، سواء أقدموا للمحاكمة معا أم قدموا على التعاقب بإجراءات مستقلة.

وذلك على أساس وحدة الواقعة الجنائية وارتباط الأفعال المنسوبة لكل من عزي إليه المساهمة فيها فاعلا أصليا أو شريكا ارتباطا لا يقبل بطبيعته أية تجزئة ويجعل بالضرورة صوالحهم المستمدة من العامل المشترك بينهم وهو الواقعة التي اتهموا فيها متحدة اتحادا يقتضي أن يستفيد كل متهم من كل دفاع مشترك.

قوة الأمر المقضي به في جانبيها السلبي والإيجابي

فحجية قوة الأمر المقضي به فى حكم البراءة لسبب موضوعي تشمل بطبيعتها جميع المساهمين في الجريمة، لأن الحكم بالبراءة هو عنوان الحقيقة عن الجريمة ذاتها.

هذا بخلاف الحال إذا بنيت البراءة على سبب شخصي، مثل توافر مانع من موانع المسئولية أو من موانع العقاب، أو عدم توافر القصد الجنائي، فإن هذه البراءة لا يستفيد منها سائر المساهمين في الجريمة، لأن الحكم بالبراءة في هذه الحالة يكون عنوان الحقيقة عمن قضى له بالبراءة فقط وليس عن الجريمة ذاتها، ووفقا لذلك أستقر قضاء محكمة قضي النقض المصرية.

كما لا يستفيد من البراءة متهم آخر في الدعوى لمجرد تماثل موقفه مع موقف المتهم المقضي ببراءته

3-وحدة الموضوع

يقصد بالموضوع تطبيق قانون العقوبات بما يتطلبه من إثبات توافر أركان الجريمة وانعقاد المسئولية الجنائية. فالحكم يحوز قوة الأمر المقضي به في نفس الواقعة ويمنع محاكمة المتهم مرة أخرى عن الفعل ذاته.

كما أنه لا يجوز للمحكمة أن تضيف عناصر جديدة للواقعة التي سبق محاكمة المتهم عنها، إذا كان من شأن هذه العناصر تكوين واقعة أخرى جديدة.

وقد قضي أن تعديل المحكمة وصف التهمة المسندة للطاعن من نصب إلى غش البضاعة المتعاقد عليها هو تعديل في التهمة ذاتها بإسناد واقعة جديدة للمتهم لم تكن واردة بأمر الإحالة، وتختلف اختلافا كليا عن الواقعة التي رفعت بها الدعوى في العناصر المكونة لها، وهو ما لا تملكه المحكمة

فلا تتوافر بداهة وحدة الموضوع بين الدعوى الجنائية والدعوى المدنية والدعوى التأديبية رغم ان إثر الحجية في الدعوى الجنائية يتطلب ان تكون هذه الدعوى موجودة وهي لا توجد الا امام المحكمة الجنائية فالحكم الصادر في الدعوى المدنية لا تكون له قوة الأمر المقضي به أمام المحكمة الجنائية لاختلاف الموضوع.

كما أن مجازاة الموظف بصفة إدارية أو توقيع عقوبة عليه من مجلس التأديب عن فعل منه لا يحول أيهما دون إمكان محاكمته أمام القانون العام عن كل جريمة قد تتكون من هذا الفعل، وذلك لاختلاف الدعويين التأديبية والجنائية في الموضوع وفي السبب وفي الخصوم ما لا يحوز القضاء في إحداها قوة الشيء المحكوم فيه بالنسبة للأخرى.

ومع ذلك يلاحظ أن الحكم الجنائي يحوز حجية قوة الأمر المقضي به أمام المحكمة التأديبية فيما يتعلق بثبوت الواقعة المكونة للخطأ التأديبي ونسبتها إلى المتهم دون مساس بموضوع الدعوى التأديبية أو بسببها فيما يتعلق بالخطأ التأديبي وتميزه عن الخطأ الجنائي

ومع ذلك يراعى ان المادة ٢٢٥ إجراءات نصت على أن تتبع المحاكم الجنائية في المسائل غير الجنائية التي تفصل فيها تبعا للدعوى الجنائية وطرق الإثبات المقررة في القانون الخاص بتلك المسائل.

وقد نص قانون الإثبات في الواد المدنية على اعتبار حجية الأحكام وسيلة من وسائل الإثبات، ومن ثم إذا كانت الدعوى الجنائية تثير مسألة مدنية يتوقف الحكم الجنائي عليها (مثل صفة التاجر والتوقف عن الدفع في صدد بحث جريمة التفاليس المنصوص عليها في المادة ٣٢٨ عقوبات أو توافر أحد عقود الأمانة في صدد جريمة خيانة الأمانة المنصوص عليها في المادة ٣٤١ عقوبات ) ،،،

فإن الحكم الصادر في الدعوى المدنية تكون له حجية أمام المحاكم الجنائية في صدد هذه المسألة المدنية و هي مسألة تتعلق بالأثر الايجابي لقوة الأمر المقضي لا تتعلق بأثره السلبي في إنهاء

4- وحدة السبب

يجب لقبول الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها أن يتوافر شرط وحدة السبب في الدعويين.

ومقتضاه أنه عند تقدير وحدة السبب يجب الاعتماد على تقدير مدى وحدة الواقعة الإجرامية والعبرة بما تنتهي إليه المحكمة من تكييف للواقعة المرفوعة بها الدعوى، بغض النظر عما ورد في أمر الإحالة أو تكليف الحضور، وذلك بناء على سلطة المحكمة في بحث الواقعة بجميع كيوفها وإضفاء التكييف القانوني السليم عليها وفقا لاقتناعها.

فإذا أطلق (أ) مثلا عيارا ناريا على (ب) و(جـ) فقتلهما، فإنه وفقا لمعيار وحدة الواقعة يكفي مجرد محاكمة (أ) عن قتل أحدهما حتى تمتنع محاكمته عن قتل الآخر، وذلك بالنظر إلى وحدة الفعل المادي الصادر من الجاني. ومتى حاز الحكم قوة الأمر المقضي به في نفس الواقعة المادية فإنه لا تجوز محاكمة المتهم مرة أخرى عن نفس هذه الواقعة.

ويراعى أن الواقعة المادية تختلف عن الأدلة المقدمة في الدعوى عن هذه الواقعة، فتقدير الدليل في دعوى لا ينسحب أثره إلى دعوى أخرى.

وبهذا المعيار نصت المادة ٤٥٤/١ إجراءات صراحة، إذ قررت أن الدعوى الجنائية تنقضي بالنسبة للمتهم المرفوعة عليه الوقائع المسندة فيها وبهذا المعيار نصت صراحة المادة٤٥٤/١ إجراءات، إذ قررت أن الدعوى الجنائية تنقضي بالنسبة للمتهم المرفوعة عليه الوقائع المسندة فيها ليه بصدور حكم نهائي فيها بالبراءة أو بالإدانة.

وتطبيقا لذلك، قضي أنه إذا رفعت الدعوى على شخص بوصف كونه سارقا للأشياء المضبوطة وحكم ببراءته، فإنه يجوز أن ترفع عليــــه الدعوى من جديد بوصفه مخفيا لها لاختلاف الواقعتين. وحكم أن القضاء بالبراءة في تهمة التبديد لتشكيك المحكمة في أدلة الثبوت فيها لا يقطع بصحة البلاغ المقدم عنها أو بكذبه، ولذا فإنه لا يمنع المحكمة المطروحة أمامها تهمة البلاغ الكاذب من أن تبحث هذه التهمة طليقة من كل قيد وحكم أن جريمة حيازة سلعة مجهولة المصدر بقصد الإتجار تختلف عن جريمة تزوير علامة تجارية.

ولا يكفي في نظر محكمة النقض للقول بوحدة السبب أن تكون الواقعة الثانية من نوع الواقعة الأولى، أو أن تتحد معها في الوصف القانوني، أو أن تكون الواقعتان كلتاهما حلقة في سلسلة من وقائع متماثلة ارتكبها المتهم لغرض واحد إذا كان لكل واقعة من هاتين الواقعتين ذاتية خاصة تتحقق لها المغايرة التي يمتنع معها القول بوحدة السبب في كل منهما.

أما الجريمة متلاحقة الأفعال التي تعد واقعة واحدة في باب المسئولية الجنائية فهي التي تقع على مجني عليه واحد لمرة لتصميم واحد يرد على ذهن الجاني من بادئ الأمر على أن يجزئ نشاطه على أزمنة مختلفة وبصورة منظمة بحيث يكون كل نشاط يقبل به الجاني على فعل من تلك الأفعال متشابها مع ما سبقه من جهة ظروفه، وأن يكون بين الأزمنة التي يرتكب فيها هذه الأفعال نوع من التقارب حتى يتناسب حملها على أنها جميعا تكون جريمة واحدة.

فإذا صدر المتهم عدة شيكات بغير رصيد لصالح شخص واحد في يوم واحد وعن معاملة واحدة أيا كان التاريخ الذي يحمله كل منهما أو القيمة التي صدر بها فإنه يعد نشاطا إجراميا لا يتجزأ، ويحوز الحكم الصادر فيه قوة الأمر المقضي مما لا يجوز معه نظر الدعوى الجنائية عن أي شيك فيها.

ويثير تطبيق هذا المبدأ مشكلات تتعلق بتعدد الأوصاف القانونية للواقعــــة الواحدة، وبالظروف اللاحقة على الحكم البات، وبالجرائم المرتبطة والمستمرة والمتتابعة.

تعدد الأوصاف القانونية للواقعة الواحدة فى قوة الأمر المقضي به

قد تحتمل الواقعة الواحدة تعددا في الأوصاف القانونية، وترفع الدعوى الجنائية عن أحد هذه الأوصاف ويصدر فيها حكم بات. فما أثر هذا الحكم على الأوصاف المتعددة عن الفعل الواحد.

وقد نصت المادة ٤٥٥ إجراءات على عدم جواز الرجوع إلى الدعوى الجنائية بعد الحكم فيها نهائيا بناء على تغيير الوصف القانوني للجريمة. ويقصد بالحكم النهائي في هذا الصدد الحكم البات.

وبناء على ذلك قضي أنه إذا أدين المتهم نهائيا عن عرض كحول مغشوش فلا تجوز إعادة محاكمته عن حيازة كحول لم تؤد عنه رسوم الإنتاج، لأن الفعل في خصوصية الدعوى المطروحة ينطوي على الوصفين معا، ومن ثم فلا يجوز الرجوع إلى الدعوى الجنائية بنـــاء على تغيير الوصف القانوني للجريمة.

وإذا حكم ببراءة متهم عن واقعة بوصف أنها سرقة، فلا تجوز إعادة محاكمته عن ذات الواقعة بوصف أنها خيانة أمانة أو نصب.

وهذا المبدأ يرتكز إلى سلطة محكمة الموضوع وفقا للمادة ٣٠٨ إجراءات في لمحيص الواقعة بجميع أوصافها وفي تعديل التهمة بعد تنبيه المتهم إلى ما تحدثه من تغيير لمنحه فرصة الدفاع.

ومناط الواقعة الواحدة التي تمنع إعادة المحاكمة هو اتحاد الأساس الذي أقيمت عليه الوقائع في الدعويين، بمعنى ألا يكون لكل دعوى ذاتية مستقلة وظروف خاصة تتحقق بها الغيرية التي يمتنع معها القول بوحدة السبب فيهما.

والقول بوحدة الواقعة أو بتعددها هو مسألة تكييف قانوني تخضع لرقابة محكمة النقض، كما أن تقدير قيام الارتباط بين الجرائم وتوافر الشروط الواردة في المادة٢٣/٢ من قانون العقوبات وعدم توافرها وإن كان من شأن محكمة الموضوع وحدها، لكنه يخضع لرقابة محكمة النقض.

أثر الظروف اللاحقة على الحكم فى قوة الأمر المقضي به

قد يحكم على المتهم من أجل واقعة معينة، ثم تتوافر عناصر جديدة تكون مع الواقعة الأولى جريمة جديدة لها وصف مختلف عن الوصف الأول للواقعة.

مثال ذلك أن يحكم على المتهم من أجل القتل الخطأ ثم يثبت فيما بعد توافر القصد الجنائي، مما يجعل الواقعة قتلا عمدا، فهل تجوز إعادة محاكمة المتهم عن ذات الواقعة وفقا للوصف الجديد؟

لا يجوز الرجوع إلى الدعوى الجنائية بعد الحكم فيها نهائيا بناء على ظهور أدلة جديدة. والواقع من الأمر أن واجب محكمة الموضوع في تعديل التهمة أي في إضافة عناصر جديدة إلى الواقعة المرفوعة بها الدعوى، عليها لكي تكون معها وجه الاتهام الحقيقي يغطي كافة الاحتمالات التي قد تطرأ على الواقعة من ظروف جديدة

فلا يقبل بعد ذلك أن تثار هذه الظروف من جديد في دعوى جديدة ولا يجوز للمشرع أن يخرج عن هذا المبدأ بقانون وإلا لحقه عيب عدم الدستورية لمساسه بقاعدة عدم جواز محاكمة المتهم عن فعل واحد أكثر من مرة واحدة، وهي قاعدة أضفت عليها المحكمة الدستورية العليا قيمة دستورية كما بينا من قبل.

 الجرائم المرتبطة فى قوة الأمر المقضي به

تثور الدقة بالنسبة للجرائم المرتبطة ارتباطا لا يقبل التجزئة، والمشكلة تثور إذا صدر الحكم البات في شأن الجريمة الأشد، فهل يجوز محاكمة المتهم عن الجريمة الأخف، والعكس بالعكس؟

بالنسبة إلى الحكم في الجريمة الأشد، فمن المقرر قانونا أنه لا يجوز رفع الدعوى من جديد عن الجريمة الأخف بناء على أن القانون قد أوجب توقيع عقوبة واحدة هي التي قضي بها عن الجريمة الأشد.

وقد رفضت محكمة النقض الاستناد إلى أن الدعوى المرفوعة عن الجريمة الأخف تهدف إلى توقيع العقوبات التكميلية على المتهم.

وقد قضت محكمة النقض أنه إذا حوكم الطاعن عن جريمة الضرب البسيط فإن ذلك لا يمنع من محاكمته عن جناية الضرب المفضي إلى عاهة مستديمة المرتبطة بها، لأن العقوبة المقررة عن الجنحة ليست هي التي يقضى بها عند الارتباط بالجناية.

ويذهب رأي في الفقه إلى أنه يجب عند تنفيذ عقوبة الجريمة الأشد استترا ما نفذه المحكوم عليه من التنفيذ فيعتبر كالمحبوس احتياطيا، فيستتر ما قضاه في هذا الحبس من مدة العقوبة.

وإذا كانت كل من الجريمتين المرتبطتين ارتباطا لا يقبل التجزئة متساوية مع الأخرى في العقوبة، فإن الحكم البات عن إحداهما يحول دون المحاكمة عن الجريمة الأخرى.

الجرائم المستمرة والمتتابعة فى قوة الأمر المقضي به

أن الحكم على المتهم من أجل حريمة مستمرة لا يحول دون هذه الجريمة إذا ما تجددت حالة الاستمرار بعد هذا الحكم، وذلك لأن تدخل الجاني في استمرار الحالة الجنائية يكون جريمة جديدة.

وفي الجريمة المتتابعة حيث تقع أفعال متعددة متماثلة اعتداء على حق واحد وتنفيذا لمشروع إجرامي، واحد فإن الحكم البات الصادر في شأن هذه الأفعال يحجب المحاكمة عن غيره من الأفعال الأخرى التي وقعت قبل صدور هذا الحكم ولو كشفت بعده.

وتطبيقا لذلك قضت محكمة النقض أن جريمة البناء بغير ترخيص إن هي إلا جريمة متتابعة الأفعال متى كانت أعمال البناء متعاقبة متتالية، فإذا صدر الحكم في أي منها يكون جزاء لكل الأفعال التي وقعت في تلك الفترة ولو لم يكشف أمرها إلا بعد صدور الحكم.

وقد اشترطت محكمة النقض لإعمال هذا الأثر أن تكون الأفعال المتتابعة سابقة على رفع الدعوى فإذا ارتكب فعلا جديدا متتابعا بعد ذلك جاز محاكمته عنه دون اعتداد بالحكم الأول.

ما يكتسب قوة قوة الأمر المقضي به من أجزاء الحكم

ترتبط قوة قوة الأمر المقضي به فى الحكم الجنائي في أنهاء الدعوى الجنائية بمنطوقه لا بأسبابه إلا إذا كانت مكملة للمنطوق ومرتبطة به ارتباطا وثيقا غير قابل للتجزئة، بحيث لا يكون للمنطوق مقام إلا به.

فمثلا، إذا كان الحكم قد تحدث في أسبابه عن ثبوت التهمة في حق المتهم، فإنه لا أثر لذلك إذا كان الحكم لم بنته في منطوقه إلى قضاء معين في الموضوع بالنسبة إليه.

ومن ناحية أخرى، فإذا جرى قلم المحكمة عند كتابة أسباب الحكم على ما يفيد براءة المتهم ثم صدر منطوق الحكم بعدم قبول الدعوى، فإن البراءة التي وردت في أسباب الحكم لا تحوز أية قوة إذا رفعت الدعوى من جديد بعد استيفاء شروط قبولها.

وكذلك أيضا إذا خلص الحكم فيها أورده من اسباب إلى تبرئة المتهم، مخالفا بذلك ما جرى به منطوقه من القضاء بإدانة المتهم، فإن ما تحدث به الحكم من تبرئة المتهم لا يكون له أثر ما دام منطوق الحكم فيها انتهى إليه في منطوقه يناقض الأسباب التي بني عليها، فان الحكم يكون معيها بالتناقض والتخاذل في الأسباب ما يعيبه ويوجب نقضه. وطالما ان قوة الأحكام او حجيتها لا ترد الا على المنطوق فأنها بداهة لا تنسحب على دعوى اخرى

القوة الإيجابية للحكم الجنائي

(حجيته)

ميزنا فيما تقدم بين قوة الأمر المقضي به للحكم، وما يتمتع به من أثر سلبي في انقضاء الدعوى الجنائية. والآن وقد أوضحنا المقصود بقوة الأمر المقضي به ، بقي أن نحدد المقصود بالحجية ونطاقها. ثم نبين قوة الحكم الجنائي أمام القضاء المدني.

– الحكم الفاصل في مسألة فرعية دعوى جنائية أخرى

يجدر التنبيه إلى أن الحكم الجنائي الذي فصل في مسألة فرعية تكون حجية قوة الأمر المقضي به له أمام المحكمة الجنائية رغم عدم توافر وحدة الموضوع. وأساس هذا النظر أن المادة ۲۲۲ إجراءات قد أوجبت وقف الدعوى الجنائية إذا كان الحكم فيها يتوقف على نتيجة الفصل في دعوى جنائية أخرى، وهذا الإيقاف الوجوبي يكشف عن مبدأ حجية الحكم الصادر في المسائل الفرعية، فلا قيمة لهذا الإيقاف بدون هذه الحجية وإلا كان الإيقاف عبئا على العدالة وعبثا لا طائل وراءه.

مثال ذلك الحكم ببراءة المتهم من تهمة السرقة، فإنه يحوز  حجية قوة الأمر المقضي به أمام المحكمة عندما تنظر دعوى البلاغ الكاذب بالسرقة رغم عدم توافر وحدة الموضوع.

مبدأ قوة الأمر المقضي للحكم أمام القضاء المدني

نصت المادة ٤٥٦ إجراءات على أن يكون للحكم الجنائي الصادر من المحكمة الجنائية موضوع الدعوى الجنائية بالبراءة أو بالإدانة قوة الشيء المحكوم به أمام المحاكم المدنية في الدعاوى التي لم يكن قد فصل فيها نهائيا يتعلق بوقوع الجريمة وبوصفها القانوني ونسبتها إلى فاعلها ويكون للحكم بالبراءة هذه القوة سواء بني على انتفاء التهمة أو على عدم كفاية الأدلة ولا تكون له هذه القوة إذا كان مبنيا على أن الفعل لا يعاقب عليه القانون.

أساس مبدأ قوة الأمر المقضي به للحكم امام القضاء المدنى

الواضح من مبدأ أن الحكم الجنائي يتمتع بحجيته أمام القضاء المدني. وخلافا لذلك فإن الحكم المدني لا يتمتع بهذه الحجية أمام القضاء الجنائي فيما يتعلق بوقوع الجريمة ونسبتها إلى فاعلها (المادة ٤٥٧ إجراءات).

كما أن المشرع يقرر حجية الحكم الجنائي رغم عدم وحدة السبب والموضوع والخصوم في الدعويين الجنائية والمدنية. فما أساس هذا المبدأ إذا؟

لقد اختلفت الآراء في تحديد هذا الأساس، والراجح أن النظام القانوني يعطي الأولوية للقضاء الجنائي على القضاء المدني في تحديد كل ما يتعلق بالجريمة ونسبتها إلى مرتكبها نظرا لطبيعة ما يتخذ من إجراءات ذاتية، وخاصة فيما يتعلق بالإثبات ولأن الدعوى الجنائية إنما ترفع من ممثل عام للمجتمع للمطالبة بحق عام هو حق الدولة في العقاب. وتقتضي هذه الأولوية أن يكون للحكم الجنائي كلمة مسموعة أمام القضاء المدني.

ويجد هذا المبدأ أساسه في القانون المصري بموجب المادة ٢٢١ إجراءات التي نصت على أن المحكمة الجنائية مختصة بالفصل في جميع المسائل التي يتوقف عليها الحكم في الدعوى الجنائية أمامها ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.

ومؤدى ذلك أن محاكمة المتهم عن الجرائم التي يعرض عليها الفصل فيها لا يمكن أن تتقيد بأي حكم صادر من أية جهة أخرى مهما كانت وذلك ليس فقط على أساس أن مثل هذا الحكم لا يحوز قوة الشيء المحكوم به بالنسبة للدعوى الجنائية لانعدام الوحدة في الخصوم أو السبب أو الموضوع، بل لأن وظيفة المحاكم الجنائية والسلطة الواسعة التي خولها القانون إبائها للقيام بهذه الوظيفة بما يكفل لها اكتشاف الواقعة على حقيقتها كي لا يعاقب بريء أو يفلت محرم – تقتضي ألا تكون مقيدة في أداء وظيفتها بأي قيد لم يرد به نص.

ومع ذلك، فإن هذا المبدأ لا يجد تطبيقا في بعض القوانين، كالقوانين الأنجلو أمريكية، والقانون الألماني والهولندي والبرتغالي. كما رأى البعض أن ضمان المحاكمة المنصفة يقتضي عدم التقيد بالحكم الجنائي، لأن الطرف المدني قد لا يكون طرفا في المحاكمة الجنائية.

خصائص مبدأ قوة الأمر المقضي به امام القضاء المدنى 

يتميز مبدأ حجية الحكم أمام القضاء المدني بخصيصتين:

– أولا : شمولية نطاقه

يشمل نطاق مبدأ قوة الأمر المقضي به فى الدعوى المدنية بالمعنى الواسع، فهو لا يقتصر على دعوى التعويض وإنما يمتد إلى جميع الدعاوى المدنية مثل دعوى الطلاق المترتبة على جريمة الزنا، ودعوى رجوع أحد المحكوم عليهم المتضامنين على شركائه في الجريمة لمطالبتهم بنصيبهم في التعويض، ودعوى الرجوع في الهبة الناشئة عن الاعتداء على حياة الواهب ودعوى الحرمان من الإرث الناشئة عن الاعتداء على حياة المورث.

ولا ينصرف هذا مبدأ قوة الأمر المقضي به إلى الدعوى المدنية التبعية المنظورة وحدها أمام القضاء الجنائي، وذلك في حالة طعن المدعي المدني وحده في الحكم الصادر من المحكمة الجنائية في الدعوى المدنية التبعية.

وذلك لأن الدعويين الجنائية والمدنية وإن نشأتا عن سبب واحد ولكن الموضوع في كلتيهما مختلف، مما لا يسوغ التمسك بقوة الأمر المقضي به ، والدفع بهذه القوة وفقا للقانون لا يكون إلا أمام المحاكم المدنية.

كما يشمل هذا المبدأ جميع الأشخاص، فيسري على الكافة. فهو لا يستلزم وحدة الخصوم في الدعويين الجنائية والمدنية وبناء على ذلك، فإنه يمتد إلى المجني عليه والمسئول عن الحقوق المدنية والضامن أو أي شخص آخر. فالحكم الجنائي له حجية على الكافة.

– ثانيا : تعلقه بالنظام العام

لما كان هذا المبدأ يستند إلى ما يتمتع به القضاء الجنائي من أولويـــة، فإنـــه يرتكز على اعتبارات تتعلق بالنظام العام. وبهذا استقر قضاء محكمة النقض على اعتبار هذا المبدأ من النظام العام حتى يستطيع القاضي المدني الاستفادة من سلطات القاضي الجنائي، ولا يحول ذلك دون توقف المصالح المدنية على مشيئة أصحابها، لأن حقهم في التنازل عن الحكم المدني يتوقف على صدوره وليس قبل ذلك.

الحكم الجنائي الذي يحوز القوة

يجوز الحكم الجنائي وحده هذه الحجية، فلا تتمتع بها أوامر التحقيق أو الإحالة مهما كانت فاصلة في نزاع معين. كما لا يكتسب الأمر الجنائي هذه الحجية لأنه في حقيقة الواقع ليس حكما جنائيا وإن حاز قوة الأمر المقضي به فيما يتعلق ب انقضاء الدعوى الجنائية. وهو ما نصت عليه صراحة الفقرة الأخيرة من المادة ٣٢٥ من قانون الإجراءات الجنائية المضافة بالقانون رقم ١٧٤ لسنة ١٩٩٨

وغني عن البيان أن منطوق الحكم الجنائي وحده هو الذي يحوز الحجية دون أسبابه، إلا ما كان منها دعامة لا غنى عنها لهذا المنطوق.

ويستوي في هذا الحكم الجنائي أن يكون صادرا من محكمة عادية أو خاصة. ويجب أن يكون الحكم ذا طبيعة جنائية، فلا يكفي مجرد صدوره من محكمة جنائية. والحكم الصادر من هذه المحكمة في الدعوى المدنية التبعية لا يحوز هذه الحجية الاستثنائية، وإنما يخضع للأحكام العامة لحجية الأحكام.

على أنه يعد جزءا من الحكم الجنائي كل مسألة أولية يلزم إثباتها ابتداء لتوافر الجريمة، مثال ذلك عقد الأمانة في جريمة خيانة الأمانة، وعقد الزواج في جريمة الزنا.

فما يصدر من المحكمة الجنائية فاصلا في هذه المسائل يحوز الحجية أمام القضاء المدني، طالما اعتمد عليها منطوق الحكم الجنائي، وكانت هذه المسائل تشكل وقائع يكون فصل الحكم الجنائي فيها ضروريا (المادة ٤٠٦ من القانون المدني) وهو ما سوف نبحثه تفصيلا فيما بعد ويجب أن يكون الحكم فاصلا في الموضوع، فلا تحوز الحجية الأحكام الوقتية أو التحضيرية.

وأخيرا، فإن الحكم يجب أن يكون باتا، أي غير قابل للطعن فإن رفعت الدعوى المدنية في اثناء تحريك الدعوى الجنائية وقبل صدور حكم بات فيها – وجب على المحكمة المدنية أن توقف الفصل في الدعوى المدنية حتى يصدر حكم بات في الدعوى الجنائية (انظر المادة ٢٦٥ إجراءات).

والراجح أنه إذا صدر حكم غيابي من محكمة الجنايات فإنه لا يحوز الحجية أمام القضاء المدني، لأنه عرضة للإلغاء إذا حضر المتهم أو قبض عليه ، ما لم ينل قوة الأمر المقضي به بسقوط العقوبة طبقا للمادة ٣٩٤ إجراءات، إذ تتأكد هذه الحجية بوصف أن الحكم قد صدر بالإدانة بغض النظر عن سقوط العقوبة، ذلك أن المشرع قد اعتبر سقوط العقوبة بالتقادم بمثابة استنفاد طرق الطعن فيضحى الحكم في قضائه بالإدانة باتا بمضي مدة تقادم العقوبة،

وينتج أثره القانوني بوصفه حكما بالإدانة يرتب كل الآثار القانونية لهذا الوصف، هذا بفرض أن الدعوى المدنيــة قــد لم تنقض بالتقادم أو لم تفصل فيها المحكمة المدنية .

ولذلك، فإن إيقاف الدعوى المدنية المرفوعة أمام المحكمة المدنية ينتهي بصدور هذا الحكم لأنه لا حجية له على المحكمة المدنية، وبه تسترد المحكمة المدنية سلطتها على الدعوى المدنية.

– عناصر الحكم الجنائي التي تحوز القوة

لا تتمتع جميع عناصر الحكم الجنائي بالحجية أمام القضاء المدني، وإنما يقتصر ذلك على العناصر الآتية:

– (أولا) الشيء المحكوم فيه على سبيل التأكيد

من المقرر أن الأحكام الجنائية الصادرة بالإدانة تبنى على الجزم واليقين لا على الشك والاحتمال. فإذا كان الحكم بالإدانة فإن الحجة تثبت للمنطوق، أما الأحكام الصادرة بالبراءة فإنها قد تبنى على مجرد التشكيك في ثبوت التهمة، باعتبار أن الأصل في المتهم البراءة. ولا يحوز الحكم الحجية إلا فيما الجزء الذي يكون فصله فيه مؤكدا، أي سندا للمنطوق.

فإذا كان الحكم بالبراءة وتطرق الحكم في أسبابه إلى تصورات أخرى للواقعة مثل صدورها عن قوة قاهرة أو ارتكابها بواسطة شخص آخر فإن ما تطرق إليه الحكم من ذلك لا يحوز الحجية.

ولا يحول دون اكتساب الحكم الجنائية حجيته أن تكون أسبابه مشوبة ببعض العيوب، لأن وسيلة إصلاح هذه العيوب لا تكون إلا من خلال الطعن في الحكم، فإذا أصبح باتا فلا مجال للتمسك بها، ما لم تصل هذه العيوب إلى حد اعتبار الحكم منعدما قانونا هذا إلى جانب أنه إذا تصورنا أن الحكم الذي شابه مثل هذا العيب هو حكم مدني في ذات الواقعة وبين ذات الخصوم وبناء على الأسباب نفسها فإنه لا جدال في اكتسابه الحجية أمام القضاء المدني مادام قد اكتسب قوة الأمر المقضي به .

– حكم البراءة

ثار البحث عن قيمة حكم البراءة إذا اعتمد على عدم كفاية الأدلة، فذهب البعض إلى أن هذا الحكم لا يقيد القضاء المدني. وأخذت هذا الرأي بعض أحكام القضاء المصري وخلافا لذلك اتجه فريق آخر مدعما ببعض أحكام القضاء إلى أن هذا الحكم يحوز الحجية ولا يختلف عن قيمة الحكم بالبراءة الذي يعتمد على اليقين المطلق بعدم وقوع الجريمة لا مجرد الشك في ارتكابها.

وبهذا الرأي أخذ قانون الإجراءات الجنائية المصري، فنص صراحة في المادة ٤٥٦ على أن يكون للحكم بالبراءة قوة الأمر المقضي به سواء بني على انتفاء التهمة أو عدم كفاية الأدلة.

والواقع من الأمر أن الحكم بالبراءة لعدم كفاية الأدلة لا يحول دون اعتماده على الجزم واليقين. فالشك في قيمة أدلة الاثبات يؤدي إلى تطبيق مبدأ قانوني هو الأصل في المتهم البراءة مصدر جزم المحكمة ببراءة المتهم.

وهنا يجدر التنبيه إلى أن التشكك قد يصيب عناصر الجريمة ومنها مسائل مدنية بحتة، كالملكية في دعوى السرقة والزوجية في دعوى الزنا، لكن هذه المسائل تصبح عناصر مفترضة لوقوع الجريمة، فيلحقها ما يلحق الحكم بالبراءة من حجية، مادام الفصل فيها ضروريا.

– ثانيا: الواقعة التي يكون فصل الحكم فيها ضروريا

نصت المادة ٤٠٦ من القانون المدني على أنه لا يرتبط القاضي المدني بالحكم الجنائي إلا في الوقائع التي فصل فيها هذا الحكم وكان فصله ضروريا.

وما تفصل فيه المحكمة فلا يحوز الحجية في كل ما لم تفصل فيه المحكمة الجنائية. فمثلا في دعوى السرقة، إذا دفع المتهم بملكيته للشيء المسروق فقضت المحكمة بالبراءة بناء على انتفاء القصد الجنائي، فهذا الحكم لا يجوز أية حجية أمام القضاء المدني بشأن الملكية.

ويعد من البيانات الضرورية كل ما يعد دعامة لا غنى عنها لقيام هذا الحكم، فلا يحوز الحجية التزيد الذي يستطرد إليه القاضي دون أن يكون مؤثرا في النتيجة التي انتهى إليها في منطوق حكمه.

وبناء على هذا المعيار، فإن حجية الأمر المقضي به تلحق ما يثبته القاضي بشأن الوقائع المكونة للجريمة، ونسبتها للمتهم، وتكيفها القانوني، والظروف أو الأعذار المؤثرة في هذا التكييف.

وعلى هذا نصت المادة ٤٥٦ إجراءات، على أن يكون للحكم الجنائي قوته فيما يتعلق بوقوع الجريمة وبوصفها القانوني ونسبتها إلى فاعلها.

ولا تعد واقعة ضرورية ذكر اسم المجني عليه في جريمة الضرب أو بيان شخصية المالك في دعوى السرقة، مادام هذا البيان لا دخل له في قيام الجريمة قانونا.

فيجوز لغير المجني عليه المشار إليه في الحكم الجنائي المطالبة بالتعويض أمام القضاء المدني بعد أن يثبت ما لحقه بدوره من ضرر كما يجوز للغير أن يثبت ملكيته للأشياء المسروقة.

كما لا تعد واقعة ضرورية في الحكم بالإدانة بيان قيمة الشيء المسروق، لأن هذه القيمة ليست ركنا في الجريمة، ولذا فإن عدم بيانها في الحكم الجنائي لا يعيبه لذلك فإن المحكمة المدنية لا تتقيد بما عسى أن يكون الحكم الجنائي قد أشار إليه بشأن القيمة.

وما يثبته الحكم من ظروف مخففة فإنه ليس سببا ضروريا للحكم بالإدانة وتنحصر قيمته في تقدير العقوبة، وهو ما لا شأن للقضاء المدني به. هذا بخلاف البيانات اللازمة لتقدير عنصر الضرر متى كان هذا العنصر بدوره مؤثرا في وقوع الجريمة، كالعاهة المستديمة والعجز عن الأشغال الشخصية لمدة البيانات تحوز الحجية أمام القضاء المدني.

– التكييف القانوني

تنحصر أهمية الحجية التي ينالها الحكم الجنائي بصدد التكييف القانوني، فيما إذا كان هذا التكييف مطروحا أمام القضاء المدني، كما إذا تعلـق بـه سـبب الدعوى المدنية أو تقادمها. فمثلا إذا كيف القاضي الجنائي الواقعة على أنها زنا، فيجب على المحكمة المدنية في دعوى التطليق أن تستند إلى هذا الوصف.

وإذا كيف القاضي الجنائي الواقعة على أنها جناية، فيجب على المحكمة المدنية أن تحتسب المدة المقررة لتقادم الدعوى الجنائية في الجناية حتى تقرر تقادم دعوى التعويض الناشئة عن الجريمة (المادة ١٧٢/٢ مدني).

وإذا قضت المحكمة بالبراءة لأن الفعل لا يعاقب عليه القانون، فإنه لا قيمة لما يرد هذا الحكم بشأن الوقائع المثبتة للجريمة ونسبتها إلى مرتكبها، لأن هذه البيانات ليست لازمة قانونا للحكم بالبراءة. كما أنه في هذه الحالة لا يجوز الحكم حجيته بشأن عدم العقاب على الفعل (المادة ٤٥٦ إجراءات)،

لأن ما لا يعاقب عليه قانون العقوبات قد يخضع للقانون المدني ويصلح أساسا لرفع الدعوى المدنية، مثال ذلك أنه إذا حكم ببراءة المتهم من تهمة هتك عرض صبي بلغ ثمانية عشر عاما برضائه، بناء على عدم تجريم هذا الفعل (المادة ٢٦٩ عقوبات)، فإن هذا لا يحول دون الادعاء مدنيا قبل الجاني بسبب تغريره بالمجني عليه وإلحاق الضرر به.

كما أن الإعفاء من العقاب في الحالات التي حددها القانون (مثال ذلك المادة ۱۰۷ مكررا) لا يحوز الحجية إلا في صدد هذا الإعفاء والوقائع التي بني عليها. وإذا بني عليها.

وإذا بني الحكم الجنائي بالبراءة على انتفاء الخطأ الجنائي، فإن البراءة بناء على هذا السبب لا تحوز الحجية أمام القضاء المدني ولا تحول دون مسائلة المتهم مدنيا عن خطا مدني آخر، مثال الإخلال بالتعاقد أو بناء على سبب آخر للمسئولية مثل المسئولية عن حراسة الأشياء.

وهذا ما عني قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي بإيضاحه في المادة ٤-١ منه، والتي نصت على ما مؤداه أن تخلف الخطأ الجنائي غير العمدي الذي استظهار القاضي الجنائي لا يمنع القاضي المدني من استظهار الخطأ المدني على أساس أحكام القانون المدني.

وأخيرا، فإن حكم البراءة بسبب عدم اندراج الفعل تحت نص من نصوص قانون العقوبات يحوز الحجية أمام القضاء المدني بصدد هذا التكيف، فلا يجوز للمحكمة المدنية أن تضفي على هذا الفعل وصفا آخر من أوصاف هذا القانون. 

مكتب سعد فتحي سعد للمحاماة

مكتب إستشارات قانونية، مستشار قانوني لكبري الشركات الاستثمارية، متخصص في كافة المجالات القانونية والمكتب يضم محامين ومستشارين وأساتذة جامعات .